خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
المبحث الثاني: الأفكار الاقتصادية التي ساهم بها ابن خلدون في الفكر الاقتصادي. المطلب الأول: نظرية القيمة والأثمان عند ابن خلدون وهي من أدق النظريات الاقتصادية، ويعد ابن خلدون رائداً في علم الاقتصاد، ونلقي الضوء على إضافات ابن خلدون فيها : الفرع الأول: العمل هو المقياس الأساسي للقيمة والثروة: فقد حاول ابن خلدون أن يجعل العمل نظرية مستقلة قائمة بذاتها، وإدراكاً منه بأهمية العمل فقد جعله الأساس في تحديد قيم الأشياء من سلع ومنتجات وهو مصدر كل الثروات، وبدونه يستحيل أن يوجد إنتاج، فلا بد في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من وجوهه 55. فابن خلدون يرى أن العمل له أهمية فهو الأساس في تحديد قيم الأشياء من سلع ومنتجات، ﴿ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ) (محمد: 47 (38) والله سبحانه خلق جميع ما في العالم للإنسان وامتن به عليه في غير ما آية من كتابه فقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ . ثم إن ابن خلدون يجعل العمل الإنساني السبب الأول من أسباب الكسب، فهو يقول: «وإما أن يكون الكسب من الأعمال الإنسانية إما في مواد معينة وتسمى الصنائع من كتابة وتجارة وخياطة وحياكة وفروسية، وارتقاب حوالة الأسواق فيها. ويسمى هذا تجارة. فهذه وجوه المعاش وأصنافه، والإنتاج التجاري، وسائر عقود المعاوضة كالجعالة في السبق. ويؤكد ابن خلدون هنا أن الربح ناتج عن التجارة ومنافعها الزمانية والمكانية، أو احتكارها بالتربص فيها لحين الغلاء وهو ما سماه المالكية بالتاجر المحتكر 58 أيا ما كانت السلعة، من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش، وذلك القدر النامي يسمى ربحا ، فالربح إذن: الزيادة في رأس المال نتيجة تقليب المال من حال إلى حال في عمليات التبادل المختلفة، مشروع، وما نتج عن تصرف محرم كان محرماً . الفرع الثاني : ظاهرة تقسيم العمل : فهي تتألف من حلقات أو عمليات متشابكة يكمل بعضها بعضاً، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه، ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه؛ وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وهب أنه يأكله حباً من غير علاج، فهو أيضاً يحتاج في تحصيله أيضاً حبّاً، ويحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف ، ولكن أرسطو" عندما طالب بتقسيم العمل اعتقد أن أساس هذا التقسيم هو بسبب اختلاف المواهب البشرية الفطرية، وإنما تحدث عن المواهب المكتسبة، ورأى أن الإنسان إذا تكونت له ملكة في حرفة معينة، فهو يقول في الفصل الثاني والعشرون؛ فهو يقول: ومثال ذلك الخياط إذا أجاد ملكة الخياطة وأحكمها و رسخت في نفسه، فلا يجيد من بعدها ملكة النجارة، أو البناء، والسبب في ذلك أن الملكات صفات للنفس وألوان فلا تزدحم دفعة. فإذا تلونت النفس بالملكة الأخرى وخرجت عن الفطرة ضعف فيها الاستعداد باللون الحاصل من هذه الملكة، نجد أن تشابهاً بينهما في الفكرة، كما أنه ميز بين عناصر الإنتاج: فما يتضح من المقدمة أنه يميز بين عناصر الإنتاج الرئيسة، العمل ورأس المال، واعتبره ضمناً أهم العناصر الإنتاجية، وكذا قدرة الحمار والثور وقدرة الأسد والفيل أضعاف من قدرته وجعل للإنسان عوضاً من ذلك كله الفكر، واليد؛ « والله سبحانه خلق جميع ما في العالم للإنسان وامتن ويد الإنسان مبسوطة على العالم وما فيه