لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

مقدمة:
و مشكلات الحياة هي نبع الفلسفة ومحك اختبارها. وجرى إشباع فضولنا الإنساني، فمن غير المحتمل أن يكون هناك أي نشاط فلسفي، ذلك أن المصدرين الأساسيين هما الفضول فيما يتعلق بالذات و بالعلم، و الرغبة في التغلب على جميع أنواع المعاناة. و إنما نحن ندرك أن لذواتنا هذه الاحتياجات و ذلك الفضول، وحن ننظر إلى ذواتنا في سياق ما يحيط بنا. باعتبارنا كائنات تكافح للتغلب على المعاناة، و تحاول كشف أسرار الوجود. وعلى هذا النحو فإننا نفحص أي نوع من الموجودات تكون؟ و في أي نوع من العالم نعيش كما نفحص مصادر القيمة والمعرفة التي تميز وجوهنا، فالنشاط الذي يدور حول تأمل الذات هو ما يشكل الفلسفة. إلا أن نتساءل عن معنى الحياة وقيمتها. وبما أن أهم أنشطتنا ترمي إلى الحفاظ على الحياة و إضفاء قيمة عليها، و تطور أفكاراً حول طبيعة الوجود الإنساني و الحياة الطيبة. و لكن كيف يتأتى لنا أن نعرف هذه الأفكار صحيحة؟ إن التفكير التأملي يضع كل فكرة موضع التساؤل، و إما أن تقبل أو ترفض. ينبغي لنا أن نحيا، و إنما تمحص أفكار الآخرين، و أن نختبره بكل ما وسعنا من طرق، بل ينبغي التصدي بالفعل للمعايير التي تستخدم في اختبار ردودنا، ولكن كيف تعرف متى يكون الجواب صحيحاً؟ و ما المعرفة؟ و كيف تعرف أن ما نسميه بالمعرفة هو معرفة حقاً؟
قد يبدو تأمل ما نعرفه عن معرفتنا أمراً شديد البعد عن المشكلات العادية لحياة. أو أن نقترح حلا، بل يتعين علينا أن تحاول تبرير الحل المقترح باعتباره جوابا مقنعا عن السؤال الأصلي، و ربما رأياً خاطئاً، فإن نظريتنا بأسرها، و فكرتنا عن وسائل تحقيقها قد يغير ان أيضاً. في بعض الأحيان بأنهم يعيشون في أبراج عاجية و أنهم لا يركزون إلا على التفريعات و التجريدات المنطقية، و هناك بالطبع احتمال أن يكف التأمل من الارتباط بقضايا الحياة الأساسية، و عندما يحدث ذلك فإن الفلسفة تفقد الكثير من أهميتها و تكف عن خدمة الشخص العادي في تأمل وجوده في العالم، 2)
ونحن في الغرب معتادون إلى حد كبير على النظر إلى الفلسفة باعتبارها شيئاً مستقلاً عن الحياة مغرقا في التجريد و في الطابع الأكاديمي بالنسبة الشخص العادي. لما في الشرق فإن الهوة بين الفلاسفة والناس العاديين ليست على هذا القدر من الاتساع، عائدين إلى محك التجربة الإنسانية لاختيار نظرياتهم، والناس العاديون يمتدون باهتماماتهم إلى ما يتجاوز حياتهم العادية و يكافحون لرؤية الوضع الصحيح لوجودهم و لفهمه من خلال المفاهيم الفلسفية. ويرجع هذا الاختلاف بين الشرق والغرب و هو على وجه اليقين في الدرجة في جانب من جوانبه إلى التشديد الشرقي على كمال الحياة و المعرفة. الخ. فليس هناك تمييز قاطع بين الفلسفة الشرقية والديانة الشرقية أو بين الفلسفة وعلم النفس أو بين الفلسفة و العلم. و من النتائج المترتبة على ذلك: الميل الشرقي إلى حمل الفلسفة محمل الجد البالغ، أو لا تربطه كبير صلة بالحياة اليومية وإنما ينظر إليها باعتبارها المشروع الأكثر أهمية و جذرية للحياة. كان من المستحيل في الصين بعد أن أصبحت الكونفوشية الفلسفة الرسمية، الحصول على وظيفة حكومية دون معرفة كونفوشيوس. و يحدثنا التاريخ الصيني عن العديد من الملوك والفنانين والمثقفين الذين كانوا فلاسفة، 3)
و "كيف يمكنني تحقيق التناغم مع الطبيعة؟". و من البين أن هذين السؤالين مرتبطان على نحو وثيق لأنه فيما كانت الفلسفة تمضي في التطور في الصين، كان هناك ميل متزايد إلى التوحيد بين الطبيعة المادية و طبيعة الإنسان، و بقدر حدوث هذا التوحيد تصبح مشكلة تحقيق التناغم مع الطبيعة هي مشكلة تناغم المرء مع نفسه و بالتالي فإن كون المرء في حالة تناغم مع نفسه قد نظر إليه باعتباره الأساسي الضروري لتحقيق التناغم مع الآخرين. و كون المرء في حالة تناغم مع نفسه و مع بقية الإنسانية هو " الخير الأسمى " في الفلسفة الصينية. و لما كانت الطبيعة الأساسية للإنسان ينظر إليها أساسا باعتبارها طبيعة أخلاقية، فالسائد في الجانب الأعظم من الفلسفة الصينية قد تمثل في الأخلاق. والسؤالان: "كيف يمكنني أن أكون خيراً؟"، و "ما هو أساس الخير؟ " هما سؤالان أساسيان على امتداد تاريخ الفلسفة الصينية. وبإجلالها وتوقيرها للحكماء. و تتخذ الحكمة العملية المتراكمة في الهند شكل ترويض النفس (اليوجا) الذي يهدف إلى تحقيق التكامل المطلق للحياة. و لكي يتاح هذا الترويض للنفس لكل الأشخاص، فإنه يتم توجيهه عبر نشاطات العبادة والتفاني و نشاطات العمل ونشاطات المعرفة والتركيز. التي تناهت عبر العصور وقد وضعها الناس موضع الممارسة. 4)
قبل ثلاثمائة عام كان حكماء الهند يتأملون طبيعة الذات وطبيعة الواقع المطلق و قد وصل فلاسفة الأوبنيشاد في متابعتهم لهاتين المسألتين إلى إدراك أننا في أعمق أغوار وجودنا متحدون مع الطبيعة المطلقة للواقع. و كانت المشكلة العملية الفورية التي نشأت من هذا الاكتشاف هي كيفية إدراك هذه الذات الداخلية، و من ثم تتحد مع جوهر الكون ذاته، و عجل البحث عن إجابة بالعديد من التطورات في "اليوجا" و الدين، و كذلك بناء صرح فلسفات أخلاقية واجتماعية، وتمحورت المشكلات النظرية التي أثارها هذا الاكتشاف حول صعوبة ربط تعددية الواقع المعيش وتنوعه بالرؤية اليوبانيشادية لوحدة الوجود كله و فضلاً عن ذلك كان من الصعب التيقن من الكيفية التي يمكن بها معرفة مثل هذا الواقع المطلق. و هذه المشكلات التي يمكن صياغتها من خلال أسئلة عن أساس الأخلاق وطبيعة المجتمع و وظيفته و سبل المعرفة الصحيحة ومبادئ المنطق والعلاقة بين المظهر و الواقع هذه المشكلات كافة له أساس مشترك في السؤال العملي: " كيف يمكننا أن نحقق الماهية الروحية التي هي طبيعتنا الحقة؟". لقد اعتنق الملايين من الناس في المناطق البوذية من آسيا تعاليم " جوتاما سد هارت الساعي وراء الحكمة باعتبارها حلا لكل ضروب المعاناة التي تحفل بها الحياة. والمشكلة الجوهرية لدى البوذية هي مشكلة التغلب على المعاناة وتدور التعاليم الأساسية التي قال بها بوذا حول هذه الأسئلة: ما المعاناة غير أنه لا سبيل إلى الإجابة عن هذه الأسئلة دون البحث في طبيعة الذات التي تعاني و طبيعة العالم الذي يشكل مصدراً للمعاناة بالنسبة للذات. و يؤدي السؤال: " كيف تتسبب المعاناة؟ " إلى نظرية عامة عن السلبية تشكل نظريات الذات والواقع التي تتمثل فيها الميتافيزيقا البوذية. 5)
