لخّصلي

قطاع تكنولوجيا المعلومات النابض بالحياة في فلسطين
بواسطة فراس نصر

عندما يسمع الناس أو يقرأون كلمة فلسطين، نادراً ما تتبادر التكنولوجيا أو الابتكار إلى ذهنهم. بالنسبة لمعظم الناس، لا يُنظر إلى فلسطين على أنها وجهة لتكنولوجيا المعلومات أو التكنولوجيا أو مصدر للمواهب التقنية والتقدم. في معظم الحالات، أول ما يفكر فيه الناس فيما يتعلق بفلسطين هو الاحتلال والحرب والاجتياحات والدمار. وفي حين أن هذه الانطباعات دقيقة للأسف، إلا أن هذا لا يعني أن الفلسطينيين يفتقرون إلى الإبداع والمهارات اللازمة للنجاح في التكنولوجيا والابتكار. على العكس من ذلك، كان الفلسطينيون، أفرادًا وشركات، مصدرًا منتجًا للمواهب التقنية للشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم.
إن كل من زار فلسطين أو التقى برجال أعمال فلسطينيين في الخارج يدرك الواقع على الأرض والإمكانات الموجودة. كلمة "فتح العين" كثيرا ما يستخدمها الناس خلال نقاشهم الأول مع الفلسطينيين، وخاصة في موضوعات مثل الأعمال والتكنولوجيا.
فلماذا يعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين حيويا ومليئا بالإمكانات؟ باختصار، بسبب المواهب الاستثنائية والنظام البيئي المتنامي. ومن حيث المواهب، فإن الفلسطينيين هم شعب متعلم تعليماً عالياً. يبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة لدى البالغين 98%، وفقًا لأرقام البنك الدولي،*1، واعتبارًا من عام 2022، هناك 1.74 مليون طالب في المؤسسات التعليمية المختلفة في فلسطين، بما في ذلك رياض الأطفال والمدارس والجامعات والكليات.*2
في كل عام، هناك ما يقرب من 3000 خريج جامعي يحملون درجات علمية مرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، وسوف تؤدي البرامج الجامعية الجديدة وزيادة فرص العمل في المجالات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات إلى زيادة هذه الأعداد. بالإضافة إلى المهارات التقنية، يتمتع الفلسطينيون بمهارات تواصل جيدة باللغة الإنجليزية، وهو أمر بالغ الأهمية في بيئة الأعمال اليوم.

إن الرغبة العميقة لدى الفلسطينيين في مواصلة التعليم وإنشاء أعمال ومهن ذات معنى لا تقتصر على أولئك الذين يعيشون في فلسطين، بل تمتد أيضًا إلى الشتات. قصص نجاح الفلسطينيين في الشتات كثيرة.*3 وفي زيارة إلى الرياض، أشاد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون باجتهاد الفلسطينيين، قائلاً: "لم أقابل قط فلسطينياً فقيراً في الولايات المتحدة".*4 ومن الأمثلة على ذلك عبد المجيد شومان، مؤسس البنك العربي، وعضوة الكونجرس الأمريكي رشيدة طليب، أو لؤي البسيوني، الذي بدأ حياته في بيت هارون في غزة بالقرب من الحدود الإسرائيلية شديدة الحراسة، وقاد في النهاية فريق ناسا الهندسي الذي ساعد في تصميم مروحية إنجينيويتي التي سينتهي بها الأمر على المريخ في عام 2021. *5

