لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

ه. كتب الحقائق وكتب الأوهام:
رسم «محمد عمر» في كتابه «حاضر المصريين أو سر تأخرهم» الذي صدر
القرن العشرين في مصر ،
والفكاهية والأشـعـار الغـيـر المستظرفـة (كذا) وكتب النوادر والمجون المفسدة
للأخلاق والطباع والخيال» .
وقد استاء من انحطاط الكتاب المصري حينما قارنه بالكتب الصادرة في الشام ،
فرجح الكتب الشامية ؛
ومطبوعة بصورة جيدة ،
فيما الكتب المصرية سيئة موضوعات وطباعة ،
«كتب السخافة والهذيان التي أفسدت علينا أخلاقنا ،
وغيرت محاسننا ،
أصبحنا نخاف أن يكثر أولادنا من قراءتها وأقاربنا وجيراننا أيضا ،
عقولهم وأخلاقهم التأثير السيئ الذي ينغص الهيئة الاجتماعية (المجتمع)
ومن أجل دعم وجهة نظره فقد قدم «محمد عمر» مسردا طويلاً بالكتب
التي صدرت خلال السنوات الخمس قبل طبع كتابه ،
أساسية من ذلك المسرد ،
تمثلها القصص والروايات وكتب المجون ،
وهي الكتب الطاغية ،
معرفية أخرى يزيد عددها على خمسة عشر فرعا ،
والعلوم ثلاثة وثمانين كـتـابا ،
المفاسد ،
فقد استأثرت الكتب الضارة والمفسدة باهتمام الجميع ،
المعارف الأخرى لم تحظ إلا باهتمام أقل منها ،
«سيف بن ذي يزن» وكـتـاب «عـودة الشيخ إلى صـبـاه» ،
طبعات الليالي العربية بلغ عـشـرين طبعة في وقت قصير .
انحطاط كبير فينا وخذلان ليس له مثيل ،
لم يكتف مؤلف «حـاضـر المصريين أو سـر تأخـرهم» – الذي يريد بكتـابه
محاكاة تحريضية لكتاب «سـر تقـدم الإنكليز السكسونيين» لـ«ريمون ديمولان» الذي ترجمه «أحمد فتحي زغلول»- بكل ما أوردناه ،
بعنوان «الكتب والمؤلفون في مصر» ،
بحسب مؤلفيها إلى نوعين : نوع من المؤلفين الذين يريدون نشر أفكارهم العلمية
خدمة للعلم والوطن والدين والآداب ،
ولا يفكرون بالشهرة والمال ،
عرضا كـتـقـدير لتلك الخدمة الجليلة ،
وهذا نوع نادر الوجود لا يحس به ،
متوارون عن الأنظار ،
لأنه «لا يوجد في القوم من يقدر كتابتهم حق قدرها» .
ونوع آخـر غـايـتـهم الشـهـرة والمال ،
وهؤلاء هم المستأثرون بالجاه والمال ،
يصوغون وعي العامة صوغا سيئا مخالفا للقيم الكبرى
ثم انتهى إلى أن أغلب ما تدفع به المطابع «عبارة عن ترجمة بعض روايات
إفرنكية قد لا تنطبق على المطلوب في هذه البلاد ،
في الغالب قوة اللهجة ولذة العبارة ،
غاية لهم منها غير مجرد الفائدة المادية ،
رائجة ،
تروج فيها بضائعهم ،
عوائد البلاد ،
ونقائص أحكامها ونظامها واستبداد حكامها ؛
الأمة ،
وتقويم المعوج ،
ولاحظ غياب كتب التاريخ والآداب والفلسفة ،
وهي كتب لا محل لها ؛
لخلق البلاد من عناية صحيحة بها ،
العوام من أن كل بحث عقلي يناقض الاعتقاد الديني» .
إلى ما اصطلح عليه بـ«كتب الفقراء» ،
منها السفاهة ،
