لخّصلي

انطلق فريق من الكشافة بقيادة العريف حسّان إلى منطقة جبلية وعرة، بعد أن نصبوا خيمتهم ووزعوا المسؤوليات المعيشية، انصرفوا الى إنجاز المهمة التي جاءوا من أجلها، وتسويتها لتصبح صالحة لاقامة المخيم في موعده من عطلة الربيع. تبين للعريف حسان أنه لا بد من بناء جسر فوق ساقية ماء، في أية حماسة شمّروا عن سواعدهم المفتولة وبأي عزم ونشاط مضوا يتبارون في نقل الصخور وقطع الشجيرات ورصفها على جانبي الساقية، ومع هذا ظلوا مثابرين على العمل غير مبالين بما أصابهم، اختلطت معها الرعود بالأمطار الغزيرة وبدأت مياه الساقية في الارتفاع. ومعها دخل الرعب الى قلوب الفتيان، وهم متلفلفون بأغطيتهم الصوفية داخل خيمتهم الكبيرة:- ترى هل سيصمد الجسر في وجه العاصفة؟! وتواصل المطر طوال الليل ثم أطل الصباح الصافي المشرق . لكن الجسر لم يكن له أثر!! تعب ثلاثة أيام تلاشى واضمحل في ليلة واحدة!! عم الفريق المنضبط النشيط موجة من الانفعالات - كلها تنم عن الخيبة المريرة . هو أن المصيبة التي نزلت بالفريق جمعتهم كتفا الى كتف، فالتفوا واجمين حول العريف حسان، أو هكذا خيل إلى العريف حسان الذي أطرق برهة يستلهم الحدث المؤلم وعيناه شاخصتان الى الجسر الغارق. مسلطا نظراته المركزة على رفاقه. لكنني أرى الآن من خلال الجسر الذي بنيناه سوية بجهد ومشقة كبيرين، جسور الصداقة والألفة والمحبة بين أفراد فرقتنا الكشفية الصغيرة. إن أهم واجباتنا قبل نحن الكشافة الاستمتاع بالأوقات الطيبة التي يتيحها لنا المخيم المنتظر - أقول: - بل أهم واجباتنا إطلاقا بناء جسور الصداقة والمحبة بين أبناء وطننا الغالي. مسح حسان وهج الانفعال عن جبينه،

في أوائل الربيع، انطلق فريق من الكشافة بقيادة العريف حسّان إلى منطقة جبلية وعرة، في مهمة رسمية. بعد أن نصبوا خيمتهم ووزعوا المسؤوليات المعيشية، انصرفوا الى إنجاز المهمة التي جاءوا من أجلها، وتنحصر في تحضير بقعة من الأرض حسب الخريطة، وتسويتها لتصبح صالحة لاقامة المخيم في موعده من عطلة الربيع..كان اختبارًا مثيرا للإثني عشر فتى، لم -ور كبيرهم الخامسة عشرة !! وبعد الدرس والتشاور، تبين للعريف حسان أنه لا بد من بناء جسر فوق ساقية ماء، لتسهيل الوصول الى مكان المخيم... ... في أية حماسة شمّروا عن سواعدهم المفتولة وبأي عزم ونشاط مضوا يتبارون في نقل الصخور وقطع الشجيرات ورصفها على جانبي الساقية، وهم ينشدون ويهزجون وينكتون.... ثلاثة أيام بطولها لم يتوقفوا عن العمل، فتقرّحت أصابعهم وتوجعت عضلاتهم، ومع هذا ظلوا مثابرين على العمل غير مبالين بما أصابهم، ذلك أن فرحهم بإنجاز الجسر فاق كل شعور ما عداه... ... لكن ... خلال الليلة الرابعة، حصل ما لم يكن في الحسبان... هبّت عاصفة هوجاء، اختلطت معها الرعود بالأمطار الغزيرة وبدأت مياه الساقية في الارتفاع... ومعها دخل الرعب الى قلوب الفتيان، وراحوا يتساءلون، وهم متلفلفون بأغطيتهم الصوفية داخل خيمتهم الكبيرة:- ترى هل سيصمد الجسر في وجه العاصفة؟! وتواصل المطر طوال الليل ثم أطل الصباح الصافي المشرق ... لكن الجسر لم يكن له أثر!! تعب ثلاثة أيام تلاشى واضمحل في ليلة واحدة!! عم الفريق المنضبط النشيط موجة من الانفعالات - كلها تنم عن الخيبة المريرة .... غير أن المدهش في الأمر، هو أن المصيبة التي نزلت بالفريق جمعتهم كتفا الى كتف، وقلبا الى قلب، فالتفوا واجمين حول العريف حسان، وكأنهم بوجومهم، يطالبون بتفسير مقبول لما نزل بهم.... أو هكذا خيل إلى العريف حسان الذي أطرق برهة يستلهم الحدث المؤلم وعيناه شاخصتان الى الجسر الغارق... فالتمعت في رأسه فكرة مجنحة، خطفته من هواجسه الكتيبة، فانتصب واقفا بشمم، مسلطا نظراته المركزة على رفاقه. ضم قبضتيه معًا، ثمّ شبك أصابعه العشرة، وخاطبهم بلهجة هادئة متزنة- أيها الرفاق.. لا ريب أن ما أصابنا مؤلم ومخيب للأمل... لكنني أرى الآن من خلال الجسر الذي بنيناه سوية بجهد ومشقة كبيرين، أكثر من إنني أرى بوضوح رائع، يطغى على مغزی عمیق خيبتنا ... جسور الصداقة والألفة والمحبة بين أفراد فرقتنا الكشفية الصغيرة.. وهذه الجسور التي توطدت وقويت بفعل اختبار الليلة الفائتة هي الأبقى والأهم.... إن أهم واجباتنا قبل نحن الكشافة الاستمتاع بالأوقات الطيبة التي يتيحها لنا المخيم المنتظر - أقول: - بل أهم واجباتنا إطلاقا بناء جسور الصداقة والمحبة بين أبناء وطننا الغالي.... وبحركة عفوية، مسح حسان وهج الانفعال عن جبينه، فيما ارتفعت من حناجر الكشافة صيحة .... اهتزت لها أشجار الغابة، ورددت صداها الوديان - يعيش العريف حسان! ... يا ... يعيش یا يعيش