لخّصلي

بروز أسرة آل ثاني

تنتمي أسرة آل ثاني إلى المعاضيد وهم فرع من قبيلة الوهبة الذين يعودون إلى تميم، وقد هاجروا من شبه الجزيرة
العربية في أواخر القرن السابع عشر، وفي بعض الروايات أنهم وصلوا إلى شبه جزيرة قطر في أوائل القرن الثامن عشر وقد هاجرت أسرة آل ثاني من بلدة «أشيقر» حيث حطت رحالها في واحة «جبرين» في جنوب شرق شبه جزيرة قطر، ثم
غادروها ليقيموا في «اسكاك» ثم «الرويس» فالزبارة، ثم فويرط، إلى أن استقروا في الدوحة عام 1848.
ويجمع المؤرخون على أن آل ثاني نجحوا في زعامة القبائل القطرية نتيجة مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية، مع
أنهم لم يكونوا أكبر القبائل عدداً، وأن جدهم الأكبر «ثاني» الذي ولد في الزبارة وأصبح من تجار اللؤلؤ المشهورين قد نجح في تكوين ثروةكبيرة وأحرز مكانة اجتماعية مرموقة، جعلته يأتلف القبائل القطرية، خاصة وأن أسرته عرفت بالتحضر والتطور الذي اشتهر به المعاضيد، ولابد أن «ثاني» قد ظفر لنفسه وللمعاضيد ببعض السلطة في المنطقة المجاورة للبدع، وقد أوصلت هذه المكانة ابنه «محمد ابن ثاني» الذيكان قد ولد في الفويرط، وخلفه في زعامة آل ثاني والمعاضيد، لكي يبرز إسمه في قيادة بعض القبائل القطرية التي ساعدت محمد بن خليفة في انتزاع السلطة في البحرين
(1842- 1843) وليبرز نفوذه ومكانته بين القبائل القطرية بشكل أكبر في أعقاب مقتل عيسى بن طريف.
وعندما زار الرحالة «بلجريف» قطر في يناير 1863 ذكر أنه التقى بمحمد بن ثاني «حاكم البدع الذي يعترف
به الجميع رئيساً للمنطقة كلها»، وقد وصفه بأنه داهية، يشتهر بالحكمة وبساطة السلوك الذي يدل على خفة ظله، وعنيداً عند المساومة، ورجل عملي، لديه معرفة أدبية وشعرية، وقدراً من المعرفة بالطب. كما زار بلجريف الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، ووصفه بأنه شخصية مندفعة أكثر من والده، وأن قصره يشبه القلعة، ووصف بلجريف أيضا الدوحة
بأنها قرية شمال مدينة البدع، وتقع في نصف حجمها، ورئيسها يعترف بالنفوذ لمحمد بن ثاني.
عموماً، فقد استمرت حالة النزاع بين القبائل القطرية وآل خليفة الذين اعتقدوا أن سلطتهم على قطر قد
استمدوها بالشراء من السعوديين، وأن أهل قطر ممثلين في آل ثاني أصبحوا على تحالف مع السعوديين، وقد عين آل خليفة ممثلاً لهم في قطر هو (أحمد بن محمد آل خليفة) الذي لم يكن مقبولا عند أهل قطر لشراسة طباعه وغلظته في تعامله معهم ، ومما زاد منكره اهل قطر له اعتداء رجاله عام 1866 على قافلة للنعيمكانت في سوق الوكرة تتجهز لرحلة الغوص واستولوا على أمتعتها، وكتب جاسم بن محمد آل ثاني رسالة إلى الشيخ محمد بن خليفة يشرح له فيها سوء تصرف عامله الهارب وعدمكفاءته في تصريف الأمور في قطر، وأشار عليه بعزله، وتطورت الأحداث إلى صدام مباشر دار بين شيوخ البحرين، وبين القبائل القطرية، التي تولى قيادتها محمد بن ثاني وابنه جاسم. ويلاحظ المؤرخون أن شخصية جاسم بدأت تبرز على نحو كبير باعتباره زعيماً وطنياً خلال هذه المعارك يسعى لاستقلال بلاده. وقد جهز آل خليفة في البحرين قوة بحريةكبيرة استهدفت شن حملة على قطر، وقد عاونهم حاكم أبو ظبي بقوةكبيرة، وبدأ الهجوم على الوكرة والدوحة في أكتوبر 1867، حيث دخلت القوات المتحاربة الدوحة وخربوها وشردوا أهلها،كما نهبوا ما تبقىفيالمدينةبعدرحيلالكثيرمنسكانهاتاركينبيوتهموأموالهم.غيرأنالقطريينلميلبثواأنجمعواصفوفهم،واستعدوا بعد انتهاء موسم الغوص، للانتقام وإطلاق سراح زعيمهم جاسم بن محمد، وبالفعل بدأوا هجوماًكبيراً على البحرين في
يونيو 1868، حيث التقى جيشهم بجيش آل خليفة في معركة «دامسه» ولم يستطع القطريون التقدم، بل إنهم آثروا التقهقر إلى قطر في خطة لاستدراج أسطول آل خليفة وبالفعل نجحت خطة القطريين ونجحوا تحقيق انتصار على قوات آل خليفة.
ولماكان آل خليفة قد تعهدوا لبريطانيا عام 1861 بالحفاظ على السلام في البحر، لذلك فإن هجومهم
البحري على قطر، وبمساعدة أبو ظبي، اعتبر في نظر السلطات البريطانية في الخليج خرقاً للمعاهدة وتحدياً لهيبة ونفوذ بريطانيا، لذلك طلب المقيم السياسي «لويس بيللي» قوة من حكومة الهند مع تفويضكامل باتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع حاكمي البحرين وأبو ظبي، وتقرر فرض عقوبة مالية على شيخ أبو ظبي تعويضاً عن الخسائر التي لحقت بقطر والاعتذار عن عمله هذه والتعهد بمسلك أفضل في المستقبل. أما البحرين فقدكان موقف المقيم منها أكثر تشدداً، باعتبارها مصدر هذه المشاكل، ولماكان الشيخ محمد بن خليفة قد فَّر خارج البحرين على إثر التحرك البريطاني، فقد وقع «بيللي» مع شقيقه الشيخ علي بن خليفة تعهداً بدفع غرامة كبيرة وأن يحافظ على السلم في البحر، كما تقرر أن يتولى السلطة في البحرين، بدلاً من أخيه الذي لم يعد أهلاً للحكم، وتعهد الشيخ علي كذلك بتسليمه إلى السلطات
البريطانية،كما تقرر تسليم السفن الحربية التي يملكها آل خليفة للقائد البريطاني الذي تولى إحراقها.
وتقدم بيللي بسفن الأسطول البريطاني إلى سواحل قطر فوصل إلى الوكرة في أوائل سبتمبر 1868 واجتمع هناك بكبار شيوخ قطر وعلى رأسهم الشيخ محمد بن ثاني، وأظهر استياءه من حملتهم التي شنوها على جزر البحرين، وذكرأنحكومةبلادهتتفهممبرراتهمكونهاحملةانتقامية،وأنهاتعتبرذلكسبباًيهدئالاضطراب،ثموقعبيلليمعاهدة
مع الشيخ محمد بن ثاني في 12 سبتمبر 1868، نصت على:

