لخّصلي

لقد حل الظلام بسرعة بعد غروب الشمس، اضطجع على الخشب البالي لمقدم القارب واستراح قدر المستطاع ، وبدأ ينظر إلى النجوم ويفكر أنه من الجيد أن البشر ليسوا مضطرين لقتل النجوم أو الشمس أو القمر، وشعر بالأسف على السمكة لأنها لم تأكل شيئا ورغم ذلك الأسف إلا أنه بقي مصر على قتلها، استراح ساعتين لأن السمكة كانت تعمل باطراد وفكر أنه يجب عليه أن يجد طريقة لينام فقد مضى يوما وليلة وهو لم يذق طعم النوم، قرر العودة إلى مؤخر القارب لينهي أمر الدولفين فزحف على ركبتيه واستل سكينه من غمدها واستضاء بضوء النجوم ثم بدأ بشق بطن الدولفين ويخرج أحشائها وهيكلها لكي يحفظ الدم فيها مما يبقيها صالحة للأكل، والمفاجأة أنه وجد في بطنها سمكتين طائرتين لا زالتا طازجتين، وعندما عاد إلى مقدم القارب وضع شريحتي سمك الدولفين وغسل يديه وغسل السمكتين الطائرتين وصار ليديه لمعان فسفوري من جراء سلخه السمكة وقال أنه يجب أن يأكل سمكة الدولفين ثم ينام أكل الشريحتين من الدولفين واحدى الأسماك الطائرة. كانت السماء تتلبد بالغيوم فعرف أن الطقس سيكون سيئا بعد ثلاثة أو أربعة أيام ولكن ليس اليوم أو الغد، أمسك الخيط بيده اليمنى واستخدم إحدى الحيل لكي لا ينساب الخيط من يده وأرخى فخذه على يده اليمنى على خشب المقدم للقارب ونام، بدأ يحلم بالأسماك والقرية وبالأسود، وأفاق على هزة مفاجئة في يده اليمنى ، كان الخيط ينساب وراح يحز يده وظهره فأخلف عنه جرحا سيئا، وفي تلك اللحظة قفزت السمكة محدثة انفجار هائل وانطلق القارب بسرعة رغم أن الخيط لا يزال ينساب والشيخ يزيد الضغط عليه إلا أنه سقط على وجهه، وارتطم بشريحة سمكة الدولفين، وقال بأنه سيجعل السمكة تدفع الثمن على الخيط ويده، وبدأ بالتباطؤ بعدما انساب الكثير من خارج القارب رفع رأسه من سمكة الدولفين وفكر بأن السمكة بعد قفزاتها الاثنتي عشرة قد امتلأت جيوبها بالهواء لذا لن تستطيع الغوص إلى الأسفل وهنا ستبدأ بالدوران وحينئذ سأستطيع صيدها، وقال في نفسه أن يجب أن يكون قويا و واثقا ليمسك بها بعد ذلك أزال ما علق على وجهه من سمكة الدولفين وكان يخشى أن يفقد وعيه، قبيل الشروق اتجهت السمكة مع التيار فعرف أنها متعبة ورأى أنه مشوش الذهن وعليه أن يأكل ليزيد من وعيه ، لم يكن له شهية اتجاه الدولفين لذا أكل السمكة الطائرة المتبقية بدأت السمكة بالدوران وكان الخيط يتراخى شيئا فشيئا وما على الشيخ سوى أن يسحبه، وكان يعلم بأنها ستقوم بعدة دورات، استمر الحال هكذا لساعات حتى بدأ الشيخ يرى بقع سوداء من التعب وشدة الحر ، وفي تلك اللحظة بدأت السمكة بضرب سلك الصنارة ولكنه مهيئ لصيد الأسماك الكبيرة فتوقفت السمكة بعد برهة عندما سيطر اليأس عليها، انحنى إلى مقدم القارب ليستريح بينما تقوم السمكة بالدوران وبعد دورتها الثالثة رأى السمكة عن قرب لأول مرة ولم يصدق حجمها الهائل ورأى سمكتين أخيرتين تسبحان معها، وكان قد أعد الحربة منذ زمن وكانت السمكة تقترب شيئا فشيئا، وعندما جمع جهده ليسحبها اندفعت السمكة باستقامة ثم سبحت مبتعدة عنه وتكرر الأمر أكثر من مرة، ورغم الدوار إلا أن الشيخ قاوم وعاهد نفسه أنه سيحاول اصطيادها، وبدأ بسحبها حتى صارت السمكة بجانب القارب وهناك وضع قدمه على الخيط واستجمع كل قواه وغرز الحربة في جنب السمكة خلف زعنفتها الصدرية، وبيد أن السمكة خرجت حية تحمل موتها في ذاتها، ارتفعت عاليا في الهواء ثم سقطت وأطلقت رشاشا من الماء على الشيخ والقارب