لخّصلي

عدم الرياسة في الدين :
)ب( ليس لكنائسهم من يترأس عليها رئاسة عامة ، بل لكل كنيسة رئاسة خاصة بها، والرياسة الكنسية التي تستمد الخالفة من أحد
الحواريين أو من المسيح نفسه ال وجود لها عندهم، بل ان الكنيسة في كل مكان ليس لها اال سلطان الوعظ واالرشاد، والقيام على
تأدية الفروض والتكاليف الدينية وبيان الدين لمن ال يستطيع معرفته من تلقاء نفسه ،
ولم يكن عنده من الثقافة ما يمكنه من ذلك .
عدم الصالة بلغة غير مفهومة :
) د ( ولقد كان ذلك المبدأ الذي يجعل االنسان يدين بعمله وحده ، ومبدأ أن ال سلطان للكنيسة على القلب والعبادة، كان هذان المبدآن
سببا في أن رفض أولئك المسيحيون الصالة بلغة غير مفهومة للمتعبد، ألن الصالة دعاء من العابد للمعبود وانصراف القلب اليه،
والقيام بالخضوع الكامل له ، والنطق بما يدل على الخضوع وااللتجاء الى المعبود، فوجب أن تكون بألفاظ يفهمها العابد ليردد
معانيها و يقصد مراميها ، وقد كانت صالة القسيس بلغة ال يفهمها المصلون مقبولة لدى الكاثوليك . ألن
أساس ذلك أن عبادة القسيس عبادة لمن هم تحت سلطانه .
رأيهم في العشاء الرباني :
) هـ ( انتهى البروتستنت بالنسبة للعشاء الرباني إلى أنه تذكار بفداء المسيح للخطيئة التي ارتكبها آدم، وتحملت الخليفة من بعد
وزرها ، وتذكار المجيئه ليدين الناس، فهو تذكار للماضي والمستقبل كما جاء في بعض الرسائل، وهم ينكرون أن يتحول الخبز الى
جسد المسيح ، والخمر
الى دمه .
والكنيسة قد أصرت على ذلك اصرارا. وهذا قرارها في المجمع الترنديتي في ذلك الشأن، فهي تقول بلسان أعضائه : »قد اعتقدت
كنيسة هللا دائما بأنه بعد التقديس يوجد جسد ربنا الحقيقي ودمه الحقيقي مع نفسه والهوته تحت أعراض الخبز والخمر، وأن كال من
الشكلين يحتوي ما يحتوي كالهما ، ألن يسوع المسيح هو بكماله تحت شكل الخبز، وتحت أصغر أجزاء هذا الشكل، كما أنه هو كله
أيضا تحت شكل الخمر وجميع أجزائه، وقد اعتقدت الكنيسة
أيضاً
اعتقاداً
ثابتا بأنه بتقديس الخبز والخمر يستحيل كامل جوهر الخبز ً
الى جوهر جسد ربنا ، وكامل جوهر الخمر الى جوهر دمه تعالى، وهذا التغيير قد دعى بكل صواب، فيلتزم اذا جميع المؤمنين بأن
يعدوا هذا السر المقدس العبادة المستوجبة لالله الحقيقي ، ألننا نعتقد بأنه يوجد فيه هللا نفسه الذي عبدته المالئكة عن أمره تعالى،
حينما أتى على العالم، وهو نفسه الذي سجدت له المجوس خارين على أقدامه ، وله نفسه سجدت الرسل في الجليل ( .
هذه عقيدة الكنيسة في العشاء الرباني، لم يستسغها لوثر وأشياعه ، وخلفاؤه من بعده ، وانتهى أمرهم الى أن رفضوا ذلك التحول
الذي تفرضه الكنيسة، وتلتزم به، وان كان بعيدا عن المعروف المألوف، وبعد أن رفضوا ذلك قر قرارهم األخير على اعتبار العشاء
الرباني تذكارا بالفداء
وتذكارا للمجيء وفي ذلك عظة واستبصار.
انكار الرهبنة :
) و ( انكر أولئك المصلحون لزوم الرهبنة التي يأخذ رجال الدين أنفسهم بها ويعتبرونها شريعة الزمة ، يفقد رجل الدين صفته
الكهنوتية أن تخلى عنها ، ولقد رأوا ما أدى اليه ذلك الحظر من كبت للجسد االنساني، وتعذيب له من غير ضرورة ، وال نص من
الكتب قديمها وجديدها يفيد ذلك، بل لقد رأوا ما أدى اليه ذلك الكبت من انفجار غريزة االنسان في رجل الدين فانطلق يكرع اللذة من
شقتها بالحرام بعد حرم على نفسه الحالل، وطفق يغترف من ورد معتكر بآلثام، مرنق بالمفاسد، وترك المنهل العذب الذي حللته
الشرائع، و يتفق مع ناموس أن
االجتماع االنساني
عدم اتخاذ الصور والتماثيل :
) ز ( منع البروتستنت اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها، معتقدين أن ذلك قد نهى عنه في التوراة ، فقد جاء في سفر
التثنية : ال تصنع لك تمثاال منحوتا ، وال صورة ما مما في السماء من فوق، وما في األرض من أسفل، وما في الماء من تحت
األرض، ال تسجد لهن وال تعبدهن ألني أنا الرب الهك غيور أفتقد ذنوب اآلباء في األبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي،
وأصنع احسانا الى ألوف من محبى، وحافظي
وصایای « .
وال شك أن ما نهت عنه التوراة يجب األخذ به ما دام الجميع يؤمنون بالتوراة، وكتب العهد الجديد، وما دام لم يرد عن المسيح أو
عن الرسل ما
يبطل ما جاء في التوراة .
ولقد أثبت األستاذ أمين الخولي بالسند التاريخي أن ذلك التحريم قد
قبسه النصارى المصلحون من نور االسالم .
المسيحيون لم يسيروا في منطقهم الى أقصى مداه :
١٢٦ - هذه أعظم المسائل التي خالف بها المصلحون في المسيحية ما عليه الكنيسة ، وهي ال شك خلع السلطان الكنيسة على النفوس
وقضاء على سلطان المجامع، واذا كان للحوادث منطق تسير عليه ، فهل لنا أن نستنبط منطق تلك الحوادث، وما كان عساه يكشف
عنه لو سار في طريقه الى أقصى مداه ؟ لقد علمت في سياقنا التاريخي الذي بيناه عن أدوار المسيحية أن ذلك السياق يعلن في
عباراته وفي فحواها أن تلك الديانة كانت ديانة توحيد، حتى جاءت المجامع، فقررت ألوهية غير هللا ، وطردت من حظيرة المسيحية
المستمسكين بعروة التوحيد الذين رفضوا
دعوى ألوهية المسيح، وناصرتهم الشعوب المسيحية في االبان.
فاذا كان المصلحون قد قرروا أن يأخذوا مذهبهم الديني من الكتب الصحيحة وقرروا أن يرفضوا سلطان المجامع والكنيسة معا ، فان
المنطق الذي يسيرون عليه كان يوجب عليهم أن يرفضوا أقوال المجامع القديمة،
ومنها ألوهية المسيح، وألوهية الروح القدس.
فلقد قرر المجمع النيقي ألوهية المسيح، وقرر المجمع القسطنطيني
ألوهية الروح القدس .
وقد كنا نود أن يدرسوا قرارات هذه المجامع، وينظروا الى سندها وقوته فان لم يروا السند قو يا رفضوا ذلك القرار، ولكنهم لم
يسيروا في منطقهم الى أقصى مداه، فرفضوا آراء الكنيسة في أمور، أعظمها شأنا ما بيناه، ولم يتجهوا الى لب العقيدة، وهو لم
يتجاوز أنه قرار مجمع فيدرسوه من جديد على ضوء ما فتحوه ألنفسهم من نور مبصر، وهو أن يكون لكل شخص له قدرة على فهم
الكتاب حق في تفسيره، واستخراج األوامر
والنواهي منه من غير أن يتخذوا األحبار والقسيسين وسائط في فهمه ،
ويحكموا بذلك في ضمائرهم واعتقاداتهم .
عقول مسيحية تنكر ألوهية المسيح :
۱۲۷ ولكنا وقد يئسنا من أن يسير البروتستنت في طريقهم الى أقصى مداه وجدنا العقول المسيحية قد تنبهت، والدراسة العلمية
والفلسفية قد سارت ونور االسالم قد انبلج ، فوجدنا علماء كثيرين قد صرحوا في قوة بأن المسيح لم يكن اال رسوال ، وأنه لم يكن أكثر من بشر، قد قبسوا ذلك من األناجيل نفسها، فهذا رينان قد جهر بذلك في قوة وجرأة، ولم يمنعه حرمان الكنيسة له من االصرار
على رأيه والذود عنه ، وهذا تولستوي ينكر على المسيحيين ألوهية المسيح، وتنتهي نتائج بحثه الى أن بولس لم يفهم تعاليم المسيح،
بل طمسها ، والكنيسة زادت تعاليم
المسيح بالنسبة لالعتقاد غموضا واخفاء.
ولنترك اآلن الكلمة لذلك الفيلسوف، فهو يقول : » أنه ينبغي لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقي، كما كان يفهمه هو أن نبحث في تلك
التفاسير والشروح الطويلة التي شوهت وجه التعليم المسيحي، حتى أخفته عن األبصار تحت طبقة كثيفة من الظالم، و يرجع بحثنا
الى أيام بولس الذي لم يفهم تعليم المسيح، بل حمله على محمل آخر، ثم مزجه بكثير من تقاليد الفريسيين، وتعاليم العهد القديم ،
وبولس كما ال يخفى كان رسوال لألمم ، أو رسول الجدال والمنازعات الدينية، وكان يميل الى المظاهر الخارجية الدينية، كالختان
وغيره فأدخل أمياله هذه على الدين المسيحي فأفسده، ومن عهده ظهر التلمود المعروف بتعاليم الكنائس، وأما تعليم المسيح األصلي
الحقيقي ، فخسر صفته االلهية الكمالية، بل أصبح احدى حلقات سلسلة الوحي التي أولها منذ ابتداء العالم، وآخرها في عصرنا
الحالي، والمستمسكة بها جميع الكنائس، وأن أولئك الشراح والمفسرين يدعون يسوع الها دون أن يقيموا على ذلك الحجة ،
ويستندون في دعواهم على أقوال وردت في خمسة أسفار: موسى، والزبور، وأعمال الرسل، ورسائلهم، وتأليف آباء الكنيسة ، مع
أن تلك األقوال ال تدل
أقل داللة على أن المسيح هو هللا .
هو اذن ينكر ألوهية المسيح و ينكر ألوهية روح القدس، ويعتقد بأن هللا واحد أحد فرد صمد، و ينكر أن تكون كتب النصارى كتبت
بالهام و يعلن في جرأة أنها حرفت وعراها التغيير والتبديل، فيقول في صراحة المستمسك بالعروة الوثقى : ان المسيحيين واليهود
والمسلمين يعتقدون جميعهم بالوحى االلهي ، فالمسلمون يعتقدون بنبوة موسى وعيسى ولكنهم يعتقدون كما أعتقد بأنه دخل التحريف
والتشويه على كتب الديانة النصرانية، وهم يعتقدون بأن محمدا خاتم األنبياء، وأنه قد أوضح في قرآنه تعالیم موسى وعيسى الحقيقية،
كما قاالها دون زيادة وال نقص، وأن كل مسلم أمامه القرآن يقرؤه، ويتمسك به و يسير بموجب أحكامه ، وال يعترف بغيره من
الكتب مهما اشتهر واضعوها بالتقوى والصالح ، و يسمي المسلمون ديانتهم بالمحمدية، ألن محمدا وضعها بخالف الكنيسة المسيحية
التي تسير اآلن بموجب تأليف اآلباء الذين يدعون بأن ما كتبوه هو من الروح القدس، فكان األحرى بالمسيحيين أن يسموا كنيستهم
بالروحية القدسية أولى من تسميها بالمسيحية «