بالإضافة إلى تعليمهم الرسمي، ساعدت التحديات التي يواجهها الفلسطينيون يوميًا على تعزيز قدراتهم الإبداعية وسعة الحيلة والقدرة على الصمود. ماذا تفعل عندما يكون هناك إغلاق أو حاجز أو حظر تجول؟ بالنسبة للفلسطينيين، يعني ذلك الخروج من السيارة أو سيارة الأجرة والمشي، لساعات أحيانًا، وأحيانًا خارج الطرق المناسبة. ويعني وجود خطة (أ) و(ب) و(ج) و(د). ويعني التفكير في طرق مبتكرة للوصول إلى وجهتك أو تحقيق أهدافك. لقد أتقن الفلسطينيون العمل وعقد الاجتماعات عن بعد قبل فترة طويلة من ظهور جائحة كوفيد-19 وإجبار الجميع على الاتصال بالإنترنت.
تعتبر عمليات الإغلاق أحد الأمثلة، لكن العقلية الإبداعية تنطبق بالتساوي على جميع جوانب الحياة. كيف يمكنك العثور على العملاء والتواصل معهم؟ كيف تقومون بتحويل الأموال بشكل آمن وضمن الإطار التنظيمي؟ كيف تسافر وتحضر المؤتمرات والمعارض واجتماعات العمل؟ إن ما يعتبره غير الفلسطينيين أمرًا مفروغًا منه يتطلب في كثير من الأحيان موارد وجهودًا واسعة النطاق من الفلسطينيين، لكنهم وجدوا طرقًا مبتكرة للتغلب بسلاسة على ما يمكن اعتباره عقبة رئيسية بالنسبة للآخرين. وكما قال جورج برنارد شو: "الأشخاص الذين ينجحون في هذا العالم هم الأشخاص الذين ينهضون ويبحثون عن الظروف التي يريدونها، وإذا لم يتمكنوا من العثور عليها، اصنعوها". لقد اعتاد الفلسطينيون على خلق الظروف التي يريدونها ويحتاجونها.

يتمتع مهندسو البرمجيات الفلسطينيون بالمعرفة والمهارات المطلوبة بشدة، خاصة من قبل الشركات الإسرائيلية. وفي عام 2021، أدى ذلك إلى إنشاء تصاريح خاصة للعاملين الفلسطينيين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتعاقد مباشرة مع الشركات الإسرائيلية. وفي حين أن هذا يهدد باستنزاف العقول الفلسطينية وتضخم الرواتب في السوق الفلسطينية، إلا أنه دليل على المهارات والمعرفة التي يمتلكونها والقيمة التي يمكنهم تقديمها.
النظام البيئي التكنولوجي الفلسطيني آخذ في النمو. تلتزم الشركات والمنظمات الطموحة بالمساعدة في تغذية النظام البيئي من خلال المبادرات والعروض الترويجية المختلفة التي تهدف إلى خلق الوعي بقطاع التكنولوجيا الفلسطيني. هناك العديد من المنظمات التي تدعم هذا القطاع. ومن الأمثلة على ذلك اتحاد شركات تكنولوجيا المعلومات الفلسطينية (PITA) الذي يمثل أكثر من 150 شركة تكنولوجيا فلسطينية تقدم مجموعة واسعة من الخدمات والحلول التكنولوجية لمختلف الصناعات في فلسطين والخارج. تعمل منظمات مثل Intersect Innovation Hub، وPhilesten Techno Park، وFlow Accelerator مع مؤسسي الشركات الناشئة الفلسطينية لمساعدتهم على تطوير أفكارهم وبناء أعمال تجارية ناجحة. على الرغم من كونه نظامًا بيئيًا ناشئًا، فقد بدأ مشهد الشركات الناشئة الفلسطينية في تحقيق إنجازات ملحوظة في تأمين العملاء الدوليين وجمع الأموال من المستثمرين من فلسطين والخارج. تشمل المنظمات الأخرى التي تدعم النظام البيئي للشركات الناشئة، على سبيل المثال لا الحصر، uMake، وGaza Sky Geeks، والمجلس الأعلى للابتكار والتميز (HCIE)، ومراكز الابتكار الجامعية، وغيرها الكثير.