بما جعل الله له من الاستخلاف. ) (العنكبوت: 29 17) وقد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزراعة وأمثاله ". فابن خلدون يتحدث في هذه الفقرة عن الأموال الوافرة المجانية غير المملوكة لأحاد الناس؛ بل هي هبة الله تعالى؛ الشمس وحرارتها، والسمك في البحار، والصيد في الفلاة؛ وهي هبات ربانية مجانية لسائر الخلق، بموجب عقد الاستخلاف، ولذلك قال: « وما حصل عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلا فالسمك في البحر مال حر قبل اصطياده؛ والماء في البحر مال حر قبل تحليته، ومال اقتصادي بعد تحليته، والكلاً في الأرض مال حر قبل حيازته، ومال اقتصادي بعد حيازته، ولا يخلو منتج من المنتجات، أو مال من الأموال الاقتصادية، من أموال حرة تدخل فيه 7. غير أنه كبقية الاقتصاديين الذي عاشوا في تلك العصر لم يتطور لديهم تدريج عناصر الإنتاج تبعاً للنظرية الكلية للاقتصاد الإسلامي المنبثقة الفرع الثالث: أنواع النشاط الاقتصادي كما يراه ابن خلدون في الفصل الذي كتبه عن وجوه المعاش وأصنافه، ثم ألقى إضاءات على هذه القطاع، ننقل شيئاً من توضيح فكرته فيها: فهو يقول بعد ديباجة الفصل: « ويختص منتحله بالمذلة قال وقد رأى السكة ببعض دور الأنصار : عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِي، وترجم عليه باب ما : يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو تجاوز الحد الذي أمر به. فيكون الغارم ذليلاً بائساً بما تتناوله أيدي القهر والاستطالة». ولا عن الفهم الصحيح للحديث كما سأذكره في التعليق التالي فالزراعة لا تحتاج إلى مهارات خاصة، وهي بسيطة وطبيعية، والتجارة تحتاج إلى جاه ومال، وإلى مهارة خاصة في التعامل في الأسواق وعبارة ابن خلدون " أنه جعلها معاش المستضعفين، يمكن أن تفسر بأكثر من طريقة فهي لا تحتاج إلى مهارات خاصة، وأن الغرض الأساس من هذا النشاط هو الحصول على السلع الغذائية الضرورية، فهو يتصور أن المجتمع كلما تقدم يعمل كل فرد على توفير هذه السلع الغذائية فيزداد المعروض منها، بسبب مقارنته بالنشاطات الأخرة؛ كالتجارة التي تحتاج إلى جاه ومال ومهارة في التعامل مع الأسواق، فالتاجر الذي يملكها يغتني أكثر ممن يملك أحدهما، وقدرة التجار على الاستيراد لذات السلع، وكثرة الوسطاء، وأخذهم الأرباح التي تتفتت بينهم فيضيع نصيب المزارع، فهي بهذا المعنى معاش المستضعفين. تعليق: لقد فهم النص النبوي فهماً خاطئ يومئ إلى أننا إذا عملنا بالزراعة أصابتنا الذلة، ولذلك يمكن فهم حديث النبي بأحد المعاني التالية:
المبحث الثاني: الأفكار الاقتصادية التي ساهم بها ابن خلدون في الفكر الاقتصادي.
المطلب الأول: نظرية القيمة والأثمان عند ابن خلدون
سبق ابن خلدون آدم سمث في وضع أسس نظرية القيمة والأثمان، وهي من أدق النظريات الاقتصادية، ويعد ابن خلدون رائداً في علم الاقتصاد، ونلقي الضوء على إضافات ابن خلدون فيها :
الفرع الأول: العمل هو المقياس الأساسي للقيمة والثروة:
اهتم ابن خلدون بموضوع العمل كسبب من أسباب المعاش، فقد حاول ابن خلدون أن يجعل العمل نظرية مستقلة قائمة بذاتها، وإدراكاً منه بأهمية العمل فقد جعله الأساس في تحديد قيم الأشياء من سلع ومنتجات وهو مصدر كل الثروات، وبدونه يستحيل أن يوجد إنتاج، فهو يقول: اعلم أن الكسب إنما يكون بالسعي في
الاقتناء والقصد إلى التحصيل، فلا بد في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من وجوهه 55.