ويعلمون منها ما طرأ على قلة الأدب والرذيلة من الطوارئ ،
الكتب يؤلفها السفهاء والحشاشون ،
وهي مملوءة بصور هزيلة قبيحة يقطر منها القبح ،
المفسدة للأخلاق فيهم على فسادها ،
والمجون مع كثرته بين الفقراء ،
ويصدر منها كل يوم شيء جديد كثير ،
الأدب والسفاهة والبعد عن المبادئ القويمة »(1)
ومن تلك الكتب الرائجة التي حرص «محمد عمر» على ذكرها «رجوع
الشيخ إلى صـبـاه» و «الإيضاح في علم النكاح» و«منغظ العنين ومغني عن
العلم» و«علي الزيبق» ،
شهرمان» و«العمدة اللي أتجوز ستة» ،
القبيحة» .
وهذه كتب رائجة تتكرر طباعتها بين شهر وآخر ،
«بدع بطة» طبع في شـهـر واحـد ست مرات ،
الفقراء متربية على حب التوغل في الرذيلة والقبح من الصغر»(۲) .
وخلص إلى نتيجة تطابق ما كان قد خلص إليه قبله «محمد عبده» ،
حق على العاقل المطالبة بإبادة هذه الكتب لما تحتويه من الغش والخداع خدمة
للفضائل والآداب الإنسانية ،
ومن حق الحكومة أن تعاقب أصحابها وطابعيها ،
ولا يعز عليها ذلك ما دام أصحابها والذين يطبعونها يكتبون أسماءهم عليها ،
وهي لو اهتمت بالأمر لوقفت على ما هنالك ،
في الدين ،
والخـداع في الآداب ،
السفه ،
ويولد بينهم مكروه الفساد ،
و(161)عقوبات واضحة لكل من «انتهك حرمة الآداب ،
وحسن الأخلاق ،
بإشهار رسم أو نقش أو تصوير أو رمز وتمثيل»(۱) .
ولم يقتصر الأمر على الكتب التخيلية الشعبية والروائية ،
المسرح الذي قوبل بجفاء كبير ،
خليل القباني» (۱۸۳۳-۱۹۰۲) من رفض قادته المؤسسة الدينية ،
مفتي دمشق الشيخ سعيد الغبراء إلى السلطان «عبد الحميد،
بـ«الكفر المبين» وطلب من «مليك الزمان ،
وصاحب العرش والصولجان ،
بلاد الشام ،
فهتكت الأعراض ،
وماتت الفضيلة ،
ووئد الشرف ،
والجنون» ،
لذا صدر الأمر السامي العثماني بإغلاق المسرح ،
وصفت بعض المصادر الطريقة التي تمكن بهـا مـفـتي دمشق من تأجيج
غضب السلطان العثماني ضد القباني ،
إذ سعى لمقابلته ،
لكنه لم يفلح ،
الشيخ حضور السلطان إلى المسجد للصلاة ،
جموع المصلين : «يا مليك الزمان وصاحب العرش والصولجان ،
الشريفين وإمام القبلتين ،
يا أمير المؤمنين وخليفة سيد المرسلين : أن الشام ،
أحبتك ،
وذابت أكـبـادها تحنانا إلى ظليل عرشك .
.تسـتـعـديك على عدوك ،
وعدو الله هذا القباني الأفاق المستعبد الذي أحدث خروقا في الدين بترقيصه
الفتيان المرد على المسارح ،
وتهريجه وتمثيله ،
تما لم تطق الشام على مثله صبرا ،
يحدث في عصر أنت فيه الإمام الأوحد والركن المشيد ،
أبدا» .
وجاءت ردة فعل السلطان فورية إذ أصدر أمرا بإغلاق مسرح القباني ،
«بمعـارضـة دينية ،
أدت بالسلطات العـثـمـانيـة ،
في نهاية الأمر ،
وضعت التخيلات التمثيلية في تعارض مع «الحقائق» الدينية ،
