لخّصلي

الوقت. استهله الصبية ثم انتشر بين البنات. وكان يمكن تأليف كتاب كامل عن جميع الأفعال السخيفة
التي جرت في أفونليا ذلك الصيف.
نتيجة اضطرار الذين تعرضوا للتحدّي إلى القيام بها .
في البدء قامت كاري سلون بتحدّي روبي غيليز في أن تتسلق شجرة الصفصاف الضخمة العتيدة التي أمام باب البيت الرئيسي شرط الوصول إلى حد معين فيها. ورغم فزع روبي غيليز الرهيب من اليرقانات الخضر السمان اللواتي كانت الشجرة المذكورة مغزوة بهن، ورغم خوفها الواضح من أمها في حال مزقت فستان الموسلين الجديد تسلقت تلك الشجرة برشاقة منتصرة على كاري سلون التي تحدّتها.
بعد ذلك قامت جوزي باي بتحدّي جين أندروز في أن تحجل على قدمها اليسرى بحيث تدور حول الحديقة من غير أن تتوقف مرةً واحدةً أو تضع رجلها اليمنى على الأرض. حاولت جين أندروز أن تفعل ذلك بروح مرحة، لكنها استسلمت عند الزاوية الثالثة واعترفت بالهزيمة.
كان التشفّي الذي أظهرته جوزي باي أكثر مما يحتمله الذوق. فما كان من أن شيرلي إلا أن تحدّتها في السير فوق السياج الخشبي الذي يحد الحديقة من ناحية الشرق.
لم يكن المشي على الأسيجة الخشبية من الأمور السهلة، لأنه يتطلب مهارة وتوازنًا أكثر مما قد يُخيَّل للمرء الذي لم يسبق له القيام بمثل هذه التجربة. لكن جوزي باي التي لم تكن تتحلى بصفات محببة
تجعلها صاحبة شعبية بين قريناتها كانت تتميز بموهبة فطرية فيما .

يتعلق بالمشي على الأسيجة. وُلدت هذه الموهبة معها، ودأبت صاحبتها على تطويرها كما ينبغي. وهكذا، اعتلت جوزي سياج آل باري وقطعته بلامبالاة متعجرفة، أوحت لقريناتها أن ما قامت به كان عملًا سخيفا لا يستحق التحدّي. فاضطرت الفتيات مُكْرَهات إلى إطراء مأثرتها وتقدير نجاحها، لأن معظمهن كثيرًا ما سبق لهن أن عانين من محاولات مماثلة فاشلة. وما إن ترجلت جوزي باي من على ساريتها متوردة بحمرة الزهو حتى شزرت أن بنظرة متغطرسة.
نفضت أن ضفيرتها الحمراء.
«لا أعتبر السير على سياج واطيء صغير، انتصارًا عظيمًا حقًّا «
قالت أن «أعرف بنتا في ماريسفيل تستطيع المشي على رافدة السطح الأفقية»
«لا أصدقك» قالت جوزي بصوت جهوري «لا أصدق أن أحدًا يمكنه المشي على رافدة السطح على كل حال أنت لا تقدرين على ذلك»
«لا أقدر؟» صاحت آن بتهور.
«إذن أنا أتحداك في القيام بهذا» قالت جوزي باي بجسارة. «أتحداك في أن تتمكني من التسلق إلى سطح مطبخ آل باري والمشي على رافدته»
امتقعت آن ولكن كان من الواضح أن هناك شيئًا واحدا يمكنها عمله مشت نحو المنزل، حيث كان يوجد سلم يستند على جدار المطبخ. وهتفت جميع بنات الصف الخامس: أوه بصوتٍ واحدٍ
اختلطت فيه الإثارة بالرعب.
