لخّصلي

الجزارة : و يعني إسناد المهام التعليمية و الإدارية إلى الجزائريين بعد الرحيل الجماعي للمعلمين الفرنسيين، وكان لابد من التعاون الأجنبي لانطلاق المدرسة الفتية. "عملت الجزائر على تسيير النظام الموروث بكل محاسنه ومساوئه حتى لا يصاب الجهاز التعليمي بالشلل والخراب الشامل الذي عرفته البلاد عامة ، وقطاع التعليم خاصة، يبين نية المستعمر ، ويظهر صورته التي تمثلت في نشر الأمية والجهل بين أبناء الشعب الجزائري، وما قلة عدد المتعلمين الجزائريين والنقص المفزع في الإطارات بعد الاستقلال مباشرة إلا دليلا على طبيعة هدف التنظيم التربوي الاستعماري. " (بوفلجة غياث ، 1984 ص (31). وهذا التعاون كان ظرفيا، ولهذا جعل هذا المبدأ كأحد أهداف إصلاح 1969 ، لعدة أسباب: تسليم المهام الجزائريين يجعلهم يحصرون مشاكل المدرسة ويحللونها ويجدون لها الحلول الناجعة.
إن المعلم الجزائري سوف يعتز بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقه، ليثبت للاستعمار أن الجزائريين قادرون على تسيير مدارسهم. والعامل المهم في نظرنا زيادة على ما ذكر، هو تخفيف التكلفة التعليمية، بحيث لا يعقل أن تدفع خزينة الدولة أموالا باهظة بالعملة الصعبة لمدة غير محدودة ، فكان لابد من جعل الجزارة غاية للتخفيف من هذه التكاليف، وتوجيهها إلى ميادين أخرى كان المجتمع بأشد حاجة إليها.
إن فسح المجال للجزائريين هو القضاء على البطالة، وفتح مناصب شغل جديدة تسهم في التنمية، وتزيد في الاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي.
والجزارة لا تعني فقط توفير العمل للإطارات الجزائرية، بل أن تكون هذه الأخيرة متشبعة بالقيم الثقافية والدينية واللغوية، وهذا يعني الارتباط بالثقافة العربية الإسلامية، التي ظلت غريبة طوال الفترة الاستعمارية إلى ما بعد الاستقلال في البرامج التعليمية، كما أشرنا سابقا. يقول نسيب رجام" وأخيرا فإن إعادة الجزارة إن صح التعبير ، يتطلب التحكم في ديناميكية التطور الوطني وتوجيهه وفق المعايير والقيم العربية الإسلامية، وهذا بالتكفل بها و تطويرها خاصة اللغة الوطنية التي من خلالها يتم التطبيع الاجتماعي للوسط الاقتصادي الصناعي والاجتماعي
الثقافي من أجل تطوير وتدعيم الثقافة والتأكيد على الهوية الوطنية (Necib Redjem p55).‏ ومن هنا نلاحظ تلازم مبدأ الجزارة والتعريب مع القيم الإسلامية إلا أنه يمكن القول أن الجزارة الجماعية في منتصف السبعينيات، أثرت سلبا على المنظومة التربوية، بحيث تم تعويض المتعاونين الذين كانوا يحملون مستويات معتبرة بمعلمين جزائريين مستواهم الثقافي محدود جدا، لا يتجاوز في أغلب الحالات شهادة الأهلية (شهادة التعليم المتوسط آنذاك. ويؤكد نسيب رجام هذا بقوله: إن عملية الجزارة تحتوي على جانبين : الجانب الأول إسناد مناصب العمل والمسؤوليات إلى الجزائريين فقط، إلا أن قلة الإطارات المؤهلة قد تؤثر على العملية ولا تحقق النتائج المرجوة. الجانب الثاني : هو طبع هذه المناصب بالميزة الجزائرية على مستوى الهياكل والتنظيم والمحتوى، وهذا يتطلب
)Necib Redjemp54( جزارة مناصب المسؤولية والسلطة
ويمكن القول، أن الجزارة اليوم تمت على جميع مراحل التعليم سواء الأساسي بأطواره الثلاثة أو الثانوي بفرعيه العام والتقني.

الاتجاه التكنولوجي و العلمي :
سطرت الجزائر ابتداء من المخطط الرباعي الأول (69/73) اختياراتها السياسية الأساسية المتمثلة في الثورات الصناعية والزراعية والثقافية، وكان لابد من وضع مضامين وبرامج مدرسية تجاري هذه التحولات وتواكبها، خاصة إذا علمنا أن الجانب الفني (التقني)، كان حكرا على أبناء المعمرين أثناء الاحتلال ، ولهذا نجد أن عدد الجزائريين الذين كانوا يتمتعون بهذا النوع من التعليم ضعيف ، فاعتماد هذه الغاية في هذا الإصلاح، هو إخراج التعليم من جانبه النظري، وجعله يساير الحاجات الجديدة للمجتمع، ويحمل في طياته فوائد جمة من أهمها
فسح المجال للتعليم الفني.
تكوين إطارات متوسطة بعد تلقيها هذا النوع من التعليم.
الإسهام في النهضة الصناعية.
الاستفادة من التطور التكنولوجي الذي عرفته المجتمعات و الدول المتطورة.
فسح المجال للتلاميذ الراسبين للاندماج في الحياة العملية.
ومن هنا فإن هذا الهدف الطموح كان يحتاج إلى تزويد المدارس والمؤسسات التعليمية بالمخابر وورشات العمل، وإدخال المواد العلمية التي تخدم هذا الجانب، وهذا يسمح بشكل كبير في تكوين تلميذ متوازن الخصائص، لاسيما الجانب اليدوي وتطويره وصقله وتوجيهه التوجيه السليم. ويساهم تطوير التعليم الفني، في القضاء على تلك الفكرة السائدة التي كانت تحصر المتعلم في الجانب النظري دون سواه، جاء في التقرير العام للمخطط الرباعي الأول ما يلي:
على أن سياسة رفع المستوى الثقافي والتقني المقررة، ناشئة عن الضرورات الموروثة عن التاريخ، وعن متطلبات التنمية المقبلة والمتمثلة في هدفين : تلبية الحاجات الاجتماعية للتربية وتلبية الحاجات الاقتصادية. " مصطفى زايد، 1981 ص ص 182-183). ولتحقيق هذا الغرض تكونت متاقن ومؤسسات تعليمية لنشر هذا النوع من التعليم، وهذا قبل تعميم المدرسة الأساسية. وهكذا أنشئت المتاقن في مختلف مناطق الوطن وشجع التلاميذ على إتباع الفروع العلمية والتقنية المواجهة حاجة الصناعة الجزائرية لهذه التخصصات." (بوفلجة غياث ، 1984، ص 14).