والمعرفة و هكذا فإن المشكلة العملية على نحو بارز و الخاصة بقهر المعاناة تثير التأملات التي تشكل المبادئ النظرية للفلسفة البوذية. و على الرغم من الفوارق العديد بين فلسفات الهند والصين و المناطق البوذية من آسيا فإنها تتلاقى عند الاهتمام المشترك بالحياة و الوجود و كذلك بالتعليم والمعرفة، و لذلك كان للفلسفة و الفلاسفة أهمية فائقة في الثقافات الشرقية كافة. و من الضروري لفهم حياة الشعوب الشرقية ومواقفها من فهم فلسفاتها، 1) جون كولر - تلفكر الشرقي القديم، أ- الألوهية:
الذي يبدأ بعبادة الماديات، ثم ينتقل إلى عبادة الروحانيات، كما يبدأ بالإيمان بتعدد الآلهة، ثم ينتقل إلى الإيمان بفكرة الإله الواحد الأحد، بادئ الأمر، بعدما رأوا أن هذه الآلهة، والمرض. (لاحظ أن ثمة ظاهرتين طبيعيتين أثرتا تأثيراً عميقاً في ديانة المصريين القدامى: وجود نهر النيل من ناحية: الإله أوزريس والشمس الساطعة من ناحية أخري: الإله رع أو حورس). والتي لا تصل إليها سوي نواظرهم في بعض الأوقات، علها تشفع لهم عند الآلهة الحقيقية. 7)
(من الجدير بالذكر أننا تلحظ في كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية بعض مظاهر الاحترام والتقديس لغير الإله الحقيقي. الأشخاص أو الأولياء، وهكذا، ولتفسير الخلق بمختلف مظاهرة، وأم وابن، إيزيس (Isis) الزوجة، وحورس (Horus) الابن. و أوزريس الذي يأخذ اسم: تموز وأدونيس في لبنان سوريا، فلسطين هو إله الخير والعطاء والتجدد المستمر لأنه إله الماء والزراعة والقوت، وبدونه لا سبيل إلى الحياة علي الأرض ؛ رمز القمر) هي الزوجة الوفية، التي تملك قوة سحرية تمكنها من إحلال العدالة، وإيزيس، 8)
أما حورس فهم إله الدفء والحرارة والإله الابن، المتأتي من حصيلة التزاوج بين أوررس وايزيس، وهو رمز التقي البنوي، إله الشر وفقد عينه من جراء ذلك: "عين حورس" (قصة موت أوزريس وبعثه من جديد، تعبر عن الصراع القائم بين (أعوان) الخير والشر وكيف أن الشر ينتصر في بادئ الأمر لكي يسود الخير في نهاية المطاف ؛ فقتلت هذا، في معتقدات المسلمين والمسيحيين مع الفارق في القياس. والمسلمون يؤمنون كذلك بالله، النباتات والأشجار (أبناء). ولعل الذي ساعد على الانتقال من فكرة تعدد الآلهة إلى فكرة الإله الواحد عند المصريين، هو الإله الأكبر، 9)
و لما كان المصريون يؤمنون بفكرة الإله الواحد الذي هو مصدر الخلق والحياة بدون أن يهملون الإيمان بآلهة أخرى ثانوية إزاء الإله الأكبر، وبالتالي، فهو الملك الأعلى والحاكم الأوحد الرعية. ولإيجاد الصلة بين الإله الخالق، وبين الملك أو الحاكم الفعلي، يملك باسمه، عام ٣٤٠٠ ق. م، علي توحيد بلاد النيل، أو الوجه القبلي والوجه البحري، في دولة مركزية واحدة. وهكذا نلاحظ انه في أيام المملكة القديمة، التي تمتد من سنة ٢٨٩٥ إلى سنة ٢٣٦٠ ق. م، كانت الدولة موحدة وذات سلطة مركزية قوية، تتناول كل أقاليم أو أقسام مصر الإدارية ؛ ومالك كل شيء . ولا سيما أن مصير الأموات بين يديه، فمن رضي عنه، أو شخصاً واحد فقط جدير بالعبادة والاعتبار، 10)
مع الإشارة إلى أنه لم يكن بد من هذا الإيمان القوي، تلك الصروح التي ترمز إلى ترمز إلى البقاء والخلود الفرعوني. إله الشمس (هناك أساطير شعبية كثيرة تخير عن حكم إله الشمس الدنيوي الذي طرد العواصف وحطم الظلم والظلام، ونكران رعاياه البشر لحسن صنيعه، الكهنة - فرعون، قد جعل نفسه موضع عبادة شبه وثنية، وما زلنا نردد عبارته المشهورة: أنا الدولة والدولة أنا التي أطلقها في عصر يعتبر العصر الذهبي للثقافة الفرنسية حيث شهد ظهور أقطاب الفكر الفرنسي الحديث مثل: باسكال (Pascal) وراسين (Racine) وكورني (Cormeille) وموليير (Moliere) . الخ. مع الملاحظة أن عبادة آمون وخصائصه المثالية قد انتقلت من بلاد مصر إلى اليونان وأخذ أمون اسم: زيوس أعظم آلهة اليونانيين، كما اعتبره الرومان سمياً لمعبودهم الأكبر: جوبتر. بيد أن هذه المعتقدات الصارمة المتعلقة بشخص فرعون، لم تقو علي تحمل الصدمات، و استغلال الكهان له، 11)
أو فرعون، فكان أن طلب أصغر الناس شأناً، التي كانت تمنحها الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطي، قد أخذ يتهاوى، ليقوم بدلاً منه، وعندما تولى أمنحوتب الرابع المعروف باس: أخناتون، بعد أبيه تحوتمس الثالث وذلك حوالي سنة ۱۳۷۵ ق. م قام بثورة دينية، استهدفت إحلال فكر الوحدانية أو التوحيد الشمسي، أزني أبدي، وقد أمر بأن يعيد هذا الإله الواحد في جميع أرجاء الإمبراطورية المصرية (أسيا وأفريقيا) وعندما اعترض الكهنة من اتباع ديانة أمون - رع على ذلك وأثاروا الاضطرابات العنيف بين أوساط العام
12)
ومصادرة أموال وممتلكات المعابد رافضاً بصورة حاسمة طائفة الآلهة المتعددة وأنصاف الآلهة، إلى أخناتون، الذي معناه للمقيد لـ أتون، وبني له عاصمة جديدة في مصر الوسطي سماها أخيتاتون مشرق أتون (ومكانها الآن: بلدة تل العمارنة. كان أخناتون يرفض الاعتراف بفكرة جحيم يثير من الرعب ما لا سبيل إلى التوفي منه إلا برقي سحرية لا تقع تحت الحصر . رمي أخناتون بهذه الرقي جميعا إلى النار وقدم الجن والغيلان والأرواح والمسوخ وأنصاف الآلهة وأوزريس نفسه مع بطانته كلها لقمة سائغة لألسنة اللهب قالت إلى رماد إن الإله الحقيقي لا شكل له. بأن الديانة الموسوية، التي ظهرت في مصر أولاً، هو رب الأرباب وإله وحده أزلي أبدي خالق غير مخلوق " ورمت إلى اقتلاع قلوب المصريين من كل ما يتعلق بعاداتهم الدينية ولا سيما ما يتعلق منها بآمالهم الدينية وما كانوا يرجونه من سعادة في مملكة أوزريس،


