خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
المبحث الأول تعريف الإرهاب في ضوء قواعد الشرعية الدستورية والجنائية يشكل قانون الكيانات الإرهابية اعتداء على الدسـتور وأحكـام المحكمـة الدستورية العليا، بالإضافة إلى مخالفته لالتزامات مصر الدولية بموجب الاتفاقيات التي صادقت عليهاف . والإضراب عـن العمل، والحق في تكوين الجمعيات، وحرية الرأي والتعبير ، الأمر الذي من شـأنه تهديد شرائح عديدة من المجتمع ؛ إذ يستند إلى تع اريف مطاطية غيـر منـ ضبطة للكيانات الإرهابية، يجعل الإدراج على قائمة الكيانات الإرهابية سيفاً مسلطاً ع لـى كيانات شرعية وسلمية مثل أحزاب المعارضة أو النقابا ت المستقلة أو المنظمـات لحقوقية والجمعيات الأهلية. ونبين ذلك عبر المبحثين الآتيين : المبحث الأول: غموض تعريف الإرهاب ومظنة تعسف الدولة. المبحث الثاني: إخلال تعريف الإرهاب بمبدأ الشرعية الجنائية. أثرت صعوبة تحديد مدلول معين للإرهاب على بعض المفاهيم القانونية المستقرة، ومنها "فكرة الجريمة السياسية"، إذ ترتب على التوسع في مفهوم جرائم الإرهاب أن ضاق مدلولها وانحسر محتواها، وتعددت ضوابط الجريمة السياسية، وبالتالي توسيع سلطة الدولة في مواجهة المتهمين بهذه الجرائم، وقد أدي تبنى هذه السياسة إلى التأثير على قواعد القانون الجنائي. ونبين ذلك على النحو التالي : المطلب الأول : التوسع في تعريف الكيانات الإرهابية مقارنة بتعريف الإرهاب الوارد في المادة 86 عقوبات. المطلب الثاني: مظنة تعسف الدولة مع الحقوق الدستورية. المطلب الأول التوسع في تعريف الكيانات الإرهابية مقارنة بتعريف الإرهاب الوارد في المادة 86 عقوبات. عرفت المادة الأولي م ن القان ون الكيانات الإرهابية بأنها : "كل جمعيـة أو منظمة أو جامعة أو عصابة تمارس أو يكون الغرض منها الدعوى بأي وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سمة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالاتصالات أو المواصلات البرية أو الحيوية أو البحرية أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها والاستيلاء عليها أو المرافـق العامة، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهـد العلم، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الدولية في مـصر من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بع ض أوجه نشاطها . أو مقاومتها أو تعطيـل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطـر بـأي وسيلة كانت أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو تعطيل تطبيق أي ن أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، متى استخدمت القوة أو العنف أو التهد يد أو الترويع بهدف تحقيق أو تنفيذ أغراضها ". ويلاحظ من هذا التعريف أن القانون استخدم مصطلحات فـضفاضة غيـر منضبطة من الناحية القانونية، فضلاً عن التوسع في تعريف الكيانات الإرهابية، بل إن مفارقة تكمن في أن ت عريف الكيانات الإرهابية في القانون أوسع مـن تعريـف الإرهاب ذاته الوارد في المادة 86 من قانون العقوبات التي هي أيضا محل تحفـظ لعدم دقتها وبعدها عن المعايير الدولية ، فوفق قانون العقوبات تقتـصر الأعمـال الإرهابية على استخدام القوة أو العنف أو الترويج بهدف تنفيذ مشروع إجرامي، أما عريف ال كيانات الإرهابية الوارد في القانون فقد وسع من هذا التعريف، معتبرا أن الكيان يدرج ضمن قائمة الكيانات الإرهابية لمجرد "الدعوة بأي وسيلة " ممـا قـد يشمل الوسائل السلمية للتعبير عن الرأي . " الإضرار بالوحدة الوطنية "، " سلامة المجتمع وأمنه "، " إيذاء الأفراد"، و "إلحاق الضرر بالبيئة ". وكيف يمكن أن تثبت الأدلة أن نشاطا معينا نال من سلامة المجتمع، أو أضر بالسلام الاجتماعي، أو أن منظمة أو جما عة الغرض من إنشائها إلحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثـار أو بـالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة؟ فكل هذه العبارات المعيبة سـيتم تفـسيرها وفقاً لمن يملك سلطة التفسير، المذكرة الإيضاحية للقانون لم تقدم تعريفا دقيقا لهذه المـصطلحات كونهـا تشكل الركن المعنوي – أي الهدف الإجرام ي الذي يبتغيه الكيان أو المنتسبو ن له –للجريمة الإرهابية، كما تتعارض المادة الأولى أيضا مع أهم مبادئ العدالة الجنائية، والتي حرص الدستور المصري المعـدل فـي يناير٢٠١٤ على ضمانها في المادة (95 ) ) حين نص على "لا جريمـة ولا عقوبـة إلا بنص" فهذا المبدأ يعنى أنه لا يجوز معاقبة الأفراد إلا بناء على جـرائم يحـد دها القانون، وكذلك العقوبات يجب أن تكون محددة بنصوص قانونية . وذلك لجـسامة العقوبات الجنائية التي قد تصل لسلب حريات الأفراد لفترة تصل إلى السجن مـدي الحياة، أو قد تصل للإعدام والحرمان من الحق في الحياة، بأنه لا يكفي فقط وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا في تفسير هذا المبدأ، بأنه لا يكفي فقط وجود نص قانوني يوضح الجريمة والعقوبة فقط، بل يتعين أن يكون هـذا الـنص للعصف بالحقوق والحريات، ذلك لأن غموض النص العقابي يعوق القـضاء عـن إعمال قواعد صارمة جازمة تحدد لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لا لـبس ١( فيه ووفقاً لأ حكام المحكمة الدستورية العليا يجب "ألا يكون مضمونه خافيا على أوساط الناس باختلافهم حول فحواه، فـلا جلسة ١ أبريل ٢٠١٢ . وهي بعد معايير مرجعه ا إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتـواه، لينال من الأبرياء . اقتحام حدوده . كذلك فإن غموض النص العقابي، يحمل في ثناياه مخاطر اجتماعية، لا ينبغي التهوين منها، وإن كان القانون بمعناه العـام يـسوغها بـل إن الاتجـاه المعاصر والمقارن في شأن النصوص العقابية، يؤكد أن الأضرار المترتبة علـى غموضها، لا تكمن في مجرد التجهيل بالفعل المنهي عنه ، – على عنصر أكثر خطرا، وأبرز أثرا، والتي تحول كأصل عام بين القائمين على تنفيذها وإطلاق العنان أو سوء تقديراتهم ١( ١( المحكمة الدستورية العليا، الطعن رقم ١٠٥ لسنة ١٢ قضائية، جلسة ١٢ فبراير ١٩٩٤، جزء١، ص١٥٤ . -١٦- المطلب الثاني مظنة تعسف الدولة مع الحقوق الدستورية إشكالية تعريف الإرهاب وإمكانية تعسف الدولة ١٩٩٢. فقد عمل على التوسع في دائرة التجريم؛ حيث تضمن تجـريم أعمـال لا تلحق إصابة جسدية خطيرة بأي شخص أو تؤدي إلى وفاته، وهو ركـن رئـيس يوصي به الخبراء الدوليون