لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

إن العلاقات بين المغرب وافريقيا جد وطيدة منذ التاريخ كما سبق وأن رأينا، وتشهد هذه العلاقات تطورا كبيرا، ويبرز ذلك جليا في الدور المحوري الذي يقوم به المغرب خاصة في الوساطة الدبلوماسية والسياسية بين الدول الافريقية التي تشهد نزاعات وتعد من البؤر الملتهبة، وانتماء المغرب للقارة الافريقية ليس جغرافيا فقط بل يمتد هذا الى أكثر من ذللك بل هو حلقة وصل بين غرب افريقيا(السودان الغربي) والدول الأخرى وهذا الانتماء عريق وحضاري اذا تلعب المغرب فيه دور ريادي وقيادي خصوصا منطقة غرب افريقيا.إن العوامل السياسية الخارجية المغربية اتجاه افريقيا قائمة على البعد الجيوسياسي والدبلوماسي ثم البعد الاقتصادي، وصولا الى ابعاد اخرى، اذ ظهرت في الافق تحولات محورية جذرية في الساحة الدولية عموما والافريقية خصوصا مست السياسة الخارجية للمملكة المغربية خصوصا في مقاربة عدد من الملفات في القارة الافريقية، شكلت هذه التحولات عاملا أساسيا في عودة المغرب الى منظمة الاتحاد الافريقي بعد غياب دام قرابة 33 سنة.كما أن الموقع الجغرافي المغربي المتميز قد حتم عليه في سياسته الخارجية أن يكون فاعلا ومتفاعلا مع القضايا الإفريقية، الشيئ الذي دفع بالمغرب للتوجه نحو الدول الإفريقية، فالمغرب فعال دائما على المستوى المغاربي العربي في الشؤون الإفريقية رغم أنه انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية "الإتحاد الإفريقي" فالمغرب لا يزال يشارك في تنمية الاقتصاد الإقليمي فإفريقيا بالنسبة له تمثل أولوية من أولويات الدبلوماسية المغربية، فهي تنطوي على فرص اقتصادية وسياسية بقدر ما تنطوي على عوامل تهديد " الاتجار بالمخدرات، الشبكات الإرهابية العابرة للحدود مع تدفقات الهجرة ." مما احتيج معه لعقد اتفاقيات مع هذه الدول لتفادي انتقال هذه الأدواء للمملكة المغربية، ناهيك عن الانقسامات الإفريقية فيما يخص مواقفها بشأن قضية الصحراء الغربية التي تضعف تموقع المغرب في هذه المجموعة الإقليمية .إن أسس السياسة الخارجية للبلاد أصبحت تستند إلى مقتضيات الدستور الجديد الذي حدد في ديباجته أولوياتها وجعل في مقدمتها دائرة الجوار المغاربي والعربي والإسلامي والإفريقي، كما تستلهم هذه السياسة تصوراتها من التوجيهات الملكية السامية، ومن العزم الأكيد الاستفادة من الديناميكية الجديدة بسبب التحولات الإقليمية المؤثرة في المشهد السياسي على الصعيد الإقليمي ، ومن هنا فإن أهمية الموضوع تتمثل في إبراز العوامل التاريخية والجيوسياسية في صياغة توجه صانع القرار السياسي الخارجي المغربي نحو إفريقيا.و إذا كانت العلاقات المغربية الإفريقية تبدو في ظاهرها ذات ملمح اقتصادي إلا أنها سياسية في عمقها، فالمعرب يبدو في طليعة الدول المشاركة في عمليات حفظ السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي، وفي أكثر من مرة يتدخل في الدول الإفريقية، وفي تحركاتها الدبلوماسية خاصة خلال ترأسه مجلس الأمن الدولي سنة 2012-2013 من أجل الحفاظ على وحدة مالي وسلامة أراضيه من تهديد المجموعات الإرهابية .فما هي هذه العوامل التي تدفع المملكة المغربية لتقوية علاقاته السياسية والدبلوماسية مع الدول الإفريقية؟
إن الحديث عن هذه العوامل في السياق التاريخي يقتضي الرجوع إلى الماضي للبحث عن نشأة هذه العوامل وبذرتها في مختلف المراحل التي مر منها المغرب في الحقبة المعاصرة.فبعد حصول المغرب على الاستقلال ورجوع الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وجد المغرب نفسه في وضعية صعبة للتكيف مع المطالب التي وضعتها الحكومة الفرنسية كشرط للشروع في مفاوضات مباشرة، والتي تمثلت في إيقاف العمليات العسكرية لجيش التحرير المغربي ونزع سلاحه وتكوين حكومة وطنية تتولى مسؤولية حفظ الأمن وحماية الأجانب وممتلكاتهم، كان الغرض من وراء هذه الشروط هو إيقاف عمليات جيش التحرير وحركات المقاومة وإيقاف الدعم المغربي للثورة الجزائرية وللجالية الجزائرية المقيمة في المغرب والتي تحظى بعطف الشعب المغربي وعلى كل المستويات والأصعدة ، كان على الملك محمد الخامس ان يعالج بكل حنكة وتبصر دبلوماسي هذا الملف المعقد والشائك أي كيف له أن يوفق بين مطلب فرنسا في نزع سلاح جيش التحرير المغربي في المقابل هو بأمس الحاجة لمساعدته في بناء الدولة المغربية حديثة النشأة، ومن جهة ثانية كيف له أن يحتفظ بهذه القوة الوطنية الموالية للعرش والتلويح بما عند الضرورة كقوة سياسية وعسكرية ضاغطة في المفاوضات مع فرنسا، مما يعني الاستمرار في دعم ومساندة الثورة الجزائرية وأخيرا كيف يحافظ على مكانته وسمعته التي بدأت تتعزز وطنيا وجهويا وقاريا بعد عودته من المنفى .بنفي محمد الخامس خارج البلاد حدثت نقطة تحول هامة في صراع الشعب المغربي للحصول على استقلاله وفي الحقيقة لم يكن المغاربة جميعا ومن بينهم سكان وادي زم، يتصورون أبدا إمكانية قيام السلطات الفرنسية بنفي الملك محمد الخامس إلى الخارج، لكن بعد تنفيذ العملية ساد صمت رهيب في البلد ،فالعمل الذي قامت ب فرنسا أدى إلى إقفال باب التفاهم والحوار السياسي معها في المقابل تم فتح باب جديد هو باب العنف والثورة المسلحة والحركة التحريرية، التي تتخذ من القتل والحرق والتخريب الوسائل الكفيلة بتحقيق مطالبها،كل الحسابات خاصة بعد أحداث 20 أوت 1955 بوادي زم التي حققت كل أهدافها بنجاح كبير، فيكفي القول بأنها قد كذبت الإدعاءات الفرنسية التي كانت تعتبر سكان البادية مضادين لسيدي محمد بن يوسف ، لقد جعلت انتفاضة وادي زم السابقة الذكر الحكومة الفرنسية أمام سياسة الأمر الواقع وأرغمتها على تغيير مواقفها إزاء القضية المغربية ككل، وبات واضحا باستمرار أن التواجد الفرنسي بالمغرب لا يمكن أن يطول لأن ذلك يتطلب إمكانيات عسكرية ومادية ضخمة للوقوف في وجه كل انتفاضة محتملة، وبهذه الأحداث أخرجت القضية المغربية من الجمود وانطلقت نحو الحسم النهائي فيها، أمام هذا الوضع كان تراجع فرنسا في المغرب يتمثل قبل كل شيء في عودة الملك محمد الخامس الى ببلاده، وإن كانت فرنسا ستحاول وضع صمامات الأمان اللازمة لكي تمنع من تحديد المغرب بعد عودة محمد الخامس إليه لسلطتها ونفوذها في شمال إفريقيا فبدأت العملية بتصريحات جرانفال ثم تصريحات من التهامي الجلاوي أعلن عن مشاركته للمغتربة بعودة محمد الخامس الى سدة الحكم ،إذ يعتبر هذا انتصار كبير للملك وللحركة الوطنية في حد ذاتها، فجاءت فرنسا بمحمد الخامس في مدينة نيس الفرنسية والهدف من ذلك التفاهم معه في أمر عودته للبلاد واعتلاء سدة الحكم، بدأت المحادثات في سان كلو والواقع أن محمد الخامس لم يصر كثيرا على التفصيلات لأنه كان يعلم أن فرنسا تحاول الاحتفاظ بماء وجهها وشارك في هذه المفاوضات عدد من الساسة المغاربة ومن رجال الاستقلال لينتهي الأمر بإصدار تصريح لاسيل كلو في 6 نوفمبر 1955، منح فيه مجلس الوصاية كامل السلطة والصلاحيات لإدارة شؤون البلاد وتأليف مجلس وزراء يمثل جميع الاتجاهات السياسية والاجتماعية للبلاد وينص على استئناف المفاوضات مع فرنسا لتحديد علاقة المغرب كدولة مستقلة مرتبطة في تكامل مع فرنسا ومربوطة بها داخل نطاق التعاون المتبادل، أو بما يسمى بالاستقلال داخل حدود التكامل وأخيرا نص على إقامة ملكية دستورية حسب رغبة محمد الخامس نفسه وكان استقبال الملك المنفي محمد الخامس في بلاده استقبال شعبي منقطع النظير بل كان عاملا فعالا في تطور الأوضاع والعلاقات بين القوى الموجودة في المغرب ، لكن عملية بناء الدولة المغربية الحديثة كانت تلقى عليها بمسؤوليات جديدة وخاصة في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه العلاقات المغربية، قد استقرت بباقي دول العالم، وهكذا أصبح المغرب بقيادة الملك محمد الخامس دولة مستقلة ذات سيادة ومن هذا المنطلق أصبح عليه مشكلاته مع الدولة صاحبة الحماية القديمة ويتعامل مع الدول المجاورة والمكافحة من أجل استقلالها وبالتالي كانت مرحلة جديدة في تاريخ البلاد .وخلال هذه المرحلة لم يكن الملك الراحل محمد الخامس له اهتمام كبير بالعلاقات المغربية الإفريقية نظرا للظرفية التي كانت تمر بها المملكة، ولعل أكبر هذه المشاكل هي التخلص من آثار الاستعمار واستكمال وحدته الترابية، ونفس الشيئ بالنسبة لحكم الملك الراحل الحسن الثاني.ولكن في حقبة الملك محمد السادس بدأت الأضواء تسلط على العلاقات المغربية الإفريقية، خاصة وأنها تشترك في عوامل القرب الحدودي، حيث تنبه المغرب خلال هذه المرحلة إلى عدم جدوى سياسته السابقة بعد دخوله في معترك شبه العزلة الإفريقية ، الأمر الذي دفعه إلى نهج سياسة جديدة فيما يخص علاقاته مع الدول الإفريقية على وجه الخصوص باعتماد مقاربة خاصة تتجاوز مخلفات المرحلة السابقة، التي غذاها الصراع بين المعسكرين الليبرالي والاشتراكي وتقوم على بعد واحد مصلحي لكن ليس ارتكازا على المعطيات السياسية وحدها، بل أن تشمل الجانب الاقتصادي عموما والتجاري على وجه الخصوص كآلية جديدة لفتح الأبواب الإفريقية أمام الدبلوماسية المغربية ، فالمغرب يحرص كل الحرص على تمتين العلاقات مع دول الجوار وضمن هذا الإطار يقول الملك محمد السادس:" أما علاقتنا مع العمق الإفريقي الذي يشكل مجالا لفرص واعدة فإننا حريصون على نهج مقاربة متجددة قائمة على التضامن ومبنية على تعزيز الأمن والاستقرار خاصة في منطقة الساحل والصحراء فضلا عن خلق شروط التنمية البشرية تسهم في النهوض بالقطاعات الاقتصادية في الدول الإفريقية طبقا لأهداف الألفية للتنمية " ، فمن خلال هذا الخطاب يتضح لنا بأن العامل الأساسي التي يدفع المغرب للتمسك بالعلاقات الإفريقية يعود لأسباب أمنية-اقتصادية، فالقارة الإفريقية تمثل مجالا خصبا للإستثمار كما سبق وأن بيناه سابقا، إضافة إلى ذلك هذه الرؤية من زاوية المغرب تعد علاقات تمنين بالقارة ومن بين الأولويات الأساسية خاصة في ظل تزايد الحضور العالمي بالمنطقة منها الصين، كما أن المغرب يسعى لتقوية علاقاته مع الدول الإفريقية للحد من أخطار الإرهاب والتقليل من تصاعد موجات الصراعات المسلحة وظهور بوادر البلقنة السياسية في المنطقة، فالمتتبع لمسار السياسة الخارجية المغربية يجد أن العلاقات التي تربط المغرب بالدول الإفريقية ترجع في ظاهرها إلى عوامل اقتصادية ، إلا إنها في العمق ذات طابع سياسي إذ يبدو المغرب في طليعة الدول المشاركة في عمليات حفظ السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي ببعض الدول الإفريقية، وفي غالب الأحيان يتدخل المغرب للدفاع عن الشرعية السياسية كما حدث في غينيا، ومما لا شك فيه أن وزن الدولة في مجال الجيوبوليتيك يتحدد وفق ما تملكه من قوة اقتصادية ودبلوماسية .وكما سبقت الإشارة فإنه من بين العوامل الأساسية التي تدفع المغرب للتوجه نحو إفريقيا هي عوامل أمنية، فمنطقة الساحل الإفريقي لها معنى جيوسياسي يأخذ بعين الاعتبار كل الدول التي تشكل الحزام الحدودي للصحراء الكبرى أي بإضافة دول الشمال الإفريقي خصوصا دول المغرب العربي، فالمنطقة تحتوي على عدة أزمات :كأزمة الطوارق،و البعض الآخر ناتج عن فشل الدولة وضعفها إذ تعد المنطقة فضاء خصب للجريمة المنظمة العابرة للحدود بمختلف أشكالها منها ترويج المخدرات، الأمر الذي جعل المنطقة مصدرا لتهديدات أمنية إقليمية ودولية، تتفاوت فيما بينها حسب درجة الخطورة، وقد نبه المغرب إلى أن المنطقة على وشك التحول إلى أفغانستان جديدة ويعتبر ما يجري فيها تهديدا للأمن القومي المغربي خصوصا وان منطقة الساحل الإفريقي بها دول مجاورة للمغرب كموريتانيا مثلا ، كل ذلك حول المنطقة إلى بؤرة تحدد السلم والأمن الدوليين لكن حل هذه المعضلة يتطلب بالموازاة مع الحل العسكري وضع استراتيجيات شاملة للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية مع هذه الدول المجاورة للحدود المغربية، وفي المقابل تأهيل مؤسسات دول الساحل إذ أن ثورات الربيع العربي في كل من تونس، إلى جانب الأوضاع السياسية المتقلبة للدول الإفريقية خلال العقود الأخيرة قد جعلت من المغرب يراقب الوضع دون أن يتخذ مواقف واضحة خشية انتقال عدوى هذه الحراكات السياسية، لذلك بادر إلى اتخاذ جملة من التدابير اللازمة كانت تصب أغلبها في قالب الإصلاحات السياسية، وأهم هذه الإصلاحات تجلت بشكل واضح في التوجه المكثف للملكة اتجاه الدول الإفريقية والعمل على تمتين الروابط بهذه الدول، والعوامل الإستراتيجية السياسية المغربية تجاه إفريقيا استدفت بالأساس بعض القضايا المصيرية في سيرورة النظام السياسي المغربي ، كملف الصحراء الذي يعتبر من أعقد الملفات السياسية ضبابية نظرا إلى التعقيدات والخلافات البينية التي ارتبطت بها، فمنذ أن تناولت الأمم المتحدة هذه القضية في السبعينات ورغم جهودها الدؤوبة والمستمرة لحل مشكلة الصحراء إلا أنها باءت بالفشل حيث تعددت قرارات مجلس الأمن بشأن الخيارات المطروحة والتي تمثلت في في خيار الاستفتاء وخيار التقسيم في حين أن الشعب الصحراوي يقبل فقط بقيام جمهورية صحراوية عربية ديمقراطية والاعتراف بسيادتها في الوقت ذاته المغرب يعلن عن خطة بديلة إعطاء المغرب الحكم الذاتي لكن تحت الوصاية المغربية وهذا ما يرفضه الشعب الصحراوي، علاوة على ذلك التوتر القائم بين الجزائر والمغرب بشأن الملف الصحراوي يبعد كل الشراكات الأمنية الممكنة نظرا لغياب الثقة بينهما على الرغم من تصريحات الخارجية المغربية والجزائرية بأن النشاطات الإرهابية في المنطقة المغاربية يشكل تهديدا كبيرا للأمن والاستقرار، وهكذا بات مشكل الصحراء يجعل من فرض تصور محدد ومشترك حول التحديات الأمنية للمنطقة أمر مستبعد جدا .ويمكن قراءة التحرك المغربي ضمن أجندة الصراع الخفي والمعلن بين البلدين فقد ردت الجزائر مباشرة بعد لقاء القادة الجدد في مالي وتوقيع بعض الاتفاقيات الأمنية والعسكرية وأثبتت الجزائر أن رؤيتها تقوم على النهج السياسي الوقائي مع ضرورة إيجاد البديل الاقتصادي والاجتماعي لقضية الصحراء، غير أن هذا التوجه السياسي لم يكن كافيا لحل المشكل بين البلدين، لذلك فإن المغرب قد عمد إلى التوجه للدول الإفريقية وربط العلاقات بها المبنية على المصالح الاقتصادية والمنافع المتبادلة سعيا منه للنفع الأكبر وهو انتزاع الاعتراف منها بقضية الصحراء لصالح المغرب .أما القضية الثانية التي دفعت المغرب إلى التوجه للدول الإفريقية هو أن علاقاته بالدول المجاورة له كالجزائر وموريتانيا غير مستقرة، حيث إن الحدود مع هذه الدول استمر اغلاقها منذ 1994، وهذا يستبعد كل فرضيات التعاون والشراكة الأمنية ويفتح المجال لتبادل الاتهامات حول انفلات المراقبة والإنزلاقات الأمنية وهو ما جسده الوضع حاليا ، بينما يحتاج المغرب للنهوض بهذه المجالات وتبادل الخبرات، ولكي لا يفوت المغرب على نفسه الفصرة فقد للتوجه نحو الدول الافريقية، حيث قام بإبرام أزيد من 500 اتفاقية للتعاون مع هذه البلدان شملت مختلف المجالات والقطاعات السياسية، الثقافية والدينية إلى جانب اتفاقيات متعددة الأطراف تشكل بدورها آلية متجددة تمكن هذه الدول من الاستفادة من الخبرة المغربية في مجال التقنيات وكذا من تمويلات ثنائية ومتعددة .ان هذه الأوضاع والمواقف لدول الجوار إلى جانب التطورات الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء كلها عوامل تمنح المغرب دور جديد، وهو ما يفسر طلب الرئيس المالي ملك المغرب أداء دور في هذه المرحلة التاريخية الجد مهمة، والمغرب بدوره تعامل مع القضية المالية بنظرة واقعية مبنية على معرفة عميقة بالنسيج السياسي والإثني والثقافي والمالي والأزوادي، كجزء لا يتجزأ منه وعليه فكل إقصاء للحركة الأزوادية والتركيز فقط على دعم الحكومة المالية وحده لا يمكن أن يعطي نتائج إيجابية لا سيما فيما يخص وحدة مالي الترابية وسلامتها واستقرارها مستقبلا وهذا ما لا يريد المغرب والمجتمع الدولي الوصول اليه ، ومما يؤكد صحة هذا الطرح هو أن المغرب نهج سياسة القطيعة مع البلدان الإفريقية التي تعترف بجبهة البوليساريو ليتبين فيما بعد أن توجهه هذا عمق من عزلته الدبلوماسية والاقتصادية فدفعه ذلك إلى مراجعة علاقاته السياسية مع إعادة برمجتها وفقا لما يتماشى مع مصالحه، في المقابل ضرورة التشديد على الأبعاد الدينية والأمنية والعسكرية، مستفيدا من الدعم الغربي ومساندة الأنظمة العربية المعتدلة من قبيل دول مجلس التعاون الخليجي، من جهة أخرى مثل الحور الاقتصادي أبرز المحاور الغائبة في أجندة السياسة الخارجية المغربية وهو ما جعل النظام الحالي المغربي يتنبه لأهمية الجانب الاقتصادي لكسب رهانات التنمية بالقارة الإفريقية وتوظيف ذلك في صراعه الجيوستراتيجي ضد خصومه السياسيين .ومن بين العوامل أيضا التي دفعت المغرب للعمل على تحسين علاقاته بالدول الأفريقية والانفتاح عليها والتي لها صلة غير مباشرة بالقضية الأولى، هي كون المغرب يتمتع بالعضوية في منظمة الاتحاد الافريقي، وتحسين العلاقات مع دول الاتحاد مما تفرضه عليه مكانته داخل الاتحاد، فقبل نحو ثلاث وثلاثين سنة انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية احتجاجا على اعترافها بما سمي في حينه الجمهورية العربية الصحراوية، لقد جرت مياه كثيرة من أمامها وخلفها استدعت حلها وإعادة صياغة ميثاقها من جديد وتغيير اسمها ليصبح الإتحاد الإفريقي ، لذا قرر المغرب العودة إلى مقعده الشاغر في الاتحاد الإفريقي وقد جاء ذلك إثر جهود الوساطة التي قام بها الرئيس الإيفواري الحسن درمان أواتارا بين الملك محمد السادس والإتحاد الإفريقي، وتزامنت التحركات السياسية والجهود الدبلوماسية الرامية لترتيبات العودة المغربية للحضن الإفريقي في أكثر من عاصمة إفريقية مع لقاءات مكثفة مع ممثلي البعثات الإفريقية ، فالمغرب يرى أن انسحابه من الاتحاد الإفريقي سيقوي من موقف جبهة البوليزاريو بالصحراء الغربية كدولة إفريقية ظاهرة على الموقع الجغرافي للقارة الإفريقية ، فكما وجدت ظروف حتمت على المغرب الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية فإن هناك أيضا ظروف إستعجالية استدعت انضمامه للإتحاد الإفريقي، من بين هذه العوامل :
- لم تعد موازين القوى السائدة قبل ثلاث عقود في القارة الإفريقية هي القائمة اليوم أو بالأحرى هي الناظمة لعلاقات بلدان إفريقيا فيما بينها وبالتالي تراجع الإيديولوجيات
- لم تعد الحسابات الجيوسياسية التي كانت قائمة آنذاك هي المتحكم في علاقات البلدان الإفريقية ببعضها البعض، لقد بات البعد الاقتصادي والتجاري أهم الأبعاد الكبرى التي تؤثث توجه العلاقات أي أن هذه الإكراهات الاقتصادية باتت ضمن المحددات الكبرى لتوجهات هذه الدولة .- لقد طالت القارة الإفريقية ظواهر ومستجدات لم تكن ضاغطة من قبل بنفس الوزن والقوة اذ دفعت تيارات الهجرة العابرة للحدود مد الحركات الإرهابية تحديدا بالعديد من الدول لبحث عن حلفاء جدد إذ لم يكن لإيقاف ذات الظواهر فعلى الأقل للحد من مفعولها وتأثيراتها أنما باتت بحق مرض القارة الذي يهدد وحدة بلداتها الداخلية.- تحسين العلاقات السياسية بالدول الإفريقية لتوظيفها كورقة رابحة فيما بعد في حل مشكل الصحراء.تلك كلها عناصر جوهرية أدت إلى تعجيل انضمام المغرب للمنتظم الإفريقي الجديد، وقام الملك محمد السادس بالاستناد بالبعد الاقتصادي والاستثماري في كل جولاته الإفريقية قبل ان يضع ملف المغرب للانضمام للاتحاد، لقد كان يدرك تماما أن الاقتصاد هو مفتاح التأثير في الدول الإفريقية، وان ما تقوم به الآلية الاقتصادية ستجنيه لا محالة الخانة السياسية مستقبلا،الصناع.لقد كانت عودة المغرب للإتحاد الإفريقي يمكن أن تشكل مكسبا للاتحاد الإفريقي الذي يسعى للاستقلالية المالية لكن هذه العودة لا تزال تثير انقسام في الاتحاد الإفريقي إذ أن الجزائر وجنوب إفريقيا يدعمان كفاح جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية وتتحفظان وتعارضان عودة المغرب للاتحاد، لكن المغرب نجح بدبلوماسيته النشطة في استقطاب أكثر من أربعين دولة أعلنوا دعمهم غير المشروط بعودته للحاضنة الإفريقية، إلا أن وجود الخصوم للمغرب داخل المنظمة الإفريقية وعلى رأسهم الجزائر يجعل من العودة المغربية محفوفة بالصعوبات شد وجذب،


النص الأصلي

إن العلاقات بين المغرب وافريقيا جد وطيدة منذ التاريخ كما سبق وأن رأينا، وتشهد هذه العلاقات تطورا كبيرا، ويبرز ذلك جليا في الدور المحوري الذي يقوم به المغرب خاصة في الوساطة الدبلوماسية والسياسية بين الدول الافريقية التي تشهد نزاعات وتعد من البؤر الملتهبة، وانتماء المغرب للقارة الافريقية ليس جغرافيا فقط بل يمتد هذا الى أكثر من ذللك بل هو حلقة وصل بين غرب افريقيا(السودان الغربي) والدول الأخرى وهذا الانتماء عريق وحضاري اذا تلعب المغرب فيه دور ريادي وقيادي خصوصا منطقة غرب افريقيا.
إن العوامل السياسية الخارجية المغربية اتجاه افريقيا قائمة على البعد الجيوسياسي والدبلوماسي ثم البعد الاقتصادي، فالبعد العسكري والامني، وصولا الى ابعاد اخرى، اذ ظهرت في الافق تحولات محورية جذرية في الساحة الدولية عموما والافريقية خصوصا مست السياسة الخارجية للمملكة المغربية خصوصا في مقاربة عدد من الملفات في القارة الافريقية، شكلت هذه التحولات عاملا أساسيا في عودة المغرب الى منظمة الاتحاد الافريقي بعد غياب دام قرابة 33 سنة.
كما أن الموقع الجغرافي المغربي المتميز قد حتم عليه في سياسته الخارجية أن يكون فاعلا ومتفاعلا مع القضايا الإفريقية، الشيئ الذي دفع بالمغرب للتوجه نحو الدول الإفريقية، فالمغرب فعال دائما على المستوى المغاربي العربي في الشؤون الإفريقية رغم أنه انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية "الإتحاد الإفريقي" فالمغرب لا يزال يشارك في تنمية الاقتصاد الإقليمي فإفريقيا بالنسبة له تمثل أولوية من أولويات الدبلوماسية المغربية، فهي تنطوي على فرص اقتصادية وسياسية بقدر ما تنطوي على عوامل تهديد " الاتجار بالمخدرات، الشبكات الإرهابية العابرة للحدود مع تدفقات الهجرة ..." مما احتيج معه لعقد اتفاقيات مع هذه الدول لتفادي انتقال هذه الأدواء للمملكة المغربية، ناهيك عن الانقسامات الإفريقية فيما يخص مواقفها بشأن قضية الصحراء الغربية التي تضعف تموقع المغرب في هذه المجموعة الإقليمية .
إن أسس السياسة الخارجية للبلاد أصبحت تستند إلى مقتضيات الدستور الجديد الذي حدد في ديباجته أولوياتها وجعل في مقدمتها دائرة الجوار المغاربي والعربي والإسلامي والإفريقي، كما تستلهم هذه السياسة تصوراتها من التوجيهات الملكية السامية، ومن العزم الأكيد الاستفادة من الديناميكية الجديدة بسبب التحولات الإقليمية المؤثرة في المشهد السياسي على الصعيد الإقليمي ، ومن هنا فإن أهمية الموضوع تتمثل في إبراز العوامل التاريخية والجيوسياسية في صياغة توجه صانع القرار السياسي الخارجي المغربي نحو إفريقيا.
و إذا كانت العلاقات المغربية الإفريقية تبدو في ظاهرها ذات ملمح اقتصادي إلا أنها سياسية في عمقها، فالمعرب يبدو في طليعة الدول المشاركة في عمليات حفظ السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي، وفي أكثر من مرة يتدخل في الدول الإفريقية، وفي تحركاتها الدبلوماسية خاصة خلال ترأسه مجلس الأمن الدولي سنة 2012-2013 من أجل الحفاظ على وحدة مالي وسلامة أراضيه من تهديد المجموعات الإرهابية .
فما هي هذه العوامل التي تدفع المملكة المغربية لتقوية علاقاته السياسية والدبلوماسية مع الدول الإفريقية؟
إن الحديث عن هذه العوامل في السياق التاريخي يقتضي الرجوع إلى الماضي للبحث عن نشأة هذه العوامل وبذرتها في مختلف المراحل التي مر منها المغرب في الحقبة المعاصرة.
فبعد حصول المغرب على الاستقلال ورجوع الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وجد المغرب نفسه في وضعية صعبة للتكيف مع المطالب التي وضعتها الحكومة الفرنسية كشرط للشروع في مفاوضات مباشرة، والتي تمثلت في إيقاف العمليات العسكرية لجيش التحرير المغربي ونزع سلاحه وتكوين حكومة وطنية تتولى مسؤولية حفظ الأمن وحماية الأجانب وممتلكاتهم، كان الغرض من وراء هذه الشروط هو إيقاف عمليات جيش التحرير وحركات المقاومة وإيقاف الدعم المغربي للثورة الجزائرية وللجالية الجزائرية المقيمة في المغرب والتي تحظى بعطف الشعب المغربي وعلى كل المستويات والأصعدة ، كان على الملك محمد الخامس ان يعالج بكل حنكة وتبصر دبلوماسي هذا الملف المعقد والشائك أي كيف له أن يوفق بين مطلب فرنسا في نزع سلاح جيش التحرير المغربي في المقابل هو بأمس الحاجة لمساعدته في بناء الدولة المغربية حديثة النشأة، ولحماية عرشه عند الضرورة، ومن جهة ثانية كيف له أن يحتفظ بهذه القوة الوطنية الموالية للعرش والتلويح بما عند الضرورة كقوة سياسية وعسكرية ضاغطة في المفاوضات مع فرنسا، مما يعني الاستمرار في دعم ومساندة الثورة الجزائرية وأخيرا كيف يحافظ على مكانته وسمعته التي بدأت تتعزز وطنيا وجهويا وقاريا بعد عودته من المنفى .
بنفي محمد الخامس خارج البلاد حدثت نقطة تحول هامة في صراع الشعب المغربي للحصول على استقلاله وفي الحقيقة لم يكن المغاربة جميعا ومن بينهم سكان وادي زم، يتصورون أبدا إمكانية قيام السلطات الفرنسية بنفي الملك محمد الخامس إلى الخارج، لكن بعد تنفيذ العملية ساد صمت رهيب في البلد ،فالعمل الذي قامت ب فرنسا أدى إلى إقفال باب التفاهم والحوار السياسي معها في المقابل تم فتح باب جديد هو باب العنف والثورة المسلحة والحركة التحريرية، التي تتخذ من القتل والحرق والتخريب الوسائل الكفيلة بتحقيق مطالبها، فانقلبت
كل الحسابات خاصة بعد أحداث 20 أوت 1955 بوادي زم التي حققت كل أهدافها بنجاح كبير، فيكفي القول بأنها قد كذبت الإدعاءات الفرنسية التي كانت تعتبر سكان البادية مضادين لسيدي محمد بن يوسف ، لقد جعلت انتفاضة وادي زم السابقة الذكر الحكومة الفرنسية أمام سياسة الأمر الواقع وأرغمتها على تغيير مواقفها إزاء القضية المغربية ككل، وبات واضحا باستمرار أن التواجد الفرنسي بالمغرب لا يمكن أن يطول لأن ذلك يتطلب إمكانيات عسكرية ومادية ضخمة للوقوف في وجه كل انتفاضة محتملة، وبهذه الأحداث أخرجت القضية المغربية من الجمود وانطلقت نحو الحسم النهائي فيها، أمام هذا الوضع كان تراجع فرنسا في المغرب يتمثل قبل كل شيء في عودة الملك محمد الخامس الى ببلاده، وإن كانت فرنسا ستحاول وضع صمامات الأمان اللازمة لكي تمنع من تحديد المغرب بعد عودة محمد الخامس إليه لسلطتها ونفوذها في شمال إفريقيا فبدأت العملية بتصريحات جرانفال ثم تصريحات من التهامي الجلاوي أعلن عن مشاركته للمغتربة بعودة محمد الخامس الى سدة الحكم ،إذ يعتبر هذا انتصار كبير للملك وللحركة الوطنية في حد ذاتها، فجاءت فرنسا بمحمد الخامس في مدينة نيس الفرنسية والهدف من ذلك التفاهم معه في أمر عودته للبلاد واعتلاء سدة الحكم، بدأت المحادثات في سان كلو والواقع أن محمد الخامس لم يصر كثيرا على التفصيلات لأنه كان يعلم أن فرنسا تحاول الاحتفاظ بماء وجهها وشارك في هذه المفاوضات عدد من الساسة المغاربة ومن رجال الاستقلال لينتهي الأمر بإصدار تصريح لاسيل كلو في 6 نوفمبر 1955، منح فيه مجلس الوصاية كامل السلطة والصلاحيات لإدارة شؤون البلاد وتأليف مجلس وزراء يمثل جميع الاتجاهات السياسية والاجتماعية للبلاد وينص على استئناف المفاوضات مع فرنسا لتحديد علاقة المغرب كدولة مستقلة مرتبطة في تكامل مع فرنسا ومربوطة بها داخل نطاق التعاون المتبادل، أو بما يسمى بالاستقلال داخل حدود التكامل وأخيرا نص على إقامة ملكية دستورية حسب رغبة محمد الخامس نفسه وكان استقبال الملك المنفي محمد الخامس في بلاده استقبال شعبي منقطع النظير بل كان عاملا فعالا في تطور الأوضاع والعلاقات بين القوى الموجودة في المغرب ، لكن عملية بناء الدولة المغربية الحديثة كانت تلقى عليها بمسؤوليات جديدة وخاصة في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه العلاقات المغربية، قد استقرت بباقي دول العالم، وهكذا أصبح المغرب بقيادة الملك محمد الخامس دولة مستقلة ذات سيادة ومن هذا المنطلق أصبح عليه مشكلاته مع الدولة صاحبة الحماية القديمة ويتعامل مع الدول المجاورة والمكافحة من أجل استقلالها وبالتالي كانت مرحلة جديدة في تاريخ البلاد .
وخلال هذه المرحلة لم يكن الملك الراحل محمد الخامس له اهتمام كبير بالعلاقات المغربية الإفريقية نظرا للظرفية التي كانت تمر بها المملكة، ولعل أكبر هذه المشاكل هي التخلص من آثار الاستعمار واستكمال وحدته الترابية، ونفس الشيئ بالنسبة لحكم الملك الراحل الحسن الثاني.
ولكن في حقبة الملك محمد السادس بدأت الأضواء تسلط على العلاقات المغربية الإفريقية، خاصة وأنها تشترك في عوامل القرب الحدودي، حيث تنبه المغرب خلال هذه المرحلة إلى عدم جدوى سياسته السابقة بعد دخوله في معترك شبه العزلة الإفريقية ، الأمر الذي دفعه إلى نهج سياسة جديدة فيما يخص علاقاته مع الدول الإفريقية على وجه الخصوص باعتماد مقاربة خاصة تتجاوز مخلفات المرحلة السابقة، التي غذاها الصراع بين المعسكرين الليبرالي والاشتراكي وتقوم على بعد واحد مصلحي لكن ليس ارتكازا على المعطيات السياسية وحدها، بل أن تشمل الجانب الاقتصادي عموما والتجاري على وجه الخصوص كآلية جديدة لفتح الأبواب الإفريقية أمام الدبلوماسية المغربية ، فالمغرب يحرص كل الحرص على تمتين العلاقات مع دول الجوار وضمن هذا الإطار يقول الملك محمد السادس:" أما علاقتنا مع العمق الإفريقي الذي يشكل مجالا لفرص واعدة فإننا حريصون على نهج مقاربة متجددة قائمة على التضامن ومبنية على تعزيز الأمن والاستقرار خاصة في منطقة الساحل والصحراء فضلا عن خلق شروط التنمية البشرية تسهم في النهوض بالقطاعات الاقتصادية في الدول الإفريقية طبقا لأهداف الألفية للتنمية " ، فمن خلال هذا الخطاب يتضح لنا بأن العامل الأساسي التي يدفع المغرب للتمسك بالعلاقات الإفريقية يعود لأسباب أمنية-اقتصادية، فالقارة الإفريقية تمثل مجالا خصبا للإستثمار كما سبق وأن بيناه سابقا، إضافة إلى ذلك هذه الرؤية من زاوية المغرب تعد علاقات تمنين بالقارة ومن بين الأولويات الأساسية خاصة في ظل تزايد الحضور العالمي بالمنطقة منها الصين، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن المغرب يسعى لتقوية علاقاته مع الدول الإفريقية للحد من أخطار الإرهاب والتقليل من تصاعد موجات الصراعات المسلحة وظهور بوادر البلقنة السياسية في المنطقة، فالمتتبع لمسار السياسة الخارجية المغربية يجد أن العلاقات التي تربط المغرب بالدول الإفريقية ترجع في ظاهرها إلى عوامل اقتصادية ، إلا إنها في العمق ذات طابع سياسي إذ يبدو المغرب في طليعة الدول المشاركة في عمليات حفظ السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي ببعض الدول الإفريقية، وفي غالب الأحيان يتدخل المغرب للدفاع عن الشرعية السياسية كما حدث في غينيا، ومما لا شك فيه أن وزن الدولة في مجال الجيوبوليتيك يتحدد وفق ما تملكه من قوة اقتصادية ودبلوماسية .
وكما سبقت الإشارة فإنه من بين العوامل الأساسية التي تدفع المغرب للتوجه نحو إفريقيا هي عوامل أمنية، فمنطقة الساحل الإفريقي لها معنى جيوسياسي يأخذ بعين الاعتبار كل الدول التي تشكل الحزام الحدودي للصحراء الكبرى أي بإضافة دول الشمال الإفريقي خصوصا دول المغرب العربي، فالمنطقة تحتوي على عدة أزمات :كأزمة الطوارق، النزاعات العرقية و الإثنية...و البعض الآخر ناتج عن فشل الدولة وضعفها إذ تعد المنطقة فضاء خصب للجريمة المنظمة العابرة للحدود بمختلف أشكالها منها ترويج المخدرات، الهجرة الغير شرعية، الجريمة الإلكترونية، تبيض الأموال، تهريب السلاح، الاتجار بالبشر... الأمر الذي جعل المنطقة مصدرا لتهديدات أمنية إقليمية ودولية، تتفاوت فيما بينها حسب درجة الخطورة، وقد نبه المغرب إلى أن المنطقة على وشك التحول إلى أفغانستان جديدة ويعتبر ما يجري فيها تهديدا للأمن القومي المغربي خصوصا وان منطقة الساحل الإفريقي بها دول مجاورة للمغرب كموريتانيا مثلا ، كل ذلك حول المنطقة إلى بؤرة تحدد السلم والأمن الدوليين لكن حل هذه المعضلة يتطلب بالموازاة مع الحل العسكري وضع استراتيجيات شاملة للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية مع هذه الدول المجاورة للحدود المغربية، وفي المقابل تأهيل مؤسسات دول الساحل إذ أن ثورات الربيع العربي في كل من تونس، ليبيا، اليمن، سوريا، إلى جانب الأوضاع السياسية المتقلبة للدول الإفريقية خلال العقود الأخيرة قد جعلت من المغرب يراقب الوضع دون أن يتخذ مواقف واضحة خشية انتقال عدوى هذه الحراكات السياسية، لذلك بادر إلى اتخاذ جملة من التدابير اللازمة كانت تصب أغلبها في قالب الإصلاحات السياسية، وأهم هذه الإصلاحات تجلت بشكل واضح في التوجه المكثف للملكة اتجاه الدول الإفريقية والعمل على تمتين الروابط بهذه الدول، والعوامل الإستراتيجية السياسية المغربية تجاه إفريقيا استدفت بالأساس بعض القضايا المصيرية في سيرورة النظام السياسي المغربي ، كملف الصحراء الذي يعتبر من أعقد الملفات السياسية ضبابية نظرا إلى التعقيدات والخلافات البينية التي ارتبطت بها، فمنذ أن تناولت الأمم المتحدة هذه القضية في السبعينات ورغم جهودها الدؤوبة والمستمرة لحل مشكلة الصحراء إلا أنها باءت بالفشل حيث تعددت قرارات مجلس الأمن بشأن الخيارات المطروحة والتي تمثلت في في خيار الاستفتاء وخيار التقسيم في حين أن الشعب الصحراوي يقبل فقط بقيام جمهورية صحراوية عربية ديمقراطية والاعتراف بسيادتها في الوقت ذاته المغرب يعلن عن خطة بديلة إعطاء المغرب الحكم الذاتي لكن تحت الوصاية المغربية وهذا ما يرفضه الشعب الصحراوي، علاوة على ذلك التوتر القائم بين الجزائر والمغرب بشأن الملف الصحراوي يبعد كل الشراكات الأمنية الممكنة نظرا لغياب الثقة بينهما على الرغم من تصريحات الخارجية المغربية والجزائرية بأن النشاطات الإرهابية في المنطقة المغاربية يشكل تهديدا كبيرا للأمن والاستقرار، وهكذا بات مشكل الصحراء يجعل من فرض تصور محدد ومشترك حول التحديات الأمنية للمنطقة أمر مستبعد جدا .
ويمكن قراءة التحرك المغربي ضمن أجندة الصراع الخفي والمعلن بين البلدين فقد ردت الجزائر مباشرة بعد لقاء القادة الجدد في مالي وتوقيع بعض الاتفاقيات الأمنية والعسكرية وأثبتت الجزائر أن رؤيتها تقوم على النهج السياسي الوقائي مع ضرورة إيجاد البديل الاقتصادي والاجتماعي لقضية الصحراء، غير أن هذا التوجه السياسي لم يكن كافيا لحل المشكل بين البلدين، لذلك فإن المغرب قد عمد إلى التوجه للدول الإفريقية وربط العلاقات بها المبنية على المصالح الاقتصادية والمنافع المتبادلة سعيا منه للنفع الأكبر وهو انتزاع الاعتراف منها بقضية الصحراء لصالح المغرب .
أما القضية الثانية التي دفعت المغرب إلى التوجه للدول الإفريقية هو أن علاقاته بالدول المجاورة له كالجزائر وموريتانيا غير مستقرة، حيث إن الحدود مع هذه الدول استمر اغلاقها منذ 1994، وهذا يستبعد كل فرضيات التعاون والشراكة الأمنية ويفتح المجال لتبادل الاتهامات حول انفلات المراقبة والإنزلاقات الأمنية وهو ما جسده الوضع حاليا ، بينما يحتاج المغرب للنهوض بهذه المجالات وتبادل الخبرات، ولكي لا يفوت المغرب على نفسه الفصرة فقد للتوجه نحو الدول الافريقية، حيث قام بإبرام أزيد من 500 اتفاقية للتعاون مع هذه البلدان شملت مختلف المجالات والقطاعات السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والدينية إلى جانب اتفاقيات متعددة الأطراف تشكل بدورها آلية متجددة تمكن هذه الدول من الاستفادة من الخبرة المغربية في مجال التقنيات وكذا من تمويلات ثنائية ومتعددة .
ان هذه الأوضاع والمواقف لدول الجوار إلى جانب التطورات الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء كلها عوامل تمنح المغرب دور جديد، وهو ما يفسر طلب الرئيس المالي ملك المغرب أداء دور في هذه المرحلة التاريخية الجد مهمة، والمغرب بدوره تعامل مع القضية المالية بنظرة واقعية مبنية على معرفة عميقة بالنسيج السياسي والإثني والثقافي والمالي والأزوادي، كجزء لا يتجزأ منه وعليه فكل إقصاء للحركة الأزوادية والتركيز فقط على دعم الحكومة المالية وحده لا يمكن أن يعطي نتائج إيجابية لا سيما فيما يخص وحدة مالي الترابية وسلامتها واستقرارها مستقبلا وهذا ما لا يريد المغرب والمجتمع الدولي الوصول اليه ، ومما يؤكد صحة هذا الطرح هو أن المغرب نهج سياسة القطيعة مع البلدان الإفريقية التي تعترف بجبهة البوليساريو ليتبين فيما بعد أن توجهه هذا عمق من عزلته الدبلوماسية والاقتصادية فدفعه ذلك إلى مراجعة علاقاته السياسية مع إعادة برمجتها وفقا لما يتماشى مع مصالحه، في المقابل ضرورة التشديد على الأبعاد الدينية والأمنية والعسكرية، مستفيدا من الدعم الغربي ومساندة الأنظمة العربية المعتدلة من قبيل دول مجلس التعاون الخليجي، من جهة أخرى مثل الحور الاقتصادي أبرز المحاور الغائبة في أجندة السياسة الخارجية المغربية وهو ما جعل النظام الحالي المغربي يتنبه لأهمية الجانب الاقتصادي لكسب رهانات التنمية بالقارة الإفريقية وتوظيف ذلك في صراعه الجيوستراتيجي ضد خصومه السياسيين .
ومن بين العوامل أيضا التي دفعت المغرب للعمل على تحسين علاقاته بالدول الأفريقية والانفتاح عليها والتي لها صلة غير مباشرة بالقضية الأولى، هي كون المغرب يتمتع بالعضوية في منظمة الاتحاد الافريقي، وتحسين العلاقات مع دول الاتحاد مما تفرضه عليه مكانته داخل الاتحاد، فقبل نحو ثلاث وثلاثين سنة انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية احتجاجا على اعترافها بما سمي في حينه الجمهورية العربية الصحراوية، لقد جرت مياه كثيرة من أمامها وخلفها استدعت حلها وإعادة صياغة ميثاقها من جديد وتغيير اسمها ليصبح الإتحاد الإفريقي ، لذا قرر المغرب العودة إلى مقعده الشاغر في الاتحاد الإفريقي وقد جاء ذلك إثر جهود الوساطة التي قام بها الرئيس الإيفواري الحسن درمان أواتارا بين الملك محمد السادس والإتحاد الإفريقي، وتزامنت التحركات السياسية والجهود الدبلوماسية الرامية لترتيبات العودة المغربية للحضن الإفريقي في أكثر من عاصمة إفريقية مع لقاءات مكثفة مع ممثلي البعثات الإفريقية ، فالمغرب يرى أن انسحابه من الاتحاد الإفريقي سيقوي من موقف جبهة البوليزاريو بالصحراء الغربية كدولة إفريقية ظاهرة على الموقع الجغرافي للقارة الإفريقية ، فكما وجدت ظروف حتمت على المغرب الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية فإن هناك أيضا ظروف إستعجالية استدعت انضمامه للإتحاد الإفريقي، من بين هذه العوامل :



  • لم تعد موازين القوى السائدة قبل ثلاث عقود في القارة الإفريقية هي القائمة اليوم أو بالأحرى هي الناظمة لعلاقات بلدان إفريقيا فيما بينها وبالتالي تراجع الإيديولوجيات

  • لم تعد الحسابات الجيوسياسية التي كانت قائمة آنذاك هي المتحكم في علاقات البلدان الإفريقية ببعضها البعض، لقد بات البعد الاقتصادي والتجاري أهم الأبعاد الكبرى التي تؤثث توجه العلاقات أي أن هذه الإكراهات الاقتصادية باتت ضمن المحددات الكبرى لتوجهات هذه الدولة .

  • لقد طالت القارة الإفريقية ظواهر ومستجدات لم تكن ضاغطة من قبل بنفس الوزن والقوة اذ دفعت تيارات الهجرة العابرة للحدود مد الحركات الإرهابية تحديدا بالعديد من الدول لبحث عن حلفاء جدد إذ لم يكن لإيقاف ذات الظواهر فعلى الأقل للحد من مفعولها وتأثيراتها أنما باتت بحق مرض القارة الذي يهدد وحدة بلداتها الداخلية.

  • تحسين العلاقات السياسية بالدول الإفريقية لتوظيفها كورقة رابحة فيما بعد في حل مشكل الصحراء.
    تلك كلها عناصر جوهرية أدت إلى تعجيل انضمام المغرب للمنتظم الإفريقي الجديد، وقام الملك محمد السادس بالاستناد بالبعد الاقتصادي والاستثماري في كل جولاته الإفريقية قبل ان يضع ملف المغرب للانضمام للاتحاد، لقد كان يدرك تماما أن الاقتصاد هو مفتاح التأثير في الدول الإفريقية، وان ما تقوم به الآلية الاقتصادية ستجنيه لا محالة الخانة السياسية مستقبلا، ولهذا السبب دفع بالمجموعات الاقتصادية والمالية الكبرى للاستثمار وبقوة في العديد من البلدان الإفريقية بما فيها حتى الدول التي لا تتبنى لا تتبنى طرحه بخصوص قضية الصحراء في مجالات الفلاحة، الطاقة، البنى التحتية، الاتصالات ،الصناع...
    لقد كانت عودة المغرب للإتحاد الإفريقي يمكن أن تشكل مكسبا للاتحاد الإفريقي الذي يسعى للاستقلالية المالية لكن هذه العودة لا تزال تثير انقسام في الاتحاد الإفريقي إذ أن الجزائر وجنوب إفريقيا يدعمان كفاح جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية وتتحفظان وتعارضان عودة المغرب للاتحاد، لكن المغرب نجح بدبلوماسيته النشطة في استقطاب أكثر من أربعين دولة أعلنوا دعمهم غير المشروط بعودته للحاضنة الإفريقية، إلا أن وجود الخصوم للمغرب داخل المنظمة الإفريقية وعلى رأسهم الجزائر يجعل من العودة المغربية محفوفة بالصعوبات شد وجذب، ورغم كل هذه الصعوبات إلا أن جهود المملكة المغربية قد توجت بعودته لمقعده داخل الاتحاد الإفريقي وأصبح يتمتع فيه بعضوية كاملة .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

وبالتالي، يمكن ...

وبالتالي، يمكن القول أن استراتيجية العمليات تحدد الأساليب والوسائل التي تستخدمها العمليات في تنفيذ ا...

نظرية الادارة ا...

نظرية الادارة العلمية: من روادها تايلر اقترنت حركة الإدارة العلمية باسم المهندس الأمريكي (Tayor) ، ...

فالبيانات تمثل ...

فالبيانات تمثل المادة الخام للمعلومات حيث أنّه وبعد دخولها كمدخلات يتم معالجتها وتصفيتها وتنظيمها لل...

تم إنشاء المحاس...

تم إنشاء المحاسبة وتعزيز مجال العلوم الاجتماعية والاقتصادية للوفاء والاستجابة لظروف ومتطلبات التنمية...

The time span o...

The time span of this book extends from the late eighth century BC to the early fifth century AD, a ...

علي الرغم من خف...

علي الرغم من خفض معدلات الفقر المدقع إلى أكثر من النصف منذ عام 2000، إلا أن عُشر سكان المناطق النامي...

This work provi...

This work provides a reference framework to guide future efforts to improving sensor interrogation a...

كانت سلطة المجا...

كانت سلطة المجالس تقوم أساساً على القوة والسيطرة الاقتصادية الهامة، ومن خلاله يقوم الشيخ بالتوسط في ...

كان البطل على و...

كان البطل على وشك أن يقبل البطلة، ولكنه تراجع، لم يُرض المشهد الذي لم يكتمل أحد المشاهدين فأتمه مع ف...

شباب في كل الام...

شباب في كل الامهم دم جديد ضامن لحياتها واستمرارها وجودها وهم الامتداد الصحيح لتاريخها وهم ورثة الحاف...

1-نأخذ مقدار مل...

1-نأخذ مقدار ملعقة صغيرةو نقوم بتخليل المناطق المصابة بشكل موضعي. 2-بعد الانتهاء من وضع الكريم ، نق...

التعرفعلىميليسا...

التعرفعلىميليساك. درايفر وظيفتياألولىفيبيئةمدرسيةلمتكنمدرًسا. بعدإعصاركاترينا،عملتمعأميريكوربسكمتطوع...