النص الأصلي

الفكر الشرقي القديم


الفكر الشرقي القديم
مقدمة:
قصة الفلسفة هي قصة التأمل البشري في الحياة، و مشكلات الحياة هي نبع الفلسفة ومحك اختبارها. و لو أن احتياجاتنا العملية كافة تمت تلبيتها، وجرى إشباع فضولنا الإنساني، فمن غير المحتمل أن يكون هناك أي نشاط فلسفي، ذلك أن المصدرين الأساسيين هما الفضول فيما يتعلق بالذات و بالعلم، و الرغبة في التغلب على جميع أنواع المعاناة. إذ تقضي الاحتياجات العملية والفضول النظري إلى النشاط الفلسفي، فالناس يتأملون ذواتهم على نحو طبيعي، وليس لنا احتياجات و فضول فحسب، و إنما نحن ندرك أن لذواتنا هذه الاحتياجات و ذلك الفضول، وحن ننظر إلى ذواتنا في سياق ما يحيط بنا. باعتبارنا كائنات تكافح للتغلب على المعاناة، و تحاول كشف أسرار الوجود. وعلى هذا النحو فإننا نفحص أي نوع من الموجودات تكون؟ و في أي نوع من العالم نعيش كما نفحص مصادر القيمة والمعرفة التي تميز وجوهنا، فالنشاط الذي يدور حول تأمل الذات هو ما يشكل الفلسفة.
و السؤالان الجوهريان للفلسفة هما: "من أنا؟ " و "كيف ينبغي أن أحيا؟. ولا يمكننا، فيما نحن نتأمل تجربة حياتنا، ونواجه حتمية موتنا، إلا أن نتساءل عن معنى الحياة وقيمتها. وبما أن أهم أنشطتنا ترمي إلى الحفاظ على الحياة و إضفاء قيمة عليها، فإن من الطبيعي أن نتأمل في الكيفية التي ينبغي أن نحيا بها، و فيمن نكون، و تطور أفكاراً حول طبيعة الوجود الإنساني و الحياة الطيبة.
و لكن كيف يتأتى لنا أن نعرف هذه الأفكار صحيحة؟ إن التفكير التأملي يضع كل فكرة موضع التساؤل، و يسعى إلى معيار يختبر به مدى صحتها وفي غمار هذه العملية تتولد أفكار جديدة، و توضع موضع التساؤل، و إما أن تقبل أو ترفض. وفي سعينا لأن نعرف على وجه اليقين من نحن، و كيف
(1)
ينبغي لنا أن نحيا، فإننا لا نتأمل تجربتنا فحسب، و إنما تمحص أفكار الآخرين، الذين أمعنوا التفكير بمزيد من العناية في أسئلة الحياة الجوهرية.
و لما كانت هذه هي أكثر الأسئلة أهمية، فإن علينا أن نتصدى لكل رد مقترح، و أن نختبره بكل ما وسعنا من طرق، للتأكد من أنه رد يمكن الاعتماد عليه، وكل صياغة للسؤال و كل جانب من كل رد ينبغي فحصه من كل الوجوه. بل ينبغي التصدي بالفعل للمعايير التي تستخدم في اختبار ردودنا، ولكن كيف تعرف متى يكون الجواب صحيحاً؟ و ما المعرفة؟ و كيف تعرف أن ما نسميه بالمعرفة هو معرفة حقاً؟
قد يبدو تأمل ما نعرفه عن معرفتنا أمراً شديد البعد عن المشكلات العادية لحياة. فليس يكفي أن نطرح سؤالاً، أو أن نقترح حلا، بل يتعين علينا أن تحاول تبرير الحل المقترح باعتباره جوابا مقنعا عن السؤال الأصلي، و إذا اكتشفنا أن ما حسبناه معرفة ليس في حقيقة الأمر إلا رأياً، و ربما رأياً خاطئاً، فإن نظريتنا بأسرها، التي يبدو أنها توضح معنى الحياة و قيمتها، ينبغي أن تتغير. و عندما يحدث ذلك، فإن توجهنا نحو الحياة الخيرة، و فكرتنا عن وسائل تحقيقها قد يغير ان أيضاً. أيمكن أن يكون هناك ما هو أكثر اتصافا بالطابع العملي أو أقرب إلى الحياة اليومية من ذلك، حتى رغم كونه مجرداً ومراوغاً؟
يتهم الفلاسفة، في بعض الأحيان بأنهم يعيشون في أبراج عاجية و أنهم لا يركزون إلا على التفريعات و التجريدات المنطقية، متجاهلين الاهتمامات الكبرى المتعلقة بالحياة. و هناك بالطبع احتمال أن يكف التأمل من الارتباط بقضايا الحياة الأساسية، و عندما يحدث ذلك فإن الفلسفة تفقد الكثير من أهميتها و تكف عن خدمة الشخص العادي في تأمل وجوده في العالم، و تفضل في توفير المواد التي تمس إليها الحاجة في بناء صرح فلسفة الحياة بالنسبة للشخص.
(2)
ونحن في الغرب معتادون إلى حد كبير على النظر إلى الفلسفة باعتبارها شيئاً مستقلاً عن الحياة مغرقا في التجريد و في الطابع الأكاديمي بالنسبة الشخص العادي.
لما في الشرق فإن الهوة بين الفلاسفة والناس العاديين ليست على هذا القدر من الاتساع، ذلك أن الفلاسفة الشرقيين يستمرون في التواصل عن كتب مع الحياة، عائدين إلى محك التجربة الإنسانية لاختيار نظرياتهم، والناس العاديون يمتدون باهتماماتهم إلى ما يتجاوز حياتهم العادية و يكافحون لرؤية الوضع الصحيح لوجودهم و لفهمه من خلال المفاهيم الفلسفية.
