لخّصلي

هل يمكن أن تكون طريقة تفكيرنا أو حديثنا مع أنفسنا لها تأثير على شكل حياتنا ككل من ناحية السعادة و الحزن، أو النجاح والفشل ؟!

..

حسناً .. لنبدأ من نقطة الصفر ..

الصحة أو القوة العقلية تتطلب ثلاثة محاور رئيسية .. إدارة الأفكار، تنظيم المشاعر، الإنتاجية برغم الظروف المحيطة ..

نتحدث هنا عن إدارة الأفكار، وكلامنا عما يعرف بأخطاء التفكير أو التشوهات المعرفية، ودعني أخبرك بأن حديثك مع نفسك له شأن عظيم جدا أكبر مما تتخيل!

فهو يوجه سلوكك ويؤثر على علاقتك مع الآخرين في حياتك اليومية الاجتماعية وبيئة العمل، وإذا كان هذا الحديث به مجموعة من الأخطاء أو التشوهات فإن ذلك سيُحدث مجموعة من المشاكل في حياتك كلها، مثل مشاكل التواصل مع الآخرين، مشاكل في العلاقات، وقرارات غير سليمة وأكثر من هذا بعض الاضطرابات الصحية النفسية ..

وإذا كان كل فرد يسعى لتحقيق أهداف شخصية ومهنية والعيش بشكل صحي سليم سعيد، فبالتالي يحتاج لمعرفة أخطاء التفكير واستبدالها بطرق تفكير صحية.

...

هنا مجموعة من أشهر أخطاء التفكير مندرجة تحت هذه التصنيفات:

1. الكل أو لا شيء!

صاحب هذا التفكير يرى الحياة أبيض أو أسود فقط، جيدة أو سيئة، نجاح أو فشل، الحصول على كل شيء أو لا شيء على الإطلاق!

مثلاً، يرى زملاؤه في بيئة العمل إما جيدين أو سيئين، داعمين أو محبطين، لا يوجد وسط، أداؤه في مهمة معينة إما مثالي أو يصف نفسه بالفشل تماما، إما أن يذاكر المنهج كله أو لا يذاكر إطلاقا، يريد شريك حياة بدون أي صفة سلبية أو عيب!..

يا صديقي الحياة درجات بها ألوان أخرى غير الأبيض والأسود، علاقاتك مع الناس درجات، النجاح درجات وقديما قالوا " ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله "، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم " وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ ".

2. الإفراط في التعميم!

بمعنى أن تأخذ حدث معين فتعممه على حياتك كلها!

مثلاً، عاملك أحد أفراد العائلة بشكل غير لائق فتعتقد أن العائلة كلها وقحة! لم تنجح في هذا الامتحان فتعمم أن هذا أداؤك وأنك لن تنجح مطلقا! لم يتم قبولك في وظيفة معينة إذا لن تقبل في أي وظيفة! سلوك سيء من الجنس الآخر، إذا كل الجنس الآخر سيئين، غير أوفياء، أغبياء!

تنفس .. افهم كل حدث على حدة، حلله واستفد منه ولا تعممه، ولا تضع كل الأحداث الحاضرة والمستقبلية في خانة واحدة، ليس بالضرورة أن هذه شخصيتك، أو أداؤك أو سلوك كل الناس، أو مستقبلك .. هذا مجرد حدث ليست حياتك كلها.

يقول شكسبير في عطيل " ولا تُشيِّد صرحًا من الأوهام المزعجة على أساسٍ غير متينٍ من ملاحظاتك الناقصة. "

3. التصفية أو التنقية

إذا حدث له في يومه تسعة أشياء جيدة وشيء واحد سيء، سيترك كل الأشياء الجيدة ويركز على السيء ويجعله محور تفكيره وتصبح رؤيته للواقع محبطة أو سلبية أو ظالمة ..

مثلاً،أعمل كمحاضر، التقييم جاء بنسبة 95% ممتاز و 5% غير مقبول إذا تشغلني هذه ال 5% وأنسى النسبة الأكبر وأعتقد بسوءي وتقصيري! أو يقوم مديري بلومي على النسبة الصغيرة والتركيز عليها دون الالتفات إلى النسبة الأكبر وتكريمي عليها!

ليست هكذا تُقاس الأمور، نرى الإيجابي لشحذ الهمة وإرضاء الذات، ونرى السلبي ونفهمه للتعلم وليس للتوقف .. للتعلم وليس للتوقف. هذه النظرة المتوازنة الواقعية مهمة جدا.

أرى هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لَا يَفْرَكْ ( بمعنى يكره ) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ( يقصد الزوج والزوجة ) ، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ " وهذا نفي بمعنى النهي، وفيه عدم التركيز على الصفة السلبية وترك باقي الصفات.