تعمل الشركات الفلسطينية مع بعض أكبر الشركات متعددة الجنسيات حول العالم. منذ عام 2008، وبعد زيارة ومبادرة من الرئيس التنفيذي لشركة سيسكو جون تشامبرز، أنشأت شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطينية شراكات ناجحة مع عمالقة التكنولوجيا متعددي الجنسيات، بما في ذلك سيسكو، وإتش بي، ومايكروسوفت، وآبل، وأمازون، وبوينغ، وغيرها، حيث تقدم خدمات البحث والتطوير في شكل لتطوير البرمجيات، والشراكات التكنولوجية، وإدارة المشاريع، وزيادة الموظفين.
تنشط مختلف الجهات الفاعلة في النظام البيئي ليس فقط في خلق فرص الأعمال ولكن أيضًا في استضافة الأحداث لتعزيز الشراكات وتبادل المعرفة والوعي. Expotech هو مؤتمر سنوي لتكنولوجيا المعلومات تستضيفه بيتا، وهو الآن في عامه التاسع عشر. وقدّم المؤتمر الدولي لريادة الأعمال – فلسطين (ICEP)، الذي عقد دورته الرابعة في دبي أواخر عام 2022، 20 شركة ناشئة فلسطينية شاركت في 237 اجتماعاً. تقام فعاليات الهاكاثون وعطلات نهاية الأسبوع للشركات الناشئة والمعارض والمؤتمرات الأخرى بشكل منتظم في فلسطين.

ويلزم بذل جهود مركزة ومنسقة لتعزيز هذا القطاع وخلق الفرص للشركات الفلسطينية القائمة والجديدة. فيما يلي عدة اقتراحات حول كيفية تطور ونمو قطاع تكنولوجيا المعلومات الفلسطيني.
يجب علينا أن نميز قطاع تكنولوجيا المعلومات الفلسطيني مع التركيز على بعض المجالات الرئيسية. لقد كان هناك ترويج واسع النطاق لخدمات الاستعانة بمصادر خارجية التي تقدمها الشركات الفلسطينية. وفي حين أن هذا لا ينبغي أن يتوقف، فإنه ينبغي بذل جهد متساو أو أكبر لخلق التميز في المجالات التقنية، مثل التكنولوجيا النظيفة، والتكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا التعليم، والتكنولوجيا الزراعية، وغيرها. وهذا يتطلب تحليل وبحث الموارد المتاحة والطلب من السوق العالمية.
يجب أن يكون الوصول السهل متاحًا لأحدث المعلومات حول قطاع تكنولوجيا المعلومات الفلسطيني والشركات والشركات الناشئة والمنظمات الداعمة وغيرها. يجب أن يتمكن المهتمون بالتعلم أو التواصل مع الشركات الفلسطينية من العثور بسهولة على جميع المعلومات التي يبحثون عنها بسرعة وكفاءة.
ينبغي تشجيع الزوار من رجال الأعمال على القيام بجولة في فلسطين والالتقاء بمختلف أصحاب المصلحة في النظام البيئي، سواء في القطاع الخاص أو المؤسسات غير الربحية أو التعليمية أو الحكومية. وينبغي أن يشمل ذلك دعوات لحضور المؤتمرات والفعاليات التقنية التي تقام في فلسطين.

"صنع في فلسطين" يجب أن يكون أولوية لجميع المنظمات والشركات المحلية التي تسعى لشراء خدمات أو منتجات تكنولوجيا المعلومات. ولا ينبغي أن يكون شعاراً جذاباً بل حقيقة تدعمها الجمعيات وتدعمها الحوافز الحكومية لتشجيع الشركات على الشراء من شركات تكنولوجيا المعلومات المحلية بدلاً من البحث عن بدائل من المنافسين الدوليين.
إن مستقبل قطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين مليء بالوعود والإمكانات كما يتضح من الإنجازات الرائعة لهذا القطاع الشاب نسبيا وعلى الرغم من التحديات الفريدة التي يواجهها الفلسطينيون. ومن خلال رؤية واضحة وجهود مركزة، يمكن لشركات التكنولوجيا الفلسطينية والشركات الناشئة الاستمرار في التوسع حول العالم وتقديم مساهمة أكبر للاقتصاد الفلسطيني.