ويرجع هذا الاختلاف بين الشرق والغرب و هو على وجه اليقين في الدرجة في جانب من جوانبه إلى التشديد الشرقي على كمال الحياة و المعرفة. ويميل الشرقيون إلى تجنب تجزئة و عزل الحياة والمعرفة و النتيجة المترتبة على ذلك أنهم لا يفصلون بين ميادين الفلسفة المختلفة، مثل: نظرية المعرفة، و نظرية الموجود، و نظرية الفن، ونظرية السلوك، و نظرية التنظيم السياسي ... الخ. فليس هناك تمييز قاطع بين الفلسفة الشرقية والديانة الشرقية أو بين الفلسفة وعلم النفس أو بين الفلسفة و العلم. و من النتائج المترتبة على ذلك: الميل الشرقي إلى حمل الفلسفة محمل الجد البالغ، فهي في الشرق ليست أمراً مجرداً متسماً بالطابع الأكاديمي، أو لا تربطه كبير صلة بالحياة اليومية وإنما ينظر إليها باعتبارها المشروع الأكثر أهمية و جذرية للحياة.
كان من المستحيل في الصين بعد أن أصبحت الكونفوشية الفلسفة الرسمية، الحصول على وظيفة حكومية دون معرفة كونفوشيوس. و يحدثنا التاريخ الصيني عن العديد من الملوك والفنانين والمثقفين الذين كانوا فلاسفة، و ينظر الصينيون إلى الفكر والممارسة على أنه لا ينفصل أحدهما عن الآخر كجانبين لنشاط واحد. و تنعكس المشكلات الجوهرية الفلسفية في هذين السؤالين:
(3)
كيف يمكنني تحقيق التناغم مع الإنسانية بأسرها؟، و "كيف يمكنني تحقيق التناغم مع الطبيعة؟".
و من البين أن هذين السؤالين مرتبطان على نحو وثيق لأنه فيما كانت الفلسفة تمضي في التطور في الصين، كان هناك ميل متزايد إلى التوحيد بين الطبيعة المادية و طبيعة الإنسان، و بقدر حدوث هذا التوحيد تصبح مشكلة تحقيق التناغم مع الطبيعة هي مشكلة تناغم المرء مع نفسه و بالتالي فإن كون المرء في حالة تناغم مع نفسه قد نظر إليه باعتباره الأساسي الضروري لتحقيق التناغم مع الآخرين. و كون المرء في حالة تناغم مع نفسه و مع بقية الإنسانية هو " الخير الأسمى " في الفلسفة الصينية. و لما كانت الطبيعة الأساسية للإنسان ينظر إليها أساسا باعتبارها طبيعة أخلاقية، فالسائد في الجانب الأعظم من الفلسفة الصينية قد تمثل في الأخلاق. والسؤالان: "كيف يمكنني أن أكون خيراً؟"، و "ما هو أساس الخير؟ " هما سؤالان أساسيان على امتداد تاريخ الفلسفة الصينية.
و تشتهر الهند بالاحترام الكبير الذي تكنه لمن ينشد الحكمة، وبإجلالها وتوقيرها للحكماء. و تتخذ الحكمة العملية المتراكمة في الهند شكل ترويض النفس (اليوجا) الذي يهدف إلى تحقيق التكامل المطلق للحياة. و لكي يتاح هذا الترويض للنفس لكل الأشخاص، فإنه يتم توجيهه عبر نشاطات العبادة والتفاني و نشاطات العمل ونشاطات المعرفة والتركيز. و دروب ترويض النفس هذه هي الحكمة الفلسفية، التي تناهت عبر العصور وقد وضعها الناس موضع الممارسة. و يمكن العثور على مصدر حكمة ترويض النفس هذه في ذلك التركيب المؤلف من التجربة الشخصية العميقة و الثرية و التفسير العقلاني المجرد إلى حد بعبد الذي يميز العقلية الهندية.
(4)
قبل ثلاثمائة عام كان حكماء الهند يتأملون طبيعة الذات وطبيعة الواقع المطلق و قد وصل فلاسفة الأوبنيشاد في متابعتهم لهاتين المسألتين إلى إدراك أننا في أعمق أغوار وجودنا متحدون مع الطبيعة المطلقة للواقع. و كانت المشكلة العملية الفورية التي نشأت من هذا الاكتشاف هي كيفية إدراك هذه الذات الداخلية، و من ثم تتحد مع جوهر الكون ذاته، و عجل البحث عن إجابة بالعديد من التطورات في "اليوجا" و الدين، و كذلك بناء صرح فلسفات أخلاقية واجتماعية، وتمحورت المشكلات النظرية التي أثارها هذا الاكتشاف حول صعوبة ربط تعددية الواقع المعيش وتنوعه بالرؤية اليوبانيشادية لوحدة الوجود كله و فضلاً عن ذلك كان من الصعب التيقن من الكيفية التي يمكن بها معرفة مثل هذا الواقع المطلق. و هذه المشكلات التي يمكن صياغتها من خلال أسئلة عن أساس الأخلاق وطبيعة المجتمع و وظيفته و سبل المعرفة الصحيحة ومبادئ المنطق والعلاقة بين المظهر و الواقع هذه المشكلات كافة له أساس مشترك في السؤال العملي: " كيف يمكننا أن نحقق الماهية الروحية التي هي طبيعتنا الحقة؟".
لقد اعتنق الملايين من الناس في المناطق البوذية من آسيا تعاليم " جوتاما سد هارت الساعي وراء الحكمة باعتبارها حلا لكل ضروب المعاناة التي تحفل بها الحياة. والمشكلة الجوهرية لدى البوذية هي مشكلة التغلب على المعاناة وتدور التعاليم الأساسية التي قال بها بوذا حول هذه الأسئلة: ما المعاناة غير أنه لا سبيل إلى الإجابة عن هذه الأسئلة دون البحث في طبيعة الذات التي تعاني و طبيعة العالم الذي يشكل مصدراً للمعاناة بالنسبة للذات. و يؤدي السؤال: " كيف تتسبب المعاناة؟ " إلى نظرية عامة عن السلبية تشكل نظريات الذات والواقع التي تتمثل فيها الميتافيزيقا البوذية. وتقضي مشكلات تبرير الدعاوي الخاصة بطبيعة الذات وطبيعة الواقع إلى نظرية عامة تدور حول المنطق