ترسيخ اليقين في النفوس ،
والتمثيل ،
ووجود القباني في أرض الشام سيحول دون عبادة الله ،
الثقة به ،
كما رأى المفتي ،
فوجب نفيه عنها ليستقر اليقين في نفوس أهلها .
وثمن الاسـتـقـرار هو النفي .
إقصاء الثاني لكي ينصرف أهل البلاد إلى العبادة الصحيحة ،
يشوش على المؤمنين العبادة ،
ويحول دون استغراقهم الكامل في اليقين الديني .
وكنا رأينا في الكتاب الأول من هذه الموسوعة(٢) الكيفية التي انفصل بها
القص عن شـؤون الدين في القرون الأولى ،
القصص ،
مـما أفضى إلى وضع القص في مرتبة دونية ،
شوارع بغداد ،
وإباحة ضرب من يرتاد مجالسهم ،
والتنكيل بهم ،
هذه القضية بكاملها إلى الرواية والمسرح في القرن التاسع عـشـر ،
«القباني» بمنأى عن ذلك .
ظل التوجس قائما تجاه الأدب التخيلي- التمثيلي الذي خفضت قيمته
يمارسون كتابة الرواية ،
ويحذرون في الوقت نفسه من أضرارها ،
وهو ما وجدنا مثالاً عليه عند «صروف» الذي ركز على البعد الأخلاقي للرواية ،
أية قيمة ؛
سوى القيمة التعليمية الخاصة بتنمية الأسلوب الإنشائي .
تعلق الأمر بالموقف المناهض للرواية ،
والمتشكك في أهمـيـتـهـا ودورها ،
«محمد يوسف نجم» أن كتابهـا كانوا معرضين للاحتقار ،
الاجتماعية ،
وكانوا يعدون «فئة متخلفة من ذوي المواهب الهزيلة »(١) ،
الرواية العربية الحديثة بالمرويات السردية من ناحية الوظيفة التمثيلية ،
ترث ولفترة طويلة ،
ثم فحص «لويس شيخوه المطبوعات الشائعة في مطلع القرن العشرين ،
فاستأثرت بأحكامه الروايات «التي يعربونها عن اللغات الأوربية ،
ضـرره أكـبـر من نفعه لما يغلب عليه من وصف الحوادث الغـرامـيـة ،
عن كتاب الغرب ،
بينه الغث والسمين ،
اللازم ،
إذ ليس كل أحوال أوربا تصلح لأهل الشرق»(٢) .
شيئا إلا ووظفه من أجل اجتثاث الظاهرة التخيلية رواية ومسرحا ،
لما جمعت الآثار المسرحية لـ«مارون النقاش» (١٨۱۷-١٨٥٥) الذي «عرب عدة
روایات (مسرحيات) وسعى بتشخيصها (تمثيلها) ،
لهذا الصنف من الملاهي في هذه البلاد ،
الشهير قسما من رواياته في كتاب سماه «أرزة لبنان» ،
والمغفل والحسود ،
وحذا فيها مارون حذو الراوية ( المسرحي) موليار الفرنسي ،
وأودعها كثيرا من العادات الشرقية ،
ابن أخيه خليل فراجت بذلك سـوق الروايات ،
ويا لـيـتـهـا كـسدت مع كثرة مضارها ،
حينما بدأت الرواية تجتذب الاهتمام ،
منافسا للكتب الدينية والتاريخية ،
لترجمة كتاب «سر تقدم الإنكليز السكسونيين» الذي صدر في عام 1899 ،
إلى ابتـعـاد الـقـراء عن الكتب الجـادة بسبب التخلف الذي أمـات حب
والـتـهـافت على اقتناء التـافـه من المؤلفات ،
والروايات»(٢) .
وذلك أمر ينبغي توقع حدوثه ،
سياق ثقافي مختلف تدفع إلى الوراء بتلك التي تضفي على السياق القديم


النص الأصلي

ه. كتب الحقائق وكتب الأوهام:
رسم «محمد عمر» في كتابه «حاضر المصريين أو سر تأخرهم» الذي صدر
في عام۱۹۰۲ ، صورة قاتمة للكتب الشائعة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع
القرن العشرين في مصر ، فقد ذهب إلى أن أصحاب المطابع تعلقوا بطبع «الضار
،
والمفـسـد من الكتب» ، حتى أصبح ديدنهم «الميل إلى طبع كتب السـخـافـة
والأوهام» . وعلى هذا فقد أكـثـروا من طبع القصص والحكايات الغـرامـيـة
والفكاهية والأشـعـار الغـيـر المستظرفـة (كذا) وكتب النوادر والمجون المفسدة
للأخلاق والطباع والخيال» . وقد استاء من انحطاط الكتاب المصري حينما قارنه بالكتب الصادرة في الشام ، فرجح الكتب الشامية ؛ لأنها مفيدة ومنظمة
ومطبوعة بصورة جيدة ، فيما الكتب المصرية سيئة موضوعات وطباعة ، فجلها
«كتب السخافة والهذيان التي أفسدت علينا أخلاقنا ، وغيرت محاسننا ، حتى
أصبحنا نخاف أن يكثر أولادنا من قراءتها وأقاربنا وجيراننا أيضا ، فتؤثر في
عقولهم وأخلاقهم التأثير السيئ الذي ينغص الهيئة الاجتماعية (المجتمع)
والعائلة»(1)
ومن أجل دعم وجهة نظره فقد قدم «محمد عمر» مسردا طويلاً بالكتب
التي صدرت خلال السنوات الخمس قبل طبع كتابه ، ويمكن استخلاص نتائج
أساسية من ذلك المسرد ، فالكتب التي أوردها تتوزع إلى كتب تخيلية ضارة
تمثلها القصص والروايات وكتب المجون ، وهي الكتب الطاغية ، وبلغ عددها أربعة
وثمانين كتابا ، وكتب في المعارف التاريخية والأدبية والسياسية والتربوية وفروع
معرفية أخرى يزيد عددها على خمسة عشر فرعا ، وبلغت في كل تلك المعارف
والعلوم ثلاثة وثمانين كـتـابا ، وبحسب تصـوره فـلا يـعـد ذلك إلا من قـبـيـل
المفاسد ، فقد استأثرت الكتب الضارة والمفسدة باهتمام الجميع ، فيما كل
المعارف الأخرى لم تحظ إلا باهتمام أقل منها ، مع كثرة تلك المعارف والحاجة
إليها ، وللتدليل على الخطر الكامن وراء هذا الولع بالمتخيلات السردية المفسدة
للقيم العامة ، أورد تكالب الناشرين على طبع كتاب «ألف ليلة وليلة» وسيـرة
«سيف بن ذي يزن» وكـتـاب «عـودة الشيخ إلى صـبـاه» ، وأشار إلى أن عـدد
طبعات الليالي العربية بلغ عـشـرين طبعة في وقت قصير . «وهذا يدل على
انحطاط كبير فينا وخذلان ليس له مثيل ، والعياذ بالله »(۲)
لم يكتف مؤلف «حـاضـر المصريين أو سـر تأخـرهم» – الذي يريد بكتـابه
محاكاة تحريضية لكتاب «سـر تقـدم الإنكليز السكسونيين» لـ«ريمون ديمولان» الذي ترجمه «أحمد فتحي زغلول»- بكل ما أوردناه ، إنما عقد فصلاً خاصاً
بعنوان «الكتب والمؤلفون في مصر» ، أعاد فيه هذه المرة تصنيف الكتب الشائعة
بحسب مؤلفيها إلى نوعين : نوع من المؤلفين الذين يريدون نشر أفكارهم العلمية
خدمة للعلم والوطن والدين والآداب ، ولا يفكرون بالشهرة والمال ، إلا إذا جاءا
عرضا كـتـقـدير لتلك الخدمة الجليلة ، وهذا نوع نادر الوجود لا يحس به ، وهم
متوارون عن الأنظار ، لأنه «لا يوجد في القوم من يقدر كتابتهم حق قدرها» .
ونوع آخـر غـايـتـهم الشـهـرة والمال ، وهؤلاء هم المستأثرون بالجاه والمال ، والذين
