لخّصلي

تمثل الرياضيات لغة رمزية عالمية شاملة لكل الثقافات والحضارات والأطر الثقافية على اختلاف تنوعها وتباين مستويات تقدمها ، تطورها ، والرياضيات كلغة هي الأساس للكثير من أنماط تواصل وتعايش الإنسان من حيث التفكير (عبينة، حمودة، ٢٠٢٠).
والمتأمل في الرياضيات يرى أنها لغة تخاطب العقل وتحث الإنسان على التفكير والتأمل ؛ ومن هنا أتى وصفها بأنها علم تجريدي من ابتكار العقل البشري، " ومعرفة منظمة في بنية لها أصولها وتنظيماتها، ولغة تستخدم تعابير ورموز محددة ومعرفة بدقة تسهل التواصل الفكري بين الناس و أداة مهمة لتنظيم أفكار الناس و فهمها للمحيط الذي يعيشون فيه"(أبو زينة،١٩٩٧).
تعتبر الرياضيات من المواد المهمة والتي يتعلمها الفرد ويحتاجها في حياته اليومية. وتمثل الرياضيات وأساليب تدريسها أهم المجالات التي تؤثر على الأداء الأكاديمي والأداء العقلي المعرفي لجميع التلاميذ خلال مراحل النمو المتتابعة، حيث يجب أن تكون لدى التلاميذ كفاءة وسيطرة أكاديمية ومعرفية على المفاهيم والمهارات التي تمكنهم من التعامل مع المشكلات والمهام الرياضية بنجاح (الزيات،٢٠٠٧).

وكما هو السائد، فإن علم الرياضيات يُنظر إليه على أنه من العلوم التي يصعب فهمها وإدراكها، وذلك نتيجة لعدة عوامل:
-حالات مرضيّة تتمثل في المشكلات العقلية أو النفسية.
-صعوبات فطرية في استيعاب الحسابات الرياضية والتي تتمثل في فهم الأرقام وطريقة عرضها، وكيفية تعلم النظريات الرياضية.

• 
  

  اضطرابات تطبيق أساسيات مادة الرياضيات والتي تمثلها العمليات الأساسية.

  
  


• 
  

  صعوبات الإدراك بما فيها الإدراك السمعي والبصري(الزيات،٢٠٠٧).

  
  

  ونظراً لأهمية موضوع الادراك السمعي والبصري في مجال علم النفس المعرفي فإن هذا البحث سوف يركز على دراسة موضوع صعوبات الادراك السمعي والبصري في تعلم الرياضيات.
  يُعتبر الإدراك عملية معرفية مُهمة في تعلم المواد الأكاديمية وهوّ ليس مُجرد التعرف على من يستقبل من طرف الحواس فقط وإنما هوّ عملية تجهيز للمنبهات من خلال المعرفة والإدراك عملية عقلية تُمكن الفرد من التوافق مع البيئة والإدراك الحسي هوّ الخطوة الثانية التي يستعملها التلميذ في اكتساب المعرفة بعد عملية الانتباه للمثيرات والمواد التعليمية (Lee, 2003).
  فالإدراك أساس العمليات العقلية الأخرى مثل الذاكرة والذي يساعد التلميذ فيما بعد على عملية التفكير ويعتمد هذا التطور على النضج الحسي والعضوي والعصبي للفرد فإذا اختل الجهاز العصبي أو أصيبت بعض من أجزاء أو وظائفه بأي خلل فإن ذلك يعوقه عن القيام بوظيفته الإدراكية
  .(Lee, 2003 (
  وهو ما يتكون لدينا من فكرة أو ما يُرسم في ذهننا من صورة نتيجة لمؤثرات بيئية سمعية أو بصرية أو هو الصورة التي تشكلها أو الفكرة التي تحملها جراء معلومات تلقيناها ووصلت إلينا عن طريق الأذن وتسمى الإدراك السمعي أو عن طريق العين وتسمى الإدراك البصري أو ما بين هذا وذلك و يسمى الإدراك السمعي البصري(السيد سليمان ، ٢٠٠٨).
  الإدراك البصري يتضمن قدرة التلميذ على ملاحظة أوجه الشبه والاختلاف بين الأشكال والرموز والحروف والأعداد ومدى هذا الاختلاف بين الأشياء. وقد يملك الطلبة الذين يعانون من صعوبات الإدراك البصري حدة إبصار عادية، ولكن قد تكون لديهم صعوبة في إدراك وتمييز الفرق بين مثيرين بصريين أو أكثر، وعندما يفشل التلاميذ في تمييز الخصائص المتعلقة بالحجم والشكل والمسافة والإدراك العميق. لربما تكون لديهم مشكلات في إدراك وتوظيف الأعداد والحساب، وقد تؤثر صعوبة التمييز بين المثيرات على كتابة الطالب ورسوماته(أبو علام، ١٩٩٥).

  
  

  توصلت الكثير من الدراسات إلى أنواع صعوبات الإدراك البصري منها على سبيل الذكر لا الحصر، صعوبة التمييز البصري ،وصعوبة الإغلاق البصري ،وصعوبة إدراك العلاقات المكانية ،وصعوبة تمييز الصورة وخلفيتها ،وصعوبة سرعة الإدراك البصري ،وصعوبة الذاكرة البصرية والتصور ،وصعوبة التآزر البصري -الحركي (الرشدان وآخرون،٢٠١٥).
  في الجهة المقابلة، فإن صعوبات الإدراك السمعي لا تعني أية مشكلة في حدة السمع بمعنى أن الأذن عضو سليم لا خلل فيه، وإنما المعضلة تتعلق بصعوبة إستكشاف أو التعرف على أوجه الشبه والاختلاف بين درجات الصوت واتساقه ومعدله ومدته، فبالتالي هذا يشكل قيدًا على الإدراك والتمييز بين الرموز والأعداد والأشكال وينتج عنه صعوبة في حل المشكلات الرياضية وإجراء العمليات الحسابية بطريقة سليمة وصعوبة استيعاب شرح المعلم من الأساس.(ابن عباس،٢٠١٨).
  وعلى ذات النهج، فإن الباحثين التربويين أشاروا إلى أنواع مختلفة من صعوبات هذا الإدراك ألا وهي ، شح في مهارة الوعي الصوتي، وصعوبات التمييز السمعي، ومشكلات الذاكرة السمعية، وتحديات التعاقب والتسلسل السمعي ، واضطراب مزج الأصوات السمعية( الرشدان وآخرون، ٢٠١٥).
  توجه العديد من العلماء إلى وضع مجموعة من الدراسات التي تعمل على مواجهة صعوبات الإدراك البصري والسمعي. بجانب ذلك، فإن المشكلات الإدراكية قد حصلت على اهتمام العديد من المختصين في جانب صعوبات التعلم، يعود ذلك إلى التداخل الهائل بين المصطلحين (صعوبات التعلم والمشكلات الإدراكية)،حيثُ إن المشكلات الإدراكية تُساهم في إبراز صعوبات التعلم سواء كانت مشكلات إدراكية بصرية أو سمعية.
  من أبرز هؤلاء العلماء، الباحث وأستاذ الإدراك والتعليم في جامعة هارفارد في كلية الدراسات العليا هاورد جاردنر١٩٤٣ الذي وضع نظرية الذكاءات المتعددة (ابن عباس،٢٠١٨). جاءت نظرية الذكاءات المتعددة في عام ١٩٨٣م نتاجاً لنظريات سبقتها وجرى تطويرها مثل نظرية القدرات المنفصلة وتعارضت مع أُخرى مثل نظريات الذكاء الموحد.
  اقترح جاردنر في كتابه ( أطر العقل) وجود سبعة ذكاءات أساسية على الأقل لدى كل فرد، وفي هذا توسيع لمجال الإمكانيات الإنسانية، بحيث تتعدى تقدير نسبة الذكاء. تعد هذه النظرية بمثابة رد على نظرية معدل الذكاء التي تقوم على مبدأ" أن الإدراك البشري أحادي، وأنه يمكن وصف الأفراد بأنهم يمتلكون ذكاء فردياً قابلًا للقياس الكمي "، وفي المقابل ، فإن هذه النظرية تنظر إلى الذكاء على أنه " القدرة على حل المشكلات، وتشكيل النواتج في سياق خصب وموقف طبيعي" (النقيب،٢٠١٢).
  مثّلت نظرية الذكاءات المتعددة إتجاهاً جديداً نحو طبيعة الذكاء ولعب ذلك تحدياً جليًّا للمفهوم التقليدي للذكاء (نوع واحد من الذكاء) مما أدى إلى سعي غالبية الدول المتقدمة منها أو النامية إلى تطوير برامجها التعليمية والعمل الجاد على خلق المواطن المبدع، والمفكر القادر على مواجهة تحديات الحياة.
  أشار جاردنر في نظريته إلى سبعة أنواع من الذكاءات: اللغوي، المكاني، الجسمي الحركي، الرياضي المنطقي، الموسيقي، الاجتماعي، الشخصي.ثُم بعد بُرهة من الزمن ،خلال سنة ١٩٩٦ أضافَ النوع الثامن من الذكاء ألا وهوَّ الذكاء الطبيعي،جاء ذلك في كتابه (إعادة تشكيل الذكاء المتعدد في القرن الحادي والعشرين).

  
  

  اهتم 1972 Sharp، Badian 1983،نبيل عبد الهادي، وعمر نصر الله ٢٠٠٠م،فتحي الزيات ٢٠٠٧م،Richek et al 1996، Engelmann 1991، عبد الفتاح ١٩٩٨م،Kirrk 1984 والسيد سليمان ٢٠٠٨م وغيرهم من العلماء والمفكرين بمجال الإدراك بأنواعه وصعوباته و بالتالي أوجدوا بعض الحلول المقترحة.
  تُسلط هذه الدراسة على دور نظرية جاردنر في معالجة صعوبات الإدراك البصري والسمعي .