(5)
والمعرفة و هكذا فإن المشكلة العملية على نحو بارز و الخاصة بقهر المعاناة تثير التأملات التي تشكل المبادئ النظرية للفلسفة البوذية.
و على الرغم من الفوارق العديد بين فلسفات الهند والصين و المناطق البوذية من آسيا فإنها تتلاقى عند الاهتمام المشترك بالحياة و الوجود و كذلك بالتعليم والمعرفة، و لذلك كان للفلسفة و الفلاسفة أهمية فائقة في الثقافات الشرقية كافة.
و من الضروري لفهم حياة الشعوب الشرقية ومواقفها من فهم فلسفاتها، ولفهم هذه الفلسفات من الضروري إمعان النظر في التراث الذي تطورت فيه هذه الفلسفات و التي تواصل من خلاله تغذية ثقافات آسيا(۱).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جون كولر - تلفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، عالم المعرفة ۱۹۹، الكويت ۱۹۹۰، ص ص ۱۹: ۲۳.
(6)
الفصل الأول
الفكر المصري القديم
أ- الألوهية:
يدلل الفكر الديني المصري القديم على صحة مبدأ التطور المعروف في علم الاجتماع الديني، الذي يبدأ بعبادة الماديات، ثم ينتقل إلى عبادة الروحانيات، كما يبدأ بالإيمان بتعدد الآلهة، ثم ينتقل إلى الإيمان بفكرة الإله الواحد الأحد، فقد عيد المصريين القدامى، بادئ الأمر، مظاهر الطبيعة المادية المختلفة، مثل: الأنهار، والأشجار، والنباتات، والحيوانات ... إلخ ورأوا فيها العلة في استمرار وجودهم، ثم تخلوا عن ذلك الاعتقاد، وتلك العبادة، بعدما رأوا أن هذه الآلهة، التي تمثل مظاهر الطبيعة المادية المختلفة لا تقدم الإجابة عن تساؤلاتهم العديدة لما يجري في هذا الكون المترامي الأطراف، كالبرق، والرعد، والحياة، والموت والكسوف، والخصوف، والظلم، والمرض... الخ وعبدوا مظاهر الكون الطبيعية، مثل: الكواكب، والنجوم التي رأوا فيها السبب الحقيقي لوجودهم. ولكل ما يطرأ عليهم وعلى هذا الكون. (لاحظ أن ثمة ظاهرتين طبيعيتين أثرتا تأثيراً عميقاً في ديانة المصريين القدامى: وجود نهر النيل من ناحية: الإله أوزريس والشمس الساطعة من ناحية أخري: الإله رع أو حورس).
وحتى يتمكن المصريون من التقرب من الآلهة التي يعبدون، والتي لا تصل إليها سوي نواظرهم في بعض الأوقات، عمدوا إلى إحلال روحها في بعض مظاهر الوجود، كالصقر، و التمساح والعجل ... الخ فكانوا يؤدون لها فرائص العبادة والتقديم، ويقدمون لها الأضاحي، علها تشفع لهم عند الآلهة الحقيقية. ولعلهم رأوا أن الآلهة قد هبطت من السماء إلى الأرض، بغية
(7)
الاطلاع على أعمال الإنسان ومراقبته عن كتب، فطلت في أجسام بعض الحيوانات. (من الجدير بالذكر أننا تلحظ في كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية بعض مظاهر الاحترام والتقديس لغير الإله الحقيقي. فكل من المسلمين والمسيحيين يقدمون الخضوع والنذور والأضاحي، الأشخاص أو الأولياء، يعتقدون بشفاعتهم لدي الله).
وهكذا، فقد عبد المصريون مثلاً، العجل إيبيس. وعندما أدرك الموت هذا، ظلت مصر في حداد شامل عليه، إلى أن وجدت خلفاً، شبيها له
ولتفسير الخلق بمختلف مظاهرة، وكذلك استمرار الحياة في هذا الكون المتجدد باستمرار، أمن المصريين بـ الثالوث الإلهي، وبالتزاوج بين الآلهة.. فعرفوا عقيدة التثليث الإلهي، التي تتألف من أب، وأم وابن، اختلفت أسماؤهم باختلاف المماليك والمدن المصرية. ففي أبيدوس (عبيدوس)، كان الثالوث الإلهي يتكون من أوزريس (Osiris) الزوج، إيزيس (Isis) الزوجة، وحورس (Horus) الابن. و أوزريس الذي يأخذ اسم: تموز وأدونيس في لبنان سوريا، فلسطين هو إله الخير والعطاء والتجدد المستمر لأنه إله الماء والزراعة والقوت، وبدونه لا سبيل إلى الحياة علي الأرض ؛ لأنه القوة التي تمد الناس بالحياة، وتعطيهم للقوت. "وإنه الماء كمصدر للخصب. والماء كعامل يوفر للجميع الحياة.. الذي يجلب الحياة إلى التربة وإيريس.
(رمز القمر) هي الزوجة الوفية، التي تملك قوة سحرية تمكنها من إحلال العدالة، وهذا ما مكنها من إعادة الحياة إلى زوجها أوزريس بعد أن قتله أخاه ست إله الشر فأصبح من الخالدين) تجدر الإشارة إلى أن أوزريس، وإيزيس، وست و نفتس و كانوا إخوة وأبناء لإله الأرض: جب، وإلهة السماء: نوت وأن جب ونوت كانا أخوين، واينين لإله الهواء أو الجو: شو وزوجته: تقنوت. وأن شو وتقنوت، كانا ابنين لإله الشمس، إما بقوة رجولته، التي تطورت ذاتيا، وإما عن طريق زوجة (مجهولة الاسم)
(8)
أما حورس فهم إله الدفء والحرارة والإله الابن، المتأتي من حصيلة التزاوج بين أوررس وايزيس، وهو رمز التقي البنوي، الذي أطاح بأعداد أبيه، وانتقم من ست، إله الشر وفقد عينه من جراء ذلك: "عين حورس" (قصة موت أوزريس وبعثه من جديد، تعبر عن الصراع القائم بين (أعوان) الخير والشر وكيف أن الشر ينتصر في بادئ الأمر لكي يسود الخير في نهاية المطاف ؛ كما أنها تعبر عن الطبيعة الإنسانية في الاعتراض على الموت والرغبة في الخلود.
وفي طيبة كان الثالوث الإلهي يتكون من أمون، إله الشمس والنماء والحياة ؛ وعنت، الإلهة الزوجة، التي ثأرت لقتل زوجها أمون من قبل إله الشر: موت، فقتلت هذا، وأعادت الحياة على بعلها (فكرة القيامة): و خونسو، الإله الابن.
لا بد من الملاحظة أن عقيدة التثليث المصرية، لها ما يشبهها إلى حد ما ... في معتقدات المسلمين والمسيحيين مع الفارق في القياس. في المسيحيون يقولون " إن الله ثالث " ويؤمنون بعقيدة الأقانيم الثلاثة: الأب، والابن وروح القدس، "باسم الأب والابن، وروح القدس، آمين. (الله - مريم، المسيح). والمسلمون يؤمنون كذلك بالله، والرسول والإمام أو الخليفة وقد يكون الذي دفع المصريين إلى الإيمان بعقيدة التثليث أو ابتداعها، كما قلنا هو رغبتهم في تفسير الخلق والحياة، فقد رأوا النيل (الأب) يهب الأرض (الأم) المياه اللازمة للحياة، فينتج عن ذلك، النباتات والأشجار (أبناء).
ولعل الذي ساعد على الانتقال من فكرة تعدد الآلهة إلى فكرة الإله الواحد عند المصريين، هو أن الخلود في عقيدة التثليث، كانت وفقا (صفة خاصة) على إله واحد، هو الإله الأكبر، الذي أخذ اسم: أوزريس (اله الموتى في العالم السفلي أو الأرضي (في أبيدوس، ثم أمون إله العالم العلوي في شؤون الأحياء) في طيبة، ثم أتون في اخيتاتون.
(9)
و لما كان المصريون يؤمنون بفكرة الإله الواحد الذي هو مصدر الخلق والحياة بدون أن يهملون الإيمان بآلهة أخرى ثانوية إزاء الإله الأكبر، فقد رأوا أن الإله الأكبر هو المالك الفعلي لكل شيء، وبالتالي، فهو الملك الأعلى والحاكم الأوحد الرعية. ولإيجاد الصلة بين الإله الخالق، وبين الملك أو الحاكم الفعلي، جعلوا الملك في مرحلة أولي من مراحل تفكيرهم وإيمانهم، أينا للإله أوزريس أو رع، يملك باسمه، ويحكم باسمه فرضاه من رضي الرب، وغضبه من غضب الرب أيضاً ولعل هذا المعتقد الديني هو الذي ساعد الملك مينا (Mina) الأول، عام ٣٤٠٠ ق. م، علي توحيد بلاد النيل، وإدماج المملكين العليا والسفلي، أو الوجه القبلي والوجه البحري، في دولة مركزية واحدة. وهكذا نلاحظ انه في أيام المملكة القديمة، التي تمتد من سنة ٢٨٩٥ إلى سنة ٢٣٦٠ ق.م، كانت الدولة موحدة وذات سلطة مركزية قوية، تتناول كل أقاليم أو أقسام مصر الإدارية ؛ وكان فرعون يمثل ويمارس - بصورة مباشرة - كلاً من السلطتين الدينية والزمنية لأن معاً ؛ فهو ابن الإله (الابن الجسمي لإله الشمس من أم أدمية (الخالق للبشر والوجود بكافة مظاهر وصوره والمصدر الوحيد للحياة والسعادة والشقاء، ومالك كل شيء ... الخ.
و لما كان فرعون هو الإله الأكبر على الأرض، فإنه كان علي الشعب عامة، أن يعمل علي سعادته، ويضحي في سبيله، حتى يكتسب رضاء ومحبته، ولا سيما أن مصير الأموات بين يديه، فمن رضي عنه، أو كان راضياً عنه فاز بالسعادة الآخرة والحياة الأبدية، ومن كان ساخطاً عليه عاش في شقاء وعذاب أبدي.
وكان الاعتقاد السائد هو أن هناك نفساً واحدة، أو شخصاً واحد فقط جدير بالعبادة والاعتبار، هو شخص فرعون. فكل إنسان يتكون من جسد وقلب إلا فرعون فإنه يتميز وحدة بأنه يمتلك روحا خالدة، مما يفسر الشعائر التي
(10)
كانت تقام له. مع الإشارة إلى أنه لم يكن بد من هذا الإيمان القوي، لتشييد بناء الأهرامات، تلك الصروح التي ترمز إلى ترمز إلى البقاء والخلود الفرعوني.
وقد كان لعقيدة الحق الإلهي في الملك والحكم، منظرون إيديولوجيون في أشخاص كهنة هيليوبوليس من عبدة رع، إله الشمس (هناك أساطير شعبية كثيرة تخير عن حكم إله الشمس الدنيوي الذي طرد العواصف وحطم الظلم والظلام، ونكران رعاياه البشر لحسن صنيعه، مما اضطره إلى إنزال العقاب بهم، حتى أوشك أن يغنيهم قبل أن يقرر الاعتكاف في السماء فقد اعتبر هؤلاء، الكهنة - فرعون، متحدا بالشمس اتحاداً جوهرياً. فهو يسطع علي كل من حوله بالحياة كما يسطع قرص الشمس في السماء. (من الجدير بالذكر، أن لويس الرابع عشر ۱6۳۸ - ۱۷۱5 م، ملك فرنسا، قد جعل نفسه موضع عبادة شبه وثنية، حتى لقب باسم: " الملك الشمس.. وما زلنا نردد عبارته المشهورة: أنا الدولة والدولة أنا التي أطلقها في عصر يعتبر العصر الذهبي للثقافة الفرنسية حيث شهد ظهور أقطاب الفكر الفرنسي الحديث مثل: باسكال (Pascal) وراسين (Racine) وكورني (Cormeille) وموليير (Moliere) ... الخ.
