لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (51%)

عوامل ظهور الدول الإسلامية المستقلة في المشرق الإسلامي.ارتبطت ظاهرة الاستقلال السياسي في الجناح الشرقي للعالم الإسلامي بإفرازات الواقع السياسي
والاقتصادي والاجتماعى خلال العصر العباسي الأول وقد بدأت هذه الظاهرة في منتصف القرن الثالث الهجرى
وبداية لا نستطيع أن نقر هذه المسميات التي اعتاد المحدثون أن يطلقوها على هذه الكيانات فيما عرف
ويكفى أن نطلق عليها الدويلات الإقليمية أو الإمارات المستقلة في المشرق الإسلامي،وهذا الأمر راجع إلى الاعتماد على الأصول والتنظير في مثل هذه المسائل. فمن خلال كتب الأحكام،الماوردى الذى ألف كتابه الأحكام السلطانية فى منتصف القرن الخامس الهجرى بعد أن اكتملت التجربة وعاصر
يذكر الماوردي في الجزء الخاص عن الإمارة أن الإمارة نوعان خاصة وعامة،تهمنا فهى على ضربين إمارة استكفاء بعقد عن اختيار وهي معقودة على عمل محدود ونظر معهود يفوض إليه
الخليفة إمارة أو بلد أو إقليم على جميع أهله فيصير عام النظر. أما إمارة استيلاء بعقد عن اضطرار فهي أن
يستولى الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة إمارتها ويفوض إليه تدبيرها وسياستها ويكون الأمير باستيلائه مستبد
أما الناحية الأخرى التى يشير إليها الماوردى فى أحكامه: " إذا فوض الخليفة تدبير
الأقاليم إلى ولاتها ووكل النظر فيها إلى المستولين عليها كالذي في زماننا" أى أن إمارة الاستيلاء كانت تمثل
قضية مطروحة على الساحة السياسية فى عهده واجهها بالتشريع ليحافظ على شوكة الدولة وسلطة الخليفة من
جانب ليفرض التعامل مع الواقع السياسي، أو أن التجربة كانت قد اكتملت وتحتاج إلى التنظير ووضعها في قالب
كما يشير الماوردى أيضا إلى الشروط أو الواجبات التي تجب على الأمير المستولى تلك الواجبات التي
تحدد العلاقة بين الخليفة وأمير الاستيلاء والتي في جوهرها دينية لحفظ حقوق الخلافة ومنها ظهور الطاعة. نجد أن قيامها قد مر بدورين الأول برضاء الخلافة
وتمثل ذلك في قيام الطاهريين في خراسان 205هـ /820م ، في خلافة المأمون والخلافة لا تزال مرهوبة الجانب
وإن تخلت عن المركزية بعض الشيئ بهدف حماية حدودها في مناطق الأطراف بعد أن بدأت الإقليمية تطل
والدور الثاني قامت فيه بعض الكيانات السياسية رغما عن الخلافة، القدرة على الانفراد بالأمر مستفيدين من ضعف الخلافة العباسية التي وضعت تحت سيطرة
الأتراك فقامت الإمارة السامانية ثم الغزنوية وغيرها، فضلا عن الإمارات التي قامت وسيطرت على الخلافة
ومع أن هذه الدويلات كانت قوية فقد كانت تحاول دائما أن تحصل على رضاء الخلافة ما أمكن من خلال
إرسال الأموال والهدايا إلى الخلافة بهدف الحصول على التقليد الشرعي في وقت كانت فيه الخلافة العباسية
ضعيفة ولا تملك حتى أن تحمى نفسها بينما كانت هذه الدويلات تمثل قوة ضاربة في مناطق الأطراف، ومع ذلك كانت في حاجة دائمة إلى الشرعية من الخلافة التي تملك
السلطان الروحى وحريصة على شراء هذه الطاعة وإن كان هذا الخضوع للخلافة مجرد خضوعا اسميا،يستطيعوا أن يستقلوا عن الخلافة تماما مثلما حدث في بلاد المغرب.كذلك نجد أن أمراء المشرق الإسلامى وإن كانوا حريصين على الاستئثار بالسلطة،حرصا على استمرار الطاعة والولاء للخلافة، فالإمارة الصفارية مثلا التي طمعت بعد قيامها في أن تحل محل
الأتراك في الخلافة وكشفت عن نياتها بشكل سافر عندما خرج يعقوب بن الليث الصفار بجيشه لدخول بغداد نفسها
لم يطعه جنده عندما ظهر الخليفة المعتمد على رأس جيش الخلافة وتخلوا عنه،على الخلافة وما تعرضت له الخلافة أثناء هذه الفترة من ضياع هيبتها، ومهما قيل عن وسائل إذلال الخلافة خلال
سيطرة الأتراك ومن بعدهم البويهيين، لكن علاقتهم بالخلافة مع ذلك ظلت محكومة دائما بضرورة رضاء الخلافة
واعتبار شخص الخليفة وأهميته لوجودهم رغم ضعف الخلافة.وهناك ارتباط بين ما قام به الفرس والترك تجاه الخلافة وبين هذه الشعوب والبيئة التي أتوا منها،الذين أقاموا عددا من هذه الدويلات في المشرق كانوا دائما محكومين باحترام شخصية الخليفة ارتباطا بماضيهم
منذ أيام السامانيين فيما عرف بـ"الحق الملكي الإلهى المقدس" ، أما الأتراك فقد تأثروا أيضا بالبيئة التي أتو منها
وتمثل ذلك فى طابع هذه العناصر التى اعتنقت الإسلام وما عرفت به من التعصب الشديد للسنة والنظرة الضيقة
والولاء العميق لخليفة المسلمين.ولذلك فإن هذه التجربة في شرقي العالم الإسلامى تختلف عن تجربة الغرب، خاصة في بلاد المغرب
فمع أنها تشترك مع المشرق فى وقوع كل منهما في أطراف العالم الإسلامي،على الخلافة وهذا يرجع إلى اختلافها عن المشرق في نواح كثيرة منها خصوصية بلاد المغرب التي نشأت منذ
واتضح هذا منذ بداية الفتوحات حتى أن مرحلة الفتح قد تجاوزت السبعين عاما بسبب
المقاومة البربرية الشديدة الشرسة وما ترتب على ذلك من ضياع جهود الفاتحين، وتختلف بلاد المغرب أيضا عن
المشرق من حيث مدى الحفاظ على الارتباط بالخلافة، فقد ارتبطت هي الأخرى ببيئتها وظروفها،حركات المعارضة التي فشلت في المشرق في العصر الأموى والعباسي وجدت مرتعا خصبا في بلاد المغرب،كما أن الدول التي قامت بها خلال القرن الثاني الهجرى بدأت رافضة أساسا لوجود خلافة المشرق ونشأت أيضا
