لخّصلي

لقد حاولنا من خلال موضوعنا هذا الإحاطة ولو بقدر محدود بحياة الرئيس الراحل محمد
بوضياف بدءا من ولادته إلى غاية فترة ما بعد الاستقلال وبالضبط خلا الفترة الممتدة من 1919
والى غاية 1962 سعيا منا لتوضيح ونقل جوانب من حياته المليئة بالأحداث والحافلة بالوقائع، التي
امتازت بالشدة والإثارة تارة والمغامرة وتحدي الصعاب تارة أخرى، في جو كان مشحونا بروح
الوطنية ومليئا بالمتناقضات التي حاولت سلطات الاحتلال فرضها على الجزائريين، وما كانت
بعض التيارات السياسية الوطنية تعمل على فرضه على أرض الواقع، وهو ما يعد في نظر محمد
خضوعا للفكر الانهزامي أو افتقارا للشجاعة الكاملة، خلافا لقناعته التي كانت ترى
بأن الحل الأمثل لاسترجاع السيادة الوطنية يكمن في العمل الثوري، الذي من بين أسالبه
الاساسية استخدام القوة مهما كانت . وهو ما جعل محمد بوضياف ورفقائه في قمة الصدارة في
حياتهم النضالية والسياسية والعسكرية، لأن هذا الخيار يعد في نظرهم الخيار الأمثل الذي
يتلاءم وطبيعة الفكر الاستعماري بشكل عام وفي الجزائر بشكل خاص، انطلاقا من تجارب الماضي وممارسات الواقع.
الأمر جعل محمد بوضياف يتحمل مسؤولياته كقائد جهوي للمنظمة الخاصة ويسعى
لتجسيد مبادئها وأهدافها في الميدان، على أن تكون الثورة في الجزائر نموذجا للثورات في المغرب
العربي، وفي غيره من البلدان المستعمرة منذ الاربعينيات، ورغم أن هذه الغاية لم تتحقق، فإنه لم
يخضع لسياسة الأمر الواقع، كما لم يستكين لضغوط إدارة الاحتلال التي سلطت أبشع أنواع
التعذيب والتنكيل ضد أعضاء المنظمة الخاصة، كما أنه لم يفشل في تجسيد قناعاته المتمثلة في
تفجير الثورة في أقرب الأجال جراء الأزمة التي عصفت بحركة انتصار الحريات الديمقراطية التي حمل
مناضلوها مبدأ النضال التحرري منذ الثلاثنيات، وعمل بكل الطرق على توحيد الصفوف، من
أجل تحقيق الغاية التيكان يناضل من أجلها.
ومن هنا يمكن التوصل إلى جملة من الاستنتاجات المتعلقة بحياة محمد بوضياف
ونشاطه السياسي، قبل وأثناء، ثم بعد الثورة، والتي من بينها:
نشأ محمد بوضياف، كغيره من ابناء الجزائر الذين عاشوا في فترة الاستعمار، حياة الفقر
والحرمان والتمييز العنصري بين أبناء الجزائريين، وأبناء المعمرين، في شتى مجالات الحياة، الأمر الذي
جعله يحس بالظلم والاضطهاد، ومن ثم نبذ ظاهرة الاستعمار منذ أن كان طفلا.
كما أن بوضياف ولد سنة 1919 ،وهي الفترة التي ظهر فيها النشاط السياسي بالبلاد
بجميع اتجاهاته، وكذا ظهور جملة من التناقضات الفكرية والسياسية لدى الدول الكبرى، والتي من
بينها تلك الصادرة عن مؤتمر الصلح، لما قامت دول الوفاق الثلاثي بمعاقبة دول الحلف الثلاثي،
واتهامها بأنها هي المتسببة في تعاسة دول العالم نتيجة الحرب العالمية الاولى وفي نفس الوقت
معاملة الفرنسيين للشعب الجزائري معاملة العبيد، فتأكد بأن الفكر العالمي السائد وقتذاك هو فكر
القوى الكبرى، المسلط على الضعفاء، ولا يتغير إلا بالكفاح المسلح.
إلى جانب كون الفترة التي نشأ فيها بوضياف، عرفت حركية نشيطة للأحزاب الوطنية بكل اتجاهاتها وهو ما جعله يتأثر بها جميعا ويتفاعل معها، إما بالرفض مثل الحزب الشيوعي،
ودعاة الإدماج التي لم يتقبل افكارها، ورأى فيها خروج عن واقع الشعب الجزائري وأهدافه، ووإما
بالقبول والتشبع، مثل أفكار التيار التحرري، الذي كان يرى فيه السبيل المنقذ لمعاناة الجزائريين،
فناضل فيه حتى الاستقلال .
لمحمد بوضياف شخصية متميزة، فهو لا يجامل ولا يحابي، أي كان إذا كان الأمر يتعلق
بمصير البلاد، الأمر الذي جعل مواقفه صارمة، وخير دليل على ذلك موقفه من قضية تشكيل
منظمة شبه عسكرية، وكذا موقفه من الأزمة الدائرة بين المصاليين والمركزيين، وصولا إلى تعدد
الرؤى من اندلاع الثورة أو تأجيلها في اجتماع مجموعة الإثنين والعشرين، فكان قراره الصائب
بحتمية تفجير الثورة في أمد لا يتعدى الستة أشهر، وهو القرار الذي صوتت عليه أغلبية الحاضرين
في الاجتماع.