لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

قول الله تعالى:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) سورة غافر:18. يقول شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار الهمذاني:"إن الله تعالى بين في هذه الآية أن الظالم لا يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم، [20])
لأن الظلم إذا أطلق انصرف إلى الكفر، إذ أنَّ الكفر أعظم الظلم، [21]) ويقال أية سورة غافر مثلها تماما في المعنى أية الشعراء، فقال تعالى فيها حاكيًا عن أهل النار قولهم:(فما لنـا من شافعين ولا صديق حميم فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين) الشعراء الآيات:100-102. فعلى ذلك فالشفاعة المنفية عن الكفار، وصاحب الكبيرة ليس بكافر، فيبطل الاستدلال بالآية. وبيان ذلك: يقول الحافظ البيهقي:الظالمـون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين. [22])
ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع فيما شفع، ويُجاب فيما سأل". [23])
ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير". [24])
يقول القرطبي:"وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين، بدليل الأخبار الواردة في ذلك، فقال في صفة الكافرين:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) وقال:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، وقال:(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)، ويقول المفسر الألوسي:إن الكاملين في الظلم؛ [28])في تفسير(ما للظالمين) يعني الكافرين. وذهب الإمام الباقلاني إلى أن الظلم الوارد في قول الله تعالى:(ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع). ثم قال:(ولهذا لما نزل قوله تعالى:(الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) سورة الأنعام: آية 82. [31])
ويدخل في مجموع هذا الكلام الكفار، لأن بعضا منه هم الكفار، وإن لم يفد الاستغراق؛ وعندنا أن بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيع، وهم الكافرون؛ وإذا فعلى كلا الاحتمالين فليس في الآية دلالة على نفي الشفاعة لأصحاب الكبائر. [32])
يقول القرطبي:"هذه الآيات عامة في كل ظالم، والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس، بدليل الأخبار الواردة في ذلك، ونحن إن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم مخلدون فيها، قلنا:لم يقل لمن لا يرضى وإنما قال:(لمن ارتضى) ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون، بدليل قوله:(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)". [33])
ثالثاً:إنَّ الله تعالى نفى في الآية شفيعاً يطاع، ألا ترى أنك إذا قلت: ما عندي كتاب يباع، لا يلزم منه نفي الكتاب. لأنه ليبس في الوجود أحد أعلى حالا ًمن الله تعالى حتى يقال: إن الله يطيعه. [34]) وإذا فنفي الشفيع المطاع لا يقتضي نفي الشفاعة وعليه فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة لأصحاب الكبائر؛ وبذلك يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية. الدليل الثالث:
يقول القاضي عبد الجبار:الآية تدل على أن الشفاعة لا تكون إلا لمن كانت طرائقه مرضية، وأن الكافر والفاسق ليسا من أهلها. [35]) يقول فخر الدين الرازي:"احتجت المعتزلة بقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى) على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم". [36])
المناقشة:
يقول ابن عباس والضحاك:(إلا لمن ارتضى) أي:لمن قال لا إله إلا الله([37]). قال تعالى:(فأغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) سورة غافر:آية7. وكذا شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما عي لأهل التوبة دون أهل الكبائر. قلنا: عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة، فإذا قبل الله توبة المذنب، ولا إلى الاستغفار. وأيضاً: فقد أجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله تعالى:(فاغفر للذين تابوا) من الشرك (واتبعوا سبيلك) سبيل المؤمنين سألوا الله أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم، كما قال تعالى:(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاءُ) سورة النساء:آية 48. [38]) وعلى ذلك، وعليه فيبطل استدلالكم بالآية. وتقييدها يكون بالآيات التي تثبتها بشروط، وهذا لا إشكال فيه، يقول ابن الوزير اليماني:إنه لابد من حمل الآيات المطلقة على المقيدة والعامة على الخاصة، ([39]) ويقول:"قوله تعالى:(من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة)البقرة:254, فأطلق نفي الخلّة والشّفاعة في هذه الآية عن كلّ أحد, وقال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)الأنبياء:28, [40])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على من أنكر الشفاعة لأهل الكبائر بناء على الآيات السالفة:"وَجَوَابُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ:أَحَدُهُمَا:أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي نَعْتِهِمْ :(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)، (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)، (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) فَهَؤُلَاءِ نُفِيَ عَنْهُمْ نَفْعُ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا. فمحمول على الكافرين المستحلين لما يأتونه، دون العصاة من المؤمنين، ومن أذنب ذنبا من المسلمين، ومع قيام الدليل المخصص لها يمتنع القول بتعميمها". [42])
