لخّصلي

اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي واﻟﺜﻤﺎﻧﻮن
تمﺎم اﻟﻔﺘﺢ
ﺑﺎﺗﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ وﻻ ﻧﻈﻨﻬﻢ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﻧﻮﻣًﺎ ﻟﻔﺮط ﺗﺄﺛﺮﻫﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء اﻟﻐﺮﻳﺐ، وملﺎ
أﺻﺒﺤﻮا أﺣﺐ أوﺑﺎس أن ﻳشرف ﻋلى ﺗﻠﻚ املﻮﻗﻌﺔ ﺛﻢ ﻳﻤﺮ ﺑني املﻌﺴﻜﺮﻳﻦ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻣﺎت
ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﻦ ﻫﺮب، ﻓﻤشى وراﻓﻘﻪ ﻳﻮﻟﻴﺎن وﺑﺪر وأﻟﻔﻮﻧﺲ ﻓﺮأوا اﻟﺠﺜﺚ ﻣﺒﻌﺜﺮة
ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك وﻋﺮﻓﻮا ﻣﻦ اﻟﻘﺘلى ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻮاد في ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ ﻛﻮﻣﻴﺲ ﻓﺄﺳﻔﻮا ﻋﻠﻴﻪ أﺳﻔًﺎ
ﺷﺪﻳﺪًا. ﺛﻢ ﻣﺮوا ﺑﺨﻴﻤﺔ املﻠﻚ ﻓﺮأوا ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ اﻷب ﻣﺮﺗني ﻣﺠﻨﺪﻻ ًﻓﻠﻢ ﻳﺸﺄ أوﺑﺎس أن
ﻳﺘﻔﺮس ﻓﻴﻪ، وملﺎ ﻋﺎدوا ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻄﻮاف ﻃﻠﺐ أوﺑﺎس ﻣﻦ ﻃﺎرق أن ﻳﺄذن ﻟﻬﻢ ﺑﻨﻘﻞ
ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺜﺚ ﻟﻠﺼﻼة ﻋﻠﻴﻬﺎ ودﻓﻨﻬﺎ.
ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ إلى ﻃﻠﺒﻪ، ﻓﻨﻘﻞ ﺟﺜﺚ اﻟﻘﻮاد وﺟﺜﺔ ﻣﺮﺗني وﺻﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ودﻓﻨﻮﻫﺎ، ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻬﻢ
ﻓﻠﻮرﻧﺪا ﻳﺪﻓﻨﻮن املﻮﺗﻰ ذﻫﺒﺖ إلى أوﺑﺎس وأﺧبرﺗﻪ ﺑﻤﻘﺘﻞ أﺟﻴﻼ وﺷﺎﻧﺘﻴﻼ وﻃﻠﺒﺖ إﻟﻴﻪ أن
ﻳﺼلي ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ وﻳﺪﻓﻨﻬﻤﺎ، ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ إلى ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺖ وﻗﺪ أﺳﻒ ملﻘﺘﻠﻬﻤﺎ ﻓﺪﻓﻨﻬﻤﺎ ودﻓﻦ ﻣﻌﻬﻤﺎ
ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ أوﻻد اﻟﺸﻴﺦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﺮم، وملﺎ أﺧبرﺗﻪ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ دﻓﺎع اﻟﺸﻴﺦ وأوﻻده
ﻋﻨﻬﺎ وأوصى ﻃﺎرﻗًﺎ ﺑﻪ وﺑﺄﻫﻠﻪ ﺧريًا.
وملﺎ ﻏﺮﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﻬﻴﺄ أﻟﻔﻮﻧﺲ ﻟﻌﻘﺪ إﻛﻠﻴﻠﻪ ﻋلى ﻓﻠﻮرﻧﺪا في ﺧﻴﻤﺔ ﻳﻮﻟﻴﺎن ﻓﺎﺣﺘﻔﻠﻮا
ﺑﺬﻟﻚ ﻋلى أﺑﺴﻂ اﻟﻄﻘﻮس، وﻗﻠﻮب اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﻔﻴﺾ سرورًا ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء ووﺟﻮﻫﻬﻢ ﺗﺒﺘﺴﻢ
إﻻ أوﺑﺎس ﻓﺈﻧﻪ ﻇﻞ ﺳﺎﻛﻨًﺎ ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮح وﻻ ﺣﺰن، وﺑﻌﺪ ﺗﻤﺎم اﻹﻛﻠﻴﻞ
ﺳﺄﻟﻬﻢ أوﺑﺎس ﻋﻦ املﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﻔﻀﻠﻮن اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮا: »ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ أﻧﺖ«.
ﻓﻘﺎل: »أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺎﺗﺮﻛﻮﻧﻲ وﺷﺄﻧﻲ«.
ﻓﻘﺎﻟﻮا: »ﻛﻴﻒ ﻧترﻛﻚ وأﻧﺖ ﺣﻜﻴﻤﻨﺎ وﻣﺮﺷﺪﻧﺎ؟«.
ﻗﺎل: »ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻨﻔﻌﺘﻜﻢ. اﺗﺮﻛﻮﻧﻲ أﻗضي ﺑﻘﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة في اﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺼﻼة
واﻻﻧﻘﻄﺎع ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓﻘﺪ رأﻳﺖ ﻣﻦ شروره ﻣﺎ ﻛﻔﺎﻧﻲ.. وﻫﻞ أﺗﻮﻗﻊ أن أرى ﺑﻌﺪ
ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻫﺬه املﻮﻗﻌﺔ ﻏري ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ أﺳﻔﻲ وﻳﻀﺎﻋﻒ ﺣﺰﻧﻲ وأﻧﺎ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻲ
إﻟﻴﻪ ﺿﻤريي وﻳﺴﺘﺤﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮاﺟﺐ؟ ﻓﺎﻷﺟﺪر ﺑﻲ أن أﻗضي ﺑﻘﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة في ﻣﻜﺎن
ﻻ أرى ﻓﻴﻪ ﺑشرًا. وﻻ ﻳﺮاﺟﻌﻨﻲ أﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ في ذﻟﻚ«..
ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ أن ﻳﺮاﺟﻌﻪ ﺳﻮى رﺟﻞ ﺗﺼﺪى ﻟﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺤﻀﻮر وﻗﺎل: »وأﻧﺎ
أﻳﻦ أذﻫﺐ؟«.
ﻓﺘﻮﻫﻢ أﻟﻔﻮﻧﺲ أﻧﻪ ﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮت ﻳﻌﻘﻮب وﻟﻜﻦ اﻟﺰي ﻏري اﻟﺰي.. أﻣﺎ أوﺑﺎس ﻓﻌﺮﻓﻪ
ﻓﻘﺎل: »ﻫﺬا ﻳﻌﻘﻮب وﻗﺪ وفى ﺑﻨﺬره وأﺻﻠﺢ ﻟﺤﻴﺘﻪ واﻏﺘﺴﻞ«.
ﻓﺘﺬﻛﺮ أﻟﻔﻮﻧﺲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﻌﻤﻪ في ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻓﻨﻈﺮ إلى ﻳﻌﻘﻮب ﻓﺈذا
ﻫﻮ ﺣﺴﻦ اﻟﻬﻨﺪام وﻗﺪ أﺻﻠﺢ ﻟﺤﻴﺘﻪ وﺗﺰﻳﺎ ﺑﺰي ﺣﺎﺧﺎﻣﻲ اﻟﻴﻬﻮد ﺗﻤﺎﻣًﺎ، ﻓﻘﺎل ﻟﻪ: »وﻣﺎ
ذﻟﻚ ﻳﺎ ﻳﻌﻘﻮب؟«.
ﻗﺎل: »ﻟﻘﺪ آن لي اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎﻟﻨﺬر واﻟﺘﺤﺮر ﻣﻦ رﺑﻘﺔ اﻟﺬل، إذ أﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ﻫﺬا
اﻟﻔﺘﺢ أﺣﺮارًا ﻳﺘﺒﻊ ﻛﻞ رﺟﻞ دﻳﻨﻪ. وأﻧﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻢ ﷲ ﻳﻬﻮدي ﺟﻨﺴًﺎ ودﻳﻨًﺎ ﻓﺄﺣﺐ اﻟﺮﺟﻮع
إلى ﻣﺬﻫﺒﻲ ﻓﺄﺻلي في ﻛﻨﻴﺴﺘﻲ وأﻗﺮأ ﻛﺘﺎﺑﻲ«.
وﺑﺎﺗﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻠﻤﺎ أﺻﺒﺤﻮا ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا أوﺑﺎس في ﺧﻴﻤﺘﻪ وﻻ في ﺳﺎﺋﺮ املﻌﺴﻜﺮ وﻻ
ﻋﺜﺮوا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤني.. ﻓﻌﻠﻤﻮا أﻧﻪ ذﻫﺐ ﻟﻠﺘﻨﺴﻚ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل.
وأﻣﺎ أﻟﻔﻮﻧﺲ وﻳﻮﻟﻴﺎن ﻓﻈﻼ ﻋﻮﻧًﺎ ﻟﻄﺎرق وﺟﻨﺪه ﺣﺘﻰ أﺗﻢ ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ.. وﻗﻠﻤﺎ
ﻻﻗﻰ ﻣﺸﻘﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ املﻮﻗﻌﺔ إﻻ في أﺳﺘﺠﺔ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺳﺎروا إﻟﻴﻬﺎ ﺗﻮًا ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻌﺔ شرﻳﺶ
وﺣﺎرﺑﻮا ﻫﻨﺎك ﺣﺮﺑًﺎ ﺷﺪﻳﺪة. ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺘﺤﻮﻫﺎ وﻗﻊ اﻟﺮﻋﺐ في ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس وﻫﺮﺑﻮا إلى ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ
ﻓﺄﺷﺎر ﻳﻮﻟﻴﺎن ﻋلى ﻃﺎرق أن ﻳﻔﺮق ﺟﻴﻮﺷﻪ في ﻣﺪن اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻷن اﻟﻨﺎس أﺧﻠﻮﻫﺎ وﺳﺎروا
إلى اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ، ﻓﺒﻌﺚ ﺟﻴﺸًﺎ إلى ﻗﺮﻃﺒﺔ وﺟﻴﺸًﺎ إلى ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ وﺟﻴﺸًﺎ إلى ﻣﺎﻟﻘﺔ وﺟﻴﺸًﺎ إلى
ﺗﺪﻣري، وﺳﺎر ﻫﻮ وﻣﻌﻈﻢ اﻟﺠﻴﺶ إلى ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻷن أﻫﻠﻬﺎ ﻫﺎﺟﺮوا إلى ﻣﺪﻳﻨﺔ
ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺒﻞ. أﻣﺎ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺬي ﺳﺎر إلى ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻓﻘﺪ دﻟﻬﻢ راع ﻋلى ﺛﻐﺮة ﻓﺪﺧﻠﻮا ﻣﻨﻬﺎ
اﻟﺒﻠﺪ وﻣﻠﻜﻮه. واﻟﺬﻳﻦ ﻗﺼﺪوا ﺗﺪﻣري ﻓﺘﺤﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ وﻓﺘﺤﻮا ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺪن. أﻣﺎ ﻃﺎرق
ﻓﻠﻤﺎ رأى ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ﺿﻢ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻴﻬﻮد وﺗﺮك ﻣﻌﻬﻢ رﺟﺎﻻ ًﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ وﺳﺎر ﻹﺗﻤﺎم
اﻟﻔﺘﺢ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻔﺼﻞ في ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ.