لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (43%)

المواقف العثمانية والعربية إزاء الهجرة والاستيطان اليهوديين
سأتناول في هذه الحلقة السادسة والأخيرة من تاريخ فلسطين في العهد العثماني قضية هجرة اليهود وإقامتهم المستوطنات في فلسطين، وهي القضية التي استقطبت الحيز الأكبر من تاريخ فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. تزايد عدد الهاجرين اليهود وعدد مستوطناتهم
ظلت الأقلية اليهودية هامشية من ناحية عددها وحجم تأثيرها حتى أواسط القرن التاسع عشر، إلى حوالي 24000 نسمة، وفي عام 1900، قفز عدد اليهود في فلسطين إلى 50000 نسمة، وقد تأسست أولى المستعمرات، استطاعت أن تتملك أرضاً إلى الشمال من مدينة يافا. التي ضمت مهاجرين قَدِموا من روسيا في إطار ما سمّي بالموجة الأولى من الهجرة اليهودية سنة 1882، في السنة نفسها، مستعمرة "زكرون يعقوب" إلى الجنوب الشرقي من حيفا، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، ص 32-33 و ص 73-75). صعوبات عديدة، وبفضل الأموال التي قدمها البارون، كما أرسل البارون " خبراء من فرنسا لإرشاد المستوطنين في زراعة الكروم والحبوب وبناء معامل الخمور والأقبية" (قاسمية، ص 18-19). وعشية انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل عام 1897، في أواسط البلاد، وفي عام 1908، ارتفع عدد هذه المستعمرات ليصل إلى " ستاً وعشرين مستعمرة تضم عشرة آلاف عضو وتقدر مساحة أرضها بأربعمائة ألف دونم "، ثم " ازداد عدد سكان هذه المستعمرات بعد ست سنوات إلى اثني عشر ألفاً". 47 مستعمرة (رافق، ص 32-33). القيود العثمانية على هجرة اليهود وشرائهم الأراضي في فلسطين
رداً على التدخل المتزايد للقوى الأوروبية في فلسطين، وضمن أن تكون الإدارة في فلسطين مجهزة بموظفين أكفاء أمناء". وكانت المحافظة على الأمن في سورية وفلسطين من مسؤولية "الجيش الخامس"، ويتمركز في دمشق. "وطّنهم عبد الحميد في وادي حوران وفلسطين ونظّمهم على هيئة قوة ميليشيا" (أوكي، ص 43-45). لأنه سيؤدي إلى بزوغ "مشكلة يهودية"، في وقت كانت فيه الحكومة العثمانية تواجه متاعب المشكلة الأرمنية. كما كان السلطان قلقاً أيضاً من أن مسعى اليهود، قد "يوحي للعرب بالنضال من أجل تقرير مصيرهم القومي" (أوكي، ص 59). ففي 29 حزيران 1882، أرسل الباب العالي إلى متصرف القدس "رؤوف باشا" رسالة يطلب فيها منه أن يمنع اليهود الذين يحملون الجنسيات الروسية والرومانية والبلغارية من الدخول إلى القدس. وكانت قوانين 1882 لا تسمح لليهودي بالدخول إلى فلسطين " إلا في حالة واحدة هي الحج والزيارة المقدسة ولمدة ثلاثة أشهر ". أو تمكنوا من الإفلات من قبضتها بسبب كونهم رعايا أجانب" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، وبعد سنوات، على أن يدفعوا " تأميناً مالياً، بمبلغ 50 ليرة عثمانية، ومنذ 21 تشرين الثاني 1900، لم يعد مطلوباً من اليهود أن يدفعوا تأميناً نقدياً كضمان لمغادرتهم بعد شهر، مقابل قرش واحد، وقد عُرف هذا التصريح باسم "التذكرة الحمراء" بسبب لونه (أوكي، حلاق، ص 170-171). وكان موقف الدولة العثمانية متساهلاً في البداية من إنشاء المستوطنات الزراعية اليهودية الأولى. في 5 آذار 1883، قانوناً يضع حداً لحصول المستوطنين اليهود، الذين صاروا يتمتعون بجنسيات دول أخرى، وفي 24 نيسان 1899، وأن موقفه هذا لن يتغير". راح "يشتري الأرض في فلسطين من جيبه الخاص" (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و. دور الدول الأوروبية في تسهيل شراء الأراضي
بالإضافة إلى لجوئها إلى أسلوب الرشوة، وقوانين الملاحة، وحرية العبادة والعمل والسفر والإقامة والحصانة من السلطان القضائي للمحاكم التركية ". ونتج عنها نظام الحماية " الذي كان يُخوّل الرعايا العثمانيين إما الحصول على الجنسية الأجنبية وإما طلب الحماية من أية دولة أجنبية ". يلجؤون إلى الدول الأوروبية ليوضعوا تحت نظام الحماية لكي يهربوا من عبء الضرائب، ولكي يتمتعوا بالامتيازات الممنوحة للأجانب " (أوكي، ص 54-56). كما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لصالحهم. كما كانوا يعتبرون أن القيود المفروضة على عمليات بيع الأراضي " تمثل خرقاً لهذه الامتيازات " (أوكي، ص 57). مساعي هرتزل لدى السلطان عبد الحميد
كي يحصل على دعم السلطان عبد الحميد لمشروعه، ففي حزيران 1896، وعرض عليه المشروع الصهيوني، فحاول هرتزل أن يقحم نفسه في القضية الأرمنية " ليوهم السلطان أن لليهود دوراً فعالاً في السياسات الدولية"، ثم قدم، وبالثمانية عشر مليوناً تتحرر تركيا من بعثة الحماية الأوروبية" (حلاق، أوكي، وفي عام 1898، سعى هرتزل إلى كسب ود الحكومة الألمانية، قام القيصر "غليوم الثاني" بزيارة رسمية إلى تركيا، انتقل القيصر الألماني من استانبول إلى القدس، حيث أخبر هرتزل والوفد الصهيوني الذي التقاه هناك " أنه لا يمكن أن يؤيد إقامة دولة يهودية في فلسطين، بينما يؤيد الجهود التي يبذلها اليهود للنهوض بالزراعة في فلسطين من أجل إنعاش اقتصاد الدولة العثمانية وتقدمها شرط احترام السيادة العثمانية وقوانينها" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، وفي 13 أيار 1901، توجه هرتزل إلى إستانبول، حيث استطاع، بعد مضي خمسة أيام على وصوله، مقابلة السلطان عبد الحميد، وفي ذلك اللقاء، أشار هرتزل إلى المساعدات المالية التي يمكن أن يقدمها اليهود لتصفية ديون الدولة العثمانية، كما عرض "توسطه" لإيقاف حملات صحف جمعية "تركيا الفتاة" على السلطان في أوروبا. لكن عبد الحميد رفض فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين، مع موافقته " على هجرة يهودية إلى آسيا الصغرى والعراق مقابل دفع الديون المترتبة على الدولة العثمانية " (حلاق، لكنه لم يستطع خلالها مقابلة السلطان، اجتمع خلالها بالصدر الأعظم "سعيد باشا"، من دون ان يتوصل إلى نتيجة تذكر (حلاق، قبل وفاته في 16 ايار 1904، إلى توسيط الدوائر الإيطالية لدى الباب العالي، حيث طلب من الملك الإيطالي أن يراسل السلطان عبد الحميد للتوصية باستعمار فلسطين، في ذلك العام، على قرارها منع بيع الأراضي والعقارات في فلسطين إلى اليهود من جميع الجنسيات "لأن معظم اليهود الأجانب كانوا يأتون إلى فلسطين بغرض شراء الأراضي والإقامة الدائمة" (حلاق، ص 197-198). في ضوء إخفاق ثورة 1905، وبهدف الالتفاف على رفض الحكومة العثمانية المستمر لمشروعها، وفي مقدمتهم "رشيد باشا" متصرف القدس (1904-1906) الذي " خضع لشهوة المال الصهيوني، وأصدر عام 1905 عدة قرارات مخالفة للقوانين الصادرة عن الحكومة العثمانية " (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، زيادة الاهتمام بالمناطق الفلسطينية ولا سيما منطقة القدس، كمشروع " إنشاء شعبة بنك زراعي في بئر السبع لإقراض المزارعين المال وتخليصهم من أيدي المحتكرين والصرافين "، ومشروع " توفير ماكنات وآلات زراعية حديثة " للمزارعين الفلسطينيين. ولم تخرج هذه المشاريع إلى حيز الوجود" (حلاق، ص 227-228). عمليات بيع الأراضي للمستوطنين اليهود
عبّر عدد كبير من كبار ملاك الأراضي عن معارضتهم للمشروع الصهيوني، لما ينطوي عليه من تهديد لمصالهحم، ولكن هذا "لم يكن مانعاً من أن يتم بيع أراضٍ على أيديهم، خاصة وأن معظمهم يقيم في المدن وفي خارج فلسطين غالباً" (قاسمية، كآل سرسق والتويني وخوري وسلام في بيروت. وقد حاولت حكومة الاتحاديين بيع هذه الأراضي "المدورة" في المزاد، لحل الأزمة المالية التي كانت تعاني منها، لكن الحكومة عادت وتراجعت عن هذا الإجراء استجابة للضغوط الشعبية " (الوعري، حيث " اشتملت على 500000 دونم ، وكان آل سرسق قد " باعوا إلى الحركة الصهيونية، مئات الآلاف من الدونمات "، وهو ما فعله كذلك " آل التيان وآل كسار وآل خوري" (الوعري، ص 401-405). رد الفعل الشعبي العربي على المشروع الصهيوني
أدّى توسع الاستيطان الصهيوني إلى احتدام الصراع بين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود، علماً بأن ردود الفعل الأولى على هذا الاستيطان " ظلت متقطعة، ولم تتخذ شكل معارضة واعية للمشروع الصهيوني أو تتخذ طابعاً سياسياً". وقد أرجع الكُتّاب اليهود أسباب هذه النزاعات إلى جهل المستوطنين اليهود الجدد "اللغة [العربية] وعادات وطبائع العرب"، والتي كان يصحبها غالباً طرد الفلاحين المستأجرين من أراضيهم دون تعويض" (قاسمية، ص 30-31). وقد كان لردود الفعل العربية ضد الهجرة والاستيطان اليهوديين، التي راحت تتخذ شكل صدامات وهجمات على المستوطنات اليهودية، أثر واضح في إصدار القرارات والقوانين العثمانية الخاصة بمنع المهاجرين اليهود من الاستيطان في فلسطين. وفي نهاية عام 1906، اضطرت السلطات العثمانية إلى نقل "رشيد باشا"، من منصبه نتيجة لازدياد الشكاوى العربية ضده (حلاق، ص 232-234 و ص 246- 250). ورفعوا شعارَي "احتلال الأرض" و "احتلال العمل". تكللت بتشكيل "نظام الهاشومير –الحراس اليهود- أو بدايات حركة الدفاع الذاتي اليهودي " (قاسمية، ص 38). ولم تنقطع المواجهة بين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود طوال السنوات التالية، ففي أواخر تموز 1914، استخدم فيها السلاح ووقع بعض القتلى والجرحى من الطرفين (قاسمية، منذ عام 1913، جمعيات مناهضة للصهيونية في مناطق متفرقة من الدولة العثمانية، من بينها "جمعية فلسطين" في بيروت، التي تأسست على يد طلاب فلسطينيين في جامعة بيروت الأمريكية، أبرزهم أحمد سامح الخالدي. ص 126-128). الفرصة لليهود كي يمارسوا نشاطهم بحرية أكثر من ذي قبل. وعن لواء عكا الشيخ أسعد شقير " (قاسمية، مبعوث غوملجينه ورئيس حزب الأهالي، الذي انتقد سياسة جاويد وزير المالية المحابية للصهيونية، مستنتجاً أن الحكومة "إنما تنفذ سياسة الصهيونيين وتسمح لهم بشراء الأراضي في فلسطين حتى يتوصلوا إلى تأليف مملكة يهودية هناك". ومما يثير الاستغراب في حملة المعارضة هذه "أنها لم تتعرض للعرب أصحاب العلاقة المباشرة بالموضوع، قره صو، عن ولاء اليهود لعثمانيتهم" (قاسمية، ص 90-91). في أيار 1911، شن روحي الخالدي حملة عنيفة على الصهيونية، مبعوث القدس الثاني، اشتروها بمساعدة أغنياء اليهود رغم الحظر المفروض"، بشرط أن يقبلوا الجنسية التركية" (قاسمية، ص 101). وفي الانتخابات لمجلس المبعوثان التي جرت في ربيع عام 1912، بعد أن قرر "الاتحاديون" حل المجلس للتخلص من المعارضة التي كانوا يواجهونها وبخاصة من جانب " الحرية والائتلاف"، وأحمد خماش عن لواء نابلس. فقد وجهت الدعوة لانتخاب مرشحين "يقفون بوجه خطر المهاجرة اليهودية ورفع المظالم التي يعانيها المزارع العربي والأخذ بيده بصرف النظر عن كونهم اتحاديين أو غير اتحاديين" (قاسمية، ومع أن مبعوثي فلسطين إلى المجلس قد وعدوا ناخبيهم بأن " يبذلوا جهدهم لإعادة القيود القانونية السابقة، الآمال التي انعقدت عليهم، لأن الصهيونيين يضحون في إحباط مساعي خصومهم كل مرتخص وغال" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، موقف الصحفيين المناهض للصهيونية
لعبت الصحافة العربية التي واكبت ثورة 1908 دوراً مهماً في زيادة الوعي بمخاطر المشروع الصهيوني، بدأت الصحف اليومية والأسبوعية في الظهور داخل فلسطين. ومن أولى الجرائد التي صدرت في فلسطين أواخر عام 1908 "الأصمعي" في يافا لصاحبها حنا عبد الله العيسى، في مدينة يافا، وترأس تحريرها يوسف العيسى، التي صرّح محررها، محمد موسى المغربي، بأنها "قد اتّبعت منذ تأسيسها مكافحة السياسة الصهيونية" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، حيث وجّه الكاتب الفلسطيني عبد الله مخلص، على صفحات جريدة "المقتبس" الدمشقية"، كتاباً مفتوحاً إلى مجلس المبعوثان حول استعمار الصهيونيين فلسطين، مع أنها يجب أن تكون أبعد نظراً" (قاسمية، ص 76). وفضحت ملاك الأرض الكبار الذين تهاونوا في بيع الأراضي، في عام 1913، حيث خاطبهم بقوله: " اليوم تقررون وتبيعون وتنقصون عديدكم وثروتكم بأيديكم وبأختامكم وتزيدون عديد الغير وثروته وملكه، فإذا قوي عليكم وعاملكم كما يعامل القوي الضعيف فإلى من تشتكون وعلام تعتمدون" (قاسمية، ص 138). صاحب "الكرمل"، مقالاً عنيفاً بعنوان: "استعمار أم استدرار"، وفي نهاية عام 1913، لكن المحكمة في يافا أصدرت حكماً ببراءة صاحب جريدة "فلسطين" من التهمة الموجهة إليه، "مستندة على أن الصهيونيين ليسوا عنصراً عثمانياً، وعادت الجريدة إلى الصدور بعد شهر من تعطيلها (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، مواقف المهادنة إزاء المشروع الصهيوني
اتخذ معظم أعيان فلسطين موقف المعارضة والتصدّي للمشروع الصهيوني، ومن أبرزهم "رئيس بلدية القدس حسين سليم الحسيني، بوصفها حركة سياسية، لا تشكّل خطراً على فلسطين"، مع مطالبته الدولة العثمانية " بسن قوانين لمنع بيع الأراضي لليهود " (الوعري، ص 321-326). وقد تجسدت مسألة المهادنة والتفاهم مع الحركة الصهيونية في سلسلة من الاتصالات والمراسلات واللقاءات والاجتماعات التي "جرت بين بعض الأعيان وبين ممثلين عن الحركة الصهيونية، في عام 1914، العين حافظ بك السعيد ناحوم سوكولوف " (الوعري، وبحسب خيرية قاسمية، كما فعل رفيق العظم نفسه في المقال الذي نشره "المقطم" في أيار 1914، بعنوان: "المسألة الصهيونية وكيف يُدفع خطرها"، لكن من دون تحقيق أية نتائج ملموسة (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 221 و ص 233-234 و ص 251). المواقف العثمانية والصهيونية خلال الحرب العالمية الأولى
كما أُغلقت كل الصحف العربية التي تولت قيادة هذه الحركة، وقد قررت الحكومة العثمانية، إلغاء نظام الامتيازات، الصادر في تشرين الثاني 1914، بتسهيل حصول اليهود من رعايا الدول الغربية على الجنسية العثمانية، وأتبعت هذا الأمر بإجراءات أخرى هدفت إلى التضييق على النشاط الصهيوني، ومنع اللغة العبرية كلغة مراسلة، وإغلاق بنك أنجلو فلسطين ومنع الحراس اليهود في المستوطنات من حمل أسلحتهم ومصادرتها " (قاسمية، ص 266-268). ومع أن المساعي التي قامت بها السفارتان الألمانية والأمريكية، إلا أن الحركة الصهيونية نظّمت حملة دعائية واسعة " للتنديد بأعمال العنف الموجهة ضد اليهود"، طوال سنوات الحرب، كما استمروا في شراء الأراضي وإنشاء المستوطنات (قاسمية، ص 270-276). للحصول على دعم بريطانيا لمشروعهم، الذي جاء تعبيراً عن إدراك الحكومة البريطانية أهمية "فلسطين اليهودية" بالنسبة للمصالح البريطانية في مصر والهند (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، في حزيران 1917، حتى بعد صدور ذلك التصريح، إلى الإدلاء بتصريح يعتبر فيه أن "تصريح بلفور" هو مجرد "خدعة"، ونيتها منح مناطق تجمعهم "نوعاً من الحكم الذاتي البلدي الموسع"، (قاسمية،


