لخّصلي

ما انفكت فرنسا تراقب عن كثب الدول المتفاعلة إيجابيا مع القضية الجزائرية، وتسعى جاهدة لتوظيف

مختلف الإمكانات والآليات للضغط عليها سياسيا، إعلاميا واقتصاديا، كما كان الحال مع المجر بسبب إذاعة

بودابست التي أذاعت بيان نوفمبر ومتابعة الوقائع والأحداث في الجزائر، على نحو أقلق إدارة الاحتلال الفرنسي وحرك دبلوماسيتها للتحرك بسرعة لتضغط على حكومة المجر، حتى تعمد إلى صرف الاهتمام عن القضية

الجزائرية 13.

والملاحظ أن الموقف السعودي تباين عن مواقف الدول الأخرى، على اعتبار أنه كان الرائد في الدعوة إلى وجوب تسجيل القضية الجزائرية حتى تدرس على النحو الذي يجب. ولم تُخف فرنسا امتعاضها ورفضها لذلك الدور الذي أقلق كثيرا مختلف الدوائر الفرنسية، مخافة أن يفضي إلى التأثير على نحو إيجابي على سائر الدول ليس العربية منها فحسب، بل مختلف الدول الواعية بحقيقة الاستعمار والمدركة لمآلاته وتداعياته الراهنة والمستقبلية. وهو ما جعلها تسارع إلى إرسال مذكرة تقدمت بها السفارة الفرنسية بجدة السعودية، إلى حكومة المملكة. جاء فيها على الخصوص: شعرت وزارة الخارجية الفرنسية، بدهشة عميقة عندما علمت عزم الحكومة السعودية على عرض القضية الجزائرية على الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن. وأن دهشتها لأشدّ بسبب أن المملكة العربية السعودية هي دون سائر الدول العربية، أظهرت حتى اليوم تفهما أكثر

لقضايا شمال إفريقيا 14.

وأسهبت المذكرة في ذكر المستوى الجيد للعلاقات القائمة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، في محاولة منها لثنيها عن الذهاب بعيدا في سعيها نحو عرض القضية الجزائرية، وأعربت عن عميق رجائها وسعادتها لو قبلت السعودية فكرة العدول عن المشروع السياسي الذي حملته مراعاة للصداقة المتينة والتقليدية القائمة بين

البلدين 15.

غير أن شعور المملكة العربية السعودية بثقل الروابط الدينية وعمق الأواصر الثقافية والحضارية ومتانة الشعور بوجوب الوقوف صفا مرصوصا لمواجهة تحديات الراهن العربي والإسلامي المعاصر، جعلها تمضي في طريقها الذي رسمته، غير آبهة بالتنديدات والتحذيرات وغير مكترثة بما قد يعتري العلاقات الثنائية السعودية

الفرنسية، جراء استمرارها على تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة.

ورغبة من السعودية في تحمل مسؤولياتها، ردّت على المذكرة الفرنسية بمذكرة مماثلة، أوضحت من خلالها حرصها على بقاء واستمرار العلاقات الثنائية بين البلدين ولكنها نبهت إلى أنه ينبغي الفصل بين العلاقات البينية ووجوب الوقوف مع الثورة الجزائرية. حيث ذهبت إلى تأكيد ذلك بالقول :"... إن الحكومة السعودية حريصة كل الحرص على أن تقوم بينها وبين الحكومة الفرنسية أقوى علاقات المودة والصداقة وألا يعكر هذه العلاقات أي شيء. ولكنها تشعر في نفس الوقت شعورا عميقا مقرونا بروح الدين والعروبة، نحو المسلمين والعرب. وخاصة نحو أهالي شمال إفريقيا. وليس في استطاعتها أن تتناسى في أي لحظة هذه الأخوة وتحرص على

السعي بكل قواها لمعاونتهم، حتى يصبحوا أحرارا مستقلين في بلادهم "16.

إن صلابة الموقف السعودي مع إدارة الاحتلال الفرنسي، تجاه القضية الجزائرية، أظهر هشاشة الموقف

الفرنسي وعجزه في الآن ذاته، نظرا لارتباط مصالحه الاقتصادية مع السعودية بشكل كبير، ومن ثم فإنه لم يشأ

التفريط فيها، لأنه أدرك مدى الخسارة التي ستنزل به. ولم تكتف المذكرة بذلك فحسب، بل دعت الحكومة الفرنسية إلى سلوك الطريق السلمي كحل ناجع للقضية الجزائرية، مثلما كان عليه الأمر مع كل من تونس والمغرب التي أبدت نية في التعاطي معهما بصورة إيجابية بمنأى عن المقاربة الأمنية التي أبانت عن فشل ذريع في إخماد

جذوة المقاومة المتقدة في النفس.

وقد عبرت عن الخيار التفاوضي بين فرنسا وقادة الثورة، لتمكين الجزائر من الاستقلال، على اعتبار أن ذلك خير لفرنسا من أن تظل في مواجهات دموية مع المجاهدين. ولعل ذلك ما يحول دون تحقيق الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، من خلال القول: ولو أن الحكومة السعودية وجدت سبيلا للتفاهم مع فرنسا، على منح أولئك

الإخوة حقوقهم، لما لجأت إلى مجلس الأمن"17.

وقد علق الأستاذ توفيق المدني، على الموقف السعودي بالقول :"... إن السعوديين كانوا أول من قدم لنا

مالا واستمروا على إعانتنا... 18. ولم يفوت رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس الفرصة، ليجزل في الثناء على الدور السعودي، إدراكا منه لما لذلك من عظيم الأثر في دعم وتعزيز موقع الثورة في المجتمع الدولي. حيث أنه عبّر عن اعتراف وتقدير حكومة الجزائر لما بذله الملك سعود، ويبذله في سبيل نصرة القضية الجزائرية التي هي قضية الأمة العربية 19. كما نحا الشيخان الفضيل الورتلاني 20 والإبراهيمي 21، المنحى ذاته، من حيث تقديم الشكر والإشادة بالدور السعودي، الذي اعتبر القضية الجزائرية، قضيته ولا أدل من ذلك، أن الملك سعود الفيصل رفع شعار "إنكم لستم جزائريين، أكثر مني، وأن القضية الجزائرية قضية مقدسة "22.