1. أن يقيم محمد ابن ثاني في سلام في الدوحة (التيكان قد غادرها إلى داخل شبه الجزيرة القطرية خلال المعارك) 2. ألايقوممحمدبنثانيبأيأعمالعدوانيةفيالبحر 3. أن يحتكم محمد بن ثاني إلى المقيم البريطاني في أي نزاع، وإذا ما اختلفا بأي شأن يتعلق بدفع الأموال أو غيرها،
   فإنه لابد أن يحتكم إلى المقيم السياسي البريطاني بهذا الشأن. وألحق بالاتفاقية ملحقا تضمن تعهدا من الشيخ محمد بن ثاني وشيوخ القبائل القطرية بجمع مبلغا سنويا يدفع بواسطة المقيم السياسي البريطاني مقابل تامين الحماية لقطر.
   ومن أبرز دلالات اتفاقية السلم البحري الموقعة بين قطر وبريطانيا في 12 سبتمبر 1868م: 1. تندرج الاتفاقية ضمن سلسلة اتفاقيات السلم العام والهدنة البحرية التي وقعتها الحكومة البريطانية مع مشيخات
   الخليج العربي واتخذت منها مدخلاً لزيادة نفوذها على المنطقة طوال أكثر من قرن ونصف


2. أصبحت قطر إمارة مستقلة، غير خاضعة لأي سلطة من جانب جيرانها. 3. ترتب على توقيع الاتفاقية اعترافا ببداية حكم أسرة آل ثاني باعتبارهم حكاما لقطر وإعلانا رسميا ببداية مسيرة
   حكمهم. 4. مثلت الاتفاقية بحسب رأي الكثير من المؤرخين بداية لتاريخ قطر الحديثكإمارة مستقلة مثل امارات الخليج العربي.


3. مثلت الاتفاقية بداية لدخول قطر في علاقات تعاهديه مع بريطانياكطرف خارج