كقوة معارضة مثل دولتي الخوارج ودولة الأدارسة العلويين، كما أن أول تجربة إقليمية أقامتها الخلافة العباسية
برضاها كانت دولة الأغالبة عام 184هـ / 800م عندما أقرت الخلافة النزعة الإقليمية، وقد سبقت بذلك قيام الدولة
كذلك ما يؤيد أن هذه الكيانات التي قامت في المشرق كانت مجرد دويلات أو إمارات أن بعضها قد شمل
فترة زمنية قصيرة مثل الإمارة الصفارية التي اقتصرت على خمسة وثلاثين عاما من عام 254-290هـ
والطاهرية قبلها فيما بين 205-259هـ والسامانية ما بين 279-378هـ والإمارة الزيارية ما بين 376-432هـ ما
جعل البعض يطلق عليها الإمارات المستقلة أو الأمراء المستقلون ومما يؤيد ذلك أن نفوذهم السياسي لم يتجاوز
الحد الذي ذكرناه بدليل الألقاب التي اتخذوها والتى نقشوها على سككهم، فلم يلقبوا بالقاب السلاطين إلا في فترات
إنما ظل الواحد منهم يلقب بلقب الأمير أو الملك.الفارسية أن تتغلب على إيران كلها في حركة سياسية شاملة، إنما حدث أن كل إقليم من أقاليم إيران أو كل ولاية
من ولاياتها حصلت على الاستقلال الذاتي وظهرت بينها إمارات تنظر إلى الإمارات الأخرى نظرة عداء حتى إذا
بدا الضعف على إحداها قامت أخرى لتبتلع ممتلكاتها وذلك لأنه لم يكن هناك ثمة تفكير في قومية إيرانية شاملة
فكانت مرحلة الاستقلال المجزاً.كذلك لم يكتف هؤلاء الأمراء بتأكيد انتسابهم إلى الأكاسرة الفرس، بل راح بعضهم يعمل على التشبه بهم
في نظم الحكم وإحياء الكثير من التقاليد الفارسية القديمة فمنهم من لبس تاج كسرى من آل زيار حيث عمل له تاج
من الذهب جمعت فيه أنواع الجوهر وضرب له سرير من ذهب مرصع بالجوهر،عظيمة وجعل أمامه سريرا من الفضة عليه فرش مبسوط ودون ذلك كراسى مذهبة ليرتب أصحاب الأقدار
بمراتبهم وإذا كان آل زيار قد جهروا بهذا الأمر فإن غيرهم من الأمراء مثل الطاهريين والسامانيين والغزنويين
الذين ظهروا بمظهر الولاء الكامل للخلافة العباسية كانوا في حياتهم الخاصة وجالسهم وبلاطهم ودواوينهم إنما
ونلاحظ أيضا أن بلاط هؤلاء الأمراء كان من أهم المراكز التي كانت تجذب
الكثيرون مثل بلاط السامانيين بخارى وبلاط الغزنويين في غزنة.أما عن ظروف قيام هذه الدويلات فإنها ترجع إلى عوامل مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وبعضه
كان كامنا في جسم الخلافة في عصرها الأول وعندما تجمعت لها الظروف بدأت الإقليمية تطل برأسها وتحاول أن
تؤكد وجودها على كافة الأصعدة، حتى تصبح السمة الغالبة للعصر العباسي الثاني،العباسية قد ضعفت بعد الخليفة الواثق مباشرة بسبب ظهور عنصر الأتراك على المسرح السياسي،يمثل حدا فاصلا بين عصرين متمايزين بالنسبة للأتراك عام .232هـ وكان ظهور الأتراك مرتبطا بتغير أحوال
من خلال سيطرة القوى الخارجية على طرق التجارة العالمية برا وبحرا
وهيمنتها الكاملة على التجارة وحرمان العالم الإسلامي من دوره التقليدى كوسيط في تجارة العبور بين الشرق
فى الشرق ظهر الخطر الصيني وعصف بالوجود الإسلامي في المحيط الهندى وطرد التجار المسلمين
من مراكزها في الصين كما تعقبوا فلول المسلمين من الأقاليم التى اقتطعوها من أسيا الصغرى،البيزنطيون في أعالى العراق والشام واستولوا على الثغور الجزرية والشامية، كما استردوا جزيرتي قبرص
وكريت في البحر المتوسط وسيطروا بأساطيلهم على شرقى هذا البحر، فأدى ذلك بدوره إلى حرمان الطبقة
الوسطى التي عملت بالتجارة من مقوماتها الأساسية، إذ أن هذه الظروف الجديدة قد أثرت على النشاط التجاري
بين أجزاء العالم الإسلامي وأدت إلى تدهور الأحوال الاقتصادية مما ساعد على ظهور الأتراك.وتفصيل ذلك أن المجتمع الإسلامي الذي شهد في العصر العباسي الأول ازدهارا ملحوظا على كافة
كان عليه أن يواجه الظروف الجديدة التي نجمت عن تقلص مواردها من تجارة العبور كما المحنا،تزايدت الحاجة إلى الأموال للإنفاق على حياة البذخ ورواتب الجهاز الإدارى وأعطيات الجند،الفتوحات الإسلامية قد توقفت والتي كانت مغانمها تفى رواتب الجند، لذا لجأت الدولة إلى زيادة الضرائب من
وبديهي أن تؤدى مثل هذه الإجراءات إلى مزيد من التدهور الاقتصادي مما ساعد على تذمر الطبقات
المختلفة في شكل ثورات وتحول الطبقة الوسطى التي أسهمت في العصر العباسي الأول في ازدهار الحياة
الاقتصادية عن ولائها وتصدر الثورات ضدها.لذلك زادت حاجة الدول إلى الجند، ولما كان الفرس والعرب يكونون جيش الخلافة آنئذ،العباسيين تضعف بالفرس خاصة من طموح أبي مسلم الخراساني والبرامكة وبنى سهل.شأنهم منذ قيام الدولة العباسية، لذلك لجأت الخلافة إلى عنصر جديد هو عنصر
الترك. وكان طبيعيا أن ينشأ الصراع بين الجند القديم والجند الجديد وأدى ذلك إلى زيادة المعارضة واشتعال
الثورات مما ساعد على تزايد الحاجة إلى المال لضمان ولاء الترك، فلجات
الخلافة إلى إقطاع الأرض للجند الجديد مقابل الخدمة العسكرية.والقضاء على الثورات، لكن ضعف الخلافة بعد الواثق مباشرة وتناقل المؤرخون الأخبار حول العدوان على
أشخاص الخلفاء بالسجن والتعذيب أو العزل وردوا ذلك إلى ضعف الخلفاء العباسيين وانصرافهم إلى اللهو
المحنا سلفا، فضلا عن التخلخل الذى أصاب جسم الخلافة نفسها، فالخلافة كانت تستمد نفوذها من صادر متعددة.بداية اعتمدت الخلافة على دعوة دينية منظمة بين رؤساء التنظيم في بغداد وبين شبكات الدعاة وجماهير