فابن خلدون يرى أن العمل له أهمية فهو الأساس في تحديد قيم الأشياء من سلع ومنتجات، وهو مصدر كل الثروات، وبدونه يستحيل أي إنتاج، فالحاجات الاقتصادية تستمد قيمتها من مدى ما بذل فيها من جهد، فهو يقول: اعلم أن الإنسان مفتقر بالطبع إلى ما يقوته ويمونه في حالاته وأطواره من لدن نشوءه، إلى أشده، إلى كبره؛ ﴿ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ) (محمد: 47 (38) والله سبحانه خلق جميع ما في
العالم للإنسان وامتن به عليه في غير ما آية من كتابه فقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا مِنْهُ ..... (الجالية 45: 13)، (..) وكثير من شواهده 50.
ثم إن ابن خلدون يجعل العمل الإنساني السبب الأول من أسباب الكسب، فهو يقول: «وإما أن يكون الكسب من الأعمال الإنسانية إما في مواد معينة وتسمى الصنائع من كتابة وتجارة وخياطة وحياكة وفروسية، وأمثال ذلك أو في مواد غير معينة : وهي جميع الامتهانات والتصرفات وإما أن يكون الكسب من البضائع وإعدادها للأعواض إما بالتقلب بها في البلاد، أو احتكارها، وارتقاب حوالة الأسواق فيها. ويسمى هذا تجارة. فهذه وجوه المعاش وأصنافه، فأنت ترى أن ابن خلدون جعل للعمل أسباب وهي الانتاج الصناعي، والإنتاج التجاري، وسائر عقود المعاوضة كالجعالة في السبق. ويؤكد ابن خلدون هنا أن الربح ناتج عن التجارة ومنافعها الزمانية والمكانية، وذلك بالتقلب في البلاد أي باستيراد السلع، أو احتكارها بالتربص فيها لحين الغلاء وهو ما سماه المالكية بالتاجر المحتكر 58
59 فهو يقول في موضع آخر : اعلم أن التجارة محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء، أيا ما كانت السلعة، من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش، وذلك القدر النامي يسمى ربحا ، فالربح إذن: الزيادة في رأس المال نتيجة تقليب المال من حال إلى حال في عمليات التبادل المختلفة، وهو نوعان مشروع وغير
مشروع، فما نتج عن عقد مشروع كان حلالاً مشروعاً، وما نتج عن تصرف محرم كان محرماً .
الفرع الثاني : ظاهرة تقسيم العمل :
أشار ابن خلدون إلى طبيعة العملية الإنتاجية وضرورة تعاون أفراد المجتمع للوصول بالعملية الإنتاجية إلى نهايتها، فهي تتألف من حلقات أو عمليات متشابكة يكمل بعضها بعضاً، مما يخرج بها عن طاقة الفرد الواحد من البشر، ومن ثم يلزم التعاون بين مجموعة من الناس للقيام بالعملية الإنتاجية ويضرب لذلك مثلاً، فيقول: « خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه، ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه؛ وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة، من حداد ونجار وفاخوري، وهب أنه يأكله حباً من غير علاج، فهو أيضاً يحتاج في تحصيله أيضاً حبّاً، إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل، ويحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف ، ولهذا فهو يقول بضرورة تقسيم العمل، ولكن أرسطو" عندما طالب بتقسيم العمل اعتقد أن أساس هذا التقسيم هو بسبب اختلاف المواهب البشرية الفطرية، في حين لم يتحدث ابن خلدون عن المواهب الطبعية للأفراد، وإنما تحدث عن المواهب المكتسبة، ورأى أن الإنسان إذا تكونت له ملكة في حرفة معينة، فقل أن يجيد بعدها أو معها غيرها، فهو يقول في الفصل الثاني والعشرون؛ فهو يقول: ومثال ذلك الخياط إذا أجاد ملكة الخياطة وأحكمها و رسخت في نفسه، فلا يجيد من بعدها ملكة النجارة، أو البناء، إلا أن تكون الأولى لم تستحكم بعد ولم ترسخ صبغتها. والسبب في ذلك أن الملكات صفات للنفس وألوان فلا تزدحم دفعة. ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات وأحسن استعداداً لحصولها. فإذا تلونت النفس بالملكة الأخرى وخرجت عن الفطرة ضعف فيها الاستعداد باللون الحاصل من هذه الملكة، فكان قبولها للملكة الأخرى أضعف».
كما أننا عندما نقارن بين فكر آدم سمت (1723- 1790م)، في تقسيم العمل وابن خلدون، نجد أن تشابهاً بينهما في الفكرة، فابن خلدون أوضح فكرة الفائض المنتظر من العملية الإنتاجية القائمة على التعاون بين الأفراد، في حين كان الاعتقاد السائد أن سمت أول من وضحها، بينما فكرة سمث في ارتباط تقسيم العمل بحجم السوق، تشبه جداً فكرة ابن خلدون التي شرحها سابقاً 65.
كما أنه ميز بين عناصر الإنتاج: فما يتضح من المقدمة أنه يميز بين عناصر الإنتاج الرئيسة، وهي عنده؛ العمل ورأس المال، وموارد طبيعية، أما العمل فقد ذكره في أماكن عديدة، واعتبره ضمناً أهم العناصر الإنتاجية، ويعني بالعمل عندما يتحدث عنه بأنه: "القدرة" الموجودة عند الإنسان، وهي كما يشرحها
فيقول: « والملكات كلها جسمانية سواء كانت في البدن أو في الدماغ من الفكر وغيره كالحساب» 68 ، ثم يفاضل بين القدرات فيقول: « وقسم القدرة بينها جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من
حظ الإنسان، فقدرة الفرس مثلاً أعظم بكثير من قدرة الإنسان، وكذا قدرة الحمار والثور وقدرة الأسد والفيل
أضعاف من قدرته وجعل للإنسان عوضاً من ذلك كله الفكر، واليد؛ فاليد مهيئة للصنائع، بخدمة الفكر والصنائع تحصل له الآلات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة والسيوف النائبة عن المخالب الجارحة والتراس النائبة عن البشرات الجاسية إلى
غير ذلك وغيره مما ذكره جالينوس 69.
أما " موارد الطبيعة 70 فهي هبة الله تعالى للإنسان، « والله سبحانه خلق جميع ما في العالم للإنسان وامتن
به عليه في غير ما آية من كتابه فقال: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢ ) (الجالية : 45: 13)؛ وسخر لكم البحر؛ وسخر لكم الفلك؛ وسخر لكم
الأنعام. وكثير من شواهده. ويد الإنسان مبسوطة على العالم وما فيه بما جعل الله له من الاستخلاف. وأيدي البشر منتشرة فهي مشتركة في ذلك. وما حصل عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلا بعوض؛ فالإنسان متى اقتدر على نفسه وتجاوز طور الضعف سعى في اقتناء المكاسب لينفق ما آتاه الله منها في تحصيل حاجاته
وضروراته بدفع الأعواض عنها. قال الله تعالى: ﴿ ... فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ ... ) (العنكبوت: 29
(17) وقد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزراعة وأمثاله ".
فابن خلدون يتحدث في هذه الفقرة عن الأموال الوافرة المجانية غير المملوكة لأحاد الناس؛ لأنه لا دخل لأي إنسان في إنتاجها، ومن ثم فلا تكلفة لها، ولا ثمن، بل هي هبة الله تعالى؛ مثل الهواء، وضوء
الشمس وحرارتها، والزمن الليل والنهار، ومياه الأمطار والأنهار والبحار والمحيطات، والغابات، والطير في الهواء، والسمك في البحار، والصيد في الفلاة؛ وهي هبات ربانية مجانية لسائر الخلق، ولذلك قال: وأيدي البشر منتشرة فهي مشتركة في ذلك ، بموجب عقد الاستخلاف، والأموال الحرة غير المملوكة تتحول بالإنتاج إلى أموال اقتصادية مملوكة؛ ولذلك قال: « وما حصل عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلا
بعوض، فالسمك في البحر مال حر قبل اصطياده؛ ومال اقتصادي بعد اصطياده، والماء في البحر مال حر قبل تحليته، ومال اقتصادي بعد تحليته، والكلاً في الأرض مال حر قبل حيازته، ومال اقتصادي بعد
حيازته، وخشب الشجر في الغابة مال حر قبل قطعه ومال اقتصادي بعد حيازته، ولا يخلو منتج من المنتجات، أو مال من الأموال الاقتصادية، من أموال حرة تدخل فيه 7. غير أنه كبقية الاقتصاديين الذي
عاشوا في تلك العصر لم يتطور لديهم تدريج عناصر الإنتاج تبعاً للنظرية الكلية للاقتصاد الإسلامي المنبثقة
من الفقه الإسلامي الذي وصل إلى تمام النضج 76.