عند تعريف الإرهاب . فمن قبيل الأعمال الإرهابية التي ينص عليها القانون تنص المادة ٨٦ فـي أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حريـاتهم أو حقـوقهم أو أمنهم للخطر أو الإضرار بالوحد ة الوطنية، الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بـالأملاك العامـة أو الخاصـة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة الـسلطات العامـة أو الجهـات أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو البعثـات الدبلوماسـية والقنـص لية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من القيام بعملها . أو مقاومتها، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدسـتور أو القانون أو اللوائح ". -١٧- فالتعريف السابق يتضمن فضلا عما سبق ذكره إلحـاق الأذى بـالأفراد أو الأشخاص وتعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو "إلقاء الرعب بينهم ". وهذه عناصر للإرهاب الذي أشار إليه مقرر الأمم المتحدة الخاص بحما ية حقوق الإنـسان فـي )١( سياق مكافحة الإرهاب في تقريره عن مصر ولا يمكن اعت بار أي عنصر مـن هذه العناصر وحده إرهابياً . كما أن تلك المادة اعتبرت أن العمل على "تعطيل تطبيـق أي مـن أحكـام الدستور أو القوانين أو اللوائح " جريمة تدخل تحت مظلة الجرائم الإر هابيـة فمـن الوارد أن يصدر قانون متعسف يحد من الحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفـراد ويعترض عليها المخاطبون بأحكامه، وخير مثال على ذلك مـا تـضمنه دسـتور وما جاء بقانون تنظـيم الحقوق. والذي كان مثار جدل واحتجاج جماهيري قبيل وبعد صدوره . الأمر الذي يؤدي إلى وضع المطالبين بتعديل مثل هذه القوانين والمواد الدستورية، العمل بها، تحت طائلة قانون الإرهاب . كما تضع المادة ٨٦ من القانون في فقرتها الثالثة تعري اف لتمويل الإرهـاب، والذي عرف بأنه "كل إتاحة أو جمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد بـشكل مباشـر أو ١( تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب عن مصر الصادر في ١٦ أكتوبر ٢٠٠٩ . -١٨- مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها بقصد استخدامها كلها أو بعضها في ارتكاب أي جريمة إرهاب من قبل فرد أو من قبل جماعة إرهابية . على الرغم من التقارب الشديد بين مفهوم "تمويل الإرهاب " فـي القـانون والتي عرفت الأموال بأنها "أي نوع من بما في المصرفية، والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابـات )٢( الاعتماد والتـي تضمنتها اتفاقية "قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات وقمع الأعمال غيـر المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني ومنـع ال جـرائم المرتكبـة ضـد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها ومناهضة أخذ الرهائن، الحماية المادية للمواد النووية، وقمع الهجمات الإرهابيـة إلى الجرائ م الواردة في "البروتوكول المتعلق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في -١٩- المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي والبروتوكول المتعلق بقمع الأعمـال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنصات الثابتة الواقعة على الجرف القاري ". المادة ٨٦ في فقرتها الأولي، ومن ثم يجيز هذا المفهوم إلصاق الاتهام بالقائمين على المواقع الإلكترونيـة إذا قـاموا بنشر بيانات أو دراسات تنتقد قانون ا ما، وتريد إيقاف العمل به، أو حتى الإعـلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تنظيم تظاهرة منددة بوضع ما، هذا فضلا عن إمكانية الا طلاع على الحسابات البنكية لهؤلاء الأشخاص بموجب أمر صادر مـن النائب العام (وفقاً للمادة ١٣ من تعديل قانون بالأحكام الإجرائية لمكافحـة جـرائم الإرهاب والتعاون القضائي الدولي ). فالمشكلة ليست في تعقب الحسابات والأموال المستخدمة في ارتكاب جرائم إرهابية، الذي يمكـن ومن ثم إهدار سرية حساباته البنكية بغير مقتضي . تعارض القانون مع الحق الدستوري في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي: أمام عدم دقة المصطلحات الواردة في القانون ووجود مظنة التعـسف فـي استخدام التعريف الواسع للكيان الإرهابي أن يطـال منظمـات المجتمـع المـدني أو الأحـزاب الـسياسية والنقابـات والحركات الشبابية . أو القوانين أو اللوائح أو تضر بالوحدة الوطنية . فالملاحظ من جملة "الدعوى بأي وسيلة " أنها لم تشترط الوسائل التي تستخدم فيها القوة المسلحة أو العنف، بل جاءت الجملة مجردة لتـشمل الوسـائل الـسلمية كالبيانات أو التقارير أو الدعوى لتجمعات سلمية لوقف العمل أو تغيير قانون مـا، كالتي تدعو إلى إلغاء قانون التظاهر على سبيل المثال، باعتبا رها تدعو بأي وسيلة لتعطيل أحكام الدستور والقوانين وفقا للمادة الأولى من القانون، ومن ثـم وجـب إدراجهم على قائمة الأشخاص الإرهابيين . وفضلاً عن مفهوم الكيانات الإرهابية الذي يقدمه القانون والذي انطوي على جملة من شأنها الحد من حرية التعبير عن الرأي بالوسائل الس لمية والتي تتمثل في "تعطيل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها " والتي تكاد تنطبـق ومن ثـم يجوز اعتبار الجماعة المنظمة لها والمشاركين فيها إرهابيين كونهم قاموا بتعطيـل المواصلات حتى لو لم تنصرف نيتهم لتحقيق هذا الغرض . كما تصادر المادة أيضا حق المنظمات والأفراد في اسـتخدام حقهـم فـي الاعتراض السلمي على القوانين أو اللوائح، بمختلف الطرق وعبر أي وسيلة مـن وسائل التعبير السلمي، فقد استخدم القانون مصطلح "الدعوة بأي وسيلة " في مطلـع وأطلق تعميما واضحا لا محددات له . عدم جواز معاقبة الشخص عن ذات الفعل مرتين يقابل الدفع بسبق الحكم البات : عن تلك الدعوى، إلا أن ه ليس كل حكم فاصـل فـي وإنما يلزم له صفة معينة هي كونه حكمـ ا لذلك كان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لـسابقة الفـصل فيهـا إذا المتهم عن ذات التهمة في أي مكان. فالقاعدة العامة هي عدم عقاب المتهم في حياته أكثر من مرة عن ذات التهمة، كما لا يجوز محاكمة المتهم مرة أخـرى إذا كـان الاتهام قد ألغي بسبب عدم عدالة المحاكمة . فإلغاء الاتهام يعنى منحا للعفـو مـن المحاكمة عن ذات الاتهام في المستقبل . ٤٥٤) من قانون الإجـراءات الجنائية، فتنص الأولي على أن تنقضي ا لدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعـة وتنص ١( د) / مأمون سلامه، الاجراءات الجنائية فى التشريع المصري، الجزء الأول، دار الفكر العربي، ص ٣٠٠؛ نقض /١٩٧٣ ٢٩/١ مج س ٢٤ ص ١٠٨. -٢٢- ويقصد بالحكم النهائي الوارد بسياق المادتين، الحكم البات، جميع طرق الطعن المقررة قانونا، وهو ما يعبر عنه ب قوة الشيء المقضي به . وبناء على ذلك يحظر محاكمة فلا يجوز أن يتعرض الشخص لخطر ملاحقته باتهام جنائى أكثر من مـرة عن الجريمة عينها ، ولا أن تعيد الدولة بكل سلطاتها ومواردها محاولتها إدانته عن ذاتها ، بأسها حين تريد ، ليغدو بألوان من المعاناة لا قبل له بها مبدداً لموارده فـى غيـر الاتهام الجنائى متتابعاً عن الجريمة ذاتها . ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها لمخالفته لأحكـام حين قضت بأن م" بدأ عدم جواز معاقبة الشخص على فع ال و حد مرتين – وهو المبدأ الذي يقابل الدفع بسبق الحكم البات – يعتبر جز اء من الحقوق الوثيقة بالحرية الشخصية، ويعتبر التسليم به في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة حكم الدستورية فى /١٩٩٢ ٢٣/١ قضية رقم ٣٢ لسنة ٨ قضائية دستورية. دستورية عليا ٢ مجموعة أحكام الدستورية العليا، ج٥، 84قضائية بتاريخ /٢٠١٥ ٨/٤. نظر الدعوى لسبق الفصل فيها متعلق بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت مقوماته واضحة من مدونات الحكم المطعون فيه، أو كانت عناصر هذا الدفع قد انطوت عليها الأوراق -٢٣- المواد ١٣ و ٤١ و ٦٦ و ٦٧ و ٦٩ من الدستور ؛ حيث إن النص المطعون فيه - وعلى ضوء ماتقدم - يقيد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونيـة التـي كفلها الدستور، ومـن بينها افتراض البراءة كحقيقة مستعصية عن الجدل، وليس مبناه فعـلا أو امتناعـ ا يمثل سلوكا مؤاخذا عليه قانونا؛ وكان إيقاع أحد هذه التدابير التـى تتـوافر لهـا التى افترضها المشرع - يمتد زمنا قد يصل إلي عشر سنين بما يؤكـد قـسوتها،
المبحث الأول
تعريف الإرهاب في ضوء قواعد الشرعية الدستورية والجنائية يشكل قانون الكيانات الإرهابية اعتداء على الدسـتور وأحكـام المحكمـة الدستورية العليا، بالإضافة إلى مخالفته لالتزامات مصر الدولية بموجب الاتفاقيات التي صادقت عليهاف . القانون الذي جاء في 11 مادة يشكل خطورة على ما تبقي من حقوق وحريات للمواطنين من بينها الحق في التجمع السلمي، والإضراب عـن العمل، والحق في تكوين الجمعيات، وحرية الرأي والتعبير ، الأمر الذي من شـأنه تهديد شرائح عديدة من المجتمع ؛ إذ يستند إلى تع اريف مطاطية غيـر منـ ضبطة للكيانات الإرهابية، يجعل الإدراج على قائمة الكيانات الإرهابية سيفاً مسلطاً ع لـى كيانات شرعية وسلمية مثل أحزاب المعارضة أو النقابا ت المستقلة أو المنظمـات لحقوقية والجمعيات الأهلية. ونبين ذلك عبر المبحثين الآتيين : المبحث الأول: غموض تعريف الإرهاب ومظنة تعسف الدولة. المبحث الثاني: إخلال تعريف الإرهاب بمبدأ الشرعية الجنائية.
غموض تعريف الإرهاب ومظنة تعسف الدولة
أثرت صعوبة تحديد مدلول معين للإرهاب على بعض المفاهيم القانونية المستقرة، ومنها "فكرة الجريمة السياسية"، إذ ترتب على التوسع في مفهوم جرائم الإرهاب أن ضاق مدلولها وانحسر محتواها، وتعددت ضوابط الجريمة السياسية، وبالتالي توسيع سلطة الدولة في مواجهة المتهمين بهذه الجرائم، وقد أدي تبنى هذه السياسة إلى التأثير على قواعد القانون الجنائي. ونبين ذلك على النحو التالي : المطلب الأول : التوسع في تعريف الكيانات الإرهابية مقارنة بتعريف الإرهاب الوارد في المادة 86 عقوبات.
المطلب الثاني: مظنة تعسف الدولة مع الحقوق الدستورية.
المطلب الأول
التوسع في تعريف الكيانات الإرهابية مقارنة بتعريف الإرهاب الوارد في المادة 86 عقوبات.
عرفت المادة الأولي م ن القان ون الكيانات الإرهابية بأنها : "كل جمعيـة أو منظمة أو جامعة أو عصابة تمارس أو يكون الغرض منها الدعوى بأي وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سمة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم أو أمـنهم للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالاتصالات أو المواصلات البرية أو الحيوية أو البحرية أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها والاستيلاء عليها أو المرافـق العامة، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهـد العلم، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الدولية في مـصر من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بع ض أوجه نشاطها . أو مقاومتها أو تعطيـل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطـر بـأي وسيلة كانت أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو تعطيل تطبيق أي ن أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، متى استخدمت القوة أو العنف أو التهد يد أو الترويع بهدف تحقيق أو تنفيذ أغراضها ". ويلاحظ من هذا التعريف أن القانون استخدم مصطلحات فـضفاضة غيـر منضبطة من الناحية القانونية، فضلاً عن التوسع في تعريف الكيانات الإرهابية، بل إن مفارقة تكمن في أن ت عريف الكيانات الإرهابية في القانون أوسع مـن تعريـف الإرهاب ذاته الوارد في المادة 86 من قانون العقوبات التي هي أيضا محل تحفـظ
لعدم دقتها وبعدها عن المعايير الدولية ، فوفق قانون العقوبات تقتـصر الأعمـال الإرهابية على استخدام القوة أو العنف أو الترويج بهدف تنفيذ مشروع إجرامي، أما عريف ال كيانات الإرهابية الوارد في القانون فقد وسع من هذا التعريف، معتبرا أن الكيان يدرج ضمن قائمة الكيانات الإرهابية لمجرد "الدعوة بأي وسيلة " ممـا قـد يشمل الوسائل السلمية للتعبير عن الرأي . كما أن المصطلحات الفضفاضة التي استخدمت لتعريف الكيا نات الإرهابية، لا تتناسب مع خطورة التهمة وطبي عة الع قوبة، فكيف يمكن تفسير عبـارات مثـل "الإخلال بالنظام العام "، " الإضرار بالوحدة الوطنية "، " سلامة المجتمع وأمنه "، " إيذاء الأفراد"، و "إلحاق الضرر بالبيئة ". وكيف يمكن أن تثبت الأدلة أن نشاطا معينا نال من سلامة المجتمع، أو أضر بالسلام الاجتماعي، أو أن منظمة أو جما عة الغرض من إنشائها إلحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثـار أو بـالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة؟ فكل هذه العبارات المعيبة سـيتم تفـسيرها وفقاً لمن يملك سلطة التفسير، دون الاستناد إلى معيار قانوني واضح ل كونها مفاهي م نسبية يصعب وضع تعريف محدد لها . المذكرة الإيضاحية للقانون لم تقدم تعريفا دقيقا لهذه المـصطلحات كونهـا تشكل الركن المعنوي – أي الهدف الإجرام ي الذي يبتغيه الكيان أو المنتسبو ن له –للجريمة الإرهابية، ولكنها اكتفت بتكرار تعريف الكيانات الإرهابية دون توصـيف للمصطلحات الواردة فيه . كما تتعارض المادة الأولى أيضا مع أهم مبادئ العدالة الجنائية، وهو مبـدأ شرعية الجرائم والعقوبات، والتي حرص الدستور المصري المعـدل فـي يناير٢٠١٤ على ضمانها في المادة (95 ) ) حين نص على "لا جريمـة ولا عقوبـة إلا بنص" فهذا المبدأ يعنى أنه لا يجوز معاقبة الأفراد إلا بناء على جـرائم يحـد دها القانون، وكذلك العقوبات يجب أن تكون محددة بنصوص قانونية . وذلك لجـسامة العقوبات الجنائية التي قد تصل لسلب حريات الأفراد لفترة تصل إلى السجن مـدي الحياة، أو قد تصل للإعدام والحرمان من الحق في الحياة، فلذا يجـب أن يكـون الأفراد على علم بالأفعال المجرمة وعقوبتها حتى لا يقدموا عليها . وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا في تفسير هذا المبدأ، بأنه لا يكفي فقط وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا في تفسير هذا المبدأ، بأنه لا يكفي فقط
وجود نص قانوني يوضح الجريمة والعقوبة فقط، بل يتعين أن يكون هـذا الـنص
واضحا ومحدد ا لا غموض فيه، لأن النصوص التي تحتـوي علـى مـصطلحات
فضفاضة مثل النظام العام وغيرها يصعب تحديدها ووضع تعريف واضـح لهـا،
وهي بذلك تخضع لتفسير وتقدير من بيده السلطة، مما قد يؤدي إلى أن تصبح أداة
للعصف بالحقوق والحريات، ذلك لأن غموض النص العقابي يعوق القـضاء عـن
إعمال قواعد صارمة جازمة تحدد لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لا لـبس
)١( فيه
.
ووفقاً لأ حكام المحكمة الدستورية العليا يجب "ألا يكون مضمونه خافيا على
أوساط الناس باختلافهم حول فحواه، ومجال تطبيقه ، وحقيقة ما يرمي إليـه، فـلا
)١( الحكم رقم ١٨٣ لسنة ٣١ قضائية، جلسة ١ أبريل ٢٠١٢ .
-١٥-
يكون معرفا بطريقة قاطعة بالأفعال المنهي عن ارتكابها، بل مجهلاً بها ومؤديا إلى
إبهامها ومن ثم يكو ن إنفاذه مرتبطاً بمعايير شخصية قد تخالطها الأهواء، وهي بعد
معايير مرجعه ا إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتـواه، وإحـلال فهمهـم
الخاص لمقاصده محل مراميه التي غالباً ما يجاوزونها التواء بها أو تحريفـا لهـا
لينال من الأبرياء . وبوجه خاص فإن غموض الـنص العقـابي يعـوق محكمـة
الموضوع عن إعمال قواعد صارمة جازمة، تحدد لكل جريمـة أركانهـا وتقـرر
عقوبتها بما لا لبس فيه وهي قواعد لا ترخص فيها، وتمثل إطارات لعملها لا يجوز
اقتحام حدوده . كذلك فإن غموض النص العقابي، يحمل في ثناياه مخاطر اجتماعية،
لا ينبغي التهوين منها، وإن كان القانون بمعناه العـام يـسوغها بـل إن الاتجـاه
المعاصر والمقارن في شأن النصوص العقابية، يؤكد أن الأضرار المترتبة علـى
غموضها، لا تكمن في مجرد التجهيل بالفعل المنهي عنه ، بل تعود – في تطبيقاتها
– على عنصر أكثر خطرا، وأبرز أثرا، في افتقارها إلى الحد الأدني من الأسـس
اللازمة لضبطها، والتي تحول كأصل عام بين القائمين على تنفيذها وإطلاق العنان
" لنزواتهم ، أو سوء تقديراتهم
)١(
.
)١( المحكمة الدستورية العليا، الطعن رقم ١٠٥ لسنة ١٢ قضائية، جلسة ١٢ فبراير ١٩٩٤،
مكتب فني٦، جزء١، ص١٥٤ .
-١٦-
المطلب الثاني
مظنة تعسف الدولة مع الحقوق الدستورية
إشكالية تعريف الإرهاب وإمكانية تعسف الدولة
تبنى القانون فلسفة مغايرة في التجريم عن تلك التي تب ناها القانون ٩٧ لسنة
١٩٩٢. فقد عمل على التوسع في دائرة التجريم؛ حيث تضمن تجـريم أعمـال لا
تلحق إصابة جسدية خطيرة بأي شخص أو تؤدي إلى وفاته، وهو ركـن رئـيس
يوصي به الخبراء الدوليون عند تعريف الإرهاب .
فمن قبيل الأعمال الإرهابية التي ينص عليها القانون تنص المادة ٨٦ فـي
فقرتها الأولى على "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديـد أو الترويـع، بهـدف
الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطـر، أو
إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حريـاتهم أو حقـوقهم أو
أمنهم للخطر أو الإضرار بالوحد ة الوطنية، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بـالموارد
الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بـالأملاك العامـة أو الخاصـة أو
احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة الـسلطات العامـة أو الجهـات أو
الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحـدات المحليـة أو دور ا لعبـارة أو
المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو البعثـات الدبلوماسـية والقنـص لية، أو
المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من القيام بعملها . أو ممارستها لكل
أو بعض أوجه نشاطها، أو مقاومتها، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدسـتور أو
القانون أو اللوائح ".
-١٧-
فالتعريف السابق يتضمن فضلا عما سبق ذكره إلحـاق الأذى بـالأفراد أو
الأشخاص وتعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو "إلقاء الرعب بينهم ". وهذه عناصر
تعريفية من الأجدر استخدامها في سياق تبنى التعريف التراكمي ثلاثـي المراحـل
للإرهاب الذي أشار إليه مقرر الأمم المتحدة الخاص بحما ية حقوق الإنـسان فـي
)١( سياق مكافحة الإرهاب في تقريره عن مصر
، ولا يمكن اعت بار أي عنصر مـن
هذه العناصر وحده إرهابياً .
كما أن تلك المادة اعتبرت أن العمل على "تعطيل تطبيـق أي مـن أحكـام
الدستور أو القوانين أو اللوائح " جريمة تدخل تحت مظلة الجرائم الإر هابيـة فمـن
الوارد أن يصدر قانون متعسف يحد من الحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفـراد
ويعترض عليها المخاطبون بأحكامه، وخير مثال على ذلك مـا تـضمنه دسـتور
٢٠١٤ من إجازة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري . وما جاء بقانون تنظـيم
الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات الس لمية من نصوص مقيدة لهذه
الحقوق. والذي كان مثار جدل واحتجاج جماهيري قبيل وبعد صدوره . الأمر الذي
يؤدي إلى وضع المطالبين بتعديل مثل هذه القوانين والمواد الدستورية، أو بوقـف
العمل بها، تحت طائلة قانون الإرهاب .
كما تضع المادة ٨٦ من القانون في فقرتها الثالثة تعري اف لتمويل الإرهـاب،
والذي عرف بأنه "كل إتاحة أو جمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد بـشكل مباشـر أو
غير مباشر أو بأي وسيلة لأموال أو أماكن أو أسلحة أو ذخـائر أو مفرقعـات أو
)١( تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق
مكافحة الإرهاب عن مصر الصادر في ١٦ أكتوبر ٢٠٠٩ .
-١٨-
مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها بقصد استخدامها كلها أو
بعضها في ارتكاب أي جريمة إرهاب من قبل فرد أو من قبل جماعة إرهابية .
على الرغم من التقارب الشديد بين مفهوم "تمويل الإرهاب " فـي القـانون
)١( والاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب
، والتي عرفت الأموال بأنها "أي نوع من
الأموال المادية أو غير المادية، المنقولة أو غير المنقولة التي ي حصل عليها بـأي
وسيلة كانت، والوثائق أو الصكوك القانونية أيا كان شكلها بما فـي ذلـك الـشكل
الالكتروني أو الرقمي، والتي تدل على ملكية تلك الأموال أو مصلحة فيها . بما في
ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الائتمانات المصرفية، وشيكات السفر، والشيكات
المصرفية، والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابـات
)٢( الاعتماد
. إلا أن الاتفاقية الدولية قصرت هذا التمويل على جرائم بعينها . والتـي
تضمنتها اتفاقية "قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات وقمع الأعمال غيـر
المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني ومنـع ال جـرائم المرتكبـة ضـد
الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها
ومناهضة أخذ الرهائن، الحماية المادية للمواد النووية، وقمع الهجمات الإرهابيـة
بالقنابل. قمع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية " هذا بالإضـافة
إلى الجرائ م الواردة في "البروتوكول المتعلق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في
)١( اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
رقم /١٠٩ ٥٤ المؤرخ في ٩ كانون الأول/ديسمبر ١٩٩٩ .
)٢( المادة ١ فقرة ١ من الاتفاقية .
-١٩-
المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي والبروتوكول المتعلق بقمع الأعمـال
غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنصات الثابتة الواقعة على الجرف القاري ".
وبمقارنة هذه الجرائم بالتي وردت في مفهوم ا" لعمل الإرهابي " الذي وضعته
المادة ٨٦ في فقرتها الأولي، يتبين – وفقا لما سبق – أنها جرائم غير محددة . ومن
ثم يجيز هذا المفهوم إلصاق الاتهام بالقائمين على المواقع الإلكترونيـة إذا قـاموا
بنشر بيانات أو دراسات تنتقد قانون ا ما، وتريد إيقاف العمل به، أو حتى الإعـلان
عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تنظيم تظاهرة منددة بوضع ما، هذا فضلا عن
إمكانية الا طلاع على الحسابات البنكية لهؤلاء الأشخاص بموجب أمر صادر مـن
النائب العام (وفقاً للمادة ١٣ من تعديل قانون بالأحكام الإجرائية لمكافحـة جـرائم
الإرهاب والتعاون القضائي الدولي ).
فالمشكلة ليست في تعقب الحسابات والأموال المستخدمة في ارتكاب جرائم
إرهابية، ولكن الأزمة الحقيقية تنبع من مفهوم الجريمة الإرهابية ذاته، الذي يمكـن
إلصاقه بأي شخص لم يرتكبها، ومن ثم إهدار سرية حساباته البنكية بغير مقتضي .
تعارض القانون مع الحق الدستوري في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي:
أمام عدم دقة المصطلحات الواردة في القانون ووجود مظنة التعـسف فـي
استخدام التعريف الواسع للكيان الإرهابي أن يطـال منظمـات المجتمـع المـدني
والمنظمات التي تشتبك مع القضايا العامـة، أو الأحـزاب الـسياسية والنقابـات
والحركات الشبابية . إذ اعتبرت المادة الأولي من القانون الكيان الإرهابي هو كـل جمعية أو منظمة أو جماعة أو عصابة تدعو بأي وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور
أو القوانين أو اللوائح أو تضر بالوحدة الوطنية .
فالملاحظ من جملة "الدعوى بأي وسيلة " أنها لم تشترط الوسائل التي تستخدم
فيها القوة المسلحة أو العنف، بل جاءت الجملة مجردة لتـشمل الوسـائل الـسلمية
كالبيانات أو التقارير أو الدعوى لتجمعات سلمية لوقف العمل أو تغيير قانون مـا،
فهذا التعريف من الممكن أن يندرج تحته عدد كبير من منظمات حقـوق الإنـسان
كالتي تدعو إلى إلغاء قانون التظاهر على سبيل المثال، باعتبا رها تدعو بأي وسيلة
لتعطيل أحكام الدستور والقوانين وفقا للمادة الأولى من القانون، ومن ثـم وجـب
إدراجهم على قائمة الأشخاص الإرهابيين .
وفضلاً عن مفهوم الكيانات الإرهابية الذي يقدمه القانون والذي انطوي على
جملة من شأنها الحد من حرية التعبير عن الرأي بالوسائل الس لمية والتي تتمثل في
"تعطيل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها " والتي تكاد تنطبـق
على كافة التظاهرات كونها قد تشكل تعطيلا للمواصلات وعرقلة سيرها، ومن ثـم
يجوز اعتبار الجماعة المنظمة لها والمشاركين فيها إرهابيين كونهم قاموا بتعطيـل
المواصلات حتى لو لم تنصرف نيتهم لتحقيق هذا الغرض .
كما تصادر المادة أيضا حق المنظمات والأفراد في اسـتخدام حقهـم فـي
الاعتراض السلمي على القوانين أو اللوائح، بمختلف الطرق وعبر أي وسيلة مـن
وسائل التعبير السلمي، فقد استخدم القانون مصطلح "الدعوة بأي وسيلة " في مطلـع
المادة الأولي، وأطلق تعميما واضحا لا محددات له .
عدم جواز معاقبة الشخص عن ذات الفعل مرتين يقابل الدفع بسبق الحكم البات :
إذا كانت الدعوى الجنائية هي وسيلة الدولة في اقتضاء حقها في العقاب، عن
طريق طرح الخصومة الجنائية على القضاء، فإن صدور حكم فاصل في موضوع
تلك الدعوى، لابد أ ن يحدث أثره في انقضائها . إلا أن ه ليس كل حكم فاصـل فـي
موضوع الخصومة تنقضي به الدعوى، وإنما يلزم له صفة معينة هي كونه حكمـ ا
باتا، لذلك كان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لـسابقة الفـصل فيهـا إذا
توافرت شروط يقابل مبدأ "عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات التهمة مرتين "ذلك
)١( أن الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر تتأذي به العدالة
.
فيقصد به دفع قانوني مقتضاه أن الحكم الصادر بالبراءة يحول دون محاكمة
المتهم عن ذات التهمة في أي مكان. فالقاعدة العامة هي عدم عقاب المتهم في حياته
أكثر من مرة عن ذات التهمة، كما لا يجوز محاكمة المتهم مرة أخـرى إذا كـان
الاتهام قد ألغي بسبب عدم عدالة المحاكمة . فإلغاء الاتهام يعنى منحا للعفـو مـن
المحاكمة عن ذات الاتهام في المستقبل .
وقد عبرت ع ن هذا المبدأ المادتا (ن ٤٥٥ ( ،) ٤٥٤) من قانون الإجـراءات
الجنائية، فتنص الأولي على أن تنقضي ا لدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعـة
عليه الوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة "، وتنص
الثانية على أنه "لا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائيا بنـاء
على ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة أو بناء على تغييـر الوصـف القـانوني
للجريمة ".
١( د) / مأمون سلامه، الاجراءات الجنائية فى التشريع المصري، الجزء الأول، دار الفكر
العربي، ١٩٨٣، ص ٣٠٠؛ نقض /١٩٧٣ ٢٩/١ مج س ٢٤ ص ١٠٨.
-٢٢-
ويقصد بالحكم النهائي الوارد بسياق المادتين، الحكم البات، أي الذي استنفد
جميع طرق الطعن المقررة قانونا، أو كان غير قابل للطعن فيه . ومن ثـم يـصبح
عنواناً للحقيقة فيما قضي . وبالتالي لا يجوز طرح الخصومة من جديـد أمـام أي
)١( الشخص مرتين عن ذات التهمة بصيرورة الحكم الذي صدر فيها باتاًمحكمة، وهو ما يعبر عنه ب قوة الشيء المقضي به . وبناء على ذلك يحظر محاكمة
.
فلا يجوز أن يتعرض الشخص لخطر ملاحقته باتهام جنائى أكثر من مـرة
عن الجريمة عينها ، ولا أن تعيد الدولة بكل سلطاتها ومواردها محاولتها إدانته عن
جريمة تدعى ارتكابه لها ـ ولو من خلال خطورة إجرامية تعتبرها جريمـة فـى
ذاتها ، وتلحقها بها ـ لأنها إذ تفعل فإنما تبقيه قلقاً مضطربا مهدداً بنزواتها تمد اليه
بأسها حين تريد ، ليغدو بألوان من المعاناة لا قبل له بها مبدداً لموارده فـى غيـر
مقتض متعثر الخطى بل إن إدانته ـ ولو كان بريئاً ـ تظل أكثر احتمالاً كلما كان
الاتهام الجنائى متتابعاً عن الجريمة ذاتها .
فقد حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ٤٨ مكرراً من القانون رقـم
١٨٢ لسنة ١٩٦٠ فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها لمخالفته لأحكـام
١( ) رفعت المحكمة الدستورية هذا المبدأ إلى مصاف القواعد الدستورية، حين قضت بأن م" بدأ عدم جواز
معاقبة الشخص على فع ال و حد مرتين – وهو المبدأ الذي يقابل الدفع بسبق الحكم البات – يعتبر جز اء من
الحقوق الوثيقة بالحرية الشخصية، ويعتبر التسليم به في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة
القانونية". حكم الدستورية فى /١٩٩٢ ٢٣/١ قضية رقم ٣٢ لسنة ٨ قضائية دستورية. دستورية عليا ٢
يناير سنة ١٩٩٣، مجموعة أحكام الدستورية العليا، ج٥، ص١٠٣؛ نقض جنائي طعن رقم26166 لسنة
84قضائية بتاريخ /٢٠١٥ ٨/٤. من المقرر أنه لا تجوز محاكمة الشخص عن فعل واحد مرتين ذلك أن
الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر يحرمه القانون وتتأذى به العدالة ف. الدفع بعدم جواز
نظر الدعوى لسبق الفصل فيها متعلق بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت
مقوماته واضحة من مدونات الحكم المطعون فيه، أو كانت عناصر هذا الدفع قد انطوت عليها الأوراق
بغير حاجة إلى تحقيق موضوعي .
-٢٣-
المواد ١٣ و ٤١ و ٦٦ و ٦٧ و ٦٩ من الدستور ؛ حيث إن النص المطعون فيه -
وعلى ضوء ماتقدم - يقيد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونيـة التـي
كفلها الدستور، ولايلتزم الضوابط التى رسمها في شأن المحاكمة المنصفة، ومـن
بينها افتراض البراءة كحقيقة مستعصية عن الجدل، وليس مبناه فعـلا أو امتناعـ ا
يمثل سلوكا مؤاخذا عليه قانونا؛ وكان إيقاع أحد هذه التدابير التـى تتـوافر لهـا
خصائص الجزاء - وحتى بافتراض جواز تقريرها اتصالا بالخطورة الإجراميـة
التى افترضها المشرع - يمتد زمنا قد يصل إلي عشر سنين بما يؤكـد قـسوتها،
لتعطل حق المشمولين بها في النفاذ إلى ألوان ال حياة وأشكالها فى مجـتمعهم مـع
تضييقها لفرصهم في العمل، بما يعوق اندماجهم فى القيم التى يؤمن بهـا؛ وكـان
لايجوز بعد اتخاذ هذه التدابير -وبفرض جوازها - الرجوع عنها أو تعـديلها بمـا
يكفل تناسبها أو استمرار ملاءمتها للأوضاع المتطورة للحالـة الإجراميـة التـى
وسمهم المشرع به ا؛ وكان المشمولون بتلك التدابير مواجهين بها لايملكون دفعهـا،
كلما قام الدليل على سبق الحكم عليهم واتهامهم جديا أكثر من مرة، ممايجردهم من
وسائل الدفاع التى كفلها الدستور فى شأن كل جزاء جنائيا كان أم تأديبيا؛ وكان من
المقرر فى شأن تدابير الدفاع الاجتماعى أ ن غايتها بلوغ أغراض بعينها تقتـضى
جهدا وصبرا ممتدا، فإن العدول عنها قبل أن تكتمل أهدافها، لايكون جائزاً، ولو لم
)١( يعد المشمولون بها من الخطرين
.إن كان من المقرر أنه لا يجوز قانوناً محاكمة الشخص أكثر من مرة عن
فعل جنائي وقع منه إلا أنه يشترط لذلك أن يكون الفعل واحد ا في المحاكمتين، وأن
تملك المحكمة الأولى الفصل فيه بجميع أوصافه المختلفة وعلى الأخـص وصـف
الجريمة الأشد، فإذا كانت المحكمة الأولى لا تملك تعديل الوصف المرفوعـة بـه
الدعوى أمامها، وكان هذا الوصف مقرر ا للجريمة الأخف، فإن الحكم الصادر على
)١( هذا الأساس لا يمنع من إعادة محاكمة المتهم عن الجريمة الأشد
.
فالأحكام النهائية الصادرة بالإدانة أو بالبراءة هي عنوان للحقيقة، وتحـوز
حجية مطلقة، وما تؤدي إليه من تحقيق الاستقرار القانوني، ولذلك فإن صـيرورة
)٢( الحكم باتا يحول دون إعادة المحاكمة حتى ولو شاب الإجراءات خطـأ فـاد ح
،
وحجة ذلك أن المحاكمة التالية بعد صدور حكم بات تعنى عدم العدالة . وإذا كـان
الدفع مبدأ دستورياً، فإنه يكون من النظام العام . ومن ثم يجوز إثارته في أية حالـة
كانت عليها الدعوى .
وللمتهم الحق في التمسك بمبدأ عدم جواز محاكمته مرتين عن ذات التهمة
في حالتين الأ ولي أن يكون الحكم السابق عن التهمة قد صار باتا بـ شرط وحـدة
الواقعة والثانية الأحكام الصادرة بالبراءة
ويشترط لصحة الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه في المسائل الجنائية بما يتعين
معه الامتناع عن نظر الدعوى الجنائية، أولا : أن يكون هناك حكم جنـائي نهـائي
سبق صدوره ف ي محاكمة جنائية معينة، وأن يكون بين هذه المحاكمة والمحاكمـة
التالية التي يراد التمسك فيها بهذا الدفع اتحاد في الموضوع والـسبب وأشـخاص
المتهمين. ثانيا : أن يكون الحكم صادر في موضوع الدعوى سواء قضي بالإدانـة
وتوقيع العقوبة أو بالبراءة . وعلى ذلك فإنه يشترط للدفع بسبق الحكم البات وحـدة
)١( الواقعة ووحدة الخصوم
.
وقد أكدت المحكمة الأمريكية العليا أن مبدأ عدم جواز محاكمة المتهم عـن
ذات التهمة مرتين يلقي احتراما كاملاً في الأحكام الصادرة بالبراءة، ولو كان هـذا
الحكم نتيجة خطأ إجرائي في قضية Fonyfoo V. United States سنة ١٩٦٢،
حين قضت ببطلان حكم محكمة الاستئناف الذي ألغي حكم محكمة المقاطعة الصادر
بالبراءة لوجود خطأ إجرائي، وقع من المدعي العام الذي أحال الاتهام إلى المحكمة
دون الإحالة إلى هيئة المحلفين صاحبة الاختصاص في تحديد الاتهام وتكييفه، فهي
الهيئة المنوط بها في ظل هذا ا لنظام الإجرائي تحديد البراءة أو الإدانة في ضـوء
الأدلة المقدمة في الدعوى .
قد استندت محكمة المقاطعة في حكمها بالبراءة إلى وجـود هـذا الخطـأ لإجرائي. وقد أسست المحكمة الأمريكية بطلان حكم محكمـة الاسـتئناف علـى الأسباب الآتية : أولاً : أن محكمة الاستئناف حين ألغت حكم محكمة المقاطعة، قـد أغفلت المبدأ الدستوري المنصوص عليه بالتعديل الخامس " عدم جـواز محاكمـة الشخص عن ذات التهمة مرتين ". ذلك أن المتهمين قـد حوكمـوا أمـام محكمـة المقاطعة وصار حكمها باتاً . ثانياً : قد تأكد حكم محكمة المقاطعة حين صدر قرار هيئة المحلفين بالبراءة، وإن كان متأخرا إلا أنه قد صار باتاً . ثالثـاً : إن محكمـة المقاطعة لم تستند في حكمها على الخطأ الإجرائي الفادح فحسب، وإنمـا اسـتندت
" كذلك على عدم كفاية الأدلة المقدمة لإدانة المتهم
)١(
.
وقد تواترت أحكام المحكمة الأمريكية العليا على احترام "مبدأ عـدم جـواز محاكمة المتهم عن ذات التهمة مرتين" واستقرت أحكامها عليه؛ ففي قضية Ashe
V. Swenson سنة ١٩٧٠، قضت بأن هذا المبدأ يعد تجسيدا للتعديل الدستوري الرابع عشر الذي ينص على المساواة بين جميع المتهمين أمام الإجراءات الجنائية ، وبهذين النصين تتحقق العدالة، وأن صدور الحكم بالب راءة يحول دون رفع الدعوى مرة أخرى عن ذات الواقعة وبين نفس الأطراف، وهو مبدأ أساسي يسيطر علـى إجراءات الخصومة الجنائية ويأخذ في الاعتبار الدليل المقدم وظروف الواقعة .
واستثناء من ذلك يجوز محاكمة الشخص عن ذات التهمة مرة أخـرى، إذارتكب جريمة في إحدى الولاي ات، وحوكم عنها وصدر له فيها حكم بالبراءة، غير أنه إذا عاد إلى ولايته التي يقيم فيها، تتم محاكمته مرة أخرى عن ذات الجريمـة،
نما تحت وصف تجريمى آخر . ذلك أن البراءة الصادرة من محكمة الولاية التـي
ارتكبت فيها الجريمة لا تنص على العقاب إلا عن وصف معين، بينما ولايته التي
يقيم فيها تعاقب عن ذات الفعل تحت وصف تجريمي آخر مما يستوجب معه وجود
)١( تنسيق بين النصوص والنماذج التشريعية للجرائم في الولايات
.
إن افتراض قرينة براءة المتهم هي جزء من خصائص النظـام الاتهـامي
اللازم لحماية الحقوق الرئيسية التي كفلتها المادة (٩٦ من الدسـت ور لكـل مـتهم
والمادة (١١) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الثانية من المادة (١٤)
من العهد الدولي للحق وق المدنية والسياسية، بما مؤداه أن هذه البـراءة لا يجـوز
تعليقها على شرط يحول دون إنفاذ محتواها، ولا تعطيلها من خلال اتهـام يكـون
متهاويا، ولا نقضها ب إعفاء النيابة من التزامها بالتدليل على صحة اتهامها، أو عن
طريق تدخلها هي أو غيرها للتأثير دون حق في مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها
النهائية، بل إ ن الإخلال بها يعد خطأ لا يغتفر مستوجبا نقض كل قرار لا يتوافـق
معها .
ويعتبر أصل البراءة جزءا لا يتجزأ من محاكمة تـت م إنـصافاً، باعتبـاره
متساندا مع عناصر أخرى تشكل مقوماتها، وتمثل في مجموعها حـداً أدنـي مـن
الحقوق اللازمة لإدارتها، ويندرج تحتها أن يكون لكل من المتهم وسلطة الاتهـام،
الوسائل عينها، التي يتكافأ بها مركزا هما، سواء في مجال دحض التهمة أو إثباتها، -٢٨-وهي بعد حقوق لا ي جوز الحرمان منها أو تهميشها سواء تعلق الأمر بشخص يعتبر )١( متهما أو مشتبهاً فيه
.
وإذا كانت الغاية من وراء منح القاضي سلطة تقدير الأدلة، هي الوصـول إلى اليقين للحكم بالإدانة، فإنه إذا لم يصل إلى ذلك اليقين، فعليه أن يحكم بالبراءة . فالحكم بالبراءة هو رهن بالشك الذي يجب أن يفسر لمصلحة المتهم، أو كان القانون لا يعاقب علي تلك الواقعة ، وعلى ذلك تنص المادة (٣٠٤ .أ) ج بقولها "إذا كانـت لواقعة غير ثاب تة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم. أمـا ذا كانت الواقعة ثابتة وتكون فعلا معاقبا عليه تقضي المح كمة بالعقوبة المقررة في لقانون". ويشير النص إلى العنصرين الذين يتعلق بهما مصير الاتهـام موضـوع لدعوى الجنائية - إدانة المتهم أو براءته ،- وهذان العنصران هما عنصر الإسـناد )٢( وعنصر الإثم
.
ومن المقرر أن دستورية النصوص القانونية التي ينشئها المشرع في المجال لجنائي، تفترض صدور قانون يكون محددا للجرائم التي أنشأها، ومقررا لعقوباتها، بما لا تجهيل فيه، وبما لا يجاوز الضرورة، دون إخلال كذلك بحقوق الدفاع بشأن نفيها، وبمراعاة أن النصوص العقابية الأكثر سوءاً – بالنظر إلى مـضمونها – لا جوز سريانها بأثر رجعي، وكلما أهدر المشرع – من خلال قرينة قانونية أحـدثها – افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه، فإن ذلك يعـد إخـلالا بوسـائل دفعها، وإهدار ا ل لتوازن بين الحقوق التي يملكها لدحضها و بين تلك التي تحوزهـا سلطة الاتهام لإثباتها .
ويبدو افتراض البراءة أكثر ضرورة في مجال حقوق الدف اع، بـالنظر إلـى لوسائل الإجرائية التي تملكها النيابة العامة في مجال إثباتهـا للجريمـة، تـدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولا يوازنها إلا افتراض البراءة لضمان ألا يدان عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها . ولا يجوز أن تفسر النصوص العقابية، باعتبارها نافية لأصل براءة المتهمين بمخالفتها. ولا منهية لضرورة أن يكون الدليل على الإخلال بها منتجا ومؤثرا، بل يكون لكل مـنهم –
وارتكازا إلى هذا الأصل – أن يظل ابتداء "صامتا وأن يقيد ولو انتهاء " مما يثيـر " شكلا معقولا محبطا بالتهمة من جهة ثبوتها
)١(
.
ونخلص مما تقدم أن قرينة البراءة تحمي الحريات الفردية من خلال مبـدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بتحديد الأفعال والعقوبات تحديداً دقيقاً بالنص والتفسير لضيق لنصوص التجريم، وعدم رجعية القانون الأسوأ للمتهم فضلا عـن حمايـة قرينة البراءة لحقوق الدفاع .
وإذا كانت قري نة البراءة ت نقل عبء إثبات العكس، فالشخص تفترض براءته حتى تثبت إدانته، ومع ذلك فإن أدلة الإثبات المقدمة من النيابـة العامـة، أو عـن طريق القاضي بحكم دوره الإيجابي في إثبات الحقيقة، لا تكفـي لـدحض قرينـة لبراءة حتى على الرغم من توافر هذه الأدلة، ولذلك تظل قرينة ا لبراءة قائمة حتى صدور حكم قضائي باق يفيد الإدانة، هذا الحكم القضائي هو القرينة القاطعة علـى )٢( لحقيقة، وهو وحده الذي يهدر قرينة الأصل في المتهم البراءة
.وإذا كان الحكم القضائي لا يصدر إلا بناء على يقين القاضي، فإنه علـى الرغم
من ذلك، لا يؤثر على قرينة البراءة، مادام لم يعد باتا. فالحكم البات هو الذي
يحوز الحجية، ويعبر عن الحقيقة .
وإذا كان القاضي حراً في تكوين ا قتناعه، وحراً في اختيـار الأدلـة التـي
يطمئن إليها لوجوب بناء اليقين القضائي على أدلة مستساغة عقـلاً ، إلا أن ذلـك
مشروط بأن يكون استنتاج القاضي لحقيقة ال واقعة، وما كشف عنها مـن أدلـة لا
يخرج عن مقتضيات العقل والمنطق
)١(
، ذلك أن إفراغ الحكم في عبارة معمـاه أو وضعه
في صورة مجهلة لا يحقق غرض الشارع من تسبيب الحكم، فالغرض هـو الوقوف
على مبرراته سواء من الخصوم أو الجمهور أو محكمة النقض، لتطمـئن معه النفس والعقل إلى أ ن القاضي ظاهر العذر في إيقاع حكمه على الوجه الـذي ذهب إليه وإذا كانت قرينة البراءة تقول إ "ن المتهم بر ىء حتى تثبت إدانته في محاكمة
قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه "، فإن الغـرض منهـا در ء توقيـع
العقوبة التي تفرض على الأبرياء لمجرد الشبهات؛ فهي تقو م لتساند وجه الحقيقـة،
مع إسدال ضمانة على المتهمين، حتى أنه حين تتقرر إدانتهم تكون على أساس من
الصواب، ولذلك كان نص المادة (٢٢١ .أ) "ج تختص المحكمة الجنائية بالفصل في
جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم
ينص القانون على خلاف ذلك ".
وقد عرفت المحكمة الأوربية لحقو ق الإنسان قرينة البـراءة بقولهـا إ نهـا
"تستلزم من بين ما تستلزمه أن يقع على أعضاء المحكمة التزام مقتضاه ألا تكـون
لديهم فكرة مسبقة ابتداء بأن المتهم قد ارتكب الجريمة المنسوبة إليـه، وأن عـبء
الإثبات يقع على سلطة الاتهام ، وأن الشك – أي شك – يجب أن يفـسر لمـصلحة
المتهم، وأن يحيط الادعاء المتهم علما بالتهمة الموجهة إليه حتى يمكنـه تحـضير
دفاعه، وأن على الادعاء تقديم الدليل الذي يقنع المحكمة بالاتهام " وهذا هو مضمون
القاعدة الحكمية التي عبرت عنها المادة (٩٦) من دستور ٢٠١٤ حين نصت على
أن "المتهم بر ىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
عام. يمكن القول إن نظام المعلومات يعزز شفافية السوق من خلال توفير المعلومات اللازمة ويعزز تداولية ال...
In this presentation, I will focus on main points: First, I will provide a definition of the concep...
في خسائر فادحة للذرة، والمحاصيل السكرية، والأعلاف النجيلية، والكينوا. لمواجهة هذه التحديات بفعالية،...
أدى الإنترنت والتطور الرقمي إلى إحداث تحول جذري في أساليب التواصل وتبادل المعلومات بين الأفراد. فنحن...
تم في هذا المشروع تطبيق مكونات الواجهة الأمامية (Front-end) والواجهة الخلفية (Back-end) الشائعة لضما...
تُعد عدالة الأحداث من أهم القضايا التي تشغل الأنظمة القانونية والاجتماعية في مختلف دول العالم، نظرًا...
كان تحالف ديلوس في البداية قوة دفاعية ناجحة، لكنه تحول مع الوقت إلى أداة للسيطرة الأثينية، مما أدى إ...
--- ### **التعريف:** عوائق التعلم التنظيمي هي **عوائق إدراكية، أو ثقافية، أو هيكلية، أو شخصية** تم...
أولا شعر الحزب الزبيري بدا يتنصيب عبد الله بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز، واستمر تسع سنوات، وانته...
ث- الصراع: يعتبر من المفاهيم الأقرب لمفهوم الأزمة، حيث أن العديد من الأزمات تنبع من صراع بين طرفين...
تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...
زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...