«لا تقومي بذلك يا آن استعطفتها ديانا «سينتهي بك الأمر إلى السقوط والموت. لا تكترثي بما تقوله جوزي باي، فليس من العدل تحدّي أي شخص في القيام بعمل بالغ الخطورة»
«يجب أن أقوم بهذا شرفي على المحك قالت أن بجدية «سأمشي على تلك الرافدة ياديانا أو أهلك أثناء محاولتي. وإذا مت، فأنا أهبك خاتمي اللؤلؤي »
تسلقت أن السلم وسط الصمت المخيم ارتقت الرافدة الأفقية وازنت نفسها، ووقفت على تلك الأرضية المتقلقلة استعدادًا لمباشرة المشي عليها. وسرعان ما تغشاها إحساس مزعج نتيجة وعيها بارتفاعها
الشاهق عن عالم الأرض الثابتة ونتيجة إدراكها أن المشي على الروافد الخشبية ليس من الأعمال التي يلعب فيها الخيال دورًا مهما.مع ذلك، نجحت في إنجاز بضع خطوات قبل أن تحل الكارثة، إذ كانت
على وشك متابعة السير قدمًا عندما ترنّحت فجأة ففقدت توازنها ومالت ثم تعثرت وانزلقت على السطح الذي سخنته أشعة الشمس، ثم تهاوت من فوقه وسقطت بين أكوام العرائش المتسلقة. جرت هذه الوقائع كلها قبل أن تنطلق الزعقة المخيفة الموحدة من الحلقة التي
كانت تراقبها وهي محبوسة الأنفاس.
لو قدر لان أن تقع من الجهة التي صعدت منها، لأصبحت ديانا منذ تلك اللحظة وإلى الأبد وريثة شرعية لخاتم أن ذي الخرزات اللؤلؤية غير أنها لحسن الحظ سقطت من الجهة الأخرى، التي انبسط فيها السطح الخشبي ومال نحو الشرفة غير بعيد عن الأرض، بحيث كان السقوط منه أقل خطورة حتمًا كانت أن منطرحة على الأرض فوق أكوام العرائش المتكسرة، هامدة وشاحبةً عندما هرعت ديانا وجميع البنات نحوها مسعورات، باستثناء روبي التي وقفت وكأنها قد تسمرت
في الأرض مطلقة العنان لبكائها العصبي العنيف.
«آن هل أنت ميتة؟» صرخت ديانا وهي ترمي نفسها على ركبتيها بالقرب من رفيقتها «آه.. يا.. آن، يا غاليتي أن كلميني كلمة واحدة فقط وقولي لي إذا كنت قد مت؟»
لا يمكن وصف شعور الارتياح العظيم الذي غمر البنات، خصوصا جوزي باي التي رغم افتقارها للخيال استولت عليها تلك الرؤى المستقبلية المخيفة التي ستعيرها بأنها البنت التي تسببت بمقتل أن شيرلي التراجيدي وهي في ريعان الصبا، وذلك عندما جلست آن نصف واعية وأجابت ديانا بنبرة حائرة:
«لا يا ديانا أنا لست ميتة، ولكن أظنني فقدت وعيي»
أين؟» سألتها كاري سلون باكية. «أين يا أن؟»
قبل أن تتمكن أن من الإجابة أطلت السيدة باري على الحديقة، وما
إن رأتها أن حتى حاولت النهوض على قدميها لكنها سرعان ما وقعت على
الأرض، وهي تطلق صرخة ألم صغيرة.

«ماذا حدث؟ أين تشعرين بالألم؟» سألتها السيدة باري.
«کاحلي.» شهقت آن ديانا، أرجوك ابحثي عن أبيك واطلبي منه أخذي إلى البيت أعرف أني لن أتمكن من المشي، وبالتأكيد لن أستطيع الحجل على طول الطريق، في حين لم تتمكن جين من الوثوب
على رجل واحدة حول الحديقة.
كانت ماريلا واقفة في البستان، تقطف شيئًا من التفاح، عندما رأت السيد باري وهو يجتاز جسر جذع الشجرة ويصعد المرتفع، حاملًا أن بين ذراعيه وقد استند رأسها على كتفه بإعياء، تماشيه السيدة باري
ويتبعه موكب الفتيات الصغيرات.
في تلك اللحظة كان لدى ماريلا ما تصارح به نفسها. إذ أدركت فجأة ما الذي تعنيه أن لها عندما شعرت بتلك الطعنة التي شقت لها صميم فؤادها. كانت فيما بينها وبين نفسها تقر بأنها تستلطف آن... لا.. بل تقرّ
بأنها كانت مولعة بها. لكنها في تلك اللحظة عندما هرعت بجنون نحو الطريق المنحدر عرفت أن أن كانت أغلى على قلبها من أي شيء آخر موجود على وجه هذه الأرض.
«ما الذي أصابها ياسيد باري؟ شهقت ماريلا وهي ممتقعة ومرتعدة الفرائص أكثر مما سبق لماريلا الحكيمة المتزنة أن كانت عليه لعدد لا يُحصى من السنين.