يصوغون وعي العامة صوغا سيئا مخالفا للقيم الكبرى
ثم انتهى إلى أن أغلب ما تدفع به المطابع «عبارة عن ترجمة بعض روايات
إفرنكية قد لا تنطبق على المطلوب في هذه البلاد ، خصوصا وأن الترجمة تفتقد
في الغالب قوة اللهجة ولذة العبارة ، وربما كان لمترجميها بعض الفوز إذ هم لا
غاية لهم منها غير مجرد الفائدة المادية ، حيث ينظرون إلى هذه البلاد كسوق
رائجة ، تروج فيها بضائعهم ، والغاية الأدبية من الروايات بوجه العموم تمثيل
عوائد البلاد ، ونقائص أحكامها ونظامها واستبداد حكامها ؛ استنهاضا لهمة
الأمة ، وتقويم المعوج ، فالتي يكتب منها لبلاد معلومة قد لا يكون له كل المعنى
المطلوب في هذه البلاد ، فما عدا القليل جدا لم يظهر عندنا شيء مفيد من هذا
القبيل»(۱) .
ولاحظ غياب كتب التاريخ والآداب والفلسفة ، وهي كتب لا محل لها ؛
لخلق البلاد من عناية صحيحة بها ، وعلة ذلك عنده «ما هو سائد في أذهان
العوام من أن كل بحث عقلي يناقض الاعتقاد الديني» . والتفت بعد كل هذا
إلى ما اصطلح عليه بـ«كتب الفقراء» ، فوصفها بعمومها بأنها «بذيئة يتعلمون
منها السفاهة ، ويعلمون منها ما طرأ على قلة الأدب والرذيلة من الطوارئ ، وهذه
الكتب يؤلفها السفهاء والحشاشون ، وهي مملوءة بصور هزيلة قبيحة يقطر منها القبح ، وقلة الحياء
المفسدة للأخلاق فيهم على فسادها ، المتضمنة للهذر
والمجون مع كثرته بين الفقراء ، ويصدر منها كل يوم شيء جديد كثير ، حشوه قلة
الأدب والسفاهة والبعد عن المبادئ القويمة »(1)
ومن تلك الكتب الرائجة التي حرص «محمد عمر» على ذكرها «رجوع
الشيخ إلى صـبـاه» و «الإيضاح في علم النكاح» و«منغظ العنين ومغني عن
المعاجين» ، وقصة «الفلاح مع الثلاث نساء» و«عفريت الشام» و«نوادر جحا»
و«القاضي والحرامي» ، و«بدع بطة» و«رأس الغول» و«خضرة الشريفة» و«بئر ذات
العلم» و«علي الزيبق» ، و«المرأة التي حـبلت زوجـهـا» و«قـمـر الزمـان بن الملك
شهرمان» و«العمدة اللي أتجوز ستة» ، و«بدع خرج من الحمام» و«تسالي رمضان
القبيحة» . وهذه كتب رائجة تتكرر طباعتها بين شهر وآخر ، حتى أن كتاب
«بدع بطة» طبع في شـهـر واحـد ست مرات ، وتعليل ذلك عنده هو أن «نفـوس
الفقراء متربية على حب التوغل في الرذيلة والقبح من الصغر»(۲) .
، وهي
،
وخلص إلى نتيجة تطابق ما كان قد خلص إليه قبله «محمد عبده» ، فقد
حق على العاقل المطالبة بإبادة هذه الكتب لما تحتويه من الغش والخداع خدمة
للفضائل والآداب الإنسانية ، ومن حق الحكومة أن تعاقب أصحابها وطابعيها ،
ولا يعز عليها ذلك ما دام أصحابها والذين يطبعونها يكتبون أسماءهم عليها ،
وهي لو اهتمت بالأمر لوقفت على ما هنالك ، وعلمت أنها محشوة بالأكاذيب
في الدين ، والخـداع في الآداب ، والاخـتـلاق ما يودع في رؤوس العـوام رذيلة
السفه ، ويولد بينهم مكروه الفساد ، وليس أقدر من الحكومة على استئصال
ذلك ، كـمـا ليس أحـد مـسـؤولاً أكـثـر منـهـا عـمـا يـحـفظ أدب الأمـة وجـدها
وفخارها» . ويذكر أخيرا بقانون العقوبات المصري الذي قرر في المادتين(156)
