لخّصلي

تعارض وتداخل مصطلح السيادة الإقليميَّة مع الولاية القضائيَّة: من أجل فهم الولاية القضائيَّة لابدَّ من التمييز بين الولاية القضائيَّة، والسيادة؛ فهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وغالباً ما يتمّ استخدام ولاية الدولة، أو سيادة الدولة فيما يتعلَّق بإقليم الدولة، ولكنَّ الَّتوحيد في المعنى بصفةٍ عامَّةٍ قد لا يعطي المعنى الصحيحَ لكليهما. فالسيادة: هي مجموعة حقوقٍ للدَّولة متكاملةٍ تتألَّف منها الشخصيَّة القانونيَّة للدَّولة، وأمّا الولاية؛ فهي جانبٌ من جوانب السيادة، وتُعدُّ مفهوماً ثانويَّاً تجاه السيادة؛ فالولاية مستَمَدَّةٌ من السيادة، والسيادة نفسها تجسِّد مجموعةً مختلفةً من أنواع الولايات؛ فولاية الدولة هي جانبٌ عمليٌّ من جوانب ممارسة السيادة تعبِّر عن مجموعة صلاحياتٍ وسلطاتٍ مسموحٌ للدَّولة أن تمارسها بموجب القانون الدوليّ، وتنطوي تلك الصَّلاحيات على قواعدَ قانونيَّة تنظِّم السُّلوك وتفصل في المنازعات بواسطة محاكمها، ولا يضرُّ ذلك بمعنى الولاية؛ فالمعنى الملموس للولاية لا يمكن اكتشافه إلا في السّياق الَّذي ورد فيه .
وهناك اختلافٌ بين مصطلح السيادة، ومصطلح الولاية القضائيَّة؛ إذ يتَّضح أنَّ الأوَّل يشير إلى الحالة الطبيعيَّة الحصريَّة للنِّظام القانونيّ للدَّولة، ويمنحها شخصيَّتها الدوليّة، بينما يشير الثَّاني إلى صلاحيات التَّشريع، والَّتنفيذ الموضوعيَّة المشتقَّة من هذه السيادة.
ويُعد مفهوم الولاية القضائيَّة الإقليميَّة أداةً لتحديد الوضع الإقليميِّ، في حين أنَّ السيادة الإقليميَّة تتعلَّق عادةً بالأساس القانونيّ لتلك الولاية القضائيَّة الإقليميَّة الشَّاملة، وبتعبير آخر تمثل السيادة شرعيَّة الدولة في تقنين تشريعاتها، وبانتفاء السيادة تفقد الدولة شرعيتها، وعلى الرَّغم من هذا التمايز النَّظري؛ فإنَّ اشتقاق مفهوم السيادة الإقليميَّة من مفهوم الدولة -ولا سيما من الممارسة المستقلَّة لسلطتها القانونيَّة- يوضِّح أنَّ السيادة وممارسة الولاية القضائيَّة الإقليميَّة يتداخلانَّ عادةً مما يجعل استخدام مفهوم السيادة الإقليميَّة جوهرَ الخطاب القانونيّ بين الدول بشأن الأراضي والنّزاعات القضائيَّة، وبالانتقال إلى التَّعريف القانونيّ للإقليم؛ فالإقليم هو المجال المكانيُّ الَّذي تتجلَّى فيه سيادة الدولة بشكلٍ طبيعيٍّ، وغالباً ما يُستخدم مصطلح السيادة كمرادفٍ لكلمة الإقليميَّة .
ومن جهة أخرى يُعدُّ الإقليم الجسم الماديِّ للدَّولة بحسبانه أحد العناصر المكوِنة لشخصيتها ؛ لذلك يُقال: "إنَّ السيادة الإقليميَّة ليست سوى حق أو أهلية الدولة في ممارسة الولاية القضائيَّة في الإطار الأقليميِّ" .
وبرأي أستاذنا الفاضل الدكتور ياسر الحويش أن السيادة تعني سن وتنفيذ القواعد القانونية ضمن إقليم الدولة واحياناً خارجه، وهذه المسألة هي من الاختصاص الداخلي للدولة الذي لا يجوز التدخل فيه، وهذه هي السيادة ولها وجه آخر هو الاستقلال الذي يكون أساساً لمبدأ عدم التدخل وبتعبير آخر، فهو يرى أن ممارسة الاختصاص الداخلي (الولاية القضائية) من جانب الدولة تمنع التدخل في شؤونها الداخلية من جانب أي سلطة خارجية سواء كانت دولة أو منظمة دولية .
ويُستخدم مصطلح الولاية القضائيَّة لوصف أشياءَ كثيرةٍ؛ فقد تشير الولاية القضائيَّة إلى الحدود الجغرافيَّة الَّتي تمارس المحكمةُ سلطتها فيها، وقد تشير إلى حدود سلطة المحكمة .
وقد تشير في ظلِّ القانون الدوليّ العام إلى سيادة الدولة؛ فالدولة تجسِّد سيادتها بممارسة ولايتها التَّشريعيَّة، والتَّنفيذيَّة، والقضائيَّة؛ فالسيادة والولاية القضائيَّة مصطلحان مترادفان، والسيادة في هذا المعنى تعني التَّحكم، والسَّيطرة على إقليم الدولة الَّذي تمارس سيطرتها عليه، والإقليم هو الحيِّز المكانيُّ الَّذي تتجلَّى فيه ولاية الدولة وسيطرتها، وهو ما يعرف بمبدأ السيادة الإقليميَّة ، وهذا يدفعنا للحديث عن المساحة الَّتي تُمارس فيها الولاية القضائيَّة؛ حيث تُشير الولاية القضائيَّة إلى مساحةٍ جغرافيَّةٍ محدَّدةٍ تشمل جميع الأشخاص الوطنيين والأجانب ، ولا مفرَّ من وجود ولاية قضائيَّة لكلِّ دولةٍ على حدة تميّزها عن غيرها من الدول؛ فكلُّ دولةٍ تختلف عن الأخرى في قوانينها وثقافتها، ويمكن مقارنة ذلك مع النّظام القانونيّ الوطني لكل دولةٍ؛ فهناك تقسيماتٌ محليَّةٌ ضمن كلِّ دولةٍ تحدِّدُ ولاية المحاكم الوطنيَّة ضمن التقسيم الإداريِّ الخاص بها، وبالتَّالي يمكن القول: إنَّ الولاية القضائيَّة هي إحدى الآليَّات المهمَّة لتحديد المجتمع السّياسيِّ وحدود ذلك المجتمع ، وهنا تظهر الولاية القضائيَّة كأداةٍ حكوميَّةٍ تمّ إنشاؤها بموجب الدستور والقانون، وصادقت عليها السُّلطة التَّشريعيَّة، أو الممثلون السّياسيِّون؛ فهي إحدى أذرع الدولة .
وبرأينا: كثيراً ما يُستخدم مصطلح الولاية القضائيَّة عوضاً عن السيادة بهدف إظهار الجانب التَّطبيقيِّ للسِّيادة، وخاصَّةً في المسائل القانونيَّة القابلة للاقتضاء؛ فالسيادة هي السلطة المانحة لشرعيَّة ممارسة الولاية القضائيَّة.