الأنصار في الأقاليم ظلت طوال العصر العباسي الأول، ولم تضعف فقط صلات الخلفاء العباسيين في العصر
الثاني بشبكات الدعاة في كافة أرجاء العالم الإسلامي،للغاية بعد الخليفة المتوكل،الأول من أمراء الأمصار، وهذا معناه أن الخليفة قد فقد قيادته لهذا التنظيم العقائدى مما أدى إلى فقده لبعض
مظاهر الهيبة فضلا عما تعرض له الخلفاء من مظاهر الإذلال من قبل القادة الأتراك. لكن هذا
فمعلوم أن السفاح
وسليمان،المنصور، كما أن الخليفة المنصور نفسه قام بعزل سليمان من ولاية العهد كذلك وجدنا العباسيين يميلون إلى
الثنائية في تولية العهد فالسفاح يولى أبي جعفر ثم عيسى بن موسى والمنصور يولى المهدى ثم عيسى بن موسى، وهذا يبين أن ضعف
الخلافة العباسية لم يظهر فجأة، بل أن عوامل الضعف كانت مرتبطة بعوامل القوة أيضا.فضلا عن ذلك اعتمدت الخلافة على عصبية قوية متماسكة تؤمن أن بقاءها مرتبط ببقاء الخلافة قوية
العباسية مصدر من مصادر القوة. وقد بدأت العصبية العربية تضعف تدريجيا بسبب ترق العرب في الأمصار
واختلاط أنسابهم مع أهالى البلاد المفتوحة، كما أن الخلافة نفسها قد نجحت في تلاشي وتضاؤل العنصر العربي
معنى ذلك، فإن
فقدها يؤدى إلى ضعف الخلافة. ولما كان الأتراك لا يولون الحياة الاقتصادية أي اهتمام، بل عكفوا على جمع الأموال دون
النظر إلى المصلحة العامة وتحسين أحوال الرعية، كما انعكس تسلطهم على الحياة الاقتصادية إلى اللجوء إلى
وتمثلت هذه
صورا شتى في الريف والحضر، فبدأت في الريف بهروب الفلاحين من الضياع وتحولت إلى قطع الطرق ثم
تطورت إلى ثورات فلاحية، أما في المدن فكانت حركات المعارضة أكثر تنظيما وفاعلية بسبب زيادة الوعي
الطبقي حتى استطاعت أن تكون نقابات وأصناف، انتظم فيها التجار وأهل الحرف ومنها تنظيمات العيارين و
الفتيان، فكانت تقطع الطرق على قوافل كبار التجار وتغتال قادة الترك،الإدارى المتواطئ مع السلطة وتشكلت فرقا لحماية الأسواق من المغارم كرد فعل لتجاوزات الأتراك، كذلك
مؤازرة المصلحين من المتنافسين في الحكم.وقد شاعت حركات الفتيان في العالم الإسلامي بأسره وإن اختلفت تسمياتها باختلاف الأقاليم فعرفوا
كذلك من العوامل التي ساعدت على ظهور هذه الإمارات التقدم الإيراني للعناصر الإيرانية ثم التركية
وفيما يخص العناصر الإيرانية نجد أنها قد استطاعت أن تتقدم بشكل كبير، فهي التي أيدت الدعوة
العباسية من البداية وكانت عدتها ورجالها وقود الثورة، وجندها هم الذين حملوا عبء الدفاع عنها في زحفها نحو
وظل أهل خراسان أداة المنصور في القضاء على أعدائه الذين قاموا بثورات خاصة في الحجاز، كما
كما أن العباسيين لم يتخلوا عن أهل خراسان،ظهروا وانتصروا بعد الصراع بين الأمين والمأمون واستعان بهم المأمون ليمكن السلطانه وقد احتكروا كثير من
المناصب العسكرية، كما كانت بيدهم الوزارة بداية من أبي سلمة الخلال وأبي أيوب الودياني وزير المنصور
الأول كانوا من العناصر الإيرانية. فقد كان للوزراء أعوان من الكتاب كذلك لولاة الأقاليم، بل وصل
الأمر إلى توارث هذه المناصب السياسية،وإذا كان العرب قد استطاعوا أن يظهروا على المسرح السياسي خلال خلافة الأمين فإن انتصار المأمون بعد
تأكيدا لنفوذ أهل خراسان، وإذا كان العباسيون قد انتهجوا سياسة معينة تجاه العناصر الإيرانية الصاعدة والتي
كانت تقوم على أساس نظرية المشاركة في إتاحة الفرصة لهذه العناصر في الحصول على ما شاء لها من مناصب
في حدود الطاعة وإلا كان نصيبها الكبت والقهر وأن كانت الخلافة لم تتخل عن هذه السياسة طوال عصرها الأول
متمثلة في قتل أبي مسلم الخراساني ونكبة البرامكة ثم نكبة بنى سهل، فهذا كان في صالح الخلافة حتى لا تخل
لكن مع ضعف الخلافة كما بينا انتهزت هذه العناصر الفرصة مستفيدين من الأوضاع العامة، ويرى
البعض أن ظهور هذه الإمارات يعد تعبيرا عن قومية إيرانية واضحة، أما الحركات الاستقلالية التي قام بها
وتجدر الإشارة إلى لفظ يرد كثيرا في كتب المؤرخين وهو لفظ "المتغلبون" أو حكام الأطراف، وهذا
اللفظ يرجع إلى الكيفية التي تحكم بها هؤلاء الأمراء سواء كان أمير أو صاحب جند أو قائد يتغلب على ناحية من
النواحي يطلقون عليه اسم "المتغلب" أو "صاحب" "طرف" أما الفرس فيطلقون عليه طرفدار" وإمارته "إمارة
وقد أسلفنا القول أن هذه الكيانات قد مرت بدورين برضاء الخلافة، ورغما عن الخلافة، أى بالتفويض ثم
الاستيلاء وقد استخدمت هذه الألفاظ في كتب المؤرخين،الإسلامية إلى قسمين قسم نشأت فيه الولاية باختيار الخليفة،للعدو بغرض الاهتمام بهذا الثغر وتقويته ليستطيع دفع الأعداء أو مد نفوذ المسلمين في هذه الأطراف المتاخمة
أما القسم الآخر الذى نشأت فيه الولاية على كره من الخليفة وفى إقراره نوع من المرونة السياسية للأمر
والدولة الصفارية، والدولة الزيدية في طبرستان وجرجان وبلاد الديلم، أما الدول التركية التي قامت في المشرق الإسلامى هى الدولة الغزنوية، والدولة السلجوقية،والدولة الخوارزمية ودولة الإسماعيلية في إيران، وسوف نستعرض لهذه الدول حسب ترتيب قيامها الزمني.حيث كان لانتصار العنصر الفارسي وإعلاء شأن زعيمهم الفضل بن سهل ورجاله الذين اصطنعهم، أن
وزيادة مطالبهم بمكاسب أخرى،نح قائده طاهر بن الحسين حق إقامة دولة مستقلة سنة 205هـ/821م عرفت بالدولة الطاهرية،


النص الأصلي

عوامل ظهور الدول الإسلامية المستقلة في المشرق الإسلامي.
ارتبطت ظاهرة الاستقلال السياسي في الجناح الشرقي للعالم الإسلامي بإفرازات الواقع السياسي
والاقتصادي والاجتماعى خلال العصر العباسي الأول وقد بدأت هذه الظاهرة في منتصف القرن الثالث الهجرى



  • التاسع الميلادي.
    وبداية لا نستطيع أن نقر هذه المسميات التي اعتاد المحدثون أن يطلقوها على هذه الكيانات فيما عرف
    بالدول الإسلامية المستقلة، ويكفى أن نطلق عليها الدويلات الإقليمية أو الإمارات المستقلة في المشرق الإسلامي،
    وهذا الأمر راجع إلى الاعتماد على الأصول والتنظير في مثل هذه المسائل. فمن خلال كتب الأحكام، خاصة
    الماوردى الذى ألف كتابه الأحكام السلطانية فى منتصف القرن الخامس الهجرى بعد أن اكتملت التجربة وعاصر
    بعض هذه الكيانات وقتذاك.
    يذكر الماوردي في الجزء الخاص عن الإمارة أن الإمارة نوعان خاصة وعامة، أما العامة، وهي التي
    تهمنا فهى على ضربين إمارة استكفاء بعقد عن اختيار وهي معقودة على عمل محدود ونظر معهود يفوض إليه
    الخليفة إمارة أو بلد أو إقليم على جميع أهله فيصير عام النظر. أما إمارة استيلاء بعقد عن اضطرار فهي أن
    يستولى الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة إمارتها ويفوض إليه تدبيرها وسياستها ويكون الأمير باستيلائه مستبد
    بالسياسة والتدبير. هذه ناحية، أما الناحية الأخرى التى يشير إليها الماوردى فى أحكامه: " إذا فوض الخليفة تدبير
    الأقاليم إلى ولاتها ووكل النظر فيها إلى المستولين عليها كالذي في زماننا" أى أن إمارة الاستيلاء كانت تمثل
    قضية مطروحة على الساحة السياسية فى عهده واجهها بالتشريع ليحافظ على شوكة الدولة وسلطة الخليفة من
    جانب ليفرض التعامل مع الواقع السياسي، أو أن التجربة كانت قد اكتملت وتحتاج إلى التنظير ووضعها في قالب
    فقهی متعارف عليه.
    كما يشير الماوردى أيضا إلى الشروط أو الواجبات التي تجب على الأمير المستولى تلك الواجبات التي
    تحدد العلاقة بين الخليفة وأمير الاستيلاء والتي في جوهرها دينية لحفظ حقوق الخلافة ومنها ظهور الطاعة.
    ولتطبيق هذه الأحكام على هذه الكيانات السياسية، نجد أن قيامها قد مر بدورين الأول برضاء الخلافة
    وتمثل ذلك في قيام الطاهريين في خراسان 205هـ /820م ، في خلافة المأمون والخلافة لا تزال مرهوبة الجانب
    وإن تخلت عن المركزية بعض الشيئ بهدف حماية حدودها في مناطق الأطراف بعد أن بدأت الإقليمية تطل
    برأسها في هذه المناطق، والدور الثاني قامت فيه بعض الكيانات السياسية رغما عن الخلافة، وتلك التي رأى
    أمراؤها في أنفسهم، القدرة على الانفراد بالأمر مستفيدين من ضعف الخلافة العباسية التي وضعت تحت سيطرة
    الأتراك فقامت الإمارة السامانية ثم الغزنوية وغيرها، فضلا عن الإمارات التي قامت وسيطرت على الخلافة
    نفسها مثل الإمارة البويهية.
    ومع أن هذه الدويلات كانت قوية فقد كانت تحاول دائما أن تحصل على رضاء الخلافة ما أمكن من خلال
    إرسال الأموال والهدايا إلى الخلافة بهدف الحصول على التقليد الشرعي في وقت كانت فيه الخلافة العباسية
    ضعيفة ولا تملك حتى أن تحمى نفسها بينما كانت هذه الدويلات تمثل قوة ضاربة في مناطق الأطراف، فضلا عن
    قيامها بنشر الإسلام فى المناطق التي تليها، ومع ذلك كانت في حاجة دائمة إلى الشرعية من الخلافة التي تملك
    السلطان الروحى وحريصة على شراء هذه الطاعة وإن كان هذا الخضوع للخلافة مجرد خضوعا اسميا، لكنهم لم
    يستطيعوا أن يستقلوا عن الخلافة تماما مثلما حدث في بلاد المغرب.
    أشد
    كذلك نجد أن أمراء المشرق الإسلامى وإن كانوا حريصين على الاستئثار بالسلطة، لكننا نجدهم
    حرصا على استمرار الطاعة والولاء للخلافة، فالإمارة الصفارية مثلا التي طمعت بعد قيامها في أن تحل محل
    الأتراك في الخلافة وكشفت عن نياتها بشكل سافر عندما خرج يعقوب بن الليث الصفار بجيشه لدخول بغداد نفسها
    لم يطعه جنده عندما ظهر الخليفة المعتمد على رأس جيش الخلافة وتخلوا عنه، وما قام به البويهيون من السيطرة
    على الخلافة وما تعرضت له الخلافة أثناء هذه الفترة من ضياع هيبتها، ومهما قيل عن وسائل إذلال الخلافة خلال