أجابتها أن بنفسها وهي تحاول رفع رأسها:
«لا تخافي يا ماريلا. كنت أمشي على رافدة السطح ووقعت عنها. أظنني رضضت كاحلي. مع ذلك دعينا ننظر إلى الأمر من الناحية الإيجابية يا ماريلا، إذ كان يمكن أن أكسر عنقي.»
كان يجدر بي التأكد أنك ستقحمين نفسك في ورطة جديدة عندما سمحت لك بالذهاب إلى الحفلة قالت ماريلا معبرة عن اطمئنانها على أن بلهجة حادة ولاذعة أدخلها إلى البيت ياسيد باري، ومددها على
الأريكة رحمتك يارب، لقد أغمي على الطفلة!»
كان هذا صحيحًا. فنظرًا للألم الرهيب الذي شعرت به أن أغمي عليها .حالا وتحققت بذلك أمنية أخرى من أمانيها.
استدعي ماثيو على وجه السرعة من حقل الحصاد. وأوفد لإحضار الطبيب الذي جاء في الوقت المناسب، وأعلن أن الحالة كانت أكثر خطورة مما توقع الآخرون لقد كسرت آن عظم کا حلها.
تلك الليلة، عندما قصدت ماريلا الغرفة الشرقية التي كانت تلازمها طفلة شاحبة الوجه استقبلها صوت كتيب من السرير
«ألست حزينة علي يا ماريلا؟»
«كان الذنب ذنبك» قالت ماريلا وهي تسدل الستائر وتضيء مصباحًا. «وهذا هو السبب الذي يستدعي حزنك علي» أجابت آن «لأن مجرد التفكير أني أنا وحدي المسؤولة عما حدث يجعل الأمر صعبًا للغاية. لو كان بإمكاني إلقاء اللوم على أي شخص آخر لرتما شعرت ببعض الارتياح ولكن ماذا كنت ستفعلين يا ماريلا لو أن أحدًا تحداك في أن تمشي على رافدة السطح ؟»
«كنت بقيت واقفة على الأرض الثابتة وضربت بتحدي المتحدين عرض الحائط. باللتزهات السخيفة!» قالت ماريلا
تنهدت أن.
ولكنك صاحبة إرادة قوية ياماريلا، وأنا لست كذلك. شعرت أني لن أستطيع احتمال استهزاء جوزي باي مني. وكانت هذه الفكرة ستظل تنعق في وجهي لبقية عمري وأظنني تلت العقاب الكافي الذي يحول دون استمرار غضبك علي يا ماريلا. لقد اكتشفت أخيرا يا ماريلا أن الإغماء ليس بتلك التجربة اللطيفة، كما أن الطبيب المني ألما لا يمكن وصفه عندما كان يعالج كاحلي. ولن أقدر الآن على التحرك لمدة سبعة أسابيع، وسأفوت على نفسي فرصة رؤية المعلمة الجديدة.
ولن تكون معلمة جديدة أبدًا عندما يحين الوقت الذي سأتمكن فيه من العودة إلى المدرسة. بالإضافة إلى أن غيل.. الجميع في المدرسة سيتفوقون علي في الصف أوه، إني مخلوقة فانية تعيسة ومع سأحاول تقبل الأمر بشجاعة ياماريلا، إذا لم تكوني غاضبة علي»ذلك «هيا هيا، أنا لست غاضبة قالت ماريلا أنت طفلة غير محظوظة
دون أدنى شك. ورغم كل شيءٍ فإن أحدا غيرك لن يعاني من هذه المحنة التي ألمت بك. والآن حاولي تناول شيء من الطعام.
«أليس من حسن حظي يا ماريلا أني خيالية؟» قالت أن «أظن أن خيالي سيساعدني كثيرًا الآن. تُرى ماذا يفعل الناس الذي يفتقرون إلى الخيال عندما يكسرون عظامهم؟
من المؤكد أنه كان لأن أسبابها الوجهة التي جعلتها تحمد قدرتها على التخيل مرارا وتكرارًا خلال تلك الأسابيع السبعة المضجرة التي مرّت بها، رغم أنها لم تعتمد اعتمادًا كاملًا على ذلك الخيال. فقد استقبلت العديد من الزوار في تلك الفترة، ولم يكن يمريوم واحد بدون زائرة أو اثنتين من رفيقات المدرسة، وهنّ محمّلات بالأزهار والكتب وأخبار آخر
التطورات الجديدة في عالم أبناء أفونليا الأحداث.