ويقول العلامة الشنقيطي في تفسيره قوله تعالى:(واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) سورة البقرة:48. والسنة، فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله:(وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى) سورة الأنبياء:28، وقال:(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين) سورة المدثر:48، إلى غير ذلك من الآيات". [43])
وبيان ذلك أن الله تعالى وعدهم ذلك الفضل فقال تعالى:(يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) والله تعالى لا يخلف وعده، فإنما يشفع إلى الله تعالى عندكم من أن يخلف وعده، أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل عليه به، فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فلا وجه لهذا. [44])
الدليل الرابع:
قال تعالى:(أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار). يقول القاضي عبد الجبار:"الآية تدل على أن من أخبر اله تعالى أنه يعذبه لا يخرج من النار، فيجب ذلك فيهم. ويدل أيضاً:على أنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع لهم؛ [45])
أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره. [46]) وبكلمة العذاب:هي قوله تعالى لإبليس:(لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) سورة ص:58. [47])
وإذا كانت الآية في الكافر، فلا دلالة فيها على نفي الشفاعة عن صاحب الكبيرة، لأنه ليس ممن حقت عليه كلمة العذاب، وقوله تعالى:(إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) سورة الزمر:53. وأن محمد رسول الله حرم الله عليه النار)([48]). [49]) وغيرها من النصوص الدالة على الوعيد بالمغفرة لما مات لا يشرك بالله شيئاً. وعليه فيبطل الاستدلال بها على نفي الشفاعة لصاحب الكبيرة. وعلى التسليم بأن هذه الآية في أهل الكبائر، وبدون مشيئة الله وإذنه؛ بل لا يشفع إلا لمن ارتضى الله وأذن بالشفاعة له، وصاحب الكبيرة ممن ارتضى الله أن يشفع له؛ يقال للمعتزلة:إن قول الله تعالى:(فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل(. وقوله عز وجل:(فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم(وقوله عز وجل وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر:)ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين( هذه كلها أخلاق الكفار فقال الله عز وجل:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) فدل على أن لا بد من شفاعة لغيرهم وهم أهل التوحيد خاصة. ([50])
ثانياً: الأدلة العقلية:
الدليل الأول:
قول القاضي عبد الجبار:"لقد دلت الدلائل على أن العقوبة تستحق على طريق الدوام، هذا الدليل باطل لما يلي:-
أولاً: أن الأدلة الدالة على دوام العقوبة عامة، وأدلة إثبات الشفاعة لأهل الكبائر خاصة، ثانياً: هذه الشبهة تبني على القول بتخليد الفاسق في النار، يقول القاضي عبد الجبار:"أليس أن الأمة اتفقت على قولهم: اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة، وذلك خلف". ويقول فخر الدين الرازي:"واستدلت المعتزلة على إنكار الشفاعة لأهل الكبائر بوجوه. ويقولون في جملة أدعيتهم:(واجعلنا من أهل شفاعته) فلو كان المستحق للشفاعة هو الذي خرج من الدنيا مصراً على الكبائر؛ [54])
المناقشة:
ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب، ولا قائم بكل ما افترض الله عليه، بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص، فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة. [55]). [56])
فاندفع السؤال". الدليل الثالث:
لأنا قد دللنا على أن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح، [58])
المناقشة:
إنَّ قول القاضي عبد الجبار المعتزلي:(وإن شفع فيه لم يجز) ينبني على أن المكلف لا يدخل الجنة بفضل الله ورحمته، وإنما يدخلها بعمله، وإذا لم يعمل لم يجز أن يدخله الله إياها، وهذا القول باطل لما يلي:-
فيبطله قوله تعالى:(الذي أحلنا دار المقام من فضله) سورة فاطر:آية 35. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته). [59]) فإذاً فإن دخول الإنسان الجنة بفضل الله ورحمته، [60]) وإنما العمل سبب في تفضيل الله على عبده بإدخاله الجن. فلاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئاً. وإذا ثبت أن الإنسان يدخل الجنة بفضل الله ورحمته، وأنه سبحانه الفعال لما يريد، فلا يوجب عليه أحد شيئاً، فلا مانع أن يشفع الله نبيه في من شاء من عباده من أهل التوحيد المرتكبين للكبائر لتظاهر الأحاديث بثبوت الشفاعة لهم، وإذا ثبت أن الله يشفع نبيه فيهم؛ بطل قولكم، (وإن لم يشفع فيه لم يجز). فلا مكان لهذا الاحتمال. وعليه فتبطل شبهتكم هذا. ويصير من أهل الفسوق والعصيان". [61])
يقول الباقلاني: والجواب على هذه الشبهة من وجهين:-
لأنَّ الشفاعة لا تنال بالذنوب، وإنما تنال بالإيمان دون الذنوب، وهذا مثل أن يشفعوا زيداً في ذنب صديقه في دار الدنيا إلى من ملك إسقاط ذلك، وإنما ناله بالصداقة المتقدمة لا نفس الذنب. ونأمره أيضاً بالطاعة حتى ينال بذلك شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الزيادة له من البر والنعيم، الثاني:أنا نعارضكم بمثل قولكم، فنقول لكم ما تقولون فيمن سمع قوله تعالى:(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة:أية 222. فحلف ليفعلن فعلاً يجب عليه فيه التوبة والاستغفار.


