لخّصلي

والنخبة الإسرائيلية صامتة \أرييه ديان

1. إن المعلومات الواسعة والمفصلة عن المدارس الثانوية في إسرائيل التي نشرتها وزارة التربية والتعليم قبل حوالي ثلاثة أشهر، لم تحظ بالصدى الشعبي الذي تستحقه. في الماضي، وعلى مدى سنوات عديدة، رفضت الوزارة باستمرار أي طلب لنشر نسب استحقاق شهادة الثانوية العامة في كل مدرسة من مدارس إسرائيل؛ بدلا من معدلات الأهلية على وبحسب المدارس ، فقد اكتفيت وزارة التربية والتعليم ببيانات حول متوسط معدلات الاستحقاق حسب المحليات .


2. كانت البيانات المنشورة سابقًا مهمة ، لأنها كشفت للجمهور جانبًا مهمًا للغاية من عدم المساواة السائدة في البلاد: الفوارق بين مستوطنات المركز ومستوطنات الأطراف، بين المستوطنات القائمة والتنمية المدن، وبين المستوطنات اليهودية والمستوطنات العربية. ولكن من البيانات الجديدة ، التي تنوي وزارة التربية والتعليم نشرها الآن ، يبدو أن الفجوات التي غطتها البيانات القديمة هي أكثر أهمية من الفجوة التي كشفت عنها . الصورة التي تظهر من البيانات الجديدة تظهر، بألوان زاهية، الوجه الجديد والقبيح لظاهرة قديمة وسيئة السمعة ازدهرت في إسرائيل في منتصف القرن العشرين : تمهيد جهاز التعليم . إذا كان التمييز العنصري قد ازدهر في الماضي - مسار للمزراحيين والعرب ومسار آخر للأشكناز - فإن هذا المقال سيوضح أنه اليوم يهيمن نوع جديد من التمييز على نظام التعليم: مسار تقدم للأغنياء، ومسار تقدم آخر للفقراء.


3. الرصف هو مصطلح سوسيولوجي يتعلق بآليات - اجتماعية وبيروقراطية وسياسية - تسيطر من خلالها الهيمنة على مسارات التقدم المختلفة لمختلف الفئات الاجتماعية. بين الباحثين في نظام التعليم الإسرائيلي، هناك ادعاء واسع النطاق بأن آليات الرصف شكلت وجه النظام من أواخر الخمسينيات إلى السبعينيات. بينما قامت المدارس الثانوية النظرية بتعليم الشباب الأشكنازي
   ومن المدن القديمة والأحياء القائمة نحو الحياة الأكاديمية في الجامعات ، مهدت المدارس المهنية الشباب المزراحي من مدن التطوير والأحياء الفقيرة نحو الاندماج في البروليتاريا. وتمحور الجدل الأساسي بين الباحثين حول ما إذا كانت عملية القتل ناجمة عن سياسة متعمدة تهدف إلى الحفاظ على الاختلافات بين الأشكناز والمزراحيين ، أم أنها نشأت بشكل عفوي وكانت نتيجة حتمية لواقع اجتماعي وثقافي معين .


4. الرصف الجديد، كما تظهره الجداول التي نشرتها وزارة التربية للتو، له وجه مختلف، أكثر تطورا من الرصف القديم، ويبدو أنه أقل تلوثا بنكهة طائفية وعنصرية. ومع ذلك، فهو ليس أقل تدميرا من الرصف القديم. لقد خلق الرصف القديم مسارات مختلفة للتقدم للمزراحيين والأشكناز بحكم الأمر الواقع، في حين أن الرصف الجديد يرسم طريقًا واحدًا للتقدم للأغنياء ومسارات تقدم أخرى لبقية الفتيات والفتيان في إسرائيل .


5. يبين أحد الجداول ما تسميه وزارة التربية والتعليم "المدارس الثانوية الرائدة " في إسرائيل. تم تجميع قائمة المدارس الثانوية الرائدة من خلال وزن ثلاثة مؤشرات : معدلات الشرف في امتحانات الثانوية العامة ؛ دروس المواد في الرياضيات في خمس وحدات دراسية؛ ومعدلات التسرب. والنتيجة التي تظهر من ترجيح هذه البيانات ليست أقل من مذهلة : ثمانية من المدارس العشر التي يتفوق طلابها في امتحانات الثانوية العامة هي مدارس خاصة، والتي تتقاضى رسومًا دراسية عالية من أولياء أمور الطلاب ( على الرغم من ميزانيات وزارة التربية والتعليم) لهم بالضبط كما هو الحال في ميزانية المدارس الحكومية ); تسع من المدارس العشر الأولى تقبل وترفض الطلاب بناءً على اختبارات الفرز ( وهو ما تحظره وزارة التربية والتعليم ) . المؤسسة الوحيدة من بين المؤسسات العشر التي لا تجري اختبارات فحص ، تفرض على طلابها رسومًا دراسية مرتفعة للغاية .


6. الاستنتاج الذي يخرج من هذه المعطيات واضح ومحبط أيضاً. نظام التعليم الإسرائيلي ليس قائما على المساواة، وليس ذلك فحسب، بل إنه ينأى بنفسه عن قيم المساواة ويربي جيل المستقبل في المجتمع الإسرائيلي وفق مبادئ طبقية صارمة؛ يتم تقديم أفضل تعليم للفتيان والفتيات الذين ينشأون في أغنى الأسر. ربما يكون العزاء الوحيد الذي يمكن أن يجده الباحثون عن المساواة في البيانات الجديدة هو أن هذه الظاهرة القبيحة لا تستثني أي قطاع من المجتمع الإسرائيلي : قائمة المدارس الرائدة تشمل أيضًا المدارس العربية والمتشددة والقومية الدينية. وتبين أن جميع النخب الاقتصادية، بغض النظر عن جنسيتهم أو أسلوب حياتهم، يعرفون جيدًا كيف يعتنون بأنفسهم .


7. جداول إضافية نشرتها وزارة التربية والتعليم في نيسان/أبريل من هذا العام تصنف المدارس الثانوية في كل مدينة من مدن إسرائيل وفقا لمعدلات استحقاق القبول في الثانوية العامة بين طلابها. يُظهر أحد الأعمدة المقطع العرضي الاجتماعي والاقتصادي للطلاب في كل مدرسة. وكما هو متوقع، تنبثق أيضًا نتيجة صعبة من هذه الجداول والاكتئاب . في المدرستين الرائدتين في القدس ( المدرسة القريبة من الجامعة ومدرسة العلوم والآداب ) يدرس الطلاب من القسم الاجتماعي والاقتصادي "عالي"؛ وفي المدرسة الثالثة في المدينة ( الجيمنازيوم العبرية ) يدرس الطلاب من قسم "متوسط إلى عالي " .


8. في اثنتين من المدارس الأربع الرائدة في تل أبيب ( مدرسة شيباخ موفت والمدرسة الثانوية للفنون والعلوم في بار إيلان ) يدرس الطلاب من القسم "العالي" وفي المدرستين المصنفين بعدهما يدرس الطلاب من المستوى "المتوسط" - قسم "عالي". وينطبق الشيء نفسه في بيتح تكفا ) المدرسة باسم غولدا مئير ويشيفا دراتشي نوعام ) وفي ريشون لتسيون ( المدرسة الحقيقية والمدرسة الشاملة ج ) ؛ في جميع هذه المدارس الأربع، يدرس الطلاب الذين تم تعريفهم على أنهم ذوو حالة " عالية".


9. مدينتان فقط استثنائيتان في هذا المشهد: بئر السبع ( في المركز الأول في المدينة تم تصنيف استوديو تشين بامبار، حيث تدرس الطالبات من القسم "المتوسط"، وفي المركز الثاني المدرسة الحضرية الحكومية ج، حيث طلاب الصف الثامن " القسم الاجتماعي والاقتصادي " ؛ وأم الفحم ( في المركز الثاني، بعد مدرسة عتيد الأهلية التي يدرس فيها طلاب من الطبقة "المرتفعة"، تأتي في المرتبة مدرسة المدينة عين جرار، التي يوصف طلابها بالوضع " الضعيف " ).


10. هذا الكشف، الذي ينبغي أن يصدم كل من يخشى على مستقبل المجتمع في إسرائيل ، استقبله الجمهور بلا مبالاة وهز الأكتاف . إن الانصياع المتطرف والمحافظة الراديكالية التي تمكنت الحكومة في إسرائيل من السيطرة عليها على البلاد ومعظم قطاعاتها الاجتماعية أثبتت قوتها مرة أخرى .


11. مقال بقلم ناحوم بلاس، باحث مخضرم في نظام التعليم في إسرائيل، وباحث رئيسي في مجال التعليم في العقد الماضي في مركز تاوب، وهو معهد أبحاث في القدس يعمل في مراقبة المجتمع والاقتصاد في إسرائيل، نشرت مؤخرا في صحيفة هآرتس. مقال بلاس لم يتناول الرصف الجديد بل القديم . وكان ادعاؤه الرئيسي هو أن دولة إسرائيل لم تعتمد قط سياسة تقوم على "الرصف الآلي". من الطلاب المزراحيين" وأن إنشاء المدارس المهنية في مدن التطوير قدم "مساهمة هائلة في رفع معدلات التعلم على وجه التحديد بين المزراحيين " .


12. إن مثل هذه المواد التي تنكر التمييز والحرمان الذي كانت تمارسه إسرائيل في الخمسينيات والستينيات تجاه المهاجرين القادمين من الدول العربية، ليست ظاهرة غير عادية. ولكن هذه المرة لا يزال هناك شيء غير عادي، يتعلق بالطريقة التي تم بها تلقي المقال. كما قام بلاس بتحميل المقال الذي نشره في صحيفة "هآرتس" على شبكة الإنترنت التي تضم في أعضائها، من بين أمور أخرى، العشرات من الباحثين التربويين المهمين والمعروفين من الجامعات والكليات ومعاهد الأبحاث في إسرائيل. وعلق الكثير منهم على مقال بيل؛ وأعربت أغلبية ساحقة من المستطلعين عن موافقتها على القول بأن سياسة التمييز المتعمد لم يتم اتباعها قط في إسرائيل . فلا عجب إذن أن هذه النخبة الأكاديمية ، التي سارعت إلى إنكار مظالم الماضي، لا تبدي أي اهتمام بالبيانات التي تكشف مظالم الحاضر .


13. يصبح من الواضح إذن أنه في إسرائيل منذ زمن سحيق، يتم تمهيد السكان نحو مستقبل مختلف. وإذا كان الرصف في الماضي على أساس عنصري، فهو اليوم تمييز على أساس اقتصادي: يقوم نظام التعليم الإسرائيلي بتربية جيل المستقبل في المجتمع الإسرائيلي وفق مبادئ طبقية صارمة؛ يتم تقديم أفضل تعليم للفتيان والفتيات الذين ينشأون في أغنى الأسر .