و(161)عقوبات واضحة لكل من «انتهك حرمة الآداب ، وحسن الأخلاق ، بإشهار رسم أو نقش أو تصوير أو رمز وتمثيل»(۱) .
ولم يقتصر الأمر على الكتب التخيلية الشعبية والروائية ، إنما شمل ذلك
المسرح الذي قوبل بجفاء كبير ، ومن ذلك ما تعرض له رائد المسرح العربي «أبو
خليل القباني» (۱۸۳۳-۱۹۰۲) من رفض قادته المؤسسة الدينية ، فقد شكاه
مفتي دمشق الشيخ سعيد الغبراء إلى السلطان «عبد الحميد، متهما إياه
بـ«الكفر المبين» وطلب من «مليك الزمان ، وصاحب العرش والصولجان ، والإمام
الأوحد ، والركن المشيد» أن يغلق مسرحه لأنه «تسبب في الفسق والفجور في
بلاد الشام ، فهتكت الأعراض ، وماتت الفضيلة ، ووئد الشرف ، واختلطت
النساء بالرجال، فالموسيقى المصاحبة لمسرحياته «تطبع في الذهن سطور الصبابة
والجنون» ، لذا صدر الأمر السامي العثماني بإغلاق المسرح ، وهاجر «القباني»
إلى مصر
وصفت بعض المصادر الطريقة التي تمكن بهـا مـفـتي دمشق من تأجيج
غضب السلطان العثماني ضد القباني ، إذ سعى لمقابلته ، لكنه لم يفلح ، فانتهز
الشيخ حضور السلطان إلى المسجد للصلاة ، فقدم احتجاجه ضد القباني وسط
جموع المصلين : «يا مليك الزمان وصاحب العرش والصولجان ، يا خادم الحرمين
الشريفين وإمام القبلتين ، يا أمير المؤمنين وخليفة سيد المرسلين : أن الشام ، التي
أحبتك ، وذابت أكـبـادها تحنانا إلى ظليل عرشك . .تسـتـعـديك على عدوك ،
وعدو الله هذا القباني الأفاق المستعبد الذي أحدث خروقا في الدين بترقيصه
الفتيان المرد على المسارح ، وتهريجه وتمثيله ، تما لم تطق الشام على مثله صبرا ،
يحدث في عصر أنت فيه الإمام الأوحد والركن المشيد ، فأنقذنا يا رعاك الله
من هذا البلاء المحتم ، وإذا لم تنقذنا منه لا يعبد الله في أرض الشام بعد اليوم
أبدا» . وجاءت ردة فعل السلطان فورية إذ أصدر أمرا بإغلاق مسرح القباني ، فتم التخلص من صاحبه الذي اضطر إلى الهرب من مواجهة الأخطار التي
أحدقت به . وكما خلص كتاب «تاريخ كمبردج للأدب العربي» فقد قوبل
«بمعـارضـة دينية ، أدت بالسلطات العـثـمـانيـة ، في نهاية الأمر ، إلى إغلاق
مسرحه(۱) .
وضعت التخيلات التمثيلية في تعارض مع «الحقائق» الدينية ، تريد الثانية
ترسيخ اليقين في النفوس ، فيما تطلب الأولى جعله موضع مساءلة بالمحاكاة
والتمثيل ، ووجود القباني في أرض الشام سيحول دون عبادة الله ، وسوف يهز
الثقة به ، كما رأى المفتي ، فوجب نفيه عنها ليستقر اليقين في نفوس أهلها .
وثمن الاسـتـقـرار هو النفي . وفي سياق المفاضلة بين الدين والمسرح لا بد من
إقصاء الثاني لكي ينصرف أهل البلاد إلى العبادة الصحيحة ، فوجود المسرح
يشوش على المؤمنين العبادة ، ويحول دون استغراقهم الكامل في اليقين الديني .
وكنا رأينا في الكتاب الأول من هذه الموسوعة(٢) الكيفية التي انفصل بها
القص عن شـؤون الدين في القرون الأولى ، ثم الـتـجـاذبات بين المحـدثين
والقصاص ، وأخيرا العـداء العام الذي شيدته الثقافة الدينية الرسمية ضد
القصص ، مـما أفضى إلى وضع القص في مرتبة دونية ، ومطاردة القصاص في