النص الأصلي

قول الله تعالى:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) سورة غافر:18.


يقول شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار الهمذاني:"إن الله تعالى بين في هذه الآية أن الظالم لا يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين لتحصل لهم مزية في التفضل وزيادة في الدرجات مع ما يحصل له صلى الله عليه وسلم من التعظيم والإكرام".([20])


المناقشة:


أولاً:إنَّ المراد بالظالمين في الآية هم الكافرون،لأن الظلم إذا أطلق انصرف إلى الكفر، إذ أنَّ الكفر أعظم الظلم، بدليل قول الله تعالى:(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان13.([21]) ويقال أية سورة غافر مثلها تماما في المعنى أية الشعراء، فقال تعالى فيها حاكيًا عن أهل النار قولهم:(فما لنـا من شافعين ولا صديق حميم فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين) الشعراء الآيات:100-102.


  فعلى ذلك فالشفاعة المنفية عن الكفار، وصاحب الكبيرة ليس بكافر، فيبطل الاستدلال بالآية.وقد ذهب إلى تأويل الظالمين بالكافرين أو المشركين مفسرو أهل السنة وغيرهم،وبيان ذلك: يقول الحافظ البيهقي:الظالمـون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين.([22])

ويقول ابن جرير الطبري في تفسير الآية:"وقوله:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ) يقول جلّ ثناؤه:ما للكافرين بالله يومئذ من حميم يحم لهم، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله، ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع فيما شفع، ويُجاب فيما سأل".([23])

وقال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية:"وقوله:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) أي:ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير".([24])

يقول القرطبي:"وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين، بدليل الأخبار الواردة في ذلك، وأيضا فإنَّ الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام، فقال في صفة الكافرين:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) وقال:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، وقال:(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)، فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين".([25])


ويقول المفسر الألوسي:إن الكاملين في الظلم؛ هم الكافرين، لقوله تعالى:(إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان:آية 13.([26]) ويقول ابن الجوزي: ([27])،وابن جزي الكلبي.([28])في تفسير(ما للظالمين) يعني الكافرين.


وذهب الإمام الباقلاني إلى أن الظلم الوارد في قول الله تعالى:(ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع). معناه:الكفر،([29]) واستدل الباقلاني بقوله تعالى:(إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان آية 13. ثم قال:(ولهذا لما نزل قوله تعالى:(الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) سورة الأنعام: آية 82.. حزن الصحابة رضي الله عنهم حتى قالوا:وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"ليس هو كما تظنون، وإنما هو من قول لقمان لأبنه:(يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان: آية 13.([30]) فدلَّ أن لا شفاعة تنفع الكافر، والمؤمن بخلاف ذلك، وإن كانت له سيئات.([31])


ومما يدل على صحة ما ذهب إليه الباقلاني قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة:254.


ثانياً:إنَّ لفظ الظالمين؛إما أن يدل على الاستغراق، وإما ألا يدل عليه. فإن أفاد الاستغراق كان المراد من الظالمين مجموعهم، ويدخل في مجموع هذا الكلام الكفار، ونحن نقول بعدم استحقاق هذا المجموع للشفاعة، لأن بعضا منه هم الكفار، وليس لهم شفيع، فحينئذ لا يكون لهذا المجموع شفيع. وإن لم يفد الاستغراق؛ كان المراد من الظالمين بعض من كان موصوفاً بهذه الصفة، وعندنا أن بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيع، وهم الكافرون؛ وإذا فعلى كلا الاحتمالين فليس في الآية دلالة على نفي الشفاعة لأصحاب الكبائر.([32])


يقول القرطبي:"هذه الآيات عامة في كل ظالم، والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس، وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين، بدليل الأخبار الواردة في ذلك، وأيضا فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) وقال:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، وقال:(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين....ونحن إن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم مخلدون فيها، بدليل الأخبار التي رويناها وبدليل قوله:(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله:(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين) فإن قالوا فقد قال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) والفاسق غير مرتضى، قلنا:لم يقل لمن لا يرضى وإنما قال:(لمن ارتضى) ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون، بدليل قوله:(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)".([33])


ثالثاً:إنَّ الله تعالى نفى في الآية شفيعاً يطاع، وهذا لا يدل على نفي الشفيع، ألا ترى أنك إذا قلت: ما عندي كتاب يباع، لا يلزم منه نفي الكتاب. ثم إن الآية تدل على أنه ليس لهم يوم القيامة شفيع يطيعه الله تعالى؛ لأنه ليبس في الوجود أحد أعلى حالا ًمن الله تعالى حتى يقال: إن الله يطيعه.([34]) وإذا فنفي الشفيع المطاع لا يقتضي نفي الشفاعة وعليه فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة لأصحاب الكبائر؛ وبذلك يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية.


الدليل الثالث:


قال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) سورة الأنبياء:28.


 يقول القاضي عبد الجبار:الآية تدل على أن الشفاعة لا تكون إلا لمن كانت طرائقه مرضية، وأن الكافر والفاسق ليسا من أهلها.([35])  يقول فخر الدين الرازي:"احتجت المعتزلة بقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى) على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم".([36])

المناقشة:


إن معنى الآية:ولا يشفعون إلا لمن رضي الله تعالى أن شفعوا له وأذن فيه. ومن ارتضاه الله تعالى للشفاعة هم الموحدون. يقول ابن عباس والضحاك:(إلا لمن ارتضى) أي:لمن قال لا إله إلا الله([37]). ومما يدل على أن الآية في الموحدين قوله تعالى:(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً) سورة مريم:آية 87. يقول المفسرين:إلا من قال لا إله إلا الله. فإن قالوا: المرتضي هو التائب الذي اتخذ عند الله عهداً بالإنابة إليه، بدليل أن الملائكة استغفروا لهم. قال تعالى:(فأغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) سورة غافر:آية7. وكذا شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما عي لأهل التوبة دون أهل الكبائر. قلنا: عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة، فإذا قبل الله توبة المذنب، فلا يحتاج إلى الشفاعة، ولا إلى الاستغفار. وأيضاً: فقد أجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله تعالى:(فاغفر للذين تابوا) من الشرك (واتبعوا سبيلك) سبيل المؤمنين سألوا الله أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم، كما قال تعالى:(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاءُ) سورة النساء:آية 48.([38]) وعلى ذلك، فالآية ليس فيها نفي للشفاعة، وإنما حصر لها للموحدين، وصاحب الكبيرة مما سوى الشرك الموحد، وعليه فيبطل استدلالكم بالآية.


إن هذه الآية وغيرها من الآيات التي تنفي الشفاعة بإطلاق فهي من المطلق المقيَّد، وتقييدها يكون بالآيات التي تثبتها بشروط، وتبقى الآيات التي تنفي عدم استحقاق الكافرين للشفاعة موافقة لعموم نفي الشفاعة، وهذا لا إشكال فيه، وبهذا يكون الجمع بين الآيات الشفاعة الواردة بشأن الشفاعة، وهذا الجمع بين الآيات هو ما قرره العلماء.


      يقول ابن الوزير اليماني:إنه لابد من حمل الآيات المطلقة على المقيدة والعامة على الخاصة، فالله تعالى نفى الشفاعة في آية مطلقا وقد استثنى ما أذن فيه من الشفاعة بقوله في آية:(من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى). ([39]) ويقول:"قوله تعالى:(من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة)البقرة:254, فأطلق نفي الخلّة والشّفاعة في هذه الآية عن كلّ أحد, ثمّ قيّده في قوله تعالى:(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتّقين) الزخرف:67, وقال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)الأنبياء:28, فأثبت الخلّة والشّفاعة لمن اتّقى, ولمن ارتضى بعد أن نفاهما مطلقاً, وكذلك ما ورد في خروج أهل الإسلام من النّار من صحيح الأخبار".([40])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على من أنكر الشفاعة لأهل الكبائر بناء على الآيات السالفة:"وَجَوَابُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ:أَحَدُهُمَا:أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي نَعْتِهِمْ :(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)، (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)،(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)، (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) فَهَؤُلَاءِ نُفِيَ عَنْهُمْ نَفْعُ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا. وَالثَّانِي:أَنَّهُ يُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ".([41])


    ويقول الآمدى في الرد على استدلاهم بالقرآن الكريم:"وأما إنكار الشفاعة للمذنبين والعصاة من المسلمين، فذلك إنما هو فرع مذهب أهل الضلال...وما ذكروه من الآيات والظواهر السمعيات، فمحمول على الكافرين المستحلين لما يأتونه، المستوجبين لما يقترفونه، دون العصاة من المؤمنين، ومن أذنب ذنبا من المسلمين، ودليل التخصيص في ذلك قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا) النساء:آية116، ومع قيام الدليل المخصص لها يمتنع القول بتعميمها".([42])

ويقول العلامة الشنقيطي في تفسيره قوله تعالى:(واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) سورة البقرة:48. قال:"قوله تعالى:(وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقاً يوم القيامة. ولكنه بين في مواضع آخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم، بدون إذن رب السموات والأرض. أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله:(وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى) سورة الأنبياء:28، وقد قال:(وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر)الزمر:7، وقال تعالى عنهم مقرراً له:(فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ) سورة الشعراء:100، وقال:(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين) سورة المدثر:48، إلى غير ذلك من الآيات".([43])

ويقال للمعتزلة بأن قولكم بأن الشفاعة المذكورة هي أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى في زيادة فضله لأهل الجنة برفع درجاتهم هول قول فاسد، وبيان ذلك أن الله تعالى وعدهم ذلك الفضل فقال تعالى:(يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) والله تعالى لا يخلف وعده، فإنما يشفع إلى الله تعالى عندكم من أن يخلف وعده، وهذا جهل منكم، وإنما الشفاعة المعقولة فيمن استحقه عقابا أن يوضع عنه عقابه، أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل عليه به، فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فلا وجه لهذا.([44])

الدليل الرابع:
قال تعالى:(أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار).سورة الزمر:19.


  يقول القاضي عبد الجبار:"الآية تدل على أن من أخبر اله تعالى أنه يعذبه لا يخرج من النار، فإذا صح أنه أخبر بذلك في الفجار والفساق، فيجب ذلك فيهم...ويدل أيضاً:على أنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع لهم؛ لأنه لو شفع لهم لوجب أن يكون منقذاً من النار وقد نفى الله تعالى عنه ذلك".([45])

المناقشة:


يقال للمعتزلة إن الآية في أهل الكفر والضلال، وليست في أهل التوحيد والإيمان. يقول الطبري:(أفمن حق عليه كلمة العذاب) سورة الزمر:19. أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره.([46]) وبكلمة العذاب:هي قوله تعالى لإبليس:(لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) سورة ص:58.([47])


   وإذا كانت الآية في الكافر، فلا دلالة فيها على نفي الشفاعة عن صاحب الكبيرة، لأنه ليس ممن حقت عليه كلمة العذاب، كيف يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب مع قوله تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء) سورة النساء:48. وقوله تعالى:(إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) سورة الزمر:53. وقوله صلى الله عليه وسلم:(من شهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله حرم الله عليه النار)([48]).([49]) وغيرها من النصوص الدالة على الوعيد بالمغفرة لما مات لا يشرك بالله شيئاً. وصاحب الكبيرة  ليس بمشرك. فإذا فالآية ليست في صاحب الكبيرة، وعليه فيبطل الاستدلال بها على نفي الشفاعة لصاحب الكبيرة. وعلى التسليم بأن هذه الآية في أهل الكبائر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينقذ أحداً بنفسه، وبدون مشيئة الله وإذنه؛ بل لا يشفع إلا لمن ارتضى الله وأذن بالشفاعة له، وصاحب الكبيرة ممن ارتضى الله أن يشفع له؛ لأنه مؤمن موحد.

يقال للمعتزلة:إن قول الله تعالى:(فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل(. وقوله عز وجل:(فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم(وقوله عز وجل وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر:)ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين( هذه كلها أخلاق الكفار فقال الله عز وجل:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) فدل على أن لا بد من شفاعة لغيرهم وهم أهل التوحيد خاصة. ([50])

ثانياً: الأدلة العقلية:


    تتمسك المعتزلة بما يرونه دلالة عقلية في إنكار الشفاعة لأهل الكبائر ومن ذلك:-

الدليل الأول:


   قول القاضي عبد الجبار:"لقد دلت الدلائل على أن العقوبة تستحق على طريق الدوام، فكيف يخرج الفاسق من النار بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والحال ما تقدم؟!".([51])

هذا الدليل باطل لما يلي:-


أولاً: أن الأدلة الدالة على دوام العقوبة عامة، وأدلة إثبات الشفاعة لأهل الكبائر خاصة، والخاص مقدم على العام، فوجب القطع بأن النصوص الدالة على الشفاعة مقدمة على العمومات الدالة على دوام العقوبة([52])، وبهذا يزول الإشكال وتبطل هذه الشبهة.


ثانياً: هذه الشبهة تبني على القول بتخليد الفاسق في النار، وقد سبق عرض شيء من الشبهات الواردة حول هذا عند الكلام على رأي المعتزلة في الوعيد، وإبطالها، فإذا بطل الأصل بطل الفرع.


الدليل الثاني:


يقول القاضي عبد الجبار:"أليس أن الأمة اتفقت على قولهم: اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة، فلو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء دعاء لأن يجعلهم الله تعالى من الفساق، وذلك خلف".([53])


     ويقول فخر الدين الرازي:"واستدلت المعتزلة على إنكار الشفاعة لأهل الكبائر بوجوه...إلى أن قال: وسابعها:أن الأمة مجمعة على أنه ينبغي أن نرغب إلى الله تعالى في أن يجعلنا من أهل شفاعته عليه السلام، ويقولون في جملة أدعيتهم:(واجعلنا من أهل شفاعته) فلو كان المستحق للشفاعة هو الذي خرج من الدنيا مصراً على الكبائر؛ لكانوا قد رغبوا إلى الله تعالى في أن يختم لهم مصرين على الكبائر".([54])

المناقشة:


     يقول القرطبي في معرض الرد على هذه الشبهة:"إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب، ولا قائم بكل ما افترض الله عليه، بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص، فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة. قال صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا وابشروا فإنه لا يدخل أحداً الجنة عمله، قالوا:ولا أنت يا رسول الله؟ قال:ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة".([55]).([56])

ويقول الرازي:"إما قول المسلمين:اللهم اجعلنا من أهلل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. فالجواب عنه: إن عندنا تأثير الشفاعة في جلب أمر مطلوب، وأعني به القدر المشترك بين جلب المنافع الزائدة على قدر الاستحقاق، ودفع المضار المستحقة على المعاصي؛ وذلك القدر المشترك لا يتوقف على كون العبد عاصياً، فاندفع السؤال".([57])

الدليل الثالث:


  يقول القاضي عبد الجبار:"إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذا شفع لصاحب الكبيرة، فإما أن يشفع أو لا. إن لم يشفع لم يجز؛ لأنهن يقدح بإكرامه. وأن شفع فيه لم يجز أيضاً؛ لأنا قد دللنا على أن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح، وأن المكلف لا يدخل الجنة تفضلاً".([58])

المناقشة:


    إنَّ قول القاضي عبد الجبار المعتزلي:(وإن شفع فيه لم يجز) ينبني على أن المكلف لا يدخل الجنة بفضل الله ورحمته، وإنما يدخلها بعمله، وأنه متى عمل عملاً صالحاً وجب على الله إدخاله الجنة، وإذا لم يعمل لم يجز أن يدخله الله إياها، وهذا القول باطل لما يلي:-

أولاً:إما كون الإنسان لا يدخل الجنة بفضل الله ورحمته،فيبطله قوله تعالى:(الذي أحلنا دار المقام من فضله) سورة فاطر:آية 35. وقوله صلى الله عليه وسلم:(لن ينجي أحدكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).([59]) فإذاً فإن دخول الإنسان الجنة بفضل الله ورحمته،([60]) وإنما العمل سبب في تفضيل الله على عبده بإدخاله الجن. وأما بطلان الوجوب على الله، فلاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئاً.


 وإذا ثبت أن الإنسان يدخل الجنة بفضل الله ورحمته، وأنه سبحانه الفعال لما يريد، فلا يوجب عليه أحد شيئاً، فلا مانع أن يشفع الله نبيه في من شاء من عباده من أهل التوحيد المرتكبين للكبائر لتظاهر الأحاديث بثبوت الشفاعة لهم، وإذا ثبت أن الله يشفع نبيه فيهم؛ بطل قولكم، (وإن لم يشفع فيه لم يجز). لأن الشفاعة قد ثبتت، فلا مكان لهذا الاحتمال. وعليه فتبطل شبهتكم هذا.

الدليل الرابع:


     يقول القاضي عبد الجبار:"ما قولكم فيمن حلف ليفعل ما يستحق به الشفاعة؟ أليس يلزمه أن يرتكب الكبيرة، ويصير من أهل الفسوق والعصيان".([61])     

المناقشة:


 يقول الباقلاني: والجواب على هذه الشبهة من وجهين:-

أحدهما:أن نأمره بالتمسك بالإيمان دون فعل الذنوب؛ لأنَّ الشفاعة لا تنال بالذنوب، وإنما تنال بالإيمان دون الذنوب، وهذا مثل أن يشفعوا زيداً في ذنب صديقه في دار الدنيا إلى من ملك إسقاط ذلك، لا يقال: أنه نال ذلك بالذنب الذي أذنب، وإنما ناله بالصداقة المتقدمة لا نفس الذنب. ونأمره أيضاً بالطاعة حتى ينال بذلك شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الزيادة له من البر والنعيم، ونحو ذلك.


الثاني:أنا نعارضكم بمثل قولكم، فنقول لكم ما تقولون فيمن سمع قوله تعالى:(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة:أية 222. فحلف ليفعلن فعلاً يجب عليه فيه التوبة والاستغفار..فإن قالوا: نأمره بالطاعة وفعل الخير، قلنا لهم:هذا لا يصح، لأن الإنسان لا يجب عليه التوبة والاستغفار من فعل الخير بإجماع المسلمين. وإن قلتم: نأمره بفعل المعاصي والذنوب حتى تجب عليه التوبة والاستغفار، فيتوب ويستغفر حتى يتخلص من يمينه، فقد استحللتم ما حرم الله وأمرتم بما لا يجوز لمسلم أن يأمر به.


   وإن قلتم: لا نأمره بفعل المعصية، ولكن إن ابتلي بشيء من ذلك قلنا له:قد فعلت ما وجب به عليك التوبة والاستغفار وزوال حكم اليمين. قلنا لكم: نحن أيضاً نقول:لمن حلف ليفعلن فعلاً يجوز أن يشفع له فيما يستحق عليه من العقاب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. نقول له: تمسك بالطاعة والإيمان، فإن ابتليت بشيء من المعاصي، فقد خرجت من اليمين، ويجوز أن يشفع لك الرسول صلى الله عليه وسلم، لا أن نأمره بالمعصية بوجه من الوجوه.([62])

ويقول ابو منصور البغدادي في الرد على شبهة المعتزلة:"وجوابنا عن هذا السؤال:إن الحالف إن حلف على أن يعمل عملا بستحق به الشفاعة حانث في يمينه لأن من نال الشفاعة في الآخرة فإنما ينالها بفضل من الله تعالى بلا استحقاق، وإن حلف أن يعمل عملا يصير به من أهل الشفاعة أمرنا بأن يعتقد أصولنا في التوحيد والنبوات وأن يجتنب البدع الضالة..". ([63])

ويقول يحيى بن أبى الخير اليمانى في الجواب على شبهتهم:"إنا لا نأمره بعمل المعصية وإنما نأمره بالإرزاء بهذا السائل، لأنه أورد سؤاله هذا على سبيل الشناعة لجهله بالأخبار الواردة في الشفاعة، ونأمره بأن يتعلم الرد على القدرية والإستقامة على الإيمان، لأن ذلك طاعة لله والشفاعة إنما هي للمؤمنين على ما ابتلوا به من المعاصي، ولا يخلوا أحد من المعاصي".([64])


دلالة العقل على الشفاعة:


    يقول أبو سعيد النيسابوري في تجويز العقل لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين:"إن قبول الشفاعة للعصاة ليس مما يحيله العقل، فإن من عصى مالكه وخالقه لا يستقبح في العقل أن تتشفع إليه بعض المختصين به، حتى يعفوا عنه،وإذا كان جائزا في العقل، فالسنة المستفيضة قد وردت به موجب الإيمان به فإن حملوه على الشفاعة -يقصد المعتزلة- لرفع الدرجات لم يصح، لأن في الخبر عن رسول الله أنه قال:شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وفي خبر آخر أنه يجيء إليهم فيخرجهم من النار والمطيعين لا يكونوا في النار".([65])

ومن الأدلة العقلية على جواز الشفاعة في أصحاب المعاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجنازة على المذنب العاصي وغير المذنب من أمته، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم والمسلمون إلى يومنا هذا، ولو كان الميت المذنب لا يشفع فيه ولا ينفعه الدعاء لما كان للصلاة عليه معنى. فإن قيل: فقد لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين، فلو قبلت شفاعته في الكبائر لكان في الدين أولى. والجواب أن هذا كان في أول الإسلام، ثم بعد ذلك لم يمتنع من الصلاة على أحد، فما داوم عليه من الفعل أولى. ويحتