لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

التعريفُ بالمجتمع الإسلامي والأسس التي يقوم عليها
لفظ المجتمع مشتق من جَمَعَ، فالجمع ضم الأشياء المتفقة وضده التفريق والإفراد، وأحسن صاحب لسان العرب حين قال في بيان معنى هذه اللفظة: " تجمع القوم: اجتمعوا من
وحين النظر في دلالة لفظ المجتمع من حيث هو مصطلح يجد المرء عدة تعريفات منشؤها تباين النظرات تبعاً للتخصصات، فنجد تعريفاً من منظور سياسي، وآخر من منظور اجتماعي،ولسنا بصدد تتبع وإيراد هذه التعريفات وحسبنا في هذا المقام تعريف لعله الأقرب إلى المباحث التي سنعرض لها.فالمجتمع هو: عدد كبير من الأفراد المستقرين تجمعهم روابط اجتماعية ومصالح مشتركة، تصحبها أنظمة تضبط السلوك وسلطة ترعاها .وليس يبعد تعريف المجتمع المسلم من غيره من المجتمعات إلا بما فيه من خصائص ومواصفات - سوف نفصل القول فيها وعلى هدي من هذا يمكن تعريف المجتمع الإسلامي بأنه: خلائق مسلمون في أرضهم مستقرون تجمعهم رابطة الإسلام وتدار أمورهم في ضوء تشريعات إسلامية وأحكام، ويرعى شؤونهم ولاة أمر منهم وحكام.ومن الألفاظ ذات الصلة بمفهوم المجتمع: الجماعة، كالقرابة أو الجنس،من مكونات المجتمع،تعريف الأمة:
تعرف الأمة بقولهم: إنها كل جماعة يجمعهم أمر ما، إما دين واحد أو زمان أو مكان واحد سواء أكان هذا الأمر الجامع تسخيراً كالجنس واللون أو اختياراً كالمعتقد والأرض. هذا التعريف للأمة يتعذر قبوله على إطلاقه؛ وهذا ما لا يقره الإسلام، مع اعترافه بأن لها أثراً إيجابياً، وإما لضيقها كالقرابة.وبناء على ما سبق يمكن أن نعرّف الأمة الإسلامية في ضوء دلالات النصوص الشرعية بأنها: جماعات من الناس تجمعهم عقيدة الإسلام بغض النظر عن أي رابطة أخرى من الروابط الاجتماعية، ويشهد لهذا القرآن الكريم بقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )، وقوله تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ . ومثلها كذلك الدول الأفريقية، في حين أننا لا نسمع بمصطلح الأمم الإسلامية بل هي أمة إسلامية واحدة، على الرغم مما بين أفرادها من اختلاف في اللغة والجنس والأرض، وهذا يعني أن الأمة الإسلامية تتكون من عدة مجتمعات لاعتبارات تفرض نفسها،أسس بناء المجتمع الإسلامي
أسس بناء المجتمع وعناية الإسلام بها:
إن أي مجتمع باعتباره كياناً قائماً بذاته لابد له من أسس يبنى عليها، وتكاد تكون هذه الأسس مشتركة بين المجتمعات كلها بيد أن المجتمع الإسلامي تميز عن غيره في هذا المجال وكان تميزه من جهتين: أما الأولى فهو أنه جعل العقيدة بكل مظاهرها والشريعة بكل أحكامها الأساس الأكبر الذي تبنى عليه الأسس الأخرى، إذ لا قيمة لأي أساس لا تكون العقيدة والشريعة متمثلة فيه قائمة عليه، ومن هنا كان التميز وكانت الآثار الإيجابية.أما الثانية: فإنه بما أوجده من مواصفات وبما وضعه من اعتبارات تجاه هذه الأسس، وهو ما سنعرض له في هذا المبحث.۱) الإنسان.الأساس الأول: الإنسان
عنى الإسلام بالإنسان الفرد عناية لا مثيل لها بغية أن يهيئه ليكون الأساس الأول في بناء المجتمع، وبرزت هذه العناية الإلهية منذ الخلق والتكوين حين خلقه الله تعالى بيديه ونفخ فيه من روحه ومنحه العقل والحواس، أن يكون خليفة في الأرض، هدفت كلها
إلى بناء شخصية للفرد المسلم متزنة مستقلة تجمع بين ما استودع فيها من رغبات ونزعات، مخلوقاً متميزاً، وصار خليقاً لأن يصبح خليفة في الأرض، وأهلاً للقيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه كما أسلفنا. لكنهما متكاملتان وهما:
١) النزعة الفردية وهي التي تجعله يحب الخير لنفسه ويدفع الشر عنها، ويحرص على تحقيق ذاته.٢) والنزعة الاجتماعية وهي التي تدفعه إلى صف الجماعة وحضن المجتمع، لأن الله تعالى جعل بحكمته حاجة الفرد إلى الفرد كحاجة العضو إلى العضو في الجسد الواحد، ويفهم هذا إذا علم أن سلوك الفرد ورغباته كالحب والوفاء والتميز والفخر لابد لها من محيط اجتماعي تمارس فيه.يضاف إلى هذه الدوافع الفطرية، دوافع مكتسبة أوجدها الشارع الحكيم من خلال تشريعات وتكاليف خوطب بها الفرد لها اتصال مباشر بالمجتمع، وهذا ملحوظ في العبادات كلها كما سنرى، (ذلك لأن الحياة داخل المجتمع، تمنح الفرد قوة فوق قوته).إن المتأمل في مكانة الفرد في الإسلام وما أحيط به من عناية وتهيئة، يدرك أنه أهل لأن يكون الأساس الأول في بناء المجتمع باعتباره اللبنة الأولى في الأسرة،الإنسان في المجتمع الإسلامي :
إن مما يحسن بيانه هنا هو الحديث عن عناية الإسلام بالإنسان وتكريمه وحفظ حقوقه،أولاً : الإنسان في الإسلام :
أعلى الإسلام من شأن الإنسان واعتبره خليفة الله في أرضه وأكد كرامته، واعتبرها كرامة ذاتية أصيلة لا تنبع من جنسه ولا من لونه ولا من بلده ولا من قومه ولا من عشيرته ولا من ماله ولا من عرض من أعراض الدنيا الزائلة، وإنما تنبع من كونه إنساناً من هذا الجنس الذي أفاض عليه ربه التكريم وسخر له ما في السماوات والأرض ورزقه من الطيبات وفضله على غيره من المخلوقات، وبدخول الإنسان في الإسلام يصبح . مخاطباً بهذا الهدي الذي ينظم له سلوكه، وتعامله مع الجهات المختلفة للحياة، ويشرع له من الأحكام والآداب والنظم ما يتلاءم مع طبعه وجبلّته وطاقته النفسية.ولـذا كانـت كـرامـة الإنسان في الإسلام محفوظة، وحقوقه محفوظة لا يجوز التعدي عليهـا مـا لم يرتكب محظوراً يستحق عليه العقوبة؛ وذلك لأن حقوقه جزء من العقيدة أو هي من صلب العقيدة،ثانياً : كرامة الإنسان في الإسلام:
لقد أعلن الإسلام كرامة الإنسان فاعتبره خليفة الله تعالى في الأرض، فقال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ويقول الله سبحانه وتعالى في التأكيد على هذا الأصل : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً . وسخرها لمنفعته، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً . فالخطاب لبني آدم، ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى والعمل الصالح. ثالثاً : وحدة العقيدة :
لقد خلق الله الإنسان لعبادته وحده لا شريك له، وحين يلتزم الفرد في المجتمع المسلم بما أُمر ب
وعليه فلن يفعل إلا ما أمره
الله به من فعل الخير واجتناب الشر، وإذا كان مجموع الأفراد في المجتمع بهذه الصفة فإن ذلك يعني
تكوين مجتمع ملتزم بما أمره به الشرع الحنيف، ويعني أن كل أفراد المجتمع يعتنقون عقيدة واحدة، ويؤمنون برب واحد ويدينون ديناً واحداً، التي هي قوم المجتمعات. التي هي أقوى الولاءات والانتماءات، ستضرب الفوضى فيه أطنابها، وتتفكك أواصر القرابة والمحبة والتآخي بين أفراده.رابعاً : وحدة الأصل البشري :
يقول الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . ويقول الله عله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ . وآدم من تراب". وقال في خطبة الوداع: " ألا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ".إن هذه الآيات الكريمات وهذه الأحاديث الشريفة جاءت لتؤكد وحدة الأصل البشري وتحطم
فكل البشر من نفس آدم
خامساً : وحدة التكليف والجزاء:
إلا من كان له عذر في عدم الامتثال ، قال الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، فهذا الأمر لا يُستثنى منه جنس أو لون أو عائلة أو قبيلة أو إقليم،وهم جميعاً الرجال منهم والنساء أمام خالقهم سواء، في المسؤولية والجزاء والحساب والعقاب مصداقاً لقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيراً ،يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .الأساس الثاني: الروابط الاجتماعية:
فطر الإنسان على حب الانتماء إلى المجتمع،وحيثما وجد تجمع إنساني برزت . بلا شك.ويرى بعض الباحثين أن هذه الروابط منها ما هو علاقات اجتماعية، مثل الصداقة والمصاهرة، ومنها ما هو عمليات اجتماعية أشد تعقيداً من سابقتها مثل الجوار والصراع. ومنهم من يقسم هذه الروابط إلى فطرية كالقرابة، وإلى مكتسبة كالجوار.وعلى كل فهي ظواهر نمت في ظل الاجتماع وتولدت منه بسبب شعور كل فرد بحاجته إلى التعاون مع الآخرين والارتباط بهم تحقيقاً للمصالح المشتركة، وهو ما كشف عنه رائد علم الاجتماع ابن خلدون في مقدمته بقوله: (إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته، فلا بد مر اجتماع القدر الكبير من أبناء جنسه).يجدر بنا أن نذكر في هذا المقام تميز المجتمع الإسلامي عن غيره في مجال الروابط الاجتماعية، فهو وإن أقر كثيراً من الروابط ورعاها حق رعايتها، إلا أنه جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى هي العقيدة وما يفيض عنها من تشريعات وهدايات لأنها المرجعية الأولى والعليا لأبناء المجتمع الإسلامي في كل ما يصدر عنهم من سلوك وتصرفات فكان للعقيدة والحالة هذه دور ظاهر في إيجاد روابط اجتماعية، بقوة . إلى غاية واحدة، ذلك ما يصوره الحديث النبوي المشهور : (مثل المؤمنين
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر
والحمى).وفي ضوء هذه المفاهيم تبيّن لنا أن الروابط الاجتماعية واحدة من الأسس التي يبنى عليها المجتمع ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا أن المجتمع نسيج مكوّن من صلات اجتماعية). الأساس الثالث: الضبط الاجتماعي:
يؤثر الأفراد بعضهم في بعض عندما يضمهم مجتمع واحد فينشأ عن هذا مجموعة من السلوكيات والأحاسيس والتصورات تختلف عما يفكر فيه الفرد ويحس به أو يريده لنفسه، وربما اتخذت الجماعات قرارات لم يردها بعض أفرادها لو خلوا بأنفسهم لاختلاف الإرادة الفردية عن الإرادة الجماعية، وكأن هذا يعني وجود شخصية جماعية تفرض نفسها على الأفراد.يسمي علماء الاجتماع هذا الذي أشرنا إليه بالضبط الاجتماعي، ويعني ضرورة الوعي بشعور الآخرين، ومراعاة حقوقهم وانتهاج سلوك يتأثر بهذا الوعي وهذا السلوك.لا شك في أن حاجة المجتمع ماسة لوجود ضوابط وأنظمة تطلق نشاط الأفراد في مجالات، وتحبس نشاطهم في مجالات أخرى، فتعتبر بعض الأمور كريمة محببة، وتعتبر بعضها كريهاً مذموما).لقد تنبه المعنيون بشؤون المجتمع إلى أهمية هذا الأساس في بنائه، وكان غاية ما توصلوا إليه من أجل تحقيق هذا الغرض ما سمي بنظرية العقد الاجتماعي، والتي اتضحت معالمها على يد العالم الشهير (روسو) (وهي فكرة مادية تقوم في حقيقتها على تبادل المصالح والتعايش بين الناس لينال كل منهم حقوقه، ولابث المحبة بينهم ولا زرع روح التسامح في المجتمع، حتى لا يحدث تصارع ولا
للإسلام منهج في هذا المجال ما عرفت البشرية في تاريخها الطويل منهجاً يوازيه أو يدانيه سلك فيه مسالك متنوعة فآتت ثمارها وكان من ذلك أن زين لأفراد المجتمع طريقاً سهلاً موصلاً للجنة ولرضوان الله عن طريق محبة الآخرين قال: (لا) تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابيتم ؟ أفشو السلام بينكم، فجعل انتشار المحبة المتبادلة بين أفراد المجتمع علامة على تحقق الإيمان ورتب عليه دخول الجنة وهذا من أعظم الحوافز التي توضع بين يدي المسلم اليقظ، ولا شك أن المحبة في الله إذا فشت بين أفراد المجتمع، كان لها من الآثار ل بتجاوز كثير من الأزمات ونمو التسامح في المعاملات. من كان في حاجة أخيه، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة).لقد أوجدت هذه النصوص الشرعية وأمثالها رقابة ذاتية لدى الإنسان المسلم، وحافزاً داخلياً يحمله على التفاعل الإيجابي مع أبناء مجتمعه وتجعله يستحضر المسؤولية المنوطة به تجاههم وتكون ثمرة هذا كله، أن تقوى أواصر المحبة والتسامح والنصح والإيثار وحسن العشرة وكف الأذى بين أفراد المجتمع، وهو ما يسند نظم المجتمع ويبرز معالم الانضباط فيه.لم يركن الإسلام في ضبط السلوك وحفظ الأمن الاجتماعي إلى هذا المنهج على الرغم من أهمية أثره الإيجابي، إنما تعداه إلى إيجاد تشريعات يحتكم إليها أفراد المجتمع عن رضا وطيب نفس كونها ربانية المصدر، فقد نظم الإسلام العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم، وأوجد نظماً تخص الأسرة الصغيرة والكبيرة، ليقف كل فرد على ما له وما عليه، وهو منهج يتسم بالواقعية، ويسهم في ضبط الأمور في المجتمع. حماية لهم من شرور أنفسهم، وصيانة لأمن المجتمع. باعتباره واحداً من أسس بناء المجتمع.الأساس الرابع: الأرض
تعد الأرض واحدة من الأسس التي يبنى عليها المجتمع، وبيان هذا: أن الله تعالى أنزل الإسلام بأحكامه وتشريعاته ليحكم في الأرض، ويطبق على أرض الواقع، يتمثله الناس في شؤون حياتهم من أجل تقديم أنموذج حي ومثالي لمجتمع مسلم متميز.ولا يخفى أن هذه الغايات الكبرى تستدعي بعض العوامل المساعدة على تحقيقها، منها توفر حرية التصرف لدى الأفراد والسلامة من التأثير الخارجي، ثم وجود سلطة تملك صلاحية اتخاذ القرار وتنفيذه ويتعذر توافر هذه العوامل أو يكاد إذا لم توجد بقعة من الأرض تجمع المسلمين، وتكون الكلمة فيها لهم.وتتضمن سيرة النبي ليل وأتباعه الكرام إشارات توضح هذا المعنى، فإن النبي لما بعث في مكة وصار له أتباع، حرصوا على الالتفاف حول وتكوين تجمع خاص بهم، متميز في كثير من نواحي الحياة عن المجتمع الجاهلي الكبير الذي يعيشون فيه، فأمكنهم التميز في جوانب كالعبادات والأخلاق، وتعذر التميز في جوانب أخرى كالمعاملات العامة ولم يكن للإسلام يومئذ قانون نافذ، ولم يكن له قوة يستطيع بها تنفيذ تعاليمه فكان الوازع الداخلي لدى المسلمين آنذاك،ولقد بحث النبي الله منذ وقت مبكر عن أرض يقيم بها هو وأصحابه، لينشئ مجتمعاً خاصاً، فقصد أهل الطائف فلم يجيبوه، ثم عرض دعوته على أهل المدينة فاستجاب أهلها الكرام لدعوته، وفتحوا أبواب مدينتهم أمام الرسول وجموع المسلمين من كل مكان، فكانت الهجرة من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، لأنها هيأت الأرض ووفرت المناخ المناسب لإقامة مجتمع إسلامي مستقل ومتميز، فبدأت معالم هذا المجتمع تبرز للعيان، وتتابعت التشريعات في شتى المجالات بخاصة تلك التي تنظم العلاقات والمعاملات بين أفراد المجتمع الواحد.لقد تضمن القرآن الكريم ربطاً بين إقامة الأحكام الشرعية وبين التمكين في الأرض حين قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور
فقد سيقت الآية الكريمة في مقام الشكر لبيان أن التمكين في الأرض يقتضي شكر الله تعالى بإقامة أحكامه التي أمر بها بسبب زوال كثير من العوائق.إذا فهم هذا تبينت العلة التي من أجلها شنَّع القرآن الكريم على أولئك الذين آثروا البقاء في أرض الكفر، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام للانضمام إلى المجتمع المسلم، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَا جِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ).


النص الأصلي

تعريف المجتمع:
المحاضرة الأولى
التعريفُ بالمجتمع الإسلامي والأسس التي يقوم عليها
لفظ المجتمع مشتق من جَمَعَ، فالجمع ضم الأشياء المتفقة وضده التفريق والإفراد، وأحسن صاحب لسان العرب حين قال في بيان معنى هذه اللفظة: " تجمع القوم: اجتمعوا من
وهاهنا".
هاهنا
وحين النظر في دلالة لفظ المجتمع من حيث هو مصطلح يجد المرء عدة تعريفات منشؤها تباين النظرات تبعاً للتخصصات، فنجد تعريفاً من منظور سياسي، وآخر من منظور اجتماعي، وثالثاً
نفسياً وهكذا.
ولسنا بصدد تتبع وإيراد هذه التعريفات وحسبنا في هذا المقام تعريف لعله الأقرب إلى المباحث التي سنعرض لها.
فالمجتمع هو: عدد كبير من الأفراد المستقرين تجمعهم روابط اجتماعية ومصالح مشتركة، تصحبها أنظمة تضبط السلوك وسلطة ترعاها .
وليس يبعد تعريف المجتمع المسلم من غيره من المجتمعات إلا بما فيه من خصائص ومواصفات - سوف نفصل القول فيها وعلى هدي من هذا يمكن تعريف المجتمع الإسلامي بأنه: خلائق مسلمون في أرضهم مستقرون تجمعهم رابطة الإسلام وتدار أمورهم في ضوء تشريعات إسلامية وأحكام، ويرعى شؤونهم ولاة أمر منهم وحكام.
ومن الألفاظ ذات الصلة بمفهوم المجتمع: الجماعة، والأمة :
تعريف الجماعة:
الجماعة:
هي
الطائفة
من الناس يجمعها رابط فأكثر، كالقرابة أو الجنس، فهى بهذا المفهوم جزء
من مكونات المجتمع، في حين أن مفهوم الأمة أوسع وأشمل بخاصة في ضوء المنظور الإسلامي الذي
يعنينا في هذا المقام.
تعريف الأمة:
تعرف الأمة بقولهم: إنها كل جماعة يجمعهم أمر ما، إما دين واحد أو زمان أو مكان واحد سواء أكان هذا الأمر الجامع تسخيراً كالجنس واللون أو اختياراً كالمعتقد والأرض. هذا التعريف للأمة يتعذر قبوله على إطلاقه؛ لأنه يجعل العوامل والأسباب الدنيوية كاللغة والأرض والجنس من مقومات الأمة، وهذا ما لا يقره الإسلام، مع اعترافه بأن لها أثراً إيجابياً، إلا أنها لا تقوى على تكوين أمة واحدة إما لضعفها كالأرض، وإما لضيقها كالقرابة.
وبناء على ما سبق يمكن أن نعرّف الأمة الإسلامية في ضوء دلالات النصوص الشرعية بأنها: جماعات من الناس تجمعهم عقيدة الإسلام بغض النظر عن أي رابطة أخرى من الروابط الاجتماعية، ويشهد لهذا القرآن الكريم بقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )، وقوله تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ .
إن الدول الغربية لم تستطع أن تنطوي كلها تحت أمة واحدة على الرغم من وجود روابط كثيرة بينها، وما زلنا نسمع مصطلح الأمم الأوروبية، ومثلها كذلك الدول الأفريقية، فإنها على ما بينها من روابط تسمى الأمم الأفريقية، في حين أننا لا نسمع بمصطلح الأمم الإسلامية بل هي أمة إسلامية واحدة، على الرغم مما بين أفرادها من اختلاف في اللغة والجنس والأرض، وهذا يعني أن الأمة الإسلامية تتكون من عدة مجتمعات لاعتبارات تفرض نفسها، لكن التوافق بين المجتمعات الإسلامية ملحوظ بسبب اتفاقهم على مرجعية عليا واحدة، وهي الإسلام.
أسس بناء المجتمع الإسلامي
أسس بناء المجتمع وعناية الإسلام بها:
إن أي مجتمع باعتباره كياناً قائماً بذاته لابد له من أسس يبنى عليها، وتكاد تكون هذه الأسس مشتركة بين المجتمعات كلها بيد أن المجتمع الإسلامي تميز عن غيره في هذا المجال وكان تميزه من جهتين: أما الأولى فهو أنه جعل العقيدة بكل مظاهرها والشريعة بكل أحكامها الأساس الأكبر الذي تبنى عليه الأسس الأخرى، إذ لا قيمة لأي أساس لا تكون العقيدة والشريعة متمثلة فيه قائمة عليه، وهذا ما ظهر جلياً في التربية النبوية للمسلمين أفراداً وجماعات بخاصة في العهد المكي الذي مهد الطريق للأسس الأخرى لتصبح مكونات معتبرة وهو ما حرصنا على إبرازه حين عرضنا لهذه الأسس وبينا كيف أن الإسلام صبغها بصبغة عقيدية وصاغها صياغة إسلامية، ومن هنا كان التميز وكانت الآثار الإيجابية.
أما الثانية: فإنه بما أوجده من مواصفات وبما وضعه من اعتبارات تجاه هذه الأسس، فجاء هذا المجتمع متميزاً بتميز أسسه، وهو ما سنعرض له في هذا المبحث.
أهم الأسس العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع الإسلامي : يمكن القول إن الأسس العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع الإسلامي – بعد الأساس العقدي
المهمين عليها - هي:
(۱) الإنسان.
(۲) الروابط الاجتماعية.
(۳) الضبط الاجتماعي.
(٤) الأرض
الأساس الأول: الإنسان
عنى الإسلام بالإنسان الفرد عناية لا مثيل لها بغية أن يهيئه ليكون الأساس الأول في بناء المجتمع، وبرزت هذه العناية الإلهية منذ الخلق والتكوين حين خلقه الله تعالى بيديه ونفخ فيه من روحه ومنحه العقل والحواس، فبان بهذا أنه مخلوق كريم على الله ثم تبعته العناية الإلهية حين قضى الله تعالى، أن يكون خليفة في الأرض، وقد تُوّجت هذه العناية بشريعة الإسلام وبما تضمنته من هدايات وتوجيهات تخص الفرد المسلم كادت تستغرق العهد المكي كله ولم يغفلها العهد المدني، هدفت كلها
إلى بناء شخصية للفرد المسلم متزنة مستقلة تجمع بين ما استودع فيها من رغبات ونزعات، وبين ما أنيط بها من مسؤوليات على مستوى الفرد والجماعات، وهذا ما جعل من هذا الإنسان . بحق . مخلوقاً متميزاً، وصار خليقاً لأن يصبح خليفة في الأرض، وأهلاً للقيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه كما أسلفنا.
لقد أسهم في تحقيق هذه الغاية العظمى والمهمة الأسمى أن الله تعالى أودع في الإنسان نزعتين متباينتين في الظاهر، لكنهما متكاملتان وهما:
١) النزعة الفردية وهي التي تجعله يحب الخير لنفسه ويدفع الشر عنها، ويحرص على تحقيق ذاته.
(٢) والنزعة الاجتماعية وهي التي تدفعه إلى صف الجماعة وحضن المجتمع، لأن الله تعالى جعل بحكمته حاجة الفرد إلى الفرد كحاجة العضو إلى العضو في الجسد الواحد، ويفهم هذا إذا علم أن سلوك الفرد ورغباته كالحب والوفاء والتميز والفخر لابد لها من محيط اجتماعي تمارس فيه.
يضاف إلى هذه الدوافع الفطرية، دوافع مكتسبة أوجدها الشارع الحكيم من خلال تشريعات وتكاليف خوطب بها الفرد لها اتصال مباشر بالمجتمع، وهذا ملحوظ في العبادات كلها كما سنرى، (ذلك لأن الحياة داخل المجتمع، تمنح الفرد قوة فوق قوته).
إن المتأمل في مكانة الفرد في الإسلام وما أحيط به من عناية وتهيئة، يدرك أنه أهل لأن يكون الأساس الأول في بناء المجتمع باعتباره اللبنة الأولى في الأسرة، تلك الأسرة التي تؤلف مع مثيلاتها،
المجتمع الرباني.
الإنسان في المجتمع الإسلامي :
إن مما يحسن بيانه هنا هو الحديث عن عناية الإسلام بالإنسان وتكريمه وحفظ حقوقه، ونبذ الطبقية بين أفراده وتقرير مبدأ المساواة وإزالة التميز العنصري وكل هذه الأمور تتضح بجلاء من
خلال الآتي:
أولاً : الإنسان في الإسلام :
أعلى الإسلام من شأن الإنسان واعتبره خليفة الله في أرضه وأكد كرامته، واعتبرها كرامة ذاتية أصيلة لا تنبع من جنسه ولا من لونه ولا من بلده ولا من قومه ولا من عشيرته ولا من ماله ولا من عرض من أعراض الدنيا الزائلة، وإنما تنبع من كونه إنساناً من هذا الجنس الذي أفاض عليه ربه التكريم وسخر له ما في السماوات والأرض ورزقه من الطيبات وفضله على غيره من المخلوقات، وقد شرع الله لكل جانب من جوانب حياة الإنسان هدياً ومنهجاً ونوراً، وبدخول الإنسان في الإسلام يصبح . مخاطباً بهذا الهدي الذي ينظم له سلوكه، وتعامله مع الجهات المختلفة للحياة، ويشرع له من الأحكام والآداب والنظم ما يتلاءم مع طبعه وجبلّته وطاقته النفسية.
ولـذا كانـت كـرامـة الإنسان في الإسلام محفوظة، وحقوقه محفوظة لا يجوز التعدي عليهـا مـا لم يرتكب محظوراً يستحق عليه العقوبة؛ وذلك لأن حقوقه جزء من العقيدة أو هي من صلب العقيدة، وأن ممارستها نوع من العبادة التي يترتب عليها الثواب في الفعل والعقاب في الامتناع.
ثانياً : كرامة الإنسان في الإسلام:
لقد أعلن الإسلام كرامة الإنسان فاعتبره خليفة الله تعالى في الأرض، فقال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ويقول الله سبحانه وتعالى في التأكيد على هذا الأصل : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً .
كان من تكريم الله للإنسان أنه جعل الكون وما فيه في خدمة الإنسان، وسخرها لمنفعته، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .
وهذا التكريم ليس خاصاً بإنسان دون غيره ولا بلون دون آخر، إنما الجميع سواسية في حق التكريم، فالخطاب لبني آدم، ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى والعمل الصالح. ثالثاً : وحدة العقيدة :
لقد خلق الله الإنسان لعبادته وحده لا شريك له، وحين يلتزم الفرد في المجتمع المسلم بما أُمر ب
به قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً فإنه يكون بذلك قد أسلم وجهه الله جل وعلا، وعليه فلن يفعل إلا ما أمره
الله به من فعل الخير واجتناب الشر، وإذا كان مجموع الأفراد في المجتمع بهذه الصفة فإن ذلك يعني
تكوين مجتمع ملتزم بما أمره به الشرع الحنيف، ويعني أن كل أفراد المجتمع يعتنقون عقيدة واحدة، ويؤمنون برب واحد ويدينون ديناً واحداً، وهو الدين الإسلامي الذي يرسخ مبادئ التعاون والتراحم والتعاطف والتآخي؛ التي هي قوم المجتمعات.
إن مجتمعاً لا تتوفر فيه وحدة العقيدة بين أفراده، التي هي أقوى الولاءات والانتماءات، ستضرب الفوضى فيه أطنابها، وتتفكك أواصر القرابة والمحبة والتآخي بين أفراده.
رابعاً : وحدة الأصل البشري :
يقول الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . ويقول الله عله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .
وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ . ويزداد المبدأ وضوحاً في قول النبي ﷺ : "كلكم بنو آدم، وآدم من تراب". وقال في خطبة الوداع: " ألا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ".
إن هذه الآيات الكريمات وهذه الأحاديث الشريفة جاءت لتؤكد وحدة الأصل البشري وتحطم
الفوارق التمييزية بين البشر، فكل البشر من نفس آدم
خامساً : وحدة التكليف والجزاء:
إذا نظرنا إلى الأوامر والنواهي والتكاليف الشرعية نجدها تتوجه إلى جميع أفراد المجتمع المسلم دون استثناء لأحد، إلا من كان له عذر في عدم الامتثال ، قال الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، فهذا الأمر لا يُستثنى منه جنس أو لون أو عائلة أو قبيلة أو إقليم، فتوجه الخطاب للرجال يعني جميع الرجال، وتوجه الخطاب للنساء يعني جميع النساء، وهكذا.
وهم جميعاً الرجال منهم والنساء أمام خالقهم سواء، في المسؤولية والجزاء والحساب والعقاب مصداقاً لقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيراً ،يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .
الأساس الثاني: الروابط الاجتماعية:
فطر الإنسان على حب الانتماء إلى المجتمع، فهو يميل بطبعه إلى بني جنسه ويكره العزلة، ذلك أن الاجتماع ما هو إلا تعبير عن غريزة مستكنة في أعماق نفس الإنسان والجماعة، صفة لازمة من صفاته).
وحيثما وجد تجمع إنساني برزت . بلا شك. روابط اجتماعية وصلات (وهي عبارة عن فكر وسلوك) تنمو وتعمل في ظل التفاعل الاجتماعي بين الأفراد.
ويرى بعض الباحثين أن هذه الروابط منها ما هو علاقات اجتماعية، مثل الصداقة والمصاهرة، ومنها ما هو عمليات اجتماعية أشد تعقيداً من سابقتها مثل الجوار والصراع. ومنهم من يقسم هذه الروابط إلى فطرية كالقرابة، وإلى مكتسبة كالجوار.
وعلى كل فهي ظواهر نمت في ظل الاجتماع وتولدت منه بسبب شعور كل فرد بحاجته إلى التعاون مع الآخرين والارتباط بهم تحقيقاً للمصالح المشتركة، وهو ما كشف عنه رائد علم الاجتماع ابن خلدون في مقدمته بقوله: (إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته، فلا بد مر اجتماع القدر الكبير من أبناء جنسه).
يجدر بنا أن نذكر في هذا المقام تميز المجتمع الإسلامي عن غيره في مجال الروابط الاجتماعية، فهو وإن أقر كثيراً من الروابط ورعاها حق رعايتها، إلا أنه جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى هي العقيدة وما يفيض عنها من تشريعات وهدايات لأنها المرجعية الأولى والعليا لأبناء المجتمع الإسلامي في كل ما يصدر عنهم من سلوك وتصرفات فكان للعقيدة والحالة هذه دور ظاهر في إيجاد روابط اجتماعية، وفي تهذيب روابط أخرى كان قد أقرها العرف من قبل.
إن الإسلام يعتمد في بناء مجتمعه على قوة الرابطة التي يضعها بين المسلمين ويجعل منهم جسماً واحداً يتجه . بقوة . إلى غاية واحدة، ذلك ما يصوره الحديث النبوي المشهور : (مثل المؤمنين
في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر
والحمى).
وفي ضوء هذه المفاهيم تبيّن لنا أن الروابط الاجتماعية واحدة من الأسس التي يبنى عليها المجتمع ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا أن المجتمع نسيج مكوّن من صلات اجتماعية). الأساس الثالث: الضبط الاجتماعي:
يؤثر الأفراد بعضهم في بعض عندما يضمهم مجتمع واحد فينشأ عن هذا مجموعة من السلوكيات والأحاسيس والتصورات تختلف عما يفكر فيه الفرد ويحس به أو يريده لنفسه، وربما اتخذت الجماعات قرارات لم يردها بعض أفرادها لو خلوا بأنفسهم لاختلاف الإرادة الفردية عن الإرادة الجماعية، وكأن هذا يعني وجود شخصية جماعية تفرض نفسها على الأفراد.
يسمي علماء الاجتماع هذا الذي أشرنا إليه بالضبط الاجتماعي، ويعني ضرورة الوعي بشعور الآخرين، ومراعاة حقوقهم وانتهاج سلوك يتأثر بهذا الوعي وهذا السلوك.
لا شك في أن حاجة المجتمع ماسة لوجود ضوابط وأنظمة تطلق نشاط الأفراد في مجالات، وتحبس نشاطهم في مجالات أخرى، وتضع لهم مقاييس للسلوك تقوم الأمور تبعاً لها، فتعتبر بعض الأمور كريمة محببة، وتعتبر بعضها كريهاً مذموما).
لقد تنبه المعنيون بشؤون المجتمع إلى أهمية هذا الأساس في بنائه، وكان غاية ما توصلوا إليه من أجل تحقيق هذا الغرض ما سمي بنظرية العقد الاجتماعي، والتي اتضحت معالمها على يد العالم الشهير (روسو) (وهي فكرة مادية تقوم في حقيقتها على تبادل المصالح والتعايش بين الناس لينال كل منهم حقوقه، وهي محاولة لا بأس بها لكف نوازع العدوان والتسلط لكنها لا تقوى هي ولا مثيلاتها بحال على التأليف بين قلوب أفراد المجتمع، ولابث المحبة بينهم ولا زرع روح التسامح في المجتمع، فهي
لا تزيد على كونها محاولة للتوفيق بين الرغائب والملاءمة بين المصالح، حتى لا يحدث تصارع ولا
اختلاف.
للإسلام منهج في هذا المجال ما عرفت البشرية في تاريخها الطويل منهجاً يوازيه أو يدانيه سلك فيه مسالك متنوعة فآتت ثمارها وكان من ذلك أن زين لأفراد المجتمع طريقاً سهلاً موصلاً للجنة ولرضوان الله عن طريق محبة الآخرين قال: (لا) تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابيتم ؟ أفشو السلام بينكم، فجعل انتشار المحبة المتبادلة بين أفراد المجتمع علامة على تحقق الإيمان ورتب عليه دخول الجنة وهذا من أعظم الحوافز التي توضع بين يدي المسلم اليقظ، ولا شك أن المحبة في الله إذا فشت بين أفراد المجتمع، كان لها من الآثار ل بتجاوز كثير من الأزمات ونمو التسامح في المعاملات.
كذلك رغب الإسلام أبناءه في العناية بقضايا المجتمع وحاجات أفراده، ورتب على هذا مكاسب عظيمة بينها الرسول بقوله ﷺ : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة).
لقد أوجدت هذه النصوص الشرعية وأمثالها رقابة ذاتية لدى الإنسان المسلم، وحافزاً داخلياً يحمله على التفاعل الإيجابي مع أبناء مجتمعه وتجعله يستحضر المسؤولية المنوطة به تجاههم وتكون ثمرة هذا كله، أن تقوى أواصر المحبة والتسامح والنصح والإيثار وحسن العشرة وكف الأذى بين أفراد المجتمع، وهو ما يسند نظم المجتمع ويبرز معالم الانضباط فيه.
لم يركن الإسلام في ضبط السلوك وحفظ الأمن الاجتماعي إلى هذا المنهج على الرغم من أهمية أثره الإيجابي، إنما تعداه إلى إيجاد تشريعات يحتكم إليها أفراد المجتمع عن رضا وطيب نفس كونها ربانية المصدر، فقد نظم الإسلام العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم، وأوجد نظماً تخص الأسرة الصغيرة والكبيرة، ونظم أمور المعاملات، ليقف كل فرد على ما له وما عليه، وهو منهج يتسم بالواقعية، ويسهم في ضبط الأمور في المجتمع.
دعت الحاجة إضافة إلى ذلك كله - إلى وجود بعض الروادع تمثلت في تشريعات تتعلق بالعقوبات على أنواعها تقوّم اعوجاج بعض الأفراد، وتردهم إلى الصواب، حماية لهم من شرور أنفسهم، وصيانة لأمن المجتمع. وفي ضوء هذا العرض الذي تقدم تظهر أهمية الأنظمة في المجتمع ومكانة الضبط الاجتماعي، باعتباره واحداً من أسس بناء المجتمع.
الأساس الرابع: الأرض
تعد الأرض واحدة من الأسس التي يبنى عليها المجتمع، وبيان هذا: أن الله تعالى أنزل الإسلام بأحكامه وتشريعاته ليحكم في الأرض، ويطبق على أرض الواقع، يتمثله الناس في شؤون حياتهم من أجل تقديم أنموذج حي ومثالي لمجتمع مسلم متميز.
ولا يخفى أن هذه الغايات الكبرى تستدعي بعض العوامل المساعدة على تحقيقها، منها توفر حرية التصرف لدى الأفراد والسلامة من التأثير الخارجي، ووجود مناخ مناسب لإقامة أحكام الله وتشريعاته، ثم وجود سلطة تملك صلاحية اتخاذ القرار وتنفيذه ويتعذر توافر هذه العوامل أو يكاد إذا لم توجد بقعة من الأرض تجمع المسلمين، وتكون الكلمة فيها لهم.
وتتضمن سيرة النبي ليل وأتباعه الكرام إشارات توضح هذا المعنى، فإن النبي لما بعث في مكة وصار له أتباع، حرصوا على الالتفاف حول وتكوين تجمع خاص بهم، متميز في كثير من نواحي الحياة عن المجتمع الجاهلي الكبير الذي يعيشون فيه، فأمكنهم التميز في جوانب كالعبادات والأخلاق، وتعذر التميز في جوانب أخرى كالمعاملات العامة ولم يكن للإسلام يومئذ قانون نافذ، ولم يكن له قوة يستطيع بها تنفيذ تعاليمه فكان الوازع الداخلي لدى المسلمين آنذاك، مغنياً عن القانون والسلطان .
ولقد بحث النبي الله منذ وقت مبكر عن أرض يقيم بها هو وأصحابه، لينشئ مجتمعاً خاصاً، فقصد أهل الطائف فلم يجيبوه، ثم عرض دعوته على أهل المدينة فاستجاب أهلها الكرام لدعوته، وفتحوا أبواب مدينتهم أمام الرسول وجموع المسلمين من كل مكان، فكانت الهجرة من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، لأنها هيأت الأرض ووفرت المناخ المناسب لإقامة مجتمع إسلامي مستقل ومتميز، فبدأت معالم هذا المجتمع تبرز للعيان، وتتابعت التشريعات في شتى المجالات بخاصة تلك التي تنظم العلاقات والمعاملات بين أفراد المجتمع الواحد.
لقد تضمن القرآن الكريم ربطاً بين إقامة الأحكام الشرعية وبين التمكين في الأرض حين قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور
فقد سيقت الآية الكريمة في مقام الشكر لبيان أن التمكين في الأرض يقتضي شكر الله تعالى بإقامة أحكامه التي أمر بها بسبب زوال كثير من العوائق.
إذا فهم هذا تبينت العلة التي من أجلها شنَّع القرآن الكريم على أولئك الذين آثروا البقاء في أرض الكفر، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام للانضمام إلى المجتمع المسلم، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَا جِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ).
ويمكن القول في ضوء ما تقدم إن الأرض من أسس بناء المجتمع الإسلامي، ويتعذر إقامة مجتمع واضح المعالم ما لم يكن للمسلمين ،أرض، لهم فيها القول والفصل.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

وصلت ماريال وآن...

وصلت ماريال وآن لبيت السيدة سبنسر الكبير وسألت ماريال عن خطأ اإلتيان بفتاة وقد طلبت صبي قالت لها سبن...

1. المقدمة تعت...

1. المقدمة تعتبر العمارة التقليدية الليبية جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية والثقافية لليبيا. على م...

كان في البداية ...

كان في البداية نقاش حول كيفية تعليم طلاب التربية الخاصة كمعلمات خلال التطبيق، من ثم كان عرض بين المع...

المركّبات العضو...

المركّبات العضويّة تعبّر المركّبات العضويّة عن مجموعةٍ كبيرةٍ من المركّبات الكيميائيّة، وتتميّز باحت...

المطر الحمضي هو...

المطر الحمضي هو أحد ملوثات الهواء الخطرة وينتج بسبب تلوث الهواء بملوثات أولية مثل أكاسيد الكبريت وال...

أمام هذا الوضع؛...

أمام هذا الوضع؛ عرفت الصين موجة من السخط والغضب عمّت أرجائها رافضة الحكم الإمبراطوري الفاشل وتدخلات ...

تعتبر رؤية سمو ...

تعتبر رؤية سمو الشيخة فاطمة ركائز أساسية في البناء التنموي للمرأة في الدولة، والتي انعكست في وضع الخ...

أهم المراكز الت...

أهم المراكز التجارية في الجزيرة ومن أشهر الأسواق التجارية في تلك الحقبة كانت سوق عكاظ التي كانت تقام...

ويُقال: لليلتين...

ويُقال: لليلتين خلتا منه، وقيل لاثنتي عشرة خلت منه وهو أصح ودفن ليلة الأربعاء وسط الليل وقيل ليلة ال...

(٣) تحديد النغم...

(٣) تحديد النغمة في النص الدرامي وليكن هذا مدخلنا إلى شكسبير! فمن ذا الذي يستطيع أن يقطع بأن هذه «ال...

كل لغة لها عيوب...

كل لغة لها عيوبها وقيودها. بعض الناس يشعرون بالإحباط الشديد من العيوب بأنفسهم! لقد كانت هناك أكثر من...

هي شركة متخصصة ...

هي شركة متخصصة في الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والغسالات والمواقد من المحتمل أن تشارك Union Air ،...