النص الأصلي

المواقف العثمانية والعربية إزاء الهجرة والاستيطان اليهوديين


سأتناول في هذه الحلقة السادسة والأخيرة من تاريخ فلسطين في العهد العثماني قضية هجرة اليهود وإقامتهم المستوطنات في فلسطين، وموقف الحكومة العثمانية والعرب الفلسطينيين منها، وهي القضية التي استقطبت الحيز الأكبر من تاريخ فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.


تزايد عدد الهاجرين اليهود وعدد مستوطناتهم
ظلت الأقلية اليهودية هامشية من ناحية عددها وحجم تأثيرها حتى أواسط القرن التاسع عشر، ثم راح عدد اليهود يزداد نتيجة تنامي الهجرة اليهودية، في ظل ازدياد النفوذ والتغلغل الأوروبيين، حيث وصل، سنة 1882، إلى حوالي 24000 نسمة، كانت أكثريتهم الساحقة تقيم في "المدن المقدسة" الأربع، أي القدس وصفد وطبرية والخليل (شولش، تحولات جذرية في فلسطين، ص 92). وفي عام 1900، قفز عدد اليهود في فلسطين إلى 50000 نسمة، ثم وصل إلى 85000 في عام 1914، يمثلون حوالي 12 في المئة من سكان فلسطين الذين قدّر عددهم آنذاك بحوالي سبعمائة ألف نسمة (عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، ص 47).


وقد تأسست أولى المستعمرات، وهي مستعمرة " بتاح تكفا " سنة 1878 على يد مجموعة من يهود القدس، استطاعت أن تتملك أرضاً إلى الشمال من مدينة يافا. ثم أقامت "جمعية محبي صهيون"، التي ضمت مهاجرين قَدِموا من روسيا في إطار ما سمّي بالموجة الأولى من الهجرة اليهودية سنة 1882، مستعمرة "ريشون لزيون" قرب يافا، كما تأسست، في السنة نفسها، مستعمرة "زكرون يعقوب" إلى الجنوب الشرقي من حيفا، ومستعمرة "روشبينا" في الطريق بين طبريا وصفد. وفي مطلع ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان المهاجرون اليهود قد تمكنوا من إقامة ثماني مستعمرات زراعية، خمس منها في متصرفية القدس وثلاث في لواء عكا التابع لولاية بيروت (عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، ص 32-33 و ص 73-75).


إلا أن النشاط الاستيطاني اليهودي واجه، في تلك الفترة، صعوبات عديدة، الأمر الذي دفع أنصار "محبي صهيون" إلى التوجه إلى البارون ادموند دي روتشيلد كي يتقدم لمساعدتهم. وبفضل الأموال التي قدمها البارون، استطاعت المستوطنات الأولى أن تستمر، وتمّ شراء مساحات جديدة من الأراضي وتأسيس مستوطنات أخرى بين 1884-1890. كما أرسل البارون " خبراء من فرنسا لإرشاد المستوطنين في زراعة الكروم والحبوب وبناء معامل الخمور والأقبية" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 18-19). وعشية انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل عام 1897، وصل عدد المستعمرات اليهودية في فلسطين إلى 17 مستعمرة، تسع منها في الجليل الشرقي وثمان في المنطقة الساحلية، في أواسط البلاد، و" وصل مجموع عدد سكانها حينذاك إلى 3867 نسمة يملكون 139230 دونماً من الأراضي " (مناع، تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني...، ص 227-231). وفي عام 1908، ارتفع عدد هذه المستعمرات ليصل إلى " ستاً وعشرين مستعمرة تضم عشرة آلاف عضو وتقدر مساحة أرضها بأربعمائة ألف دونم "، ثم " ازداد عدد سكان هذه المستعمرات بعد ست سنوات إلى اثني عشر ألفاً". ويُعتقد أن عدد المستعمرات اليهودية ، بلغ في عام 1914، 47 مستعمرة (رافق، فلسطين في عهد العثمانيين، 2، ص 872-873؛ عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، ص 32-33).


القيود العثمانية على هجرة اليهود وشرائهم الأراضي في فلسطين
رداً على التدخل المتزايد للقوى الأوروبية في فلسطين، ركّز السلطان عبد الحميد سيطرته على الموظفين المدنيين هناك، وأنشأ "خطوط اتصال مباشرة بينهم وبين قصره، وضمن أن تكون الإدارة في فلسطين مجهزة بموظفين أكفاء أمناء". وكانت المحافظة على الأمن في سورية وفلسطين من مسؤولية "الجيش الخامس"، ويسمى "جيش العرب"، ويتمركز في دمشق. وعندما هاجرت أعداد من المسلمين إلى تركيا هرباً من القمع المتزايد في البلقان وروسيا، "وطّنهم عبد الحميد في وادي حوران وفلسطين ونظّمهم على هيئة قوة ميليشيا" (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 43-45).


لقد اعتبر السلطان عبد الحميد أن هجرة وإقامة اليهود في فلسطين سيضر بمصالح الإمبراطورية العثمانية، لأنه سيؤدي إلى بزوغ "مشكلة يهودية"، في وقت كانت فيه الحكومة العثمانية تواجه متاعب المشكلة الأرمنية. كما كان السلطان قلقاً أيضاً من أن مسعى اليهود، من أجل إقامة دولة يهودية في فلسطين، قد "يوحي للعرب بالنضال من أجل تقرير مصيرهم القومي" (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 59).


وكانت الحكومة العثمانية قد وضعت عدداً من القيود لوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ وصول الموجة الأولى من المهاجرين اليهود من جماعة "محبي صهيون" إلى فلسطين في سنة 1882. ففي 29 حزيران 1882، أرسل الباب العالي إلى متصرف القدس "رؤوف باشا" رسالة يطلب فيها منه أن يمنع اليهود الذين يحملون الجنسيات الروسية والرومانية والبلغارية من الدخول إلى القدس. وكانت قوانين 1882 لا تسمح لليهودي بالدخول إلى فلسطين " إلا في حالة واحدة هي الحج والزيارة المقدسة ولمدة ثلاثة أشهر ". لكن اليهود استطاعوا " خرق تلك الأوامر بالبخشيش، أو تمكنوا من الإفلات من قبضتها بسبب كونهم رعايا أجانب" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 88-89 و ص 91-92).


وبعد سنوات، صار يُسمح للحجاج اليهود دخول فلسطين " إذا كانت جوازاتهم مؤشراً عليها من السفارات التركية في الخارج "، على أن يدفعوا " تأميناً مالياً، بمبلغ 50 ليرة عثمانية، كتعهد بمغادرة فلسطين خلال شهر ". ومنذ 21 تشرين الثاني 1900، لم يعد مطلوباً من اليهود أن يدفعوا تأميناً نقدياً كضمان لمغادرتهم بعد شهر، بل صار عليهم " أن يسلموا أوراقهم عند دخول البلد، وفي مقابل هذا يتسلمون تصريح إقامة، مقابل قرش واحد، يسمح لهم بالإقامة في فلسطين لمدة ثلاثة أشهر". وقد عُرف هذا التصريح باسم "التذكرة الحمراء" بسبب لونه (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 72-73؛ حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 170-171).


وكان موقف الدولة العثمانية متساهلاً في البداية من إنشاء المستوطنات الزراعية اليهودية الأولى. لكن توسع عمليات شراء الأراضي وإقامة المستوطنات اليهودية دفع الحكومة العثمانية إلى وضع قيود على عمليات بيع الأراضي لليهود، حيث أقرت، في 5 آذار 1883، قانوناً يضع حداً لحصول المستوطنين اليهود، الذين صاروا يتمتعون بجنسيات دول أخرى، على الأرض في فلسطين. وفي تشرين الثاني 1892، أصدرت الحكومة أمراً إلى متصرف القدس "إبراهيم حاجي باشا" لوقف بيع الأرض الميري إلى اليهود حتى ولو كانوا رعايا عثمانيين. وفي 24 نيسان 1899، أكد الباب العالي في بيان أصدره أنه "لا يرغب أن يبيع أي جزء من الأرض العربية، ومهما كانت كميات الذهب التي تقدم لهذا الغرض، وأن موقفه هذا لن يتغير". ولكي يوقف السلطان عبد الحميد عمليات بيع الأراضي الخاصة، التي يمتلكها أفراد، إلى اليهود، راح "يشتري الأرض في فلسطين من جيبه الخاص" (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 70 و ص 75).


دور الدول الأوروبية في تسهيل شراء الأراضي
بالإضافة إلى لجوئها إلى أسلوب الرشوة، استطاعت الحركة الصهيونية الالتفاف على القوانين التي اتّخذتها السلطات العثمانية للحد من عمليات بيع الأراضي لليهود من خلال الاعتماد على الامتيازات التي كانت تتمتع بها الدول الأوروبية في السلطنة العثمانية، حيث كان اليهود يشترون الأراضي مستفدين من تبعيتهم لهذه الدول الأوروبية. فقد شملت الامتيازات، بوصفها حقوقاً للدول الأوروبية، "الإعفاء من الضرائب، والجمارك، وقوانين الملاحة، وحرية العبادة والعمل والسفر والإقامة والحصانة من السلطان القضائي للمحاكم التركية ". ونتج عنها نظام الحماية " الذي كان يُخوّل الرعايا العثمانيين إما الحصول على الجنسية الأجنبية وإما طلب الحماية من أية دولة أجنبية ". وامتد هذا النظام ليشمل الجماعات الدينية، حيث " أصبح الرعايا غير المسلمين، منذ القرن التاسع عشر، يلجؤون إلى الدول الأوروبية ليوضعوا تحت نظام الحماية لكي يهربوا من عبء الضرائب، ولكي يتمتعوا بالامتيازات الممنوحة للأجانب " (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 54-56).


فما بين عامي 1880 و 1908، تولت الحكومة البريطانية قضيتهم ضد السلطات التركية، ومنحتهم الحماية البريطانية. كما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لصالحهم. وكان سفراء الدول الأوروبية لدى إستانبول " يوضحون للباب العالي أن حقوق رعاياهم في السفر داخل البلاد العثمانية تضمنها الامتيازات الأجنبية". كما كانوا يعتبرون أن القيود المفروضة على عمليات بيع الأراضي " تمثل خرقاً لهذه الامتيازات " (أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 57).


مساعي هرتزل لدى السلطان عبد الحميد
كي يحصل على دعم السلطان عبد الحميد لمشروعه، قام تيودور هرتزل بخمس رحلات إلى إستانبول ما بين عامَي 1896 و 1902.
ففي حزيران 1896، قام هرتزل بزيارته الأولى إلى استانبول، حيث اجتمع، في 18 من ذلك الشهر، مع ابن الصدر الأعظم "جاويد بك"، وعرض عليه المشروع الصهيوني، لكن المسؤول التركي أبدى معارضته لاستيطان اليهود في فلسطين. فحاول هرتزل أن يقحم نفسه في القضية الأرمنية " ليوهم السلطان أن لليهود دوراً فعالاً في السياسات الدولية"، وأنهم قادرون على "إقناع زعماء الأرمن بالتوقف عن الثورة ضد الدولة العثمانية ". ثم قدم، بعد فشل مساعيه في المسألة الأرمنية، عرضاً مغرياً للسلطان " يتضمن دفع مبلغ عشرين مليون ليرة تركية" على أن "يُدفع من هذا المبلغ مليونين بدل فلسطين... وبالثمانية عشر مليوناً تتحرر تركيا من بعثة الحماية الأوروبية" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 113-117؛ أوكي، السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية و...، ص 51).


وفي عام 1898، سعى هرتزل إلى كسب ود الحكومة الألمانية، التي كانت على علاقة وثيقة بالحكومة العثمانية، كي يحصل على دعمها لمشروعه. وقامت الحركة الصهيونية بمحاولات مكثفة لإقناع القيصر الألماني –المتجه إلى استانبول- بالتوسط لدى السلطان العثماني. ففي خريف ذلك العام، قام القيصر "غليوم الثاني" بزيارة رسمية إلى تركيا، ونجح هرتزل في الاجتماع به في استانبول، في 18 تشرين الأول 1898، وعرض عليه مشروعه، الذي " لن تكون فائدته لليهود فحسب –كما زعم- بل لألمانيا أيضاً، التي ستكون لها اليد الطولى في الشرق من الناحية الاقتصادية والسياسية والعسكرية باعتبارها حامية الدولة اليهودية". وفي 29 تشرين الأول 1898، انتقل القيصر الألماني من استانبول إلى القدس، حيث أخبر هرتزل والوفد الصهيوني الذي التقاه هناك " أنه لا يمكن أن يؤيد إقامة دولة يهودية في فلسطين، بينما يؤيد الجهود التي يبذلها اليهود للنهوض بالزراعة في فلسطين من أجل إنعاش اقتصاد الدولة العثمانية وتقدمها شرط احترام السيادة العثمانية وقوانينها" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 150-151 و ص 154).


وفي 13 أيار 1901، توجه هرتزل إلى إستانبول، في ثالث زيارة له لعاصمة الدولة العثمانية، حيث استطاع، بعد مضي خمسة أيام على وصوله، مقابلة السلطان عبد الحميد، الذي وافق على مقابلته " بصفته صحافياً يهودياً بارزاً وليس بصفته رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية". وفي ذلك اللقاء، أشار هرتزل إلى المساعدات المالية التي يمكن أن يقدمها اليهود لتصفية ديون الدولة العثمانية، "المقدرة بمليون ونصف المليون جنيه"، كما عرض "توسطه" لإيقاف حملات صحف جمعية "تركيا الفتاة" على السلطان في أوروبا. لكن عبد الحميد رفض فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين، مع موافقته " على هجرة يهودية إلى آسيا الصغرى والعراق مقابل دفع الديون المترتبة على الدولة العثمانية " (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 175-177).


وفي 12 شباط 1902، قام هرتزل بزيارته الرابعة إلى إستانبول، لكنه لم يستطع خلالها مقابلة السلطان، وإنما اجتمع ببعض مستشاريه الذين " أكدوا له أن الدولة العثمانية هي التي ستعيّن المناطق التي يسكنها اليهود في آسيا الصغرى والعراق باستثناء فلسطين ". ثم قام في العام نفسه بزيارة خامسة، وأخيرة، إلى إستانبول، اجتمع خلالها بالصدر الأعظم "سعيد باشا"، من دون ان يتوصل إلى نتيجة تذكر (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 182- 185).


وسعى هرتزل، قبل وفاته في 16 ايار 1904، إلى توسيط الدوائر الإيطالية لدى الباب العالي، حيث طلب من الملك الإيطالي أن يراسل السلطان عبد الحميد للتوصية باستعمار فلسطين، لكن السلطان العثماني "ظل على موقفه المعارض للحركة الصهيونية"، وأكدت حكومته، في ذلك العام، على قرارها منع بيع الأراضي والعقارات في فلسطين إلى اليهود من جميع الجنسيات "لأن معظم اليهود الأجانب كانوا يأتون إلى فلسطين بغرض شراء الأراضي والإقامة الدائمة" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 197-198).


وبعد تدهور أوضاع اليهود في روسيا، في ضوء إخفاق ثورة 1905، عرض عدد من أثرياء اليهود على السلطان عبد الحميد " مبلغ 10 ملايين جنيه استرليني" في مقابل امتلاك فلسطين. وبهدف الالتفاف على رفض الحكومة العثمانية المستمر لمشروعها، قامت المنظمة الصهيونية بالاتصال ببعض المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم "رشيد باشا" متصرف القدس (1904-1906) الذي " خضع لشهوة المال الصهيوني، وأصدر عام 1905 عدة قرارات مخالفة للقوانين الصادرة عن الحكومة العثمانية " (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 205 و ص 208). ونتيجة استيائه من تنامي حالات الرشوة والفساد، قررالسلطان عبد الحميد، قبل فترة قصيرة من خلعه عن الحكم، زيادة الاهتمام بالمناطق الفلسطينية ولا سيما منطقة القدس، حيث طرح في عام 1908 "عدة مشاريع زراعية ومالية لمواجهة المستثمرين والمرابين اليهود والإقطاع على السواء"، كمشروع " إنشاء شعبة بنك زراعي في بئر السبع لإقراض المزارعين المال وتخليصهم من أيدي المحتكرين والصرافين "، ومشروع " توفير ماكنات وآلات زراعية حديثة " للمزارعين الفلسطينيين. بيد أن هذه السياسة الاقتصادية التي اتّبعها السلطان " جاءت متأخرة، ولم تخرج هذه المشاريع إلى حيز الوجود" (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 227-228).


عمليات بيع الأراضي للمستوطنين اليهود
عبّر عدد كبير من كبار ملاك الأراضي عن معارضتهم للمشروع الصهيوني، لما ينطوي عليه من تهديد لمصالهحم، ولكن هذا "لم يكن مانعاً من أن يتم بيع أراضٍ على أيديهم، خاصة وأن معظمهم يقيم في المدن وفي خارج فلسطين غالباً" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 62-63).


وبحسب عادل مناع، تشير الدراسات التي أجريت لتتبع المصدر الذي تمّ شراء الأراضي منه للاستيطان الصهيوني خلال الفترة 1878-1936، إلى أن 6،52 في المئة من تلك الأراضي جاءت من كبار ملاك الأراضي غير الفلسطينيين، كآل سرسق والتويني وخوري وسلام في بيروت. بينما كانت حصة أبناء عائلات الأعيان الفلسطينيين، من تلك الأراضي، 6، 24 في المئة، إضافة إلى 4، 13 في المئة انتقلت إلى شركات الاستيطان الصهيوني من الحكومة نفسها أو من الكنائس. أما حصة الفلاحين، فكانت أقل من 10 في المئة (مناع، تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني...، ص 222).


والواقع أن المساحة الأكبر من أراضي فلسطين كانت واقعة ضمن ملكية السلطان عبد الحميد، المعروفة بأراضي "الجفتلك السلطاني"، حيث قُدّرت مساحتها، وفقاً لنائلة الوعري، بـ 2500000 دونم ممتدة من رفح جنوباً إلى حوض الحولة شمالاً، وقد "أجبر السلطان على التنازل عن ملكية هذه الأراضي، التي صارت تُعرف بالأراضي المدوّرة، بعد أن فرضت عليه حكومة الاتحاد والترقي التنحي عن العرش عام 1909 ". وقد حاولت حكومة الاتحاديين بيع هذه الأراضي "المدورة" في المزاد، لحل الأزمة المالية التي كانت تعاني منها، وهو " ما فتح الباب واسعاً امام الحركة الصهيونية لاستهدافها، لكن الحكومة عادت وتراجعت عن هذا الإجراء استجابة للضغوط الشعبية " (الوعري، موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين في فلسطين...، ص 392-394).


وتضيف الوعري بأن أراضي ملكية آل عبد الهادي، كانت تعد، من حيث المساحة، الملكية العقارية الثالثة بعد ملكية السلطان عبد الحميد وملكية آل سرسق البيروتيين، حيث " اشتملت على 500000 دونم ، تمتد وسط فلسطين بين البحر الأبيض المتوسط ومجرى نهر الأردن ". وكان آل سرسق قد " باعوا إلى الحركة الصهيونية، ما بين عام 1901 وعام 1918، مئات الآلاف من الدونمات "، بينما يعتقد بأن آل عبد الهادي باعوا "مساحات واسعة من أراضيهم للحركة الصهيونية في عامي 1910 و 1912"، وهو ما فعله كذلك " آل التيان وآل كسار وآل خوري" (الوعري، موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين في فلسطين...، ص 401-405).


رد الفعل الشعبي العربي على المشروع الصهيوني
أدّى توسع الاستيطان الصهيوني إلى احتدام الصراع بين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود، علماً بأن ردود الفعل الأولى على هذا الاستيطان " ظلت متقطعة، ولم تتخذ شكل معارضة واعية للمشروع الصهيوني أو تتخذ طابعاً سياسياً". وقد أرجع الكُتّاب اليهود أسباب هذه النزاعات إلى جهل المستوطنين اليهود الجدد "اللغة [العربية] وعادات وطبائع العرب"، أو إلى " الأخطاء " التي ارتكبها المستوطنون و " أساليب الخداع والرشوة التي اتّبعوها في شراء الأراضي، والتي كان يصحبها غالباً طرد الفلاحين المستأجرين من أراضيهم دون تعويض" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 30-31).


وقد كان لردود الفعل العربية ضد الهجرة والاستيطان اليهوديين، التي راحت تتخذ شكل صدامات وهجمات على المستوطنات اليهودية، أثر واضح في إصدار القرارات والقوانين العثمانية الخاصة بمنع المهاجرين اليهود من الاستيطان في فلسطين. فالقوانين التي أقرتها الحكومة العثمانية عام 1887، على سبيل المثال، صدرت بعد قيام الفلاحين العرب المطرودين من "الخضيرة" و "بتاح تكفا" بمهاجمة قراهم المغتصبة التي أجلوا عنها بالقوة. وفي نهاية عام 1906، اضطرت السلطات العثمانية إلى نقل "رشيد باشا"، الذي عُيّن عام 1904 متصرفاً للقدس وأيد الهجرة اليهودية علانية، من منصبه نتيجة لازدياد الشكاوى العربية ضده (حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص 232-234 و ص 246- 250).


وتصاعدت المواجهة بين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود مع وصول الموجة الثانية من الهجرة اليهودية إلى فلسطين من روسيا وأوروبا الشرقية، ما بين 1904-1905، التي انتمى معظم أفرادها إلى حركة "بوعالي تسيون"، ورفعوا شعارَي "احتلال الأرض" و "احتلال العمل". فقد قام مستوطنو هذه الموجة الثانية بطرد الفلاحين والعمال العرب من المستوطنات اليهودية التي كانوا يعملون فيها، و "بدأوا حملة لتنظيم الحراسة اليهودية المسلحة للمستعمرات اليهودية"، تكللت بتشكيل "نظام الهاشومير –الحراس اليهود- أو بدايات حركة الدفاع الذاتي اليهودي " (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 38).


ولم تنقطع المواجهة بين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود طوال السنوات التالية، وصارت تتعدّى منطقة طبرية والجليل إلى المستوطنات القريبة من يافا. ففي أواخر تموز 1914، وقعت اشتباكات واسعة بين أهالي قرية زرنوفة ومستعمرة ديران (رحبوت)، استخدم فيها السلاح ووقع بعض القتلى والجرحى من الطرفين (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 197-198؛ عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، ص 135).


ونتيجة تنامي الإحساس بالخطر الصهيوني، راحت تظهر، منذ عام 1913، جمعيات مناهضة للصهيونية في مناطق متفرقة من الدولة العثمانية، من بينها "جمعية فلسطين" في بيروت، التي تأسست على يد طلاب فلسطينيين في جامعة بيروت الأمريكية، أبرزهم أحمد سامح الخالدي. كما صارت تبرز جمعيات للشبيبة الفلسطينية في عدد من المدن، مثل يافا وبيروت واستانبول (عوض، مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث، ص 126-128).


موقف النواب العرب الفلسطينيين من المشروع الصهيوني
أتاح العهد الاتحادي، بعد ثورة تموز 1908 في تركيا، الفرصة لليهود كي يمارسوا نشاطهم بحرية أكثر من ذي قبل. وأخذ النواب العرب في مجلس المبعوثان يثيرون قضية فلسطين منذ عام 1909. وبحسب خيرية قاسمية، أسفرت عملية الانتخاب للمبعوثان، التي جرت في تشرين الأول 1908، عن فوز ثلاثة مرشحين عن متصرفية القدس " يمثلون الأسر الإسلامية البارزة فيها هم: روحي الخالدي، وحافظ السعيد وسعيد الحسيني". أما في ولاية بيروت، فقد " فاز عن لواء نابلس الشيخ أحمد الخماش، وعن لواء عكا الشيخ أسعد شقير " (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 65).


ونوقشت المسألة الصهيونية في جلسة المبعوثان للمرة الأولى في آذار 1911، خلال النقاش الذي دار حول ميزانية الدولة، وتولى إثارتها أحد نواب المعارضة التركية، وهو إسماعيل حقي، مبعوث غوملجينه ورئيس حزب الأهالي، الذي انتقد سياسة جاويد وزير المالية المحابية للصهيونية، مستنتجاً أن الحكومة "إنما تنفذ سياسة الصهيونيين وتسمح لهم بشراء الأراضي في فلسطين حتى يتوصلوا إلى تأليف مملكة يهودية هناك". ومما يثير الاستغراب في حملة المعارضة هذه "أنها لم تتعرض للعرب أصحاب العلاقة المباشرة بالموضوع، ومن جهة أخرى يبدو أن النواب العرب لم يأخذوا المبادهة في هذه المناقشة "، واكتفى روحي الخالدي، مبعوث القدس، بإبداء اعتراضه "على دفاع مبعوث سلانيك، قره صو، عن ولاء اليهود لعثمانيتهم" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 90-91).


وفي الجلسة التي عقدها مجلس المبعوثان، في أيار 1911، شن روحي الخالدي حملة عنيفة على الصهيونية، لأنها "ضارة بمصالح العثمانييين في فلسطين". وبيّن حافظ السعيد، مبعوث القدس الثاني، أن حركة الاستعمار اليهودي في فلسطين مستمرة منذ ثلاثين عاماً "عندما كان عددهم في ذلك الحين 10000 يهودي، وبلغ اليوم 100000 يملكون 100000 دونم من الأراضي، اشتروها بمساعدة أغنياء اليهود رغم الحظر المفروض"، مطالباً الحكومة بأن تعمل على توطين اليهود "في المناطق الأخرى [غير فلسطين]، بشرط أن يقبلوا الجنسية التركية" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 101).


وفي الانتخابات لمجلس المبعوثان التي جرت في ربيع عام 1912، بعد أن قرر "الاتحاديون" حل المجلس للتخلص من المعارضة التي كانوا يواجهونها وبخاصة من جانب " الحرية والائتلاف"، فاز عن متصرفية القدس كلٌ من روحي الخالدي وعثمان النشاشيبي وأحمد عارف الحسيني، وفاز، في ولاية بيروت، أسعد شقير عن لواء عكا، وأحمد خماش عن لواء نابلس. وكانت الحملة الانتخابية في فلسطين مناسبة " لإظهار المعارضة العربية للصهيونية، ولكنها لم تتلوّن بأي طابع حزبي"، فقد وجهت الدعوة لانتخاب مرشحين "يقفون بوجه خطر المهاجرة اليهودية ورفع المظالم التي يعانيها المزارع العربي والأخذ بيده بصرف النظر عن كونهم اتحاديين أو غير اتحاديين" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 116-117).


وفي انتخابات الدورة الثالثة والأخيرة لمجلس المبعوثان، التي جرت في نيسان 1914، فاز عن متصرفية القدس كلٌ من راغب النشاشيبي وفيض الله العلمي وسعيد الحسيني، وكلهم من أنصار "جمعية الاتحاد والترقي"، كما فاز، في ولاية بيروت، عبد الفتاح السعدي وأمين عبد الهادي عن لواء عكا، وتوفيق حماد عن لواء نابلس. ومع أن مبعوثي فلسطين إلى المجلس قد وعدوا ناخبيهم بأن " يبذلوا جهدهم لإعادة القيود القانونية السابقة، التي كانت تحول دون امتلاك اليهود في فلسطين"، إلا أنهم خيبوا، كما يبدو، الآمال التي انعقدت عليهم، وهو ما تجلّى في " التهمة" التي وجهتها إليهم بعض الصحف العربية "بأن احتفاظهم الشديد بالمبعوثية يحملهم على اختيار الصمت لأنهم إذا جاهروا ضد الصهيونية فلا ينالون النيابة ثانية، لأن الصهيونيين يضحون في إحباط مساعي خصومهم كل مرتخص وغال" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 213-214 و ص 229).


موقف الصحفيين المناهض للصهيونية
لعبت الصحافة العربية التي واكبت ثورة 1908 دوراً مهماً في زيادة الوعي بمخاطر المشروع الصهيوني، إذ بعد فترة قصيرة من الثورة وإعلان الدستور، بدأت الصحف اليومية والأسبوعية في الظهور داخل فلسطين. ومن أولى الجرائد التي صدرت في فلسطين أواخر عام 1908 "الأصمعي" في يافا لصاحبها حنا عبد الله العيسى، و" القدس" لصاحبها جرجي حنانيا، وتبعتها جريدة "الكرمل" في حيفا لصاحبها ورئيس تحريرها نجيب نصار. وفي عام 1911، أنشأ عيسى داود العيسى، في مدينة يافا، جريدة "فلسطين"، وترأس تحريرها يوسف العيسى، وصدر عددها الأول في 14 كانون الثاني من ذلك العام. بينما صدرت في القدس، في شباط من عام 1912، جريدة "المنادى"، التي صرّح محررها، محمد موسى المغربي، بأنها "قد اتّبعت منذ تأسيسها مكافحة السياسة الصهيونية" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 67-68 و ص 115-117).


واستغل الكتّاب الفلسطينيون الصحف العربية كي يعرضوا مواقفهم المناهضة للصهيونية، حيث وجّه الكاتب الفلسطيني عبد الله مخلص، على صفحات جريدة "المقتبس" الدمشقية"، كتاباً مفتوحاً إلى مجلس المبعوثان حول استعمار الصهيونيين فلسطين، بيّن فيه "خطر هجمة الإسرائيليين من هجرة وشراء على فلسطين بعد إعلان الدستور وإنشائهم ما يسمى بالمستعمرات"، كأنهم " استعمروا مجاهل أفريقية أو اكتشفوا قطبي أميركة"، موقعاً اللوم "على الحكومة الحاضرة التي لم تتمسك بالقيود السابقة على الاستملاك والدخول، مع أنها يجب أن تكون أبعد نظراً" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 76).


وتصدت الصحافة العربية الفلسطينية لعمليات بيع الأراضي، وفضحت ملاك الأرض الكبار الذين تهاونوا في بيع الأراضي، حيث نظمت جريدة "فلسطين"، في عام 1913، حملة في متصرفية القدس ضد عملية بيع سيقوم بها مجلس إدارة القدس " لبيع طواحين نهر جريشة (العوجة) إلى المستعمرين الصهيونيين بواسطة أحد الأعيان، [وهو] الحاج يوسف وفا".


ولعل هذه الحملة قد ساهمت في دفع الأهالي إلى الاحتجاج لدى القائمقام على بيع الطواحين، مما حدا بهذا الأخير "إلى رفض البيع" وتقرير "ضرورة مشتراها للمنفعة العامة". كما كان انتقاد صاحب "الكرمل"، نجيب نصار، شديداً للأعيان الذين يبيعون أراضيهم، حيث خاطبهم بقوله: " اليوم تقررون وتبيعون وتنقصون عديدكم وثروتكم بأيديكم وبأختامكم وتزيدون عديد الغير وثروته وملكه، فإذا قوي عليكم وعاملكم كما يعامل القوي الضعيف فإلى من تشتكون وعلام تعتمدون" (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 138).


وقد لجأت الحكومة العثمانية مراراً إلى تعطيل الصحف الوطنية بحجة أنها تنشر مقالات مخلة بأمن الدولة الداخلي، وتحرّض على الفتنة. ففي شباط 1910، نشر نجيب نصار، صاحب "الكرمل"، مقالاً عنيفاً بعنوان: "استعمار أم استدرار"، تسبب في قيام السلطات العثمانية بمحاكمته "بتهمة التفرقة بين العناصر"، و" بتعطيل جريدته شهرين ".


وفي نهاية عام 1913، أصدرت الحكومة المحلية أمراً بتعطيل جريدة "فلسطين"، كما جرت محاولة جديدة لإسكات صوت جريدة "الكرمل"، وتمّ بالفعل اعتقال صاحبها. وفي 7 نيسان 1914، أصدرت وزارة الداخلية في إستانبول أمراً جديداً يقضي بإغلاق جريدة "فلسطين" وإقامة الدعوى على مديرها المسؤول "بحجة أنها تفرّق بين العناصر".


لكن المحكمة في يافا أصدرت حكماً ببراءة صاحب جريدة "فلسطين" من التهمة الموجهة إليه، "مستندة على أن الصهيونيين ليسوا عنصراً عثمانياً، وأن جريدة "فلسطين" لم تتعرض للموسويين في دينهم"، وعادت الجريدة إلى الصدور بعد شهر من تعطيلها (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 75 و ص 207-208 و ص 216-218).


مواقف المهادنة إزاء المشروع الصهيوني
اتخذ معظم أعيان فلسطين موقف المعارضة والتصدّي للمشروع الصهيوني، إلا أن عدداً قليلاً منهم وقف موقف المهادنة إزاء المشروع الصهيوني، ومن أبرزهم "رئيس بلدية القدس حسين سليم الحسيني، الذي أكد عام 1914 أن الحركة الصهيونية، بوصفها حركة سياسية، لا تشكّل خطراً على فلسطين"، مع مطالبته الدولة العثمانية " بسن قوانين لمنع بيع الأراضي لليهود " (الوعري، موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين في فلسطين...، ص 321-326).


وقد تجسدت مسألة المهادنة والتفاهم مع الحركة الصهيونية في سلسلة من الاتصالات والمراسلات واللقاءات والاجتماعات التي "جرت بين بعض الأعيان وبين ممثلين عن الحركة الصهيونية، كالاجتماع الذي عقده في يافا، في عام 1914، العين حافظ بك السعيد ناحوم سوكولوف " (الوعري، موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين في فلسطين...، ص 327-328).
وكان بعض زعماء "حزب اللامركزية الإدارية العثمانية" في القاهرة، ومن أبرزهم رفيق العظم رئيس الحزب، ومحررو بعض الصحف المصرية مثل "المقطم"، قد روّجوا لمشروع الاتفاق العربي-الصهيوني، منذ شباط 1913، وأجروا مباحثات خفية مع بعض الزعماء الصهيونيين لهذا الغرض.


وبحسب خيرية قاسمية، لعل جماعة "اللامركزية الإدارية " في القاهرة قد تبنت فكرة الاتفاق " في سياق بحثها عن حلفاء في صراعها المقبل مع الأتراك "، وذلك بعد أن بدأت " تفقد ثقتها شيئاً فشيئاً بوعود الأتراك في الإصلاح، بل بدأت تتوقع صراعاً وشيكاً بين عنصري الإمبراطورية الكبيرين من الترك والعرب ". ومع أن بعض أنصار الاتفاق العربي-الصهيوني قد حاولوا تبديد الشكوك التي أحاطت بمواقفهم، كما فعل رفيق العظم نفسه في المقال الذي نشره "المقطم" في أيار 1914، بعنوان: "المسألة الصهيونية وكيف يُدفع خطرها"، إلا أن المساعي من أجل التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لم تتوقف، كما يبدو، حتى شهر تموز 1914، لكن من دون تحقيق أية نتائج ملموسة (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 221 و ص 233-234 و ص 251).


المواقف العثمانية والصهيونية خلال الحرب العالمية الأولى
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914 خمدت حركة المقاومة العربية الفلسطينية للنشاط الصهيوني التي عُرفت قبل الحرب، كما أُغلقت كل الصحف العربية التي تولت قيادة هذه الحركة، وذلك في ظروف حالة الطوارئ المفروضة على البلاد واشتداد القمع الممارس على رجال الحركة القومية العربية.


وقد قررت الحكومة العثمانية، بعد اندلاع الحرب مباشرة، إلغاء نظام الامتيازات، الأمر الذي جعل اليهود الأجانب في الإمبراطورية العثمانية يخضعون للقانون العثماني. وبالتوازي مع قرارها، الصادر في تشرين الثاني 1914، بتسهيل حصول اليهود من رعايا الدول الغربية على الجنسية العثمانية، أصدرت الحكومة العثمانية أمراً، في 17 كانون الأول 1914، " بالترحيل الفوري لكل اليهود الذين يحتفظون بجنسياتهم الأجنبية ". وأتبعت هذا الأمر بإجراءات أخرى هدفت إلى التضييق على النشاط الصهيوني، من خلال " مصادرة الأعلام والشعارات اليهودية، ومنع اللغة العبرية كلغة مراسلة، وإغلاق بنك أنجلو فلسطين ومنع الحراس اليهود في المستوطنات من حمل أسلحتهم ومصادرتها " (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 266-268).


ومع أن المساعي التي قامت بها السفارتان الألمانية والأمريكية، والجهود التي بذلها الممثل الصهيوني في إستانبول، قد نجحت في وقف هذه الإجراءات، أو التخفيف منها، إلا أن الحركة الصهيونية نظّمت حملة دعائية واسعة " للتنديد بأعمال العنف الموجهة ضد اليهود"، علماً بأن اليهود استمروا، طوال سنوات الحرب، في تلقي المساعدات العينية والمالية التي تدفقت على فلسطين من الغرب ومن الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، وفي تنظيم قوات الدفاع الذاتي، وفي الاهتمام بالتعليم ونشر اللغة العبرية، كما استمروا في شراء الأراضي وإنشاء المستوطنات (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 270-276).
وكان الزعماء الصهيونيون قد سعوا، منذ دخول تركيا الحرب، للحصول على دعم بريطانيا لمشروعهم، وركّزوا على الربط بين أطماعهم في فلسطين، من جهة، وبين المصالح البريطانية في الشرق الأوسط، من جهة ثانية، ونجحوا في إقناع بعض السياسيين والخبراء الإستراتيجيين البريطانيين بالفكرة الصهيونية القائلة إن "فلسطين اليهودية ستكون حامية لبريطانيا وخاصة فيما يتعلق بقناة السويس".


وفي هذا السياق، عرض الزعماء الصهيونيون على الحكومة البريطانية تنظيم وحدات عسكرية من المتطوعين اليهود لمشاركة القوات البريطانية في عملياتها في فلسطين، كما عرضوا خدماتهم في مجال التجسس لحساب القوات البريطانية وراء خطوط الجبهة الفلسطينية المصرية. وتكللت مساعيهم أخيراً بصدور "تصريح بلفور"، في مطلع تشرين الثاني 1917، الذي جاء تعبيراً عن إدراك الحكومة البريطانية أهمية "فلسطين اليهودية" بالنسبة للمصالح البريطانية في مصر والهند (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 294-295 و ص 299-303).


ومع أن الكشف عن أخبار المحادثات الصهيونية- البريطانية، التي سبقت صدور "تصريح بلفور"، قد دفع وزارة الخارجية الألمانية ، في حزيران 1917، إلى تحذير اللجنة التنفيذية الصهيونية من أن هذه المحادثات "قد تسبب خراباً كبيراً" في العلاقات بين الطرفين، إلا أن الحكومة الألمانية، وبضغط من اليهود الألمان، واصلت مساعيها، حتى بعد صدور ذلك التصريح، لإقناع الحكومة العثمانية بتسهيل استيطان اليهود في فلسطين. وقد أفلحت هذه المساعي، في مطلع عام 1918، بدفع الصدر الأعظم، طلعت باشا، إلى الإدلاء بتصريح يعتبر فيه أن "تصريح بلفور" هو مجرد "خدعة"، ويؤكد عزم حكومته على تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين "ضمن حدود إمكانية البلاد على إعاشة سكانها"، ونيتها منح مناطق تجمعهم "نوعاً من الحكم الذاتي البلدي الموسع"، معتبراً أن اليهود في ظل الحكومة التركية هم، من الناحية الثقافية والروحية، "أكثر حرية منهم تحت أية حكومة أخرى في العالم"، (قاسمية، النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه، ص 280- 285).


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

إدارة شركة التض...

إدارة شركة التضامن وضع المشرع المغربي مجموعة من القواعد لتحدید الكیفیة التي تدار بھا شركة التضامن ، ...

لا ريب فى أن ال...

لا ريب فى أن المراحل التى قطعها الشعر العربى حتى استوى فى صورته الجاهلية غامضة، فليس بين أيدينا أشعا...

كيف اثرت قاعدة ...

كيف اثرت قاعدة الأثلاث في تصميم الإعلانات: تُعدّ قاعدة الأثلاث مبدأً أساسيًا في تصميم الإعلانات، حيث...

الصدق اصطلاحا: ...

الصدق اصطلاحا: هو نقيض الكذب، وذلك بالإخبار عن الأمر والشيء ووصفه على ما هو به، كما عُرِّف بكون القو...

What does Light...

What does Light Microscope mean? The light microscope is a device that uses lenses and visible light...

1-الولاء: - ...

1-الولاء: - يجب أن يتحلى ضباط الأمن بالولاء التام للشركة والعمل الجاد على المصلحة العامة لهذه ...

Hardness: Britt...

Hardness: Brittle steels are often harder than ductile steels, which can be advantageous in applicat...

هيّأ الله عز وج...

هيّأ الله عز وجل الكون للإنسان قبل خلقه، فخَلقَ السماوات والأرض وما فيهما من أجله، وخلقُ السموات وال...

Challenges 1. *...

Challenges 1. *Environmental Factors* - *Heat and Humidity:* Greenhouses often have high humidity a...

1. الذكاء الانف...

1. الذكاء الانفعالي له دور وسيط جزئي في تأثير الكمالية اللاتكيفية كمتغير مستقل على أثر ما بعد الصدمة...

المعرفة اليخت و...

المعرفة اليخت وصدم ولد سيف وهو لا يزال الفنية التربية الكنسية في سمرقند واسمه الحقيقي محمود بن معدود...

اتقدم اليكم بطل...

اتقدم اليكم بطلبي لتاجيل اختبار النصفي و ذالك لحدوث حالة وفاة لصديق عمري واخي واعلم انه يجب علي تاد...