    سيطرة الأتراك ومن بعدهم البويهيين، لكن علاقتهم بالخلافة مع ذلك ظلت محكومة دائما بضرورة رضاء الخلافة
    واعتبار شخص الخليفة وأهميته لوجودهم رغم ضعف الخلافة.
    وهناك ارتباط بين ما قام به الفرس والترك تجاه الخلافة وبين هذه الشعوب والبيئة التي أتوا منها، فالفرس
    الذين أقاموا عددا من هذه الدويلات في المشرق كانوا دائما محكومين باحترام شخصية الخليفة ارتباطا بماضيهم
    منذ أيام السامانيين فيما عرف بـ"الحق الملكي الإلهى المقدس" ، أما الأتراك فقد تأثروا أيضا بالبيئة التي أتو منها
    وتمثل ذلك فى طابع هذه العناصر التى اعتنقت الإسلام وما عرفت به من التعصب الشديد للسنة والنظرة الضيقة
    للدين، والولاء العميق لخليفة المسلمين.
    ولذلك فإن هذه التجربة في شرقي العالم الإسلامى تختلف عن تجربة الغرب، خاصة في بلاد المغرب
    فمع أنها تشترك مع المشرق فى وقوع كل منهما في أطراف العالم الإسلامي، لكن المغرب كان سباقا في الخروج
    على الخلافة وهذا يرجع إلى اختلافها عن المشرق في نواح كثيرة منها خصوصية بلاد المغرب التي نشأت منذ
    البداية كبيئة معارضة، واتضح هذا منذ بداية الفتوحات حتى أن مرحلة الفتح قد تجاوزت السبعين عاما بسبب
    المقاومة البربرية الشديدة الشرسة وما ترتب على ذلك من ضياع جهود الفاتحين، وتختلف بلاد المغرب أيضا عن
    المشرق من حيث مدى الحفاظ على الارتباط بالخلافة، فقد ارتبطت هي الأخرى ببيئتها وظروفها، حتى أن
    حركات المعارضة التي فشلت في المشرق في العصر الأموى والعباسي وجدت مرتعا خصبا في بلاد المغرب،كما أن الدول التي قامت بها خلال القرن الثاني الهجرى بدأت رافضة أساسا لوجود خلافة المشرق ونشأت أيضا
    كقوة معارضة مثل دولتي الخوارج ودولة الأدارسة العلويين، كما أن أول تجربة إقليمية أقامتها الخلافة العباسية
    برضاها كانت دولة الأغالبة عام 184هـ / 800م عندما أقرت الخلافة النزعة الإقليمية، وقد سبقت بذلك قيام الدولة
    الطاهرية بنحو ربع قرن.
    كذلك ما يؤيد أن هذه الكيانات التي قامت في المشرق كانت مجرد دويلات أو إمارات أن بعضها قد شمل
    فترة زمنية قصيرة مثل الإمارة الصفارية التي اقتصرت على خمسة وثلاثين عاما من عام 254-290هـ
    والطاهرية قبلها فيما بين 205-259هـ والسامانية ما بين 279-378هـ والإمارة الزيارية ما بين 376-432هـ ما
    جعل البعض يطلق عليها الإمارات المستقلة أو الأمراء المستقلون ومما يؤيد ذلك أن نفوذهم السياسي لم يتجاوز
    الحد الذي ذكرناه بدليل الألقاب التي اتخذوها والتى نقشوها على سككهم، فلم يلقبوا بالقاب السلاطين إلا في فترات
    متأخرة مع الغزنويين، إنما ظل الواحد منهم يلقب بلقب الأمير أو الملك. كما لم تستطع هذه الكيانات خاصة
    الفارسية أن تتغلب على إيران كلها في حركة سياسية شاملة، إنما حدث أن كل إقليم من أقاليم إيران أو كل ولاية
    من ولاياتها حصلت على الاستقلال الذاتي وظهرت بينها إمارات تنظر إلى الإمارات الأخرى نظرة عداء حتى إذا
    بدا الضعف على إحداها قامت أخرى لتبتلع ممتلكاتها وذلك لأنه لم يكن هناك ثمة تفكير في قومية إيرانية شاملة
    لهذه المرحلة، فكانت مرحلة الاستقلال المجزاً.
    كذلك لم يكتف هؤلاء الأمراء بتأكيد انتسابهم إلى الأكاسرة الفرس، بل راح بعضهم يعمل على التشبه بهم
    في نظم الحكم وإحياء الكثير من التقاليد الفارسية القديمة فمنهم من لبس تاج كسرى من آل زيار حيث عمل له تاج
    من الذهب جمعت فيه أنواع الجوهر وضرب له سرير من ذهب مرصع بالجوهر، فجلس عليه وجعل عليه منصة
    عظيمة وجعل أمامه سريرا من الفضة عليه فرش مبسوط ودون ذلك كراسى مذهبة ليرتب أصحاب الأقدار
    بمراتبهم وإذا كان آل زيار قد جهروا بهذا الأمر فإن غيرهم من الأمراء مثل الطاهريين والسامانيين والغزنويين
    الذين ظهروا بمظهر الولاء الكامل للخلافة العباسية كانوا في حياتهم الخاصة وجالسهم وبلاطهم ودواوينهم إنما
    يحيون النماذج الفارسية القديمة. ونلاحظ أيضا أن بلاط هؤلاء الأمراء كان من أهم المراكز التي كانت تجذب
    الكثيرون مثل بلاط السامانيين بخارى وبلاط الغزنويين في غزنة.
    أما عن ظروف قيام هذه الدويلات فإنها ترجع إلى عوامل مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وبعضه