شوارع بغداد ، وإباحة ضرب من يرتاد مجالسهم ، والتنكيل بهم ، فقد رحلت
هذه القضية بكاملها إلى الرواية والمسرح في القرن التاسع عـشـر ، ولم يكن
«القباني» بمنأى عن ذلك .
ظل التوجس قائما تجاه الأدب التخيلي- التمثيلي الذي خفضت قيمته
الثقافة الدينية ، على أن الأمر يزداد التباسا إذا تعلق بالروائيين أنفسهم الذين
يمارسون كتابة الرواية ، ويحذرون في الوقت نفسه من أضرارها ، وهو ما وجدنا مثالاً عليه عند «صروف» الذي ركز على البعد الأخلاقي للرواية ، وجردها من
أية قيمة ؛ سوى القيمة التعليمية الخاصة بتنمية الأسلوب الإنشائي . وبمقدار
تعلق الأمر بالموقف المناهض للرواية ، والمتشكك في أهمـيـتـهـا ودورها ، أكـد
«محمد يوسف نجم» أن كتابهـا كانوا معرضين للاحتقار ، وخفض الـقـيـمـة
الاجتماعية ، وكانوا يعدون «فئة متخلفة من ذوي المواهب الهزيلة »(١) ، فاتصال
الرواية العربية الحديثة بالمرويات السردية من ناحية الوظيفة التمثيلية ، جعلها
ترث ولفترة طويلة ، النظرة الدونية والاحتقار اللذين كانا موجهين ضد تلك
المرويات من قبل .
ثم فحص «لويس شيخوه المطبوعات الشائعة في مطلع القرن العشرين ،
فاستأثرت بأحكامه الروايات «التي يعربونها عن اللغات الأوربية ، ومعظمها
ضـرره أكـبـر من نفعه لما يغلب عليه من وصف الحوادث الغـرامـيـة ، وتهييج
الشهوات الباطلة ، ومنها قسم آخر أخلاقي اجتماعي سياسي هو أيضا منقول
عن كتاب الغرب ، بينه الغث والسمين ، فينشرون آداب الفرنج دون الاحتياط
اللازم ، إذ ليس كل أحوال أوربا تصلح لأهل الشرق»(٢) . ولم يدخر من وسعه
شيئا إلا ووظفه من أجل اجتثاث الظاهرة التخيلية رواية ومسرحا ، واستاء كثيرا
لما جمعت الآثار المسرحية لـ«مارون النقاش» (١٨۱۷-١٨٥٥) الذي «عرب عدة
روایات (مسرحيات) وسعى بتشخيصها (تمثيلها) ، وكان أول من مهد الطريق
لهذا الصنف من الملاهي في هذه البلاد ، وقد طبع بعد وفاته أخوه نقولا المحامي
الشهير قسما من رواياته في كتاب سماه «أرزة لبنان» ، يحتوي روايات البخيل
والمغفل والحسود ، وحذا فيها مارون حذو الراوية ( المسرحي) موليار الفرنسي ،
وأودعها كثيرا من العادات الشرقية ، وجاراه في عمله أخوه نقولا المذكور وسليم
ابن أخيه خليل فراجت بذلك سـوق الروايات ، ويا لـيـتـهـا كـسدت مع كثرة مضارها ، وقلة من يراعون فيها الآداب الصالحة»(1)
حينما بدأت الرواية تجتذب الاهتمام ، وجد فيها أوصياء الثقافة التقليدية
منافسا للكتب الدينية والتاريخية ، وقد أشار «فتحي زغلول» في مقدمته
لترجمة كتاب «سر تقدم الإنكليز السكسونيين» الذي صدر في عام 1899 ،
إلى ابتـعـاد الـقـراء عن الكتب الجـادة بسبب التخلف الذي أمـات حب
الاستطلاع ، وهذا «هو السبب في الإقبال على مطالعة القصص والخـرافـات
والـتـهـافت على اقتناء التـافـه من المؤلفات ، والتسابق إلى حفظ كـتـب المجـون
والروايات»(٢) . وذلك أمر ينبغي توقع حدوثه ، فالآداب الجديدة التي تنشأ في
سياق ثقافي مختلف تدفع إلى الوراء بتلك التي تضفي على السياق القديم
شرعيته ، فالاحتجاج عليها هو احتجاج على ثقافة مختلفة