«كان الجميع طيبًا ولطيفًا معي يا ماريلا» قالت أن وهي تتنهد بسعادة يوم تمكنت أخيرًا من المشي وهي تعرج. «ليس اضطرار المرء إلى المكوث في سريره بالشيء اللطيف أبدًا. مع ذلك يوجد فيه جانب إيجابي مميزيا ماريلا، فهويبين لك كم أنت محظوظة بحصولك على كثير من الأصدقاء. حتى الناظر بيل عادني يا ماريلا، وهو في الحقيقة إنسان لطيف جدا، وأنا أشعر بالأسف لأني انتقدته، روى لي يا ماريلا كل شيء عن الحادثة التي كسر فيها عظم كاحله عندما كان صبيا صغيرًا. وكان
من الصعب على خيالي تَصَوّر أنّ الناظر بيل كان صبيا في يوم من الأيام، فحتى خيالي له حدوده وكلما حاولت تَخَيُّل طفولته لا أراه إلا بسالفين أشيبين ونظارات، تماما كما يبدو في المدرسة لكن على شكلٍ مُصَغَرٍ.
وبالمقابل ليس هناك ما هو أسهل من تَخَيُّل طفولة السيدة الن.
تصوّري يا ماريلا أنها عادتني أربع عشرة مرة، أليس هذا بالشيء الذي يستحق الافتخار؟ نظرًا للمشاغل الكثيرة التي ينبغي لزوج المدرس القيام بها! بالإضافة إلى أنها من أولئك الناس الذين يشيعون حولك المرح عندما يزورونك. ولا تقول لك أبدًا أن الذنب ذنبك، أو تلمح لك أن ما حدث يجب أن يكون عبرة مستقبلية لك. هذا ما قالته لي السيدة ليند عندما جاءت لرؤيتي وقالته بأسلوب جعلني أشعر أنها كانت تأمل في أن أكون بنتا صالحة ولكنها لا تعتقد أن هذه الأمنية قابلة للتحقق. أما جوزي باي التي جاءت لزيارتي أيضًا، فقد ألزمت نفسي على استقبالها بأدب، لأني أظنها تشعر بالأسف نتيجة تحديها لي في المشي على رافدة السطح ولو متُ لكان عليها حمل عبء الندم الثقيل طيلة حياتها.
كانت ديانا رفيقة مخلصةً فعلا فقد عادتني يوميا لتؤنس وحشتي.
لكني الآن سعيدة جدا بالعودة إلى المدرسة لأني سمعت أخبارًا مثيرة المعلمة الجديدة. والبنات يعتقدنها لطيفة جدا. أخبرتني ديانا أن عن شعرها فائق الروعة بلونه الفاتح وخصلاته المجعدة، وأنها جميلة العينين وأنيقة الملبس، وأكمام فساتينها منفوخة أكثر من أكمام أي مخلوق آخر في أفونليا. كما أخبرتني أنها تقوم كل أسبوعين بتخصيص أمسية يوم الجمعة لحلقات الإلقاء وعلى كل تلميذ إلقاء مقطوعة شعرية أو أخذ دور في مقطع حواري. أوه يا ماريلا، أليس هذا شيئًا راقيًا؟
تقول جوزي باي إنها تكره حلقات الإلقاء هذه، وأظن السبب يعود إلى افتقارها للخيال. أخبرتني ديانا أنها تتدرب حاليا مع روبي غيليز وجين أندروز على مقطع حواري عنوانه: زيارة صباحية، وذلك لأمسية يوم الجمعة القادمة. أما أمسيات يوم الجمعة التي لا يوجد فيها حلقات إلقاء، فإن الآنسة ستيسي تقوم باصطحاب التلاميذ إلى الغابة في درس
ميداني، يعملون أثناءه على دراسة النباتات والعصافير والأزهار. كما أنهم يمارسون التمارين الرياضية صباحًا ومساءً. وتقول السيدة ليند إنها لم تسمع بمثل هذه الصرعات من قبل وكل ذلك بسبب وجود معلمة وليس معلم لكنني أرى كل ما تفعله رائعا، وأنا متأكدة أني سأجد روح الآنسة ستيسي مشابهة لروحي.»
«هناك شيء واضح يمكن التأكد منه يا آن» قالت ماريلا، «وهو أن سقوطك من على سطح آل باري لم يُصب لسانك بأي عطب.»