لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

المركز الديمقراطي العربي
الدراسات البحثيةالمتخصصة
السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين “عهد دونالد ترامب”
United States of America foreign policy towards China-Donald Trump Era
صورة المركز الديمقراطى العربى المركز الديمقراطى العربى19. مايو 20232٬469 35 دقائق
اعداد : عمر جمال شاور/ ماجستير في الدراسات الدولية/ جامعة بيرزيت_ فلسطين.الملخص:
انقلبت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين إلى التشدد في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقامت إدارته بإتباع سياسات حمائية تجاه الصين، أدت لظهور حرب تجارية بينهما عام 2018. هذه السياسات الضاربة للعولمة، حرفت أبرز الاستراتيجيات الأمريكية وهي الليبرالية. إن السبب الرئيس في تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين، وهو تطور مجموعة من المتغيرات الخارجية الداعمة لصعود الصين، فهي تزيد من ظاهرة “الخطر الصيني”. وكمحاولة لاحتواء صعود الصين قامت إدارة ترامب، بالتنازل عن جزءٍ من استراتيجيتها الخارجية المبنية على السوق المفتوح، لصالح الاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة وهي “الأمن والهيمنة”. في ظلِّ الأجواء المشحونة ما بيّن بكين وواشنطن على إثر سياسات ترامب المتشددة، زاد انتشار جائحة كوفيد 19 الصراع بين العملاقين، فظهر في الساحة العالمية التخوف من الوقوع في “فخِّ ثوسيديدس”.Under President Donald Trump, US foreign policy vis-à-vis China became one of extremism with his administration adopting protectionist policies towards China that led to the emergence of a trade war between them in 2018. These policies attacking globalization altered one of the most prominent American strategies, which is liberalism. The main reason for the shift in US foreign policy vis-à-vis China is the occurrence of a set of external variables bolstering the rise of China, thereby increasing the phenomenon of “Chinese danger”. In an attempt to contain the rise of China, the Trump administration conceded part of its foreign strategy based on the open market in favor of the basic strategy of the United States, which is “security and hegemony”. Against the backdrop of the fraught atmosphere between China and America because of Trump’s hardline policies, the spread of the Covid-19 pandemic amplified the conflict between the two giants – leading to the emergence of the fear in the global arena of falling into a “Thucydides Trap.المقدمة :
في بداية السبعينيات بدأت السياسة الخارجية الأمريكية تتجه إلى تطبيع العلاقة مع الصين، خاصة مع زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون، بكين وتوقيع بيان شنغهاي عام 1972. استمر تصاعد التقارب والتعاون برغم ظهور بعض التوترات في الثمانينيات، وبشكل عام كانت العلاقة تتميز بالتعاون لتحقيق مصلحة الطرفين، واتسمت السياسة الخارجية الأمريكية باحترام ما أنتجته من النظام الليبرالي والعولمة، ليكون هناك تبادل تجاري ضخم بين أكبر اقتصادين في العالم. ظهر تحول واضح في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين، لتلجئ أدارة ترامب إلى سياسة الحمائية الاقتصادية، مما أشعل حربًا تجارية بينهما.هناك متغيرات خارجية داعمة لصعود الصين، كانت عاملًا مؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية. أولها التقدم الاقتصادي الصيني الهائل، وترافق مع ظهور استراتيجيات اقتصادية تنموية، أبرزها ” حزام واحد-طريق واحد”، وإنشائها للبنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يعتبر منافس لمؤسسات “بريتون وودز”. وعام 2017 تزايد فائض التجاري بشكل كبير وتاريخي لصالح الصين على حساب الولايات المتحدة[1]. ثانيها: التطور التقني والتكنلوجي في الصين، ليكون هناك أسبقية على تطبيق ونشر الجيل الخامس لصالح الصين، ليزداد الإنفاق العسكري في الصين بشكل ملحوظ، كما زاد نشاط الصين العسكري في بحر الصين الجنوبي. إن هذه المتغيرات كانت عاملًا مؤثرًا في تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين.تكمن أهمية الدراسة أنها تدرس التحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في عهد ترامب، والتي أحدثت قلقًا عالميًا، فالتنافس الاقتصادي، والتوتر السياسي الصيني الأمريكي يؤثر على العالم أجمع، يهدف البحث لبربط الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، مع المتغيرات الخارجية الداعمة لصعود الصين، ليُظهر سبب التحول في سياستها الخارجية تجاه الصين في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، كما سيوضح السياسات التي شنتها إدارة ترامب على الصين،الإشكالية التي سيعالجها البحث، تتمثل بظهر تحول مُتشدد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب تجاه الصين، حيث لجأت إدارة ترامب إلى سياسات اقتصادية حمائية، أدت لظهور حرب تجارية عام 2018، كانت سببًا في ظهور توتر كبير مع الصين، وفي ظلِ هذه الأجواء المتوترة، زادة انتشار جائحة كوفيد 19 العلاقة الأمريكية الصينية تعقيدًا. فكيّف أثرت المتغيرات الخارجية الرافعة لصعود الصين، على تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في عهد دونالد ترامب؟
