لخّصلي

أولاً: الفكرة القومية ... ومطالب صعبة

ولما كان الوطن العربي بجزءاً إلى ولايات وأقطار مستقلة وكانت الأمة العربية شعوباً وقبائل موزعة على تلك الولايات والأنظار، فإن مهمة الفكرة القومية العربية كانت بالضرورة مهمة مضاعفة ذات ثلاثة أبعاد نشر الوعي يوحدة الوطن وبضرورة توحيد الأمة، وإقامة دولة الوحدة التي تتطابق معها.

جرت العادة منذ ما لا يقل عن نصف قرن على تصنيف الجماعات الفكر العربي النهضوي الحديث إلى ثلاثة رئيسية الاتجاه السلفي والاتجاه القومي والاتجاه الليبرالي الوطني، وهذا تصنيف مقبول بوجه عام لأنه، رقم ما يشربه من تعميم و عدم دقة، تصنيف إجرائي يسمح يرصد القضايا الأساسية في مشروع النهضة العربية وتتبع تطورها فالانتهاء السلفي يتمحور حول قضية أساسية واحدة هي توظيف الدين في التعبية والتجنيد من أجل النهوض، من أجل الدفاع عن النفس امام تهديدات الغرب الاستعماري من جهة، واكتساب القوة واللغة المواجهة التحديات المحاضر والمستقبل من جهة أخرى، أما الاتجاه القومي فقضية الرئيسية هي الوحدة العربية الوحدة كهدف في ذاته والوحدة كوسيلة للتحرر والتقدم. أما الاتجة الليبرالي الوطني القطري فقد ربط النهضة والتقدم بالأخذ من الغرب واقتفاء خطاء

في مجالات العلم والصناعة والسياسة والثقافة ....

لقد أحنا بمراجعة نقدية للاتجاه السلفي من خلال فحص ومناقشة قضيته الأساسية تلك، والتهينا إلى خلاصة تفرض نفسها، وهي أن هذا الاتجاه في يكرر

AV

نفسه ولم يستطع أن يتقدم خطوة إلى الأمام لأنه لم يتد إلى الجسم في مسألة أساسية بقيت قائمة منذ الخلفاء الراشدين، هي مسألة العلاقة بين الدين والسياسة، وهي مسألة منعود لمناقشتها في ما بعد، عندما نتجه بأنظارنا كلية إلى المستقبل. أما الآن فلتواصل مراجعتنا التقدية بفحص القضية الأساسية في الفكر القومي، قضية

الوحدة العربية.

لقد أبرزنا خلال استعراضنا السريع الإنجازات المشروع النهضوي العربي وإخفاقاته إحدى الحقائق القومية الراهنة التي لا مجال الطعن فيها لأنها تطيع الواقع العربي الراهن، وهي: أنه لم يكن سكان الوطن العربي في أية حقبة من تاريخهم أقرب إلى بعضهم على مستوى اللغة والثقافة، وبالتالي على مستوى الوحي القومي، ما هم عليه اليوم.. إن وحدة الحاضر العربي في نفوس العرب وفي رؤى غيرهم في اليوم أقوى وأعمق من أي وقت مضى، وهذا شيء أساسي

تعم، هذا شيء أساسي. غير أن الأساس يفقد قيمته إذا تم يشيد عليه بناء. لقد استعرفت عملية وضع هذا الأساس نحو قرن ونصف من الزمان. لقد كانت عملية صحبة مليئة بالعشرات والمتعرجات كانت المجرية التاريخية غنية بالتضحيات وبالأخطاء ككل التجارب التاريخية العظيمة والمراجعة النقدية لهذه التجربة ضرورية ليس فقط لاستخلاص الدروس منها من أجل المستقبل، بل هي ضرورية أيضاً لتصحيح رؤيتنا للماضي - الحاضر الذي يشكله هذا القرن ونصف من الزمان إن العرب جميعاً، مقتنعون اليوم، ولو بدرجات متفاوتة، بأن القومية العربية فشلت في تحقيق أهدافها أو من على الأقل تعاني من نكسة خطيرة. وهذا صحيح، ولكن فقط بالنسبة لوعي يقارن بين الواقع الملموس القائم اليوم وبين طموحات وأحلام الأمن، وهي مقارنة غير صحيحة وغير مشروعة، فالمقارنة إنما