الفرع الثالث: أنواع النشاط الاقتصادي كما يراه ابن خلدون
في الفصل الذي كتبه عن وجوه المعاش وأصنافه، نجد أن ابن خلدون يميز بوضوح بين أنواع من النشاطات الاقتصادية، ويقول بأنه يتفق مع من سبقه من أهل الحكمة والأدب في القول بأن المعاش إمارة وتجارة، وفلاحة وصناعة، ثم ألقى إضاءات على هذه القطاع، ننقل شيئاً من توضيح فكرته فيها:
الأول: النشاط الزراعي: لقد خصص ابن خلدون فصلاً للزراعة وجعلها سبباً للمعاش غير أنه جعلها معاش المستضعفين، فهو يقول بعد ديباجة الفصل: « ويختص منتحله بالمذلة قال وقد رأى السكة ببعض دور الأنصار : عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِي، قَالَ: وَرَأَى سِكَةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الحَرْثِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:
لا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الله ، وحمله البخاري على الاستكثار منه. وترجم عليه باب ما : يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو تجاوز الحد الذي أمر به. والسبب فيه والله أعلم ما يتبعها من المغرم المفضي إلى التحكم واليد العالية، فيكون الغارم ذليلاً بائساً بما تتناوله أيدي القهر والاستطالة». أقول: إن فهم الحديث لا يتم بمعزل عن بقية الأحاديث التي تتحدث على الزراعة، ولا عن الفهم الصحيح للحديث كما سأذكره في التعليق التالي فالزراعة لا تحتاج إلى مهارات خاصة، وهي بسيطة وطبيعية، بينما الصناعة تحتاج إلى التعليم والفكر، والتجارة تحتاج إلى جاه ومال، وإلى مهارة خاصة في التعامل في الأسواق وعبارة ابن خلدون " أنه جعلها معاش المستضعفين، يمكن أن تفسر بأكثر من طريقة
أولاً: ذكر في أكثر من موضع أن النشاط الزراعي مسألة سهلة وميسرة لكل من يريد القيام بها، فهي لا تحتاج إلى مهارات خاصة، أو تعليم، وأن الغرض الأساس من هذا النشاط هو الحصول على السلع الغذائية الضرورية، فهو يتصور أن المجتمع كلما تقدم يعمل كل فرد على توفير هذه السلع الغذائية فيزداد المعروض منها، فتنخفض أسعارها، فما النتيجة المنطقية لها؟ أن من يحترف النشاط الزراعي في هذه الظروف سوف يضع نفسه في زمرة أصحاب الدخل المنخفض 79.
ثانياً: قد يكون النشاط الزراعي نشاط المستضعفين، بسبب مقارنته بالنشاطات الأخرة؛ كالتجارة التي تحتاج إلى جاه ومال ومهارة في التعامل مع الأسواق، فالتاجر الذي يملكها يغتني أكثر ممن يملك أحدهما، والصناعة التي تحتاج إلى التعليم والفكر، وعليه فالزراعة معاش المستضعفين بسبب انها لا تحتاج إلى تلك المهارات الموجودة في التجارة والصناعة، فيكثر المشتغلون فيها فترخص أسعار سلعها 80.
ثالثا: قد يكون السبب في جعل الزراعة معاش المستضعفين أن المزارعين يتعرضون للظلم من الوسطاء الذي يشترون السلع منهم، لانعدام خبرتهم في الغالب في الأسواق والأسعار، وقدرة التجار على الاستيراد لذات السلع، وكثرة الوسطاء، وأخذهم الأرباح التي تتفتت بينهم فيضيع نصيب المزارع، فيبخس في أثمانها إلى أقصى حد، فهي بهذا المعنى معاش المستضعفين.
تعليق: لقد فهم النص النبوي فهماً خاطئ يومئ إلى أننا إذا عملنا بالزراعة أصابتنا الذلة، مع أن هناك أحاديث أخر تحض على الزراعة، ولذلك يمكن فهم حديث النبي بأحد المعاني التالية:
81 النبوي .
فالاعتقاد بأن النشاط الزراعي يجلب الذل لا يجوز شرعاً لما للحث على الزراعة ومشروعيتها من
أحاديث صحيحة 82.
الثاني: النشاط الصناعي يشرح ابن خلدون في فصل مستقل ، كيف أن معظم الصنائع تحتاج إلى التعليم والتدريب قبل الاحتراف، فهو يقول: «الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري وبكونه عمليا هو جسماني محسوس، (...)، فالملكة الحاصلة عن الخبرة. وعلى قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون حذق المتعلم في الصناعة وحصول ملكته. ثم إن الصنائع منها البسيط ومنها المركب والبسيط هو الذي يختص بالضروريات والمركب هو الذي يكون للكماليات 85، ، والملاحظ أن ابن خلدون يريد بالصناعة معنى أوسع مما هي مستعملة في حياتنا المعاصرة، فهو يقول بأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
صنائع تختص بتلبية احتياجات المعيشة المباشرة، ضرورية كانت أو كمالية، وما يلزمها من احتياجات مباشرة، ومثالها عنده الحياكة، والجزارة، والنجارة، والحدادة، وأمثالها؛ كإنشاء المباني.
صنائع تختص بالأفكار، يضرب لها أمثلة حرف استنساخ الكتب وتجليدها، والشعر، تعليم العلم وأمثالها.
صنائع تختص بالسياسة، تشمل الجندية وأمثالها، والقسمين الأخيرين نطلق عليهما "النشاطات الخدمية". ثم حلل ابن خلدون أصحاب النشاطات الخدمية، وأنه لا تعظم ثرواتهم، مثل القائمين بأمور الدين من القضاء والفتيا والتدريس والإمامة والخطابة والأذان ونحو ذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب، ويشرح ابن
خلدون سبب عدم تعاظم ثروات هؤلاء السببين:
86 . فأولهما: أهل هذه الصنائع الدينية لا تضطر إليهم عامة الخلق، وإنما يحتاج إلى ما عندهم الخواص ممن أقبل على دينه، وإن احتيج إلى الفتيا والقضاء في الخصومات فليس على وجه الاضطرار والعموم، فيقع الاستغناء عن هؤلاء في الأكثر ، فهو يرى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية هامة جداً في تحديد الطلب على عمل أي فئة من فئات المجتمع، وهو يرى أن الدولة هي التي تهتم بأمور هذه الفئة التي تقدم الخدمات للمجتمع لما تراه في وظائفهم من مصلحة عامة، ولكنه لا يساويهم بالجنود والأمراء في الدولة
بما يخصهم من رواتب وأعطيات. . الثاني: الذي يجعل رواتبهم منخفضة هو كما يقول: « وهم أيضاً لشرف بضائعهم أعزة على الخلق، وعند
نفوسهم فلا يخضعون 7% لأهل الجاه، حتى ينالوا منه حظاً يستدرون به الرزق؛ بل ولا تفرغ أوقاتهم لذلك
لما هم فيه من الشغل بهذه البضائع الشريفة المشتملة على إعمال الفكر والبدن؛ بل ولا يسعهم ابتذال
أنفسهم لأهل الدنيا لشرف بضائعهم فهم بمعزل عن ذلك ، فلذلك لا لا . تعظم ثروتهم في الغالب 9089. الثالث: النشاط التجاري عاد ابن خلدون بعد ذكرها في أوجه المعاش، فعرف التجارة بقوله: التجارة محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء أياً ما كانت السلعة من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش. وذلك القدر النامي يسمّى ربحاً. وقد أشرت إلى هذا في مطلب " العمل هو المقياس الأساسي
للقيمة والثروة"، وقلت هناك أن ابن خلدون يرى أن الربح ناتج عن التجارة ومنافعها الزمانية والمكانية، وذلك بالتقلب في البلاد، أو احتكارها، فتثمر ربحاً.
فهو يرى أن الربح يأتي عن أحد طريقين: اختزان السلع حتى ترتفع الأسعار في الأسواق، وهو ما اسميته
إضافات منافع زمانية على السلعة أو يأتي عن طريق نقل السلعة من بلد إلى بلد وهو ما أسميته إضافة منفعة مكانية على السلعة من بلد ترخص فيه أسعارها، إلى أخرى ترتفع فيه أسعارها نتيجة قلة المعروض منها ، فابن خلدون يكشف عن أن النشاط الاقتصادي التجاري قائم على خلق المنفعة الزمانية أو المكانية
وما يتحقق من ربح يأتي نتيجة لذلك.
ثم يحلل ابن خلدون المنفعة المترتبة على نقل السلع استيرادها، وما يتحقق من ربح من ورائها، فيشرح لنا كيف أن استيراد السلع مع ارتفاع المخاطر، يكون أكثر فائدة للتجارة وأعظم ربحاً، وأكفل لحوالة
الأسواق، فهو يقول : " التاجر البصير بالتجارة لا ينقل من السلع إلا ما تعم الحاجة إليه من الغني والفقير والسلطان والسوقة إذ في ذلك نفاق سلعته. (...)، وكذلك نقل السلع من البلد البعيد المسافة، أو في شدة الخطر في الطرقات يكون أكثر فائدة للتجار، وأعظم أرباحاً وأكفل بحوالة الأسواق؛ لأن السلعة المنقولة حينئذ تكون قليلة معوزة لبعد مكانها أو شدة الغرر في طريقها فيقل حاملوها ويعزّ وجودها وإذا قلت وعزت غلت أثمانها. وكذلك المسافرون من بلادنا إلى المشرق لبعد الشقة أيضاً. وأما المترددون في أفق واحد ما بين أمصاره وبلدانه ففائدتهم قليلة وأرباحهم تافهة لكثرة السلع وكثرة ناقليها إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات (51 (58)، وكان يجدر به الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا قُرَى ظَهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا وَامِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )) (سب 34: 18-19). ومن الواضح هنا أن ابن خلدون يعلل المكسب العائد من التجارة الخارجية بالفروق المطلقة بين الأسعار السائدة في بلد وتلك السائدة في بلد آخر وهذا لب نظرية "المزايا المطلقة" Absolute Advantage، وهذه الفروق تزداد كلما ازدادت المسافة وطال السفر وساق عليها السلع السودانية بالنسبة للشرق والعكس صحيح، وذلك لازدياد المشقة وارتفاع المخاطرة، وهذه النظرية صلحت
لعصر ابن خلدون، ونتيجة التغير الذي أصاب العالم من سرعة المواصلات والتأمينات التي جرت على السلع
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
عام. يمكن القول إن نظام المعلومات يعزز شفافية السوق من خلال توفير المعلومات اللازمة ويعزز تداولية ال...
In this presentation, I will focus on main points: First, I will provide a definition of the concep...
في خسائر فادحة للذرة، والمحاصيل السكرية، والأعلاف النجيلية، والكينوا. لمواجهة هذه التحديات بفعالية،...
أدى الإنترنت والتطور الرقمي إلى إحداث تحول جذري في أساليب التواصل وتبادل المعلومات بين الأفراد. فنحن...
تم في هذا المشروع تطبيق مكونات الواجهة الأمامية (Front-end) والواجهة الخلفية (Back-end) الشائعة لضما...
تُعد عدالة الأحداث من أهم القضايا التي تشغل الأنظمة القانونية والاجتماعية في مختلف دول العالم، نظرًا...
كان تحالف ديلوس في البداية قوة دفاعية ناجحة، لكنه تحول مع الوقت إلى أداة للسيطرة الأثينية، مما أدى إ...
--- ### **التعريف:** عوائق التعلم التنظيمي هي **عوائق إدراكية، أو ثقافية، أو هيكلية، أو شخصية** تم...
أولا شعر الحزب الزبيري بدا يتنصيب عبد الله بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز، واستمر تسع سنوات، وانته...
ث- الصراع: يعتبر من المفاهيم الأقرب لمفهوم الأزمة، حيث أن العديد من الأزمات تنبع من صراع بين طرفين...
تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...
زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...