الأول: الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، وأثرها على بلورة سياستها الخارجية. الثاني: محطات تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين. الثالث: سيبحث في المتغيرات الخارجية الداعمة لصعود الصين. الرابع: سيبين الخطر الصيني في المنظور الأمريكي. الخامس: سيبحث في تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في “عهد دونالد ترامب”. لينتهي البحث، بدراسة انتشار الخوف من الوقوع في “فخ ثوسيديدس”.أولًا: الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، وأثرها على بلورة سياستها الخارجية.هناك اختلاف بين الاستراتيجية الخارجية الأمريكية وسياستها الخارجية، فتكون الأخيرة أداة لتطبيق الأولى. ولاستنتاج الاستراتيجيات الأميركية، يتوجب تتبع أهمّ محطات تطور استراتيجيتها،أهم محطات تطور الاستراتيجية الأميركية.امتازت المرحلة الأولى في الاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة بالانعزالية، فاهتمت بحماية أمنها واستقلالها وتنامي اقتصادها، لتُفضل عدم التورط في الصراعات العالمية، وتجنبت عقد أيّ اتفاق سياسي يلزمها، فمنذ معاهدة التحالف مع فرنسا عام 1778 حتى أنشاء الأمم المتحدة عام 1945، لتقتصر على معاهدات تجارية[2].برغم شعور الولايات المتحدة بشيء من الأمان، نتاج موقعها المعزول عن الصراعات العالمية ليفصل المحيط الأطلسي أوروبا عنها بمساحة شاسعة، وبالإضافة لعدم مجاورتها قوى عظمى، إلا أن الاهتمام في الأمن ظل مُستحضرًا في استراتيجيتها الخارجية. ولتحقيق الأمن أصدر مبدأ مونرو في ديسمبر لعام 1823م الذي نص على التزام أمريكا في عدم التدخل في أوروبا، مقابل عدم السماح، والتصدي لأي محاولة للتدخل من الدول الأوروبية تجاه القارتين الأمريكيتين، فتعتبر أمريكا أن تدخل القوى الأوروبية في القارتين، بمثابة تهديد للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية[3]. وطبيعة جغرافيتها المعزولة والمليئة بالثروات الطبيعية، وبالإضافة لبروز المكانة العسكرية بعد الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898، ليظهر رغبة في التوجه إلى العالمية، لكنها تعثرت بسبب صراعات داخلية ما بين دعاة الانفتاح مع العالم، ودعاة الانغلاق وعدم التدخل، لتميل أمريكا للانغلاق، وتسير على خطى مبدأ مونرو لحماية أي تقدم أوروبي تجاه القارة الأمريكية[4].ب. مرحلة الحرب العالمية الأولى والثانية:
أشتد الموقف الداعم للانفتاح على العالم والتدخل في أوروبا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، وذلك لخدمة التجارة الأمريكية ومصالحها في أوروبا. بعد استهداف سُفنِها التجارية في المحيط الأطلسي من ألمانيا، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الأولى، وبدأت ملامح دخولها في شؤون العالم بعد قيام بمُبادرة من الرئيس الأمريكي ويلسن في إنشاء عصبة الأمم،تزايد ضغط التيار الانفتاحي في أمريكا، صوب التدخل في الشؤون الخارجية، لتدخل الحرب بامتياز وتكون حاسمةً في ذلك. وسبب تدخلها يكمن في التقدم الكبير لألمانيا، على حساب بريطانيا، وفرنسا، وهذا ساهم في شعور أمريكا بأن أمنها القومي في خطر، وبالإضافة إلى تهديد مصالحها التجارية في أوروبا، وهنا لا خيار أمامها إلا التدخل[6]. برزت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كقوى عالمية، وخاصة بعد ضربها لليابان بالسلاح النووي، فلم تتجه للانفتاح العالمي وحسب،الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الأولى كانت تتعامل بمنطق النظرية الواقعية الدفاعية، لتحقق الأمان وهذا ما وصفه فريد زكريا “كانت الولايات المتحدة الأمريكية تختار عادة تقليص مصالحها، بدلاً من التوسع لمواجهة العدو”[7] وفيما بعد اتجهت بشكل واضح للواقعية الهجومية لتدخل الحرب العالمية الأولى والثانية لمنع توسع ألمانيا وحلفائها في أوروبا. وهنا يتضح أن أمريكا مرت من العزلة إلى الانفتاح، مع تصاعد قوتها الاقتصادية والعسكرية، وبتعبيرٍ أخر من النظرية الواقعية الدفاعية إلى الهجومية.ج. ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 2017. فقامت بنشر الليبرالية عن طريق المنظمات الدولية، وتحقيق الأمن الجماعي عن طريق الحلف العسكري “الناتو”.بعد الحرب العالمية الثانية، كثفت أمريكا نشرها للثقافة الليبرالية، عن طريق المنظمات الدولية التي تنقسم إلى منظمات سياسية “الأمم المتحدة” وأخرى اقتصادية تتمثل في إنشاء نظام “بريتون وودز”. الأول لتحقيق السلام والأمن الدوليين، لتجنب وقوع حرب عالمية ثالثة، وفي الحقيقة فعالية الأمم المتحدة بشكلها الحالي، لمّ تظهر إلا بعد الحرب الباردة، وذلك بسبب خلافات الاتحاد السوفيتي مع أمريكا ليتم استخدام حق “النقد الفيتو” من الطرفين، وبعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي زادت فعالية الأمم المتحدة، وكما أنها تتجاوزها في حال تعارضت معها، وبرغم هذا الاستغلال أصبحت الأمم المتحدة أهم مظهر للشرعية الدولية[8].المظهر الثاني لنشر الثقافة الليبرالية وهو إنشاء نظام بريتون وودز، الذي يهدف إلى وضع نظام اقتصادي جديد، يقوم أساسه على تحرير السوق العالمي، ورفض الحمائية، ونشر الخصخصة الاقتصادية الداخلية، ولتدعيم ذلك تم إنشاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، منظمة التجارة العالمية. وهذا بجانب العديد من الاتفاقات الأخرى التي قامت بها أمريكا مع دول ومنظمات دولية[9].بالإضافة لتكثيفها من نشرٍ للثقافة الليبرالية، أقدمت أمريكا للعمل على الأمن الجماعي” حلف النيتو”. حاربت الولايات المتحدة المد الشيوعي، عن طريق “سياسة الاحتواء” التي نحتها جورج كينان، لتصبح أحد أهم الاستراتيجيات التي تتبعها أمريكا في وقف المد الشيوعي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولتحقيق ذلك لجأت الأمن الجماعي عن طريق إنشاء حلف “النيتو” عام 1949[10]. حيث خاضت حُروبًا من أجل منع أي قوة من السيطرة، وحاربت انتشار الأسلحة النووية، كما أنها سعت إلى الهيمنة، لتكون على رأس القوى العالمة. لتستخدم الليبرالية والعولمة، وحتى حلف النيتو لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، التي تُستنتج بالتالي:
الحفاظ على أمن الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، عن طرق الحصول على الضربة الاستباقية والسيطرة على أسلحة الدمار الشامل.الحفاظ على بقاء أمريكا على رأس القوى العالمية.السيطرة على الثقافة العالمية، والاقتصاد العالمي، من خلال المنظمات الدولية السياسية مثل الأمم المتحدة والاقتصادية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية.الفرق بين الاستراتيجية والسياسة الخارجية في أمريكا. وتؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الأمريكية التي تتأرجح مع اختلاف الحزب الحاكم في البيت الأبيض، ولكنها تسير في تحقيق هدف استراتيجي واحد وهو في المقام الأول” الأمن والهيمنة“. فكما وضّح في السابق، يظهر الاهتمام الفائق في قضية تحقيق الأمن القومي الأمريكي وتجلى في “مبدأ مونرو” كدليل بارز لوضع هدف الأمن أولوية في تحقيق استراتيجيتها منذ البداية، ولتحقيق ذلك اتجهت في السابق للواقعية الدفاعية، وبعد تصاعد قوتها، اتجهت للواقعية الهجومية، لنلاحظ أنها دخلت الحرب العالمية الأولى والثانية ذلك لعدم السماح لهيمنة دولة على أوروبا، ومن ثمّ لتضع الهيمنة في أولويتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن. إذًا الفرق بين الاستراتيجية والسياسة الخارجية الأمريكية، أما السياسة الخارجية تسعى للعمل على تحقيق الاستراتيجية، وتكون متأرجحة ومختلفة من مرحلة إلى أخرى، بسبب اختلاف الحزب الحاكم في البيت الأبيض، لتختلف أدوات تحقيق الاستراتيجية الأمريكية.في عهد دونالد ترامب لم تختلف الاستراتيجية الأمريكية التي تذهب لتحقيق “الأمن والهيمنة” في المقام الأول، ولكن ظهر تحول في السياسة الخارجية بشكل متطرف تجاه العديد من دول العالم، وخاصة الصين، لتكسر أحد أهم الأهداف الأمريكية وهي “العولمة” لتسمح بانحراف أحد استراتيجياتها وهي الليبرالية الجديدة، وذلك لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة وهو “الأمن والهيمنة” وهذا ما سيتم توضيحه لاحقًا.ثانيًا: محطات تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين
مع تصاعد النمو الاقتصادي الصيني في السبعينات، بدأت العلاقة الأمريكية الصينية تسير في طريق تعاوني متأثرة ” بدبلوماسية كرة الطاولة”[11]. خاصًة في ظل تنافسها مع الاتحاد السوفيتي ومحاولة احتوائه. وأعقب ذلك توقيع إتفاقية شنغهاي عام 1972، بعد زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى بكين، وتوعد بانسحاب جميع القوات الأمريكية من تايوان[12]. بعد تولي الرئيس الأمريكي جيرالد، ليتم سحب المقاتلات من تايوان، وينهي عقوبات منع بيع التكنلوجيا العسكرية لصين. وبرغم ظهور في تلك الفترة انقسام حزبي في الداخل الأمريكي، حول استمرار التطبيع مع الصين، ليميل اليمين، وعلى رأسهم رونالد ريغن، لوقف هذا التطبيع[13]. إلا أن السياسة الخارجية الأمريكية استمرت بالعمل على تعزيز التعاون مع الصين، حتى مالت في فترة قصيرة في عهد الرئيس ريغن، الذي تولى منصبه عام 1981، لتكون العلاقة متأرجحة في تلك الفترة، لتنتهي بميلها لزيادة التعاون بينهما بعد زيارة الرئيس ريغن الصين عام 1984. حيث إنَّ ريغن كان من أبرز مناهضي التطبع مع الصين، ليوقع ريغن مع الصين اتفاقًا تعاونيًا نوويًا عام 1985، يسمح من خلاله بالتصدير إلى الصين التكنولوجيا النووّية، وذلك لتلبية حاجاتها من الطاقة، إلا أنه جمد هذا الاتفاق بعد وصول معلومات من المخابرات الأمريكية (CIA) توضح أن الصين قامت بدعم إيران وباكستان عسكريًا، لتقوم بتسليحهم، ودعمهم لبناء مفاعلات نووية[15].في التسعينات، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي، اتجهت السياسة الخارجية الأمريكية إلى سياسات متشددة اتجاه الصين، لتبدأ أمريكا في نهاية عام 1989، بفرض عقوبات على المستوردات الصينية العسكرية والتكنولوجية المتطورة[16]. برغم ظهور هذا التوتر بينهما، إلا أن العلاقة بدأت فيما بعد بالتراجع إلى الهدوء والتعاون، ليكون هناك تصاعد تعاوني، وذلك لتحقيق المصلحة التجارية المتبادلة. في تلك الفترة حدث تبادل زيارات بين الرئيس الصيني والأمريكي، ليزور الأول أمريكا عام 1997، وبعدها زار كلينتون الصين عام 1998[17]. وفي عام 2001 انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وهذا ما زاد الترابط التجاري بينها وبين جميع دول أعضاء منظمة التجارة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.خلال هذه الفترة، ومع تولي جورج بوش الابن رئاسة أمريكا؛ ظهرت فكرة الصعود الصيني بشكل كبير، لينتشر الخوف مما قد تؤثر على استراتيجية الهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، ذهب الاهتمام الأكبر في السياسة الخارجية الأمريكية إلى قضية محاربة الإرهاب، لتتوجه السياسة الأمريكية لإيجاد حلفاء دوليين للقضاء على الإرهاب، ومنهم الصين التي أدانت فورًا أحداث الحادي عشر من سبتمبر. إلا أن فكرة الصعود الصيني عادة تبرز مرة أخرة في السياسة الخارجية الأمريكية مع تولي جورج بوش الابن الولاية الثانية، لتتوجه السياسة الخارجية الأمريكية بسياسات ضاغطة على الصين موجهة لها مجموعة من الاتهامات، كاتهامها أنها سبب زيادة البطالة الأمريكية[18]. إلا أن أمريكا استمرت في سياساتها الإيجابية التعاونية مع الصين. ومع تولي أوباما ظهرت السياسة الخارجية أكثر تفاؤلا لتزايد التعاون مع الصين، وخلال فترة حكم أوباما ظهر هناك انقسام في الآراء حول الصين وأهدافها، لتظهر مجموعة من الأفكار تتحدث عن الخطر الصيني، ووصف بعض اليمينيين المناهضين للشيوعية الصين على أنها الشر الجديد[20]. رغم وصف القادة الصينيين أن نهضتهم سلمية، وأنها لا تسعى للهيمنة، إلا أن فكرة صعود الصين أخذت جانبًا ذا أهمية بالغة في السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة أن الصين كانت في صعود اقتصادي كبير جدًا، ونمو في قوتها العسكرية[21]. قامت السياسة الخارجية الأمريكية بمحاولة احتواء الصين، فكانت ترى أن هناك اختلال في توازن القوى في أسيا، لهذا عام 2012 وضع الرئيس الأمريكي أوباما استراتيجية تهدف إلى “إعادة التوازن إلى أسيا والمحيط الهادي”[22].يتضح خلال تتبع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين، أن السياسة الأمريكية ما قبل تولي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، كانت تسير في تعزيز التعاون مع الصن لتحقيق مصالح اقتصادية، وبرغم ظهور بعض التوترات في علاقتها مع الصين،


النص الأصلي

المركز الديمقراطي العربي
الرئيسية/الدراسات البحثية
الدراسات البحثيةالمتخصصة
السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين “عهد دونالد ترامب”
United States of America foreign policy towards China-Donald Trump Era
صورة المركز الديمقراطى العربى المركز الديمقراطى العربى19. مايو 20232٬469 35 دقائق


اعداد : عمر جمال شاور/ ماجستير في الدراسات الدولية/ جامعة بيرزيت_ فلسطين.


المركز الديمقراطي العربي


الملخص:


انقلبت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين إلى التشدد في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقامت إدارته بإتباع سياسات حمائية تجاه الصين، أدت لظهور حرب تجارية بينهما عام 2018. هذه السياسات الضاربة للعولمة، حرفت أبرز الاستراتيجيات الأمريكية وهي الليبرالية. إن السبب الرئيس في تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين، وهو تطور مجموعة من المتغيرات الخارجية الداعمة لصعود الصين، فهي تزيد من ظاهرة “الخطر الصيني”. وكمحاولة لاحتواء صعود الصين قامت إدارة ترامب، بالتنازل عن جزءٍ من استراتيجيتها الخارجية المبنية على السوق المفتوح، لصالح الاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة وهي “الأمن والهيمنة”. في ظلِّ الأجواء المشحونة ما بيّن بكين وواشنطن على إثر سياسات ترامب المتشددة، زاد انتشار جائحة كوفيد 19 الصراع بين العملاقين، فظهر في الساحة العالمية التخوف من الوقوع في “فخِّ ثوسيديدس”.


Under President Donald Trump, US foreign policy vis-à-vis China became one of extremism with his administration adopting protectionist policies towards China that led to the emergence of a trade war between them in 2018. These policies attacking globalization altered one of the most prominent American strategies, which is liberalism. The main reason for the shift in US foreign policy vis-à-vis China is the occurrence of a set of external variables bolstering the rise of China, thereby increasing the phenomenon of “Chinese danger”. In an attempt to contain the rise of China, the Trump administration conceded part of its foreign strategy based on the open market in favor of the basic strategy of the United States, which is “security and hegemony”. Against the backdrop of the fraught atmosphere between China and America because of Trump’s hardline policies, the spread of the Covid-19 pandemic amplified the conflict between the two giants – leading to the emergence of the fear in the global arena of falling into a “Thucydides Trap.”


