لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (45%)

إن قرطبة التي فاقت كل حواضر أوربا مدنية أثناء القرن العاشر (الميلادي) كانت في الحقيقة محط إعجاب العالم ودهشته ، كمدينة فينيسيا في أعين دول البلقان، وكان السياح القادمون من الشمال يسمعون بما هو أشبه بالخشوع والرهبة عن تلك المدينة التي تحوي سبعين مكتبة، أو برشلونة إلى جراح، أو موسيقي فلا يتجهون بمطالبهم إلا إلى قرطبة ) . هذا هو وصف أحد الغربيين المدينة قرطبة الأندلسية في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي)، ومجدا - بزغ نجم مدينة قرطبة، بل وفي أذن كل أوربي آمن بالنهضة والحضارة الإنسانية لمحة جغرافية وتاريخية : وقد أرخت لها موسوعة المورد الحديثة فقالت: أسسها القرطاجيون فيما يعتقد، ومنذ ذلك العهد بدأت مدينة قرطبة تخط لنفسها خطاً جديدًا، فبدأ نجمها في الصعود كمدينة حضارية عالمية، لا سيما في عام (١٣٨ هـ = ٧٥٦م)، عندما أسس عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش) الدولة الأموية في الأندلس، وذلك بعدما سقطت في دمشق على أيدي العباسيين. بلغت قرطبة أوج ازدهارها، وقد جعل منها منبرا للعلوم والثقافة والمدنية، والقيروان والقاهرة في إفريقيا، وحفروا القنوات، فيها. بعض مظاهر الحضارة في قرطبة في السطور التالية تتَعَرَّفُ على بعض مظاهر الرقي والحضارة التي تميزت بها الأندلس عامة، ومدينة قرطبة خاصة لنقف على الإسهامات الإسلامية في مسيرة الإنسانية. والتي تقع على نهر الوادي الكبير، وأيضًا: (قنطرة الدهر)، وعرضها أربعين مترا، بين كل قوس والآخر اثنا عشر مترا، وسعة القوس الواحد اثنا عشر مترا، وكان عرضها حوالي سبعة أمتار، وارتفاعها عن سطح ماء النهر بلغ خمسة عشر مترا . إن هذه الأبعاد كانت لقنطرة بنيت في بداية القرن الثاني الهجري (۱۰۱ هـ)؛ أي منذ ألف وأربعمائة عام، أي في وقت لم يكن فيه الناس يعرفون من وسائل الانتقال إلا الخيل والبغال والحمير، مما يجعل هذه القنطرة بهذا الشكل واحدة من مفاخر الحضارة الإسلامية. يعتبر الجامع الكبير من أهم معالم قرطبة وآثارها الباقية إلى اليوم، وهي تحريف لكلمة (مسجد)، وقد كان أشهر مسجد بالأندلس على اعتبار أنه الآن كاتدرائية)، ومن أكبر المساجد في أوربا ! وقد بدأ بناءه عبد الرحمن الداخل سنة ( ١٧٠ هـ - ٧٨٦م)، ومن بعده ابنه هشام الأول، وفي وصف لهذا الجامع يقول صاحب الروض المعطار: وبها (بقرطبة) الجامع المشهور أمره الشائع ذكره، من أجل مساجد الدنيا كبر مساحة، تهمم به الخلفاء المروانيون، فزادوا فيه زيادة بعد زيادة وتتميها إثر تتميم؛ حتى بلغ الغاية في الإتقان، فصار يحار فيه الطرف، ويعجز عن حسنه الوصف، وأقلها تحمل اثني عشر مصباحا، ارتفاع الجائزة. والبياض، والزرقة، والخضرة، والتكحيل؛ فهي تروق العيون، وتستميل النفوس بإتقان ترسيمها ومختلفات ألوانها. وسعة كل بلاط من بلاط سقفه ثلاثة وثلاثون شبرا، وفيها إتقان يبهر العقول تنميقها، وفيها من الفسيفساء المذهب والبلور ما بعث به صاحب القسطنطينية العظمي إلى عبد الرحمن الناصر لدين الله . وعلى رأس المحراب خصة رخام قطعة واحدة مسبوكة منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللأزوَرْدِ وسائر الألوان واستدارت على المحراب حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريب، يقال: إنه صُنع في سبع سنين، وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطسوت. وفي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله؛ يتولى إخراجه قوم من قومة الجامع، وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش، وله كرسي يوم ي يُوضَعُ عليه، بين حائطي الجامع في ساباط ) متصل، وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفص المتخذ من الأجر الأحمر المحكوك، وأنواع شتى وأصناف مختلفة من الصناعات والتنميق. الجليلة الأعمال، الرائقة الشكل والمثال ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي )؛ منها ثمانون ذراعا إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن، ومن هناك إلى أعلاها عشرون ذراعا، ويصعد إلى أعلى هذا المنار بدرجين: أحدهما من الجانب الغربي، والثاني من الشرقي، وعلى أعلى الصومعة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهبا واثنتان من فضة وأوراق سَوْسَنِيَّة، ليأكل منها الجائعون والقادمون إلى المدينة من شتى البقاع ومما يحزن له القلب وتدمع له العين أن هذا المسجد العظيم المهيب قد تحول عقب سقوط الأندلس إلى كاتدرائية، وأصبح تابعا للكنيسة، وتحولت مئذنته الشاهقة إلى برج تنصب فوقه أجراس الكنيسة لإخفاء طابعها الإسلامي، جامعة قرطبة: ومن خلاله انتقلت العلوم العربية إلى الدول الأوربية على مدى قرون، وكان طلاب العلم يفدون إليها من الشرق والغرب على السواء؛ وكذلك خُصِّصَتْ أموال للطلاب، ومكافآت ومعونات للمحتاجين؛ وعالم بالأدوية وتركيبها، والقاضي القرطبي النحوي، وأبو جعفر القرطبي، للحال التي رأينا، وكأنها مدينة عصرية، وانتشرت المكتبات الخاصة والعامة، وحتى غَدَتْ مركزاً ثقافيا ومجمعا علميا لكل العلوم وفي شتى المجالات، وجدير بالذكر أن هذه النهضة العلمية والحضارية في مدينة قرطبة في ذلك الوقت، وغيرها، وواكبتها - أيضًا - نهضة صناعية عظيمة؛ إذ تطورت فيها الصناعة كثيرًا، واشتهرت صناعات مثل : صناعة الجلود، وغيرها، وكذلك استخراج الذهب والفضة والنحاس ! فنراها مُقسمة إلى خمس مدن وكأنها خمسة أحياء كبرى، وكل مدينة مستقلة بنفسها، وكان لكل مدينة سوق خاص بها. ومن المقري نذكر بعض إحصائيات عن عمران قرطبة المساجد : انتهت مساجد قرطبة أيام عبد الرحمن الداخل إلى ٤٩٠ مسجدا، البيوت الشعبية: ۲۱۳۰۷۷ بيتا. بيوت النخبة ٦٠٣٠٠ بيت. الحوانيت المتاجر وما شابه . الحرامات العامة : ۹۰۰ حمام. غير أنها اختلافات على مدى الفخامة والجلالة والجمال، لا على أصل وجودها وتحققها. وكان عدد سكان قرطبة في عهد الدولة الإسلامية زهاء خمسمائة ألف نسمة ! والجدير بالذكر أن عدد سكان قرطبة حاليا يبلغ ٣١٠, ٠٠٠ نسمة تقريبا ! قرطبة في عيون العلماء والأدباء: وليس لها في المغرب شبية في كثرة الأهل وسعة الرقعة، ويقال: إنها كأحد جانبي بغداد، وإن لم تكن كذلك فهي قريبة وهي حصينة بسور من حجارة، والرصافة مساكن أعالي البلد مُتَّصِلة بأسافله من ربضِهَا ، وعليه الرصيف المعروف بالأسواق والبيوع، وتجارها مياسير لهم أموال كثيرة وأحوال واسعة، ولهم مراكب سنية وهمم علية . وأم مدائنها، وآثارهم بها ظاهرة، وهم أعلام البلاد وأعيان الناس، ومعدن الفضلاء، ومركز الراية، وقرارة أهل الفضل والتقى، ووطن أولي العلم والنهى، وينبوع متفجر العلوم، وقبة الإسلام، ودار صوب العقول، وبستان ثمرة الخواطر، ومن أفقها طلعت نجوم الأرض وأعلام العصر، وفرسان النظم والنثر؛ وصنفت التصنيفات الفائقة؛


النص الأصلي

إن قرطبة التي فاقت كل حواضر أوربا مدنية أثناء القرن العاشر (الميلادي) كانت في الحقيقة محط إعجاب العالم ودهشته ، كمدينة فينيسيا في أعين دول البلقان، وكان السياح القادمون من الشمال يسمعون بما هو أشبه بالخشوع والرهبة عن تلك المدينة التي تحوي سبعين مكتبة، وتسعمائة حمام عمومي؛ فإن أدركت الحاجة حكام ليون، أو النافار، أو برشلونة إلى جراح، أو مهندس، أو معماري، أو خائط ثياب، أو موسيقي فلا يتجهون بمطالبهم إلا إلى قرطبة ) . هذا هو وصف أحد الغربيين المدينة قرطبة الأندلسية في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي)، وهو جون براندترند.
فامتدادًا لحضارة إسلامية إنسانية - علما، وقيما، ومجدا - بزغ نجم مدينة قرطبة، كشاهد حي على معرضات إليه حضارة المسلمين وعز الإسلام في ذلك الوقت من التاريخ، وهو منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، يوم أن كانت أوربا تغط في جهل عميق.


قرطبة .. ذلك الاسم الذي طالما كان له جرس مُعَيَّن، ووقع خاص في الأذن الإسلامية، بل وفي أذن كل أوربي آمن بالنهضة والحضارة الإنسانية


لمحة جغرافية وتاريخية :


هي مدينة تقع على نهر الوادي الكبير في الجزء الجنوبي من إسبانيا، وقد أرخت لها موسوعة المورد الحديثة فقالت: أسسها القرطاجيون فيما يعتقد، وخضعت الحكم الرومان والقوط الغربيين . وقد قام بفتحها القائد الإسلامي الشهير طارق بن زياد، وذلك سنة (۹۳) هـ - ۷۱۱م). ومنذ ذلك العهد بدأت مدينة قرطبة تخط لنفسها خطاً جديدًا، وملمحا مهما في تاريخ الحضارة، فبدأ نجمها في الصعود كمدينة حضارية عالمية، لا سيما في عام (١٣٨ هـ = ٧٥٦م)، عندما أسس عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش) الدولة الأموية في الأندلس، وذلك بعدما سقطت في دمشق على أيدي العباسيين.
وفي عهد عبد الرحمن الناصر أول خليفة أموي في الأندلس) ومن بعده ابنه الحكم المستنصر، بلغت قرطبة أوج ازدهارها، وقمة ريادتها وحضارتها؛ خاصة أنه اتخذها عاصمة لدولته الفتية، ومقرا له كخليفة للمسلمين في العالم الغربي، وقد جعل منها منبرا للعلوم والثقافة والمدنية، حتى غدت تنافس القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في قارتها، وبغداد عاصمة العباسيين في المشرق، والقيروان والقاهرة في إفريقيا، حتى أطلق عليها الأوربيون: جوهرة العالم».


وقد شمل اهتمام الأمويين بقرطبة اهتمامهم كذلك بنواحي الحياة المختلفة فيها؛ من زراعة وصناعة، وبناء الحصون، ودور الأسلحة.. وغيرها، وقد شقوا الترع، وحفروا القنوات، وأقاموا المصارف، وجلبوا للأندلس أشجارًا وثمارًا لم تكن تزرع
فيها.


بعض مظاهر الحضارة في قرطبة
في السطور التالية تتَعَرَّفُ على بعض مظاهر الرقي والحضارة التي تميزت بها الأندلس عامة، ومدينة قرطبة خاصة لنقف على الإسهامات الإسلامية في مسيرة الإنسانية.



  1. قنطرة قرطبة :


كان من المعالم المهمة في قرطبة (قنطرة قرطبة)، والتي تقع على نهر الوادي الكبير، وقد عُرفت باسم (الجسر)، وأيضًا: (قنطرة الدهر)، وكان طولها أربعمائة متر تقريباً، وعرضها أربعين مترا، وارتفاعها ثلاثين مترا!


وقد شهد لها ابن الوردي والإدريسي بأنها القنطرة التي عَلَتِ القناطر فَخْرًا في بنائها وإتقانها »
كان عدد أقواسها سبع عشرة قوسا، بين كل قوس والآخر اثنا عشر مترا، وسعة القوس الواحد اثنا عشر مترا، وكان عرضها حوالي سبعة أمتار، وارتفاعها عن سطح ماء النهر بلغ خمسة عشر مترا . إن هذه الأبعاد كانت لقنطرة بنيت في بداية القرن الثاني الهجري (۱۰۱ هـ)؛ أي منذ ألف وأربعمائة عام، على يد السمح بن مالك الخولاني الذي كان والي الأندلس من قبل عمر بن عبد العزيز، أي في وقت لم يكن فيه الناس يعرفون من وسائل الانتقال إلا الخيل والبغال والحمير، ولم تكن وسائل وأساليب البناء على المستوى المتطور حينئذ؛ مما يجعل هذه القنطرة بهذا الشكل واحدة من مفاخر الحضارة الإسلامية.


مسجد قرطبة:


يعتبر الجامع الكبير من أهم معالم قرطبة وآثارها الباقية إلى اليوم، وهو يُسمى بالإسبانية (Mezquita) ( وتنطق ميتكيتا)، وهي تحريف لكلمة (مسجد)، وقد كان أشهر مسجد بالأندلس على اعتبار أنه الآن كاتدرائية)، ومن أكبر المساجد في أوربا ! وقد بدأ بناءه عبد الرحمن الداخل سنة ( ١٧٠ هـ - ٧٨٦م)، ومن بعده ابنه هشام الأول، وكان كل خليفة جديد يضيف لهذا الجامع ما يزيد في سعته وتزيينه؛ ليكون أجمل المساجد في مدينة قرطبة، ومن أكبر المساجد وقت وجوده.


وفي وصف لهذا الجامع يقول صاحب الروض المعطار: وبها (بقرطبة) الجامع المشهور أمره الشائع ذكره، من أجل مساجد الدنيا كبر مساحة، وإحكام صنعة، وجمال هيئة، وإتقان بنية، تهمم به الخلفاء المروانيون، فزادوا فيه زيادة بعد زيادة وتتميها إثر تتميم؛ حتى بلغ الغاية في الإتقان، فصار يحار فيه الطرف، ويعجز عن حسنه الوصف، وليس في مساجد المسلمين مثله تنميقا وطولاً وعرضا؛ طوله مائة باع ) وثمانون به باعا، ونصفه مسقف ونصفه صحن بلا سقف، وعدد (أقواس) مسقفه أربع عشرة قوسا، وسَوَارِي مسقفه بين أعمدته وسواري قببه صغارا وكبارًا ة ثريا مع سواري القبلة الكبرى وما يليها ألف سارية، وفيه مائة وثلاث عشرة شرة للوقيد، أكبر واحدة منها تحمل ألف مصباح، وأقلها تحمل اثني عشر مصباحا، منه شير في عرض وجميع خشبه من عيدان الصنوبر الطرطوشي، ارتفاع الجائزة. شبر إلا ثلاثة أصابع، في طول كل جائزة سبعة وثلاثون شبرا، وبين الجائزة والجائزة غلظ الجائزة، وفي سقفه من ضروب الصنائع والنقوش ما لا يُشبه بعضها بعضا، قد أحكم ترتيبها وأبدع تلوينها بأنواع الحمرة، والبياض، والزرقة، والخضرة، والتكحيل؛ فهي تروق العيون، وتستميل النفوس بإتقان ترسيمها ومختلفات ألوانها. وسعة كل بلاط من بلاط سقفه ثلاثة وثلاثون شبرا، وبين العمود والعمود خمسة عشر شبرا، ولكل عمود منها رأس رخام وقاعدة رخام.


ولهذا الجامع قبلة يعجز الواصفون عن وصفها، وفيها إتقان يبهر العقول تنميقها، وفيها من الفسيفساء المذهب والبلور ما بعث به صاحب القسطنطينية العظمي إلى عبد الرحمن الناصر لدين الله ... وفي جهتي المحراب أربعة أعمدة: اثنان أخضران، واثنان زُرزُوريَّان ) ، لا تقوم بمال، وعلى رأس المحراب خصة رخام قطعة واحدة مسبوكة منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللأزوَرْدِ وسائر الألوان واستدارت على المحراب حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريب، ومع يمين المحراب المنير الذي ليس بمعمور الأرض مثله صنعة؛ خشبه أبنوس، وبقس وعود المجمر، يقال: إنه صُنع في سبع سنين، وكان صناعة ستة رجال غير من يخدمهم تصرفا !


وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطسوت. ذهب وفضة وحسك، وكلها لوقيد الشمع في كل ليلة سبع وعشرين من رمضان، وفي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله؛ فيه أربع أوراق من مصحف عثمان بن عفان له الذي خطه بيمينه وفيه نقطة من دمه، ويُخرجُ هذا المصحف في صبيحة كل يوم، يتولى إخراجه قوم من قومة الجامع، وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش، وله كرسي يوم ي يُوضَعُ عليه، فيتولى الإمام قراءة نصف حزب فيه، ثم يُرْفَعُ إلى موضعه.
وعن يمين المحراب والمنبر باب يُفضي إلى القصر، بين حائطي الجامع في ساباط ) متصل، وفي : هذا الساباط ثمانية أبواب، منها أربعة تتغلق من جهة القصر وأربعة تنغلق من جهة الجامع، ولهذا الجامع عشرون بابا مصفحة بصفائح النحاس وكواكب ) النحاس، وفي كل باب منها حلقتان في غاية الإتقان، وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفص المتخذ من الأجر الأحمر المحكوك، وأنواع شتى وأصناف مختلفة من الصناعات والتنميق. وللجامع في الجهة الشمالية الصومعة (المئذنة) الغريبة الصنعة، الجليلة الأعمال، الرائقة الشكل والمثال ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي )؛ منها ثمانون ذراعا إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن، ومن هناك إلى أعلاها عشرون ذراعا، ويصعد إلى أعلى هذا المنار بدرجين: أحدهما من الجانب الغربي، والثاني من الشرقي، إذا افترق الصاعدان أسفل الصومعة لم يجتمعا إلا إذا وصلا الأعلى، ووجه هذه الصومعة مُبطن بالكذان منقوش من وجه الأرض إلى أعلى الصومعة، بصنعة تحتوي على أنواع من التزويق والكتابة. وبالأوجه الأربعة الدائرة من الصومعة صفان من قيتي (أقواس) دائرة على عقد الرخام، وبيت له أربعة أبواب مغلقة يبيت فيه في كل ليلة مؤذنان، وعلى أعلى الصومعة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهبا واثنتان من فضة وأوراق سَوْسَنِيَّة، تسع الكبيرة من هذه التفاحات ستين رطلاً من الزيت، ويخدم الجامع كله ستون رجلاً، وعليهم قائم ينظر في أمورهم .


وبقريب من ذلك يصفه ابن الوردي في كتابه (خريدة العجائب وفريدة الغرائب). وقد كانت ساحته تملؤها أشجار البرتقال والرمان؛ ليأكل منها الجائعون والقادمون إلى المدينة من شتى البقاع ومما يحزن له القلب وتدمع له العين أن هذا المسجد العظيم المهيب قد تحول عقب سقوط الأندلس إلى كاتدرائية، وأصبح تابعا للكنيسة، مع احتفاظه باسمه، وتحولت مئذنته الشاهقة إلى برج تنصب فوقه أجراس الكنيسة لإخفاء طابعها الإسلامي، كما لا يزال يعلو جدرانه المنيعة نقوش قرآنية تعكس عبقرية فنية نادرة، وهو الآن من أشهر المواقع التاريخية في العالم كله.


جامعة قرطبة:
لم يقتصر دور مسجد قرطبة على العبادة فقط، وإنما كان - أيضا - جامعة علمية تعد من أشهر جامعات العالم آنذاك، وأكبر مركز علمي في أوربا، ومن خلاله انتقلت العلوم العربية إلى الدول الأوربية على مدى قرون، وكان يدرس في هذه الجامعة كل العلوم، وكان يختار لها أعظم الأساتذة، وكان طلاب العلم يفدون إليها من الشرق والغرب على السواء؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين. وقد احتلت حلقات الدرس والعلم أكثر من نصف المسجد، وكان للشيوخ راتب جيد ليتفرغوا للدرس والتأليف، وكذلك خُصِّصَتْ أموال للطلاب، ومكافآت ومعونات للمحتاجين؛ وهو الأمر الذي أثرى الحياة العلمية بصورة ملحوظة في ذلك الوقت وفي تلك البيئة، واستطاعت قرطبة أن تخرج للمسلمين وللعالم الجم الغفير من العلماء، وفي جميع مجالات العلوم، وكان منهم الزهراوي ( ٣٢٥ - ٤٠٤ هـ - ٩٣٦ - ۱۰۱۳م) أشهر جراح، وطبيب، وعالم بالأدوية وتركيبها، وهناك - أيضا - ابن باجه، وابن طفيل، ومحمد الغافقي أحد مؤسسي طب العيون)، وابن عبد البر، وابن رشد، والإدريسي، وأبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي، والقاضي القرطبي النحوي، والحافظ القرطبي، وأبو جعفر القرطبي، وغيرهم كثير.
للحال التي رأينا، وللحياة التي شاهدنا لا غرو أن تُصْبِحَ قرطبة (منتصف القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي)، وكأنها مدينة عصرية، تضارع المدن العالمية في الألفية الثالثة وكيف العجب وقد انتشرت المدارس التعليم الناس، وانتشرت المكتبات الخاصة والعامة، حتى صارت هي أكثر بلاد الله كتبًا، وحتى غَدَتْ مركزاً ثقافيا ومجمعا علميا لكل العلوم وفي شتى المجالات، وقد كان الفقراء يَتَعَلَّمُون في مدارس بالمجان على نفقة الحكام أنفسهم؛ ولذا فليس عجيبا أن نعلم أن جميع أفراد الشعب كان قد عرف القراءة والكتابة، ولا يوجد في قرطبة شخص واحد لا يجيد القراءة والكتابة، في حين لم يكن يعرفها أرفع الناس في أوربا، باستثناء بعض رجال الدين


وجدير بالذكر أن هذه النهضة العلمية والحضارية في مدينة قرطبة في ذلك الوقت، واكبها - أيضا - نهضة إدارية؛ وذلك من خلال عدد من المؤسسات والنظم الرائدة في الحكم؛ منها: الإمارة والوزارة، وقد تطورت أنظمة القضاء والشرطة والحسبة، وغيرها، وواكبتها - أيضًا - نهضة صناعية عظيمة؛ إذ تطورت فيها الصناعة كثيرًا، واشتهرت صناعات مثل : صناعة الجلود، وصناعة السفن، وآلات الحرث، والأدوية.. وغيرها، وكذلك استخراج الذهب والفضة والنحاس !


أما إذا نظرنا إلى الحياة المدنية والعصرية فيها، فنراها مُقسمة إلى خمس مدن وكأنها خمسة أحياء كبرى، يقول المقري: وبين المدينة والمدينة سور عظيم حصين حاجز، وكل مدينة مستقلة بنفسها، وفي كل منها من الحمامات، والأسواق والصناعات ... ما يكفي أهلها.


كما تميزت قرطبة - كما يذكر ذلك ياقوت في معجم البلدان - بأسواقها الممتلئة بكافة السلع، وكان لكل مدينة سوق خاص بها.


ومن المقري نذكر بعض إحصائيات عن عمران قرطبة


المساجد : انتهت مساجد قرطبة أيام عبد الرحمن الداخل إلى ٤٩٠ مسجدا، ثم زادت بعد ذلك إلى ۳۸۳۷ مسجدا.
البيوت الشعبية: ۲۱۳۰۷۷ بيتا.


بيوت النخبة ٦٠٣٠٠ بيت.


الحوانيت المتاجر وما شابه . ٨٠٤٥٥ حانوتا.


الحرامات العامة : ۹۰۰ حمام.


الأرياض ( الضواحي ) : ۲۸ ضاحية.


وهذه الأرقام كانت تزيد وتنقص باختلاف الأحوال السياسية، وباختلاف روايات المؤرخين، غير أنها اختلافات على مدى الفخامة والجلالة والجمال، لا على أصل وجودها وتحققها.


وكان عدد سكان قرطبة في عهد الدولة الإسلامية زهاء خمسمائة ألف نسمة !


والجدير بالذكر أن عدد سكان قرطبة حاليا يبلغ ٣١٠,٠٠٠ نسمة تقريبا !


قرطبة في عيون العلماء والأدباء:


وقد طرق قرطبة في حدود سنة ( ٣٥٠ هـ = ٩٦١م) ابن حوقل التاجر الموصلي، فقال يصفها : وأعظم مدينة بالأندلس قرطبة، وليس لها في المغرب شبية في كثرة الأهل وسعة الرقعة، ويقال: إنها كأحد جانبي بغداد، وإن لم تكن كذلك فهي قريبة
منها. وهي حصينة بسور من حجارة، ولها بابان مشرعان في نفس السور إلى طريق الوادي من الرصافة، والرصافة مساكن أعالي البلد مُتَّصِلة بأسافله من ربضِهَا ، وأبنيتها مشتبكة محيطة من شرقيها وشماليها وغربها وجنوبها، فهو إلى واديها، وعليه الرصيف المعروف بالأسواق والبيوع، ومساكن العامة بربضها، وأهلها متمولون، مُتَخَصِّصُونَ ).


بل إن سكان قرطبة قد تميزوا خاصة بأنهم أشراف الناس وعلماؤهم، وأرفعهم مكانة ! يقول في ذلك الإدريسي: ولم تخل قرطبة قط من أعلام العلماء وسادات الفضلاء، وتجارها مياسير لهم أموال كثيرة وأحوال واسعة، ولهم مراكب سنية وهمم علية .


ويقول الحميري: قرطبة: قاعدة الأندلس، وأم مدائنها، ومستقر خلافة الأمويين بها، وآثارهم بها ظاهرة، وفضائل قرطبة ومناقب خلفائها أشهر من أن تذكر، وهم أعلام البلاد وأعيان الناس، اشتهروا بصحة المذهب، وطيب المكسب، وحسن الزي، وعلو الهمة، وجميل الأخلاق، وكان فيها أعلام العلماء وسادات الفضلاء.


ويصفها ياقوت - أيضًا - فيقول: مدينة عظيمة بالأندلس وسط بلادها،
وكانت سريرًا لملكها وقصبتها ، وبها كانت ملوك بني أمية، ومعدن الفضلاء، ومنبع النبلاء من .ذلك الصفع )).


ويحكي أبو الحسن بن بسام عنها قوله: «كانت منتهى الغاية، ومركز الراية، وأم القرى، وقرارة أهل الفضل والتقى، ووطن أولي العلم والنهى، وقلب الإقليم، وينبوع متفجر العلوم، وقبة الإسلام، وحضرة الإمام، ودار صوب العقول، وبستان ثمرة الخواطر، وبحر درر القرائح؛ ومن أفقها طلعت نجوم الأرض وأعلام العصر، وفرسان النظم والنثر؛ وبها انتشأت التأليفات الرائقة، وصنفت التصنيفات الفائقة؛ والسبب في ذلك - وتبريز القوم قديما وحديثا هنالك على من سواهم - أن أفقهم القرطبي لم يشتمل قط إلا على أهل البحث والطلب الأنواع العلم والأدب. وبالجملة فأكثر أهل بلاد هذا الأفق - يعني قرطبة خاصة والأندلس عامة - أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها ؛ فبقي النسل فيها بكل إقليم على عرق كريم، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر، وشاعر قاهر. ويَصِفُها وأَهْلَهَا ابن الوردي في خريدة العجائب فيقول: «وأهلها أعيان البلاد وسراة الناس في حسن المأكل والملابس والمراكب وعلو الهمة، وبها أعلام العلماء و سادات الفضلاء، وأجلاء الغزاة وأمجاد الحروب. ثم قال بعد أن وصف مسجدها وقنطرتها : و محاسن هذه المدينة أعظم من أن يحيط بها وصف ).


كانت هذه هي إحدى مدن الحضارة الإسلامية التي ساهمت في تقدم مسيرة الإنسانية، ودفع عجلتها إلى الأمام. والحقيقة أن قرطبة ليست الوحيدة في ذلك، ولو كان حديثنا عن بغداد، أو دمشق، أو القاهرة، أو البصرة، أو غيرها وغيرها، لكان على الدرجة نفسها من العجب أو أشدَّ ، ولا غَرْوا فهذه حضارة المسلمين أعظم حضارات الدنيا، ودرة الجبين في تاريخ الإنسانية الطويل.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...