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

قال أنس : فذكر ...

قال أنس : فذكر أنه وجد في السماوات : آدم ، وإدريس ، و موسى ، وعيسى ، وإبراهيم ؛ صلوات الله عليهم ، و...

### ملخص الفصل ...

### ملخص الفصل الأول: الأجور #### ملخص أكاديمي دقيق يتناول الفصل الأول من الباب السادس في نظام الع...

تحدث المقاومة ا...

تحدث المقاومة المضادة للميكروبات (اختصارًا AMR) عندما تطور الميكروبات آليات تحميها من التأثيرات المض...

رأى النبي - صلى...

رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلة المعراج الملك جبريل عليه السلام - في صورته التي خلقه الله ع...

L'énergie éolie...

L'énergie éolienne occupe une place cruciale dans le paysage énergétique mondial, représentant une s...

photo _استخدم أ...

photo _استخدم أنطوان، بإصرار، حزامه ليصنع عاصبة ويوقف تدفق الدم. ثم قام بعد ذلك بتنظيف جرح الفتاة وا...

أنا مهتم جداً ب...

أنا مهتم جداً بمشروعكم التطوعي القادم الذي يركز على الاستدامة، وتقليل هدر الطعام، والتفاعل الثقافي ف...

تحديد المستوى ا...

تحديد المستوى القومي ذكرنا سابقا ان الادخار هو ذلك الجزء من الدخل الذي لا ينفق على الاستهلاك الاد...

في مقاله يتحدث ...

في مقاله يتحدث حسين بولهان 2015 عن التواطؤ بين علم النفس الكلاسيكي والبنية الاستعمارية، ولم تنته مسا...

: إنَّ الحمدَ...

: إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ...

Description de ...

Description de la Villa Moderne La photo montre une vue en plan 3D d'une villa moderne, comprenant p...

حيث لا يمكن الف...

حيث لا يمكن الفصل بين النهضة الثقافية، النهضة الأخلاقية، النهضة الاقتصادية، النهضة العسكرية والاجتما...