لخّصلي

في 10 مارس/آذار، أعلن ممثلو إيران والمملكة العربية السعودية، الذين كانوا يجتمعون سراً لمدة خمسة أيام في العاصمة الصينية بكين، عن اتفاق برعاية الصين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. يعود تاريخ التوترات بين الخصمين الإقليميين إلى أكثر من أربعة عقود، واستمرت عند مستويات أقل خلال فترة سابقة من الانفراج في التسعينيات، ثم تصاعدت في العقدين الماضيين. وقطعت الرياض علاقاتها رسميًا مع طهران قبل سبع سنوات. وكانت الجهود التي بذلتها الدولتان لإصلاح العلاقات معروفة للجميع ــ فقد استضاف العراق وعمان جولات سابقة من المحادثات بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين ــ ولكن الدور الذي لعبته الصين في تسهيل الاتفاق لم يكن متوقعا، وكذلك السرعة التي بدأ بها التقارب. إن الدرجة التي يبشر بها البيان الثلاثي المشترك الصادر عن الدول الثلاث بتحول جيوسياسي من شأنه أن يجعل الصين تتولى دوراً أكبر في المنطقة التي كانت الولايات المتحدة مهيمنة فيها لفترة طويلة لا تزال غير مؤكدة.

والسؤال الذي لا يقل أهمية هو ما إذا كان اتفاق بكين سيساهم، وإلى أي مدى، في إدارة، أو حتى حل، الصراعات في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. وقد أدت الأجندات الإقليمية المتنافسة للرياض وطهران إلى تفاقم الحروب المدمرة في اليمن وسوريا، وتستمر في تأجيج عدم الاستقرار في لبنان والعراق. ولطالما شعرت العديد من دول الخليج العربية بالقلق إزاء التهديدات المباشرة من وكلاء إيران، أو حتى الهجمات التي يشنونها، فضلاً عن الدعم الإيراني المزعوم للحركات المنشقة. وفي الوقت نفسه، ترى إسرائيل في البرنامج النووي الإيراني تهديداً لوجودها. ومن جانبها، تتهم طهران إسرائيل بتخريب برنامجها النووي، والمملكة العربية السعودية بدعم جماعات المعارضة العرقية في كردستان وبلوشستان وغيرها من الأقاليم المضطربة، إلى جانب وسائل الإعلام الإيرانية المعادية في الشتات.

ورغم أن الحد من حدة المنافسة الإقليمية قد يساعد في إعادة توجيه الطاقة السياسية نحو الصراعات الداخلية الأساسية، فإن احتمالات التوصل إلى حلول سريعة تظل ضئيلة.
في هذا الاستطلاع، يقدم محللو مجموعة الأزمات المقيمين في الشرق الأوسط وجهات نظر محلية حول الاتفاق السعودي الإيراني وتأثيره على حروب وأزمات المنطقة. والنتيجة النهائية هي أنه على الرغم من أن الحد من حدة المنافسة الإقليمية قد يساعد في إعادة توجيه الطاقة السياسية نحو الصراعات الداخلية الأساسية، إلا أن احتمالات التوصل إلى حلول سريعة تظل ضئيلة. وقد يقلل التقارب الإيراني السعودي من المخاوف الأمنية لدول الخليج العربية. ولكنه لا يقلل من خطر الأزمة الناجمة عن برنامج إيران النووي الذي يتقدم بسرعة والتهديد الذي يشكله، وخاصة بالنسبة لإسرائيل، ولكن أيضا بالنسبة لبعض جيران إيران، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

دول الخليج العربية

يوفر الاتفاق السعودي الإيراني خارطة طريق لإعادة العلاقات الدبلوماسية في غضون شهرين. وإذا سارت الأمور على ما يرام، فقد يؤدي ذلك إلى الحد من العداء الشديد الذي كان قائما بين البلدين طوال الجزء الأكبر من العقد. وفي الوقت الحالي، يبدو أن تنفيذ الاتفاق يسير على قدم وساق: فقد دعا العاهل السعودي الملك سلمان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض، واجتمع وزيرا خارجية البلدين في بكين في السادس من إبريل/نيسان. وقال مسؤول سعودي رفيع المستوى لمجموعة الأزمات إن الرياض "تريد البناء على الزخم الناتج عن نجاح محادثات بكين"، في حين أشار وزير المالية السعودي إلى أن البلاد مستعدة لبدء الاستثمار في إيران "بسرعة كبيرة". أرسل كلا البلدين وفودًا فنية استعدادًا لإعادة فتح سفارتيهما، مما يشير إلى أن الجدول الزمني الذي يستغرق شهرين يسير على الطريق الصحيح.

وإلى جانب تحسين العلاقات الثنائية، قد يساعد الاتفاق أيضًا في تخفيف التوترات في منطقة الخليج الأوسع. وأشاد المسؤولون في الإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان بالاتفاق باعتباره خطوة نحو الاستقرار والازدهار الذي سيعود بالنفع على جميع الأطراف. وقال مسؤول قطري كبير لمجموعة الأزمات إن الاتفاق كان "خطوة أولى إيجابية"، لكن السعودية ستحتاج إلى وقت لاستعادة درجة من الثقة في النوايا الإيرانية بعد سنوات من العداء. وحتى البحرين ــ التي اشتهرت بحذرها من التعامل مع إيران ــ أصدرت بياناً رحبت فيه بالاتفاق وأعربت عن أملها في حل الصراعات من خلال الحوار والدبلوماسية.

وقد تحسنت العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين. ويمكن إرجاع القطيعة الأخيرة بين إيران وهذه الدول إلى كانون الثاني/يناير 2016، عندما اقتحم متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران بعد أن أمرت الرياض بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وهو معارض بارز في المملكة. ثم خفضت جميع دول الخليج العربية (باستثناء عمان) علاقاتها مع إيران أو قطعتها. وفي السنوات التالية، واصلت عُمان وقطر وأحيانًا الكويت أيضًا التعامل مع طهران، حتى مع استمرار التوترات العالية. في المقابل، دعمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين حملة "الضغط الأقصى" التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تضمنت أكثر من 1500 عقوبات جديدة وخطابات عدوانية، وكلها تهدف إلى عزل إيران وإضعافها. واليوم، قامت جميع دول الخليج العربية، باستثناء البحرين، باستعادة أو التخطيط