مع الملاحظة أن عبادة آمون وخصائصه المثالية قد انتقلت من بلاد مصر إلى اليونان وأخذ أمون اسم: زيوس أعظم آلهة اليونانيين، كما اعتبره الرومان سمياً لمعبودهم الأكبر: جوبتر. وكان الإمبراطور الروماني يلقب ب لإله الشمس.
بيد أن هذه المعتقدات الصارمة المتعلقة بشخص فرعون، لم تقو علي تحمل الصدمات، التي هزت المجتمع المصري في الفترة الواقعة ما بين عام ٢٣٦٠ ق.م و ٢٦١٠ ق م فالشعب لذي ناعت كواهله من جراء الحروب المستمرة، التي تخوضها مصر مع جيرانها يقصد التوسع أو رد الغزاة، و استغلال الكهان له، قد ثار على الظلم الفادح، المتمثل بامتلاك رئيس الكهنة،
(11)
أو فرعون، الأسباب الخلاص الروحي واقتصار منح هذا الخلاص على حاشيته والمقربين منه فقط، فكان أن طلب أصغر الناس شأناً، امتياز الحياة الآخرة، وذلك مقابل بعض النفقات المحدودة التي تقدم إلى الكهنة ولم يكن بد من الاستجابة لهذا المطلب الشعبي النجاتي حتى يستمر الأمر على ما كان عليه سابقاً من حيث الإيمان المطلق بشخص فرعون والعمل من أجله حتي ولر أدي ذلك إلى التضحية بالحياة في سبيله (هذا يذكرنا إلى حد بعيد بـ صكوك الغفران، التي كانت تمنحها الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطي، لقاء مبلغ من المال لكل من يريد الخلاص الروحي.
وهكذا بدأ الدين يصبح أكثر صلة بالشعب إلى حد ما وعندما حلت المملكة الفرعونية الوسطي ٢١٦٠ - ١٦٦٠ ق.م كان الحكم الإلهي المطلق (التيوقراطي)، قد أخذ يتهاوى، ليقوم بدلاً منه، حكم مؤسس في العدالة والمساواة ولم تعد الشعائر الدينية من الأمور السرية الخاصة بطبقه الكهنة كما أنها لم تعد وفقاً على فئة محدودة من الناس وإنما أصبحت أمر مفهوماً من قبل جميع الأفراد ولكل فرد أن يمارها أو يقوم بها دون الاستعانة بأحد أو اللجوء إلى لإتمامها.
وعندما تولى أمنحوتب الرابع المعروف باس: أخناتون، الملك، بعد أبيه تحوتمس الثالث وذلك حوالي سنة ۱۳۷۵ ق. م قام بثورة دينية، استهدفت إحلال فكر الوحدانية أو التوحيد الشمسي، بدل فكرة الآلهة المتعددة أديانة الشرك الوثني، وقد ذهب أخناتون إلى حد أنه أبطل عبادة جميع الآلهة وجاهر بشجاعة بأنه ليس في العالم، سوي إله واحد: خالق، رازق قادر حي، مزيد، أزني أبدي، لا شكل له وهو أتون (قرص الشمس) الذي يرمز إليه بأشعة هابطة من السماء تبهر الأعين. وقد أمر بأن يعيد هذا الإله الواحد في جميع أرجاء الإمبراطورية المصرية (أسيا وأفريقيا) وعندما اعترض الكهنة من اتباع ديانة أمون - رع على ذلك وأثاروا الاضطرابات العنيف بين أوساط العام
(12)
، أمر بإغلاق هياكلهم وطردهم منها، ومصادرة أموال وممتلكات المعابد رافضاً بصورة حاسمة طائفة الآلهة المتعددة وأنصاف الآلهة، وعلي رأسهم أوزريس، الذين كانوا يشكلون هيئة المحكمة والمحاكمة في الآخرة كما نجدها في كتاب الموتى.
وكان من كراهية أمنحوتب الرابع لله أمون، أن غير اسمه الذي معناه آمون راض، إلى أخناتون، الذي معناه للمقيد لـ أتون، وهجر مديناً طيبة عاصمة ديانة آمون، وبني له عاصمة جديدة في مصر الوسطي سماها أخيتاتون مشرق أتون (ومكانها الآن: بلدة تل العمارنة.
كان أخناتون يرفض الاعتراف بفكرة جحيم يثير من الرعب ما لا سبيل إلى التوفي منه إلا برقي سحرية لا تقع تحت الحصر ... رمي أخناتون بهذه الرقي جميعا إلى النار وقدم الجن والغيلان والأرواح والمسوخ وأنصاف الآلهة وأوزريس نفسه مع بطانته كلها لقمة سائغة لألسنة اللهب قالت إلى رماد إن الإله الحقيقي لا شكل له.
مع الإشارة إلى أن توت عنخ آمون - أتون قبلاً - (رأي صورة أمون لحية) صهر أخناتون قد أعاد الأمر إلى كان عليه سابقاً قبل أخناتون بمعني أنقد أعاد العقيدة آمون اعتبارها فعادت من جديد ولكن لتنطفئ فيما بعد من جديد.
ويري الآن بعض الباحثين في " المصريات " وعلي رأسهم بعض الغربيين، بأن الديانة الموسوية، التي ظهرت في مصر أولاً، والتي نادت بالوحدانية المطلقة إنما تأثرت بأفكار أخناتون وبثورته التوحيدية في القرن الخامس عشر ق م التي دعت إلى تمجيد إله واحد أعظم، هو رب الأرباب وإله وحده أزلي أبدي خالق غير مخلوق " ورمت إلى اقتلاع قلوب المصريين من كل ما يتعلق بعاداتهم الدينية ولا سيما ما يتعلق منها بآمالهم الدينية وما كانوا يرجونه من سعادة في مملكة أوزريس، أو رع، بعد الموت ولا يتردد بعض الباحثين من القول: إن موسى عندما خرج من مصر، كان حاملاً معه تراث


