لخّصلي

ونقصد به هنا المفهوم الوارد في القانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي ، والمتضمن تقسيم الجهات القضائية ما بين محاكم ابتدائية ومحاكم استئناف، وهو قانون يعنى بتقسيم الجهات القضائية كهياكل بتوزيع الأدوار عليها ، وهو ليس ضامنا لحق التقاضي على درجتين الذي يجد مصدره في القوانين الإجرائية
ومع أن مفهوم درجة التقاضي بمفهوم هذا القانون يختلط بالجهة القضائية كهيكل، إلا أن الواضح أنه السائد في تطبيقاتنا القضائية، ونقصد به الزاوية التي تُعرّف بها درجة التقاضي الأولى التي تختزل في المحكمة كهيكل، والتي تعتبر البوابة الأولى للتقاضي التي يتعين على المتقاضي طرقها ابتداء احتراما لما تمليه عليه قواعد التنظيم القضائي، حيث يظهر هنا أن الخصوم يتوجهون إلى المحكمة في مرحلة أولى ثم إلى المجلس القضائي في مرحلة ثانية ، وبالتالي فإنه وبمفهوم هذا المعيار يكون
الأطراف قد استنفذوا حقهم في الدرجة الأولى بمجرد طرقهم لباب المحكمة ابتداء وحصولهم على قضاء منها ، وهي معادلة لو تحققت لأعدمنا دفع المتقاضي في التمسك بإعماله حقه في التقاضي على درجتين بمجرد حصوله على حكم من الجهتين كهيكلين، فضلا على أنه سيكون من باب التبذير النصي إعادة النص عليه كمبدأ في القوانين الإجرائية ما دام أن قانون التنظيم القضائي قد تكفل بالمسألة، طالما أنه ليس للمتقاضي من خيار سوى احترام ما يفرضه
التقاضي عليه قانون التنظيم القضائي، وبالنية في علوم ادارة يختلط بمفهوم المحكمة كهيكل ومرافق العام، وبالتالي وحسن هذا التعريف لا حدود على حق المجلس القضائي في تصديه للمسائل غير المفصول فيها متى تمسك بإعمال حقه في ذلك. وتأسيسا على ما سبق فإنه يكفي بحسب هذا المعيار الفصل في القضية من طرف أي من أقسام المحكمة للتسليم باستهلاك المتقاضي لحقه في الدرجة الأولى، وفي غير حاجة للتمعن في مضمون هذا القضاء، وهو الحكم الذي سوف يعدم الفائدة من تكريس التقاضي على درجتين كمبدأ من الأساس، طالما أن المرور على المحكمة ابتداء هو من تحصيل حاصل، لتعلق الأمر بممارسة روتينية للمتقاضي الذي يعلم في الغالب بالمسلك الذي يتعين أن تسلكه دعواه بدءا من المحكمة ومرورا بالمجلس القضائي وصولا إلى المحكمة العليا باعتبار أن هذا المسلك معروف لدى العامة من الناس وقلما نجدهم يجهلون هذا التقسيم، وهم في ذلك يشتركون مع بعض العاملين في حقل القانون الذين يمزجون بين الدرجة الأولى للتقاضي كمبدأ ومفهوم، والمحكمة كهيكل ومرفق عام بمفهوم القانون الإداري ليختزلوا مفهوم الدرجة الأولى في المحكمة نفسها من زاوية كونها جهة أولى لتسجيل الدعاوى أوجب القانون طرق أبوابها ابتداء من طرف كل من يرغب في الحصول على الحماية القضائية لحقه أو مركزه القانوني، وبغير إيلاء لأي اعتبار إلى المدى الذي وصلته هذه الحماية وما إذا كانت قد حامت فقط على موضوع الطلب محل الحماية دون إشباع حاجته لها بالشكل الذي يغنيه عن المطالبة بالمزيد. ويتعين التذكير هنا أن المتقاضي لا يكترث للأحكام الصادرة عن المحاكم والتي لا تفصل له في موضوع ما يطالب به، لدرجة أنه ومن الصعب إقناعه بأن مثل هذه الأقضية تدخل أصلا في طائفة الأحكام بمفهومها البراغماتي، وبالتالي فإنه ومن باب أولى سوف يكون من الصعب على جهة الاستئناف أن تقنعه بأنه استنفذ حقه في الدرجة الأولى للتقاضي، وأن لا محل لمطالبته لها بتمكينه من حقه في هذه الدرجة لمجرد أنه سبق وأن سجل دعواه على مستوى المحكمة الابتدائية ، فهي وإن قضت بذلك تكون قد أعملت المعيار التعريفي للدرجة الأولى بمفهومه الهيكلي والشكلي، الذي لا يميّز بين المحكمة كهيكل ومرفق وبين الدرجة الأولى للتقاضي كمفهوم شديد الصلة بأحد أهم مبادئ المحاكمة العادلة