    كان كامنا في جسم الخلافة في عصرها الأول وعندما تجمعت لها الظروف بدأت الإقليمية تطل برأسها وتحاول أن
    تؤكد وجودها على كافة الأصعدة، حتى تصبح السمة الغالبة للعصر العباسي الثاني، ومن المعلوم أن الخلافة
    العباسية قد ضعفت بعد الخليفة الواثق مباشرة بسبب ظهور عنصر الأتراك على المسرح السياسي، إذ كان عصره
    يمثل حدا فاصلا بين عصرين متمايزين بالنسبة للأتراك عام .232هـ وكان ظهور الأتراك مرتبطا بتغير أحوال
    العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية، من خلال سيطرة القوى الخارجية على طرق التجارة العالمية برا وبحرا
    وهيمنتها الكاملة على التجارة وحرمان العالم الإسلامي من دوره التقليدى كوسيط في تجارة العبور بين الشرق
    والغرب.
    فى الشرق ظهر الخطر الصيني وعصف بالوجود الإسلامي في المحيط الهندى وطرد التجار المسلمين
    من مراكزها في الصين كما تعقبوا فلول المسلمين من الأقاليم التى اقتطعوها من أسيا الصغرى، كما توغل
    البيزنطيون في أعالى العراق والشام واستولوا على الثغور الجزرية والشامية، كما استردوا جزيرتي قبرص
    وكريت في البحر المتوسط وسيطروا بأساطيلهم على شرقى هذا البحر، فأدى ذلك بدوره إلى حرمان الطبقة
    الوسطى التي عملت بالتجارة من مقوماتها الأساسية، إذ أن هذه الظروف الجديدة قد أثرت على النشاط التجاري
    بين أجزاء العالم الإسلامي وأدت إلى تدهور الأحوال الاقتصادية مما ساعد على ظهور الأتراك.
    وتفصيل ذلك أن المجتمع الإسلامي الذي شهد في العصر العباسي الأول ازدهارا ملحوظا على كافة
    الأصعدة، كان عليه أن يواجه الظروف الجديدة التي نجمت عن تقلص مواردها من تجارة العبور كما المحنا، وقد
    تزايدت الحاجة إلى الأموال للإنفاق على حياة البذخ ورواتب الجهاز الإدارى وأعطيات الجند، لا سيما أن
    الفتوحات الإسلامية قد توقفت والتي كانت مغانمها تفى رواتب الجند، لذا لجأت الدولة إلى زيادة الضرائب من
    مكوس وعشور وخراج
    وبديهي أن تؤدى مثل هذه الإجراءات إلى مزيد من التدهور الاقتصادي مما ساعد على تذمر الطبقات
    المختلفة في شكل ثورات وتحول الطبقة الوسطى التي أسهمت في العصر العباسي الأول في ازدهار الحياة
    الاقتصادية عن ولائها وتصدر الثورات ضدها.
    لذلك زادت حاجة الدول إلى الجند، ولما كان الفرس والعرب يكونون جيش الخلافة آنئذ، وبدأت ثقة
    العباسيين تضعف بالفرس خاصة من طموح أبي مسلم الخراساني والبرامكة وبنى سهل. أما العرب فقد ضعف
    شأنهم منذ قيام الدولة العباسية، فضلا عن اشتراكهم في الثورات، لذلك لجأت الخلافة إلى عنصر جديد هو عنصر
    الترك. وكان طبيعيا أن ينشأ الصراع بين الجند القديم والجند الجديد وأدى ذلك إلى زيادة المعارضة واشتعال
    الثورات مما ساعد على تزايد الحاجة إلى المال لضمان ولاء الترك، ولما كانت خزائن الدولة خاوية، فلجات
    الخلافة إلى إقطاع الأرض للجند الجديد مقابل الخدمة العسكرية.
    وظل الأتراك حتى نهاية العصر العباسي الأول عماد الجيش وإليهم يرجع الفضل في انتصار عمورية
    والقضاء على الثورات، لكن ضعف الخلافة بعد الواثق مباشرة وتناقل المؤرخون الأخبار حول العدوان على
    أشخاص الخلفاء بالسجن والتعذيب أو العزل وردوا ذلك إلى ضعف الخلفاء العباسيين وانصرافهم إلى اللهو
    والحقيقة أن الأمر لم يكن ضعف أشخاص بقدر ما كان ضعف نظام دولة أثرت عليها متغيرات السياسة الدولية كما
    المحنا سلفا، فضلا عن التخلخل الذى أصاب جسم الخلافة نفسها، فالخلافة كانت تستمد نفوذها من صادر متعددة.
    بداية اعتمدت الخلافة على دعوة دينية منظمة بين رؤساء التنظيم في بغداد وبين شبكات الدعاة وجماهير
    الأنصار في الأقاليم ظلت طوال العصر العباسي الأول، ولم تضعف فقط صلات الخلفاء العباسيين في العصر
    الثاني بشبكات الدعاة في كافة أرجاء العالم الإسلامي، وفى بداية العصر العباسي الثاني، بل أنها أصبحت متهاوية
    للغاية بعد الخليفة المتوكل، فلم نعد نسمع عن المراسلات التي كانت بين الخلفاء والدعاة الذين كانوا في العصر
    الأول من أمراء الأمصار، وهذا معناه أن الخليفة قد فقد قيادته لهذا التنظيم العقائدى مما أدى إلى فقده لبعض
    مظاهر الهيبة فضلا عما تعرض له الخلفاء من مظاهر الإذلال من قبل القادة الأتراك.
    كما كانت الخلافة العباسية تستمد قوتها من بيت من بيوت قريش توارث أمراؤه هذا المنصب، لكن هذا
    البيت بدأ الضعف يدب فيه من أيام الخليفة السفاح حتى وصل الضعف قمته في عصر المأمون، فمعلوم أن السفاح
    قد ولى أخيه أبي جعفر العهد وأعرض عن عميه عبد الله ، وسليمان، ما أدى إلى انقسام هذا البيت فثار عبد الله على
    المنصور، كما أن الخليفة المنصور نفسه قام بعزل سليمان من ولاية العهد كذلك وجدنا العباسيين يميلون إلى
    الثنائية في تولية العهد فالسفاح يولى أبي جعفر ثم عيسى بن موسى والمنصور يولى المهدى ثم عيسى بن موسى،
    ، والمهدى يختار الهادى وهارون الرشيد يولى الأمين والمأمون إلى أخيه المعتصم فقط، وهذا يبين أن ضعف
    الخلافة العباسية لم يظهر فجأة، بل أن عوامل الضعف كانت مرتبطة بعوامل القوة أيضا.
    فضلا عن ذلك اعتمدت الخلافة على عصبية قوية متماسكة تؤمن أن بقاءها مرتبط ببقاء الخلافة قوية
    وأنها قد ارتبطت بشكل وثيق بالخلافة وعندما فقدت العصبية العربية مصدر النفوذ والسلطة، فقدت معها الخلافة
    العباسية مصدر من مصادر القوة. وقد بدأت العصبية العربية تضعف تدريجيا بسبب ترق العرب في الأمصار
    واختلاط أنسابهم مع أهالى البلاد المفتوحة، كما أن الخلافة نفسها قد نجحت في تلاشي وتضاؤل العنصر العربي
    من خلال اعتمادها على الفرس ومن بعدهم الترك.
    معنى ذلك، إذا كانت هذه العوامل السابقة تمثل مصادر القوة التي اعتمدت عليها الخلافة العباسية، فإن
    فقدها يؤدى إلى ضعف الخلافة.
    وقد أشرنا سلفا إلى أن ظروف الخلافة العباسية السياسية والاقتصادية قد أدت إلى الاعتماد على الأتراك
    وسيادة نظام الإقطاع، ولما كان الأتراك لا يولون الحياة الاقتصادية أي اهتمام، بل عكفوا على جمع الأموال دون
    النظر إلى المصلحة العامة وتحسين أحوال الرعية، كما انعكس تسلطهم على الحياة الاقتصادية إلى اللجوء إلى
    المصادرات والتضمينات ونتج عن ذلك صحوة قوى المعارضة فى مواجهة العسكر التركي، وتمثلت هذه
    المعارضة في اندلاع بعض الثورات التي كانت تعد مظهرا واضحا لتنامي نفوذ الأتراك، ولقد اتخذت المعارضة
    صورا شتى في الريف والحضر، فبدأت في الريف بهروب الفلاحين من الضياع وتحولت إلى قطع الطرق ثم
    تطورت إلى ثورات فلاحية، أما في المدن فكانت حركات المعارضة أكثر تنظيما وفاعلية بسبب زيادة الوعي
    الطبقي حتى استطاعت أن تكون نقابات وأصناف، انتظم فيها التجار وأهل الحرف ومنها تنظيمات العيارين و
    الفتيان، فكانت تقطع الطرق على قوافل كبار التجار وتغتال قادة الترك، كما أثارت المتاعب في وجه النظام
    الإدارى المتواطئ مع السلطة وتشكلت فرقا لحماية الأسواق من المغارم كرد فعل لتجاوزات الأتراك، كذلك
    مؤازرة المصلحين من المتنافسين في الحكم.
    وقد شاعت حركات الفتيان في العالم الإسلامي بأسره وإن اختلفت تسمياتها باختلاف الأقاليم فعرفوا
    بالفتيان والأحداث والعيارين والشطار والزعران والعوام.
    كذلك من العوامل التي ساعدت على ظهور هذه الإمارات التقدم الإيراني للعناصر الإيرانية ثم التركية
    فيما بعد، وفيما يخص العناصر الإيرانية نجد أنها قد استطاعت أن تتقدم بشكل كبير، فهي التي أيدت الدعوة
    العباسية من البداية وكانت عدتها ورجالها وقود الثورة، وجندها هم الذين حملوا عبء الدفاع عنها في زحفها نحو
    العراق ثم تثبيت دعائم البيت العباسي.
    وظل أهل خراسان أداة المنصور في القضاء على أعدائه الذين قاموا بثورات خاصة في الحجاز، كما
    عملوا على تثبيت سلطاتها في مصر والمغرب وجاهدوا الروم، كما أن العباسيين لم يتخلوا عن أهل خراسان، فقد
    ظهروا وانتصروا بعد الصراع بين الأمين والمأمون واستعان بهم المأمون ليمكن السلطانه وقد احتكروا كثير من
    المناصب العسكرية، كما كانت بيدهم الوزارة بداية من أبي سلمة الخلال وأبي أيوب الودياني وزير المنصور
    ويعقوب بن داود ويحيى بن خالد البرمكي ثم بني سهل، وهذا معناه أن غالبية وزراء الخلافة العباسية في عصرها
    الأول كانوا من العناصر الإيرانية.
    هذ فضلا عن توليهم لوظائف الكتابة، فقد كان للوزراء أعوان من الكتاب كذلك لولاة الأقاليم، بل وصل
    الأمر إلى توارث هذه المناصب السياسية، ودليلنا على ذلك أسرة البرامكة التي كونت دولة داخل دولة العباسيين
    وإذا كان العرب قد استطاعوا أن يظهروا على المسرح السياسي خلال خلافة الأمين فإن انتصار المأمون بعد
    تأكيدا لنفوذ أهل خراسان، وإذا كان العباسيون قد انتهجوا سياسة معينة تجاه العناصر الإيرانية الصاعدة والتي
    كانت تقوم على أساس نظرية المشاركة في إتاحة الفرصة لهذه العناصر في الحصول على ما شاء لها من مناصب
    في حدود الطاعة وإلا كان نصيبها الكبت والقهر وأن كانت الخلافة لم تتخل عن هذه السياسة طوال عصرها الأول
    متمثلة في قتل أبي مسلم الخراساني ونكبة البرامكة ثم نكبة بنى سهل، فهذا كان في صالح الخلافة حتى لا تخل
    بمبدأ التوازن لتبقى على قوتها.
    لكن مع ضعف الخلافة كما بينا انتهزت هذه العناصر الفرصة مستفيدين من الأوضاع العامة، ويرى
    البعض أن ظهور هذه الإمارات يعد تعبيرا عن قومية إيرانية واضحة، أما الحركات الاستقلالية التي قام بها
    الأتراك فكانت متجاوبة مع الحركات الإسلامية التي انتشرت في العالم الإسلامي كله أنذاك.
    وتجدر الإشارة إلى لفظ يرد كثيرا في كتب المؤرخين وهو لفظ "المتغلبون" أو حكام الأطراف، وهذا
    اللفظ يرجع إلى الكيفية التي تحكم بها هؤلاء الأمراء سواء كان أمير أو صاحب جند أو قائد يتغلب على ناحية من
    النواحي يطلقون عليه اسم "المتغلب" أو "صاحب" "طرف" أما الفرس فيطلقون عليه طرفدار" وإمارته "إمارة
    طرفدارية ولفظ التغلب بمعنى الاستيلاء وهى الدول التي قامت رغما عن الخلافة.
    وقد أسلفنا القول أن هذه الكيانات قد مرت بدورين برضاء الخلافة، ورغما عن الخلافة، أى بالتفويض ثم
    الاستيلاء وقد استخدمت هذه الألفاظ في كتب المؤرخين، حتى أن فهاء ذلك العصر كانوا يقسمون الولايات
    الإسلامية إلى قسمين قسم نشأت فيه الولاية باختيار الخليفة، وكان هذا الأمر يحدث في المناطق الثغرية المواجهة
    للعدو بغرض الاهتمام بهذا الثغر وتقويته ليستطيع دفع الأعداء أو مد نفوذ المسلمين في هذه الأطراف المتاخمة
    للأعداء. أما القسم الآخر الذى نشأت فيه الولاية على كره من الخليفة وفى إقراره نوع من المرونة السياسية للأمر
    الواقع وللمصلحة العامة.
    وقد نشأت على هذا النحو في المشرق الإسلامي دولا فارسية وأخرى تركية، والدول الفارسية ومنها
    الدولة الطاهرية، والدولة الصفارية، والدولة السامانية، والدولة الزيدية في طبرستان وجرجان وبلاد الديلم،
    والدولة البويهية. أما الدول التركية التي قامت في المشرق الإسلامى هى الدولة الغزنوية، والدولة السلجوقية،
    والدولة الخوارزمية ودولة الإسماعيلية في إيران، وسوف نستعرض لهذه الدول حسب ترتيب قيامها الزمني.
    حيث كان لانتصار العنصر الفارسي وإعلاء شأن زعيمهم الفضل بن سهل ورجاله الذين اصطنعهم، أن
    استأثروا بالنفوذ دون الخليفة، وزيادة مطالبهم بمكاسب أخرى، وهو ما تحقق لهم على أيدى الخليفة المأمون، الذي
    نح قائده طاهر بن الحسين حق إقامة دولة مستقلة سنة 205هـ/821م عرفت بالدولة الطاهرية، وهي ثمار النزاع
    العربي الفارسي، وساعد على ظهورها ذلك الاتجاه الجديد الذي اتخذته الخلافة العباسية نحو اللامركزية في الحكم
    والإدارة.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...

ad يترقب المقيم...

ad يترقب المقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي بدء تفعيل التأشيرة الخليجية الموحدة بعد مرور أكثر من ع...

Bullying is a r...

Bullying is a repeated aggressive behavior that involves an imbalance of power between the bully and...

فاللغة العربية ...

فاللغة العربية ليست فقط لغة المسلمين، ووسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي تعديل سلوك التلاميذ اللغوي من خلال...

1-تعتبر أسرة مح...

1-تعتبر أسرة محمد آل علي الإبداع والإبتكار هي أول نقطة في الإنطلاق إلى التحسين في شتى المجالات حيث ق...

يعتبر فول الصوي...

يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...

Traffic Padding...

Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...

السلام عليكم ور...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...

يجمع نظام التكا...

يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...