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Sachant ce qu'i...

Sachant ce qu'il y a dans le produit que vous utilisez Utilisant la plus petite quantité de produit...

Viele Politisch...

Viele Politische und andere Ämter wurden im Antiken Griechenland nicht den besten Kandidaten anvertr...

Un transformate...

Un transformateur est un convertisseur qui permet de modifier les valeurs de la tension et de l’in...

‏في جنوب عمان و...

‏في جنوب عمان ومع تتابع الزمن أصبحت هذه الأدوات أكثر تنوعا واستخداما وصارت اخف وزننا وأكثر حدة ومن ا...

الحكم الذي ين 􀂀...

الحكم الذي ين 􀂀سخ، �إما �أن يحل مكانه حكمًا �آخر فهو الن 􀂀سخ ببدل، و �إما لا، فهو الن 􀂀سخ بغير بدل و...

البلاستيك رقم 2...

البلاستيك رقم 2 عبارة عن بولي إيثيلين عالي الكثافة ويشيع استخدامه مع الاختصار HDPE. يستخدم البولي إي...

Cette section c...

Cette section comprend des informations qui ne sont pas essentielles pour expliquer observations, ma...

The rib cage is...

The rib cage is the arrangement of ribs attached to the vertebral column and sternum in the thorax o...

The Iberians T...

The Iberians The first settlers who came to settle England about 3000 or 2500 BC or during the Bron...

2. تعريفه : لق...

2. تعريفه : لقد اختلف كل من الفقه و التشريع في تعريف قانون العمل، وقد أفرزت المحاولات الفقهية و الت...

عنوان الفقرة: د...

عنوان الفقرة: دور الضرائب في تطوير المجتمع تعد الضرائب من الآليات الحكومية الأساسية التي تستخدمها ا...

وتم عرض الصيغة ...

وتم عرض الصيغة الأولية للفقرات على مجموعة من الخبراء والمحكمين من ذوي الاختصاص وقد حصلت فقرات الاستم...