المقدمة :


في بداية السبعينيات بدأت السياسة الخارجية الأمريكية تتجه إلى تطبيع العلاقة مع الصين، خاصة مع زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون، بكين وتوقيع بيان شنغهاي عام 1972. استمر تصاعد التقارب والتعاون برغم ظهور بعض التوترات في الثمانينيات، وبشكل عام كانت العلاقة تتميز بالتعاون لتحقيق مصلحة الطرفين، واتسمت السياسة الخارجية الأمريكية باحترام ما أنتجته من النظام الليبرالي والعولمة، ليكون هناك تبادل تجاري ضخم بين أكبر اقتصادين في العالم. لكن بعد تولي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، ظهر تحول واضح في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين، لتلجئ أدارة ترامب إلى سياسة الحمائية الاقتصادية، مما أشعل حربًا تجارية بينهما.


هناك متغيرات خارجية داعمة لصعود الصين، كانت عاملًا مؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية. أولها التقدم الاقتصادي الصيني الهائل، وترافق مع ظهور استراتيجيات اقتصادية تنموية، أبرزها ” حزام واحد-طريق واحد”، وإنشائها للبنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يعتبر منافس لمؤسسات “بريتون وودز”. وعام 2017 تزايد فائض التجاري بشكل كبير وتاريخي لصالح الصين على حساب الولايات المتحدة[1]. ثانيها: التطور التقني والتكنلوجي في الصين، ليكون هناك أسبقية على تطبيق ونشر الجيل الخامس لصالح الصين، كما انطلقت الصين في تطبيق مشروع “صنع في الصين 2025” لتحقق قدرًا من الاستقلالية الإنتاجية. وثلثها: التقدم العسكري الصيني، ليزداد الإنفاق العسكري في الصين بشكل ملحوظ، كما زاد نشاط الصين العسكري في بحر الصين الجنوبي. إن هذه المتغيرات كانت عاملًا مؤثرًا في تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين.


تكمن أهمية الدراسة أنها تدرس التحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في عهد ترامب، والتي أحدثت قلقًا عالميًا، فالتنافس الاقتصادي، والتوتر السياسي الصيني الأمريكي يؤثر على العالم أجمع، بل قد يشكل خطرًا على السلم والأمن الدوليين. يهدف البحث لبربط الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، مع المتغيرات الخارجية الداعمة لصعود الصين، ليُظهر سبب التحول في سياستها الخارجية تجاه الصين في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، كما سيوضح السياسات التي شنتها إدارة ترامب على الصين، وأثرها على طرفي الصراع.


الإشكالية التي سيعالجها البحث، تتمثل بظهر تحول مُتشدد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب تجاه الصين، حيث لجأت إدارة ترامب إلى سياسات اقتصادية حمائية، أدت لظهور حرب تجارية عام 2018، كانت سببًا في ظهور توتر كبير مع الصين، وفي ظلِ هذه الأجواء المتوترة، زادة انتشار جائحة كوفيد 19 العلاقة الأمريكية الصينية تعقيدًا. فكيّف أثرت المتغيرات الخارجية الرافعة لصعود الصين، على تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في عهد دونالد ترامب؟


يعالج البحث خمسة محاور. الأول: الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، وأثرها على بلورة سياستها الخارجية. الثاني: محطات تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين. الثالث: سيبحث في المتغيرات الخارجية الداعمة لصعود الصين. الرابع: سيبين الخطر الصيني في المنظور الأمريكي. الخامس: سيبحث في تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في “عهد دونالد ترامب”. لينتهي البحث، بدراسة انتشار الخوف من الوقوع في “فخ ثوسيديدس”.


أولًا: الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، وأثرها على بلورة سياستها الخارجية.


هناك اختلاف بين الاستراتيجية الخارجية الأمريكية وسياستها الخارجية، فتكون الأخيرة أداة لتطبيق الأولى. ولاستنتاج الاستراتيجيات الأميركية، يتوجب تتبع أهمّ محطات تطور استراتيجيتها، لنفرق في النهاية بينها وبين السياسة الخارجية لأمريكا.


أهم محطات تطور الاستراتيجية الأميركية.
أ. الاستراتيجية الخارجية الأمريكية ما قبل الحرب العالمية الأولى.


امتازت المرحلة الأولى في الاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة بالانعزالية، فاهتمت بحماية أمنها واستقلالها وتنامي اقتصادها، لتُفضل عدم التورط في الصراعات العالمية، وتجنبت عقد أيّ اتفاق سياسي يلزمها، مثل التحالفات السياسية والعسكرية، فمنذ معاهدة التحالف مع فرنسا عام 1778 حتى أنشاء الأمم المتحدة عام 1945، لم تنشأ معاهدات تحالف، لتقتصر على معاهدات تجارية[2].


برغم شعور الولايات المتحدة بشيء من الأمان، نتاج موقعها المعزول عن الصراعات العالمية ليفصل المحيط الأطلسي أوروبا عنها بمساحة شاسعة، وبالإضافة لعدم مجاورتها قوى عظمى، إلا أن الاهتمام في الأمن ظل مُستحضرًا في استراتيجيتها الخارجية. ولتحقيق الأمن أصدر مبدأ مونرو في ديسمبر لعام 1823م الذي نص على التزام أمريكا في عدم التدخل في أوروبا، مقابل عدم السماح، والتصدي لأي محاولة للتدخل من الدول الأوروبية تجاه القارتين الأمريكيتين، فتعتبر أمريكا أن تدخل القوى الأوروبية في القارتين، بمثابة تهديد للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية[3].


ساهم عدم تدخل الولايات المتحدة في الصراعات الخارجية، وطبيعة جغرافيتها المعزولة والمليئة بالثروات الطبيعية، إلى ظهور أمريكا كقوة اقتصادية وصناعية هامة، وبالإضافة لبروز المكانة العسكرية بعد الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898، ليظهر رغبة في التوجه إلى العالمية، لكنها تعثرت بسبب صراعات داخلية ما بين دعاة الانفتاح مع العالم، ودعاة الانغلاق وعدم التدخل، لتميل أمريكا للانغلاق، وتسير على خطى مبدأ مونرو لحماية أي تقدم أوروبي تجاه القارة الأمريكية[4].


ب. مرحلة الحرب العالمية الأولى والثانية:


أشتد الموقف الداعم للانفتاح على العالم والتدخل في أوروبا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، وذلك لخدمة التجارة الأمريكية ومصالحها في أوروبا. بعد استهداف سُفنِها التجارية في المحيط الأطلسي من ألمانيا، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الأولى، وبدأت ملامح دخولها في شؤون العالم بعد قيام بمُبادرة من الرئيس الأمريكي ويلسن في إنشاء عصبة الأمم، والتي لم يوافق الكونغرس الأمريكي على تصديقه، لتتجنب التدخل في الشؤون العالمية[5].


تزايد ضغط التيار الانفتاحي في أمريكا، صوب التدخل في الشؤون الخارجية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، لتدخل الحرب بامتياز وتكون حاسمةً في ذلك. وسبب تدخلها يكمن في التقدم الكبير لألمانيا، على حساب بريطانيا، وفرنسا، وهذا ساهم في شعور أمريكا بأن أمنها القومي في خطر، وبالإضافة إلى تهديد مصالحها التجارية في أوروبا، وهنا لا خيار أمامها إلا التدخل[6]. برزت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كقوى عالمية، وخاصة بعد ضربها لليابان بالسلاح النووي، فلم تتجه للانفتاح العالمي وحسب، بل لصياغة نظام عالمي جديد.


الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الأولى كانت تتعامل بمنطق النظرية الواقعية الدفاعية، لتحقق الأمان وهذا ما وصفه فريد زكريا “كانت الولايات المتحدة الأمريكية تختار عادة تقليص مصالحها، بدلاً من التوسع لمواجهة العدو”[7] وفيما بعد اتجهت بشكل واضح للواقعية الهجومية لتدخل الحرب العالمية الأولى والثانية لمنع توسع ألمانيا وحلفائها في أوروبا. وهنا يتضح أن أمريكا مرت من العزلة إلى الانفتاح، مع تصاعد قوتها الاقتصادية والعسكرية، وبتعبيرٍ أخر من النظرية الواقعية الدفاعية إلى الهجومية.


ج. ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 2017.


اتجهت الاستراتيجية الخارجية لأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية نحو الأمن والهيمنة، فقامت بنشر الليبرالية عن طريق المنظمات الدولية، وتحقيق الأمن الجماعي عن طريق الحلف العسكري “الناتو”.


بعد الحرب العالمية الثانية، كثفت أمريكا نشرها للثقافة الليبرالية، عن طريق المنظمات الدولية التي تنقسم إلى منظمات سياسية “الأمم المتحدة” وأخرى اقتصادية تتمثل في إنشاء نظام “بريتون وودز”. الأول لتحقيق السلام والأمن الدوليين، لتجنب وقوع حرب عالمية ثالثة، وفي الحقيقة فعالية الأمم المتحدة بشكلها الحالي، لمّ تظهر إلا بعد الحرب الباردة، وذلك بسبب خلافات الاتحاد السوفيتي مع أمريكا ليتم استخدام حق “النقد الفيتو” من الطرفين، وبعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي زادت فعالية الأمم المتحدة، لتصبح أمريكا تستغلها لإضافة شرعيتها لتحقيق سياساتها، وكما أنها تتجاوزها في حال تعارضت معها، وبرغم هذا الاستغلال أصبحت الأمم المتحدة أهم مظهر للشرعية الدولية[8].


المظهر الثاني لنشر الثقافة الليبرالية وهو إنشاء نظام بريتون وودز، الذي يهدف إلى وضع نظام اقتصادي جديد، يقوم أساسه على تحرير السوق العالمي، ورفض الحمائية، ونشر الخصخصة الاقتصادية الداخلية، ولتدعيم ذلك تم إنشاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، منظمة التجارة العالمية. وهذا بجانب العديد من الاتفاقات الأخرى التي قامت بها أمريكا مع دول ومنظمات دولية[9].


بالإضافة لتكثيفها من نشرٍ للثقافة الليبرالية، أقدمت أمريكا للعمل على الأمن الجماعي” حلف النيتو”. حاربت الولايات المتحدة المد الشيوعي، عن طريق “سياسة الاحتواء” التي نحتها جورج كينان، لتصبح أحد أهم الاستراتيجيات التي تتبعها أمريكا في وقف المد الشيوعي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولتحقيق ذلك لجأت الأمن الجماعي عن طريق إنشاء حلف “النيتو” عام 1949[10].


يتضح أن الولايات المتحدة ذهبت في هذه المرحلة إلى الواقعية الهجومية لتتوسع لتحقيق أمانها، حيث خاضت حُروبًا من أجل منع أي قوة من السيطرة، وحاربت انتشار الأسلحة النووية، كما أنها سعت إلى الهيمنة، لتكون على رأس القوى العالمة. لتستخدم الليبرالية والعولمة، والمنظمات الدولية، وحتى حلف النيتو لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، التي تُستنتج بالتالي:


الحفاظ على أمن الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، عن طرق الحصول على الضربة الاستباقية والسيطرة على أسلحة الدمار الشامل.
الحفاظ على بقاء أمريكا على رأس القوى العالمية.
السيطرة على الثقافة العالمية، والاقتصاد العالمي، عن طريق نشر الفكر الليبرالي، من خلال المنظمات الدولية السياسية مثل الأمم المتحدة والاقتصادية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية.
الفرق بين الاستراتيجية والسياسة الخارجية في أمريكا.
يُستنتجُ مما سُرد من التطور التاريخي للاستراتيجيات الخارجية الأمريكية أنها يغلبُ عليها الثبات، وتؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الأمريكية التي تتأرجح مع اختلاف الحزب الحاكم في البيت الأبيض، ولكنها تسير في تحقيق هدف استراتيجي واحد وهو في المقام الأول” الأمن والهيمنة“. فكما وضّح في السابق، يظهر الاهتمام الفائق في قضية تحقيق الأمن القومي الأمريكي وتجلى في “مبدأ مونرو” كدليل بارز لوضع هدف الأمن أولوية في تحقيق استراتيجيتها منذ البداية، ولتحقيق ذلك اتجهت في السابق للواقعية الدفاعية، وبعد تصاعد قوتها، اتجهت للواقعية الهجومية، لنلاحظ أنها دخلت الحرب العالمية الأولى والثانية ذلك لعدم السماح لهيمنة دولة على أوروبا، ومن ثمّ لتضع الهيمنة في أولويتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن. إذًا الفرق بين الاستراتيجية والسياسة الخارجية الأمريكية، أن الاستراتيجية يغلب عليها الثبات لتكون في المقام الأول لتحقيق “الأمن والهيمنة”، أما السياسة الخارجية تسعى للعمل على تحقيق الاستراتيجية، وتكون متأرجحة ومختلفة من مرحلة إلى أخرى، بسبب اختلاف الحزب الحاكم في البيت الأبيض، لتختلف أدوات تحقيق الاستراتيجية الأمريكية.


في عهد دونالد ترامب لم تختلف الاستراتيجية الأمريكية التي تذهب لتحقيق “الأمن والهيمنة” في المقام الأول، ولكن ظهر تحول في السياسة الخارجية بشكل متطرف تجاه العديد من دول العالم، وخاصة الصين، لتكسر أحد أهم الأهداف الأمريكية وهي “العولمة” لتسمح بانحراف أحد استراتيجياتها وهي الليبرالية الجديدة، وذلك لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة وهو “الأمن والهيمنة” وهذا ما سيتم توضيحه لاحقًا.


ثانيًا: محطات تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين


مع تصاعد النمو الاقتصادي الصيني في السبعينات، بدأت العلاقة الأمريكية الصينية تسير في طريق تعاوني متأثرة ” بدبلوماسية كرة الطاولة”[11]. حيث بدأت الإدارة الأمريكية تجد أن التعاون مع الصين سيكون مفيدًا لها، خاصًة في ظل تنافسها مع الاتحاد السوفيتي ومحاولة احتوائه. وأعقب ذلك توقيع إتفاقية شنغهاي عام 1972، بعد زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى بكين، ليؤكد فيه أن تايوان جزءٌ من الصين، وتوعد بانسحاب جميع القوات الأمريكية من تايوان[12].


تطورت السياسة الخارجية الأمريكية بإيجاب مع الصين، بعد تولي الرئيس الأمريكي جيرالد، ليتم سحب المقاتلات من تايوان، وينهي عقوبات منع بيع التكنلوجيا العسكرية لصين. وبرغم ظهور في تلك الفترة انقسام حزبي في الداخل الأمريكي، حول استمرار التطبيع مع الصين، ليميل اليمين، وعلى رأسهم رونالد ريغن، لوقف هذا التطبيع[13]. إلا أن السياسة الخارجية الأمريكية استمرت بالعمل على تعزيز التعاون مع الصين، حتى مالت في فترة قصيرة في عهد الرئيس ريغن، الذي تولى منصبه عام 1981، لتكون العلاقة متأرجحة في تلك الفترة، لتنتهي بميلها لزيادة التعاون بينهما بعد زيارة الرئيس ريغن الصين عام 1984.[14] وهذا يعتبر نجاحًا كبيرًا لصين، حيث إنَّ ريغن كان من أبرز مناهضي التطبع مع الصين، إلا أنه في النهاية ذهب إلى تدعيم التطبيع مع الصين. ظهر بعدها تعاون عسكري أمريكي صيني في تلك الفترة، ليوقع ريغن مع الصين اتفاقًا تعاونيًا نوويًا عام 1985، يسمح من خلاله بالتصدير إلى الصين التكنولوجيا النووّية، وذلك لتلبية حاجاتها من الطاقة، إلا أنه جمد هذا الاتفاق بعد وصول معلومات من المخابرات الأمريكية (CIA) توضح أن الصين قامت بدعم إيران وباكستان عسكريًا، لتقوم بتسليحهم، ودعمهم لبناء مفاعلات نووية[15].


في التسعينات، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي، وذوبان التخوف من هذا الخطر المشترك، اتجهت السياسة الخارجية الأمريكية إلى سياسات متشددة اتجاه الصين، لتبدأ أمريكا في نهاية عام 1989، بفرض عقوبات على المستوردات الصينية العسكرية والتكنولوجية المتطورة[16]. برغم ظهور هذا التوتر بينهما، إلا أن العلاقة بدأت فيما بعد بالتراجع إلى الهدوء والتعاون، ليكون هناك تصاعد تعاوني، فالولايات المتحدة حاولت وضع استراتيجية أكثر عقلانية تجاه الصين، وخاصة في عد الرئيس الأمريكي كلينتون، وذلك لتحقيق المصلحة التجارية المتبادلة. في تلك الفترة حدث تبادل زيارات بين الرئيس الصيني والأمريكي، ليزور الأول أمريكا عام 1997، وبعدها زار كلينتون الصين عام 1998[17]. وفي عام 2001 انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وهذا ما زاد الترابط التجاري بينها وبين جميع دول أعضاء منظمة التجارة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.


خلال هذه الفترة، ومع تولي جورج بوش الابن رئاسة أمريكا؛ ظهرت فكرة الصعود الصيني بشكل كبير، لينتشر الخوف مما قد تؤثر على استراتيجية الهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، ذهب الاهتمام الأكبر في السياسة الخارجية الأمريكية إلى قضية محاربة الإرهاب، لتتوجه السياسة الأمريكية لإيجاد حلفاء دوليين للقضاء على الإرهاب، ومنهم الصين التي أدانت فورًا أحداث الحادي عشر من سبتمبر. إلا أن فكرة الصعود الصيني عادة تبرز مرة أخرة في السياسة الخارجية الأمريكية مع تولي جورج بوش الابن الولاية الثانية، لتتوجه السياسة الخارجية الأمريكية بسياسات ضاغطة على الصين موجهة لها مجموعة من الاتهامات، كاتهامها أنها سبب زيادة البطالة الأمريكية[18].


رغم ظهور بعض التوتر حول صعود الصين، إلا أن أمريكا استمرت في سياساتها الإيجابية التعاونية مع الصين. ومع تولي أوباما ظهرت السياسة الخارجية أكثر تفاؤلا لتزايد التعاون مع الصين، فزار الرئيس أوباما الصين في السنة الأولى من حكمه[19]. وخلال فترة حكم أوباما ظهر هناك انقسام في الآراء حول الصين وأهدافها، لتظهر مجموعة من الأفكار تتحدث عن الخطر الصيني، ووصف بعض اليمينيين المناهضين للشيوعية الصين على أنها الشر الجديد[20]. رغم وصف القادة الصينيين أن نهضتهم سلمية، وأنها لا تسعى للهيمنة، إلا أن فكرة صعود الصين أخذت جانبًا ذا أهمية بالغة في السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة أن الصين كانت في صعود اقتصادي كبير جدًا، ونمو في قوتها العسكرية[21]. قامت السياسة الخارجية الأمريكية بمحاولة احتواء الصين، فكانت ترى أن هناك اختلال في توازن القوى في أسيا، لهذا عام 2012 وضع الرئيس الأمريكي أوباما استراتيجية تهدف إلى “إعادة التوازن إلى أسيا والمحيط الهادي”[22].


يتضح خلال تتبع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين، أن السياسة الأمريكية ما قبل تولي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، كانت تسير في تعزيز التعاون مع الصن لتحقيق مصالح اقتصادية، وبرغم ظهور بعض التوترات في علاقتها مع الصين، إلا أن التعاون استمر حتى تولي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، فظهر تحول كبير في السياسة الخارجية تجاه الصين، وذلك نتاج عن مجموعة من المتغيرات تدعم صعود الصين. فقامت إدارة ترامب إلى سياسات اقتصادية كانت سببًا في حدوث حربٍ تجارية بينهما، ما خلق توتر كبير في العلاقة الأمريكية الصينية. وبعد انتشار جائحة كوفيد 19، ألقت إدارة ترامب مجموعة من الاتهامات على الصين، لتزداد العلاقة تعقيدًا بينهما.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

أثارت فعالية فك...

أثارت فعالية فكرية عقدتها السفارة اليمنية في القاهرة، الأسبوع الماضي، بمشاركة الداعية الصوفي علي الج...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...

ad يترقب المقيم...

ad يترقب المقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي بدء تفعيل التأشيرة الخليجية الموحدة بعد مرور أكثر من ع...

Bullying is a r...

Bullying is a repeated aggressive behavior that involves an imbalance of power between the bully and...

فاللغة العربية ...

فاللغة العربية ليست فقط لغة المسلمين، ووسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي تعديل سلوك التلاميذ اللغوي من خلال...

1-تعتبر أسرة مح...

1-تعتبر أسرة محمد آل علي الإبداع والإبتكار هي أول نقطة في الإنطلاق إلى التحسين في شتى المجالات حيث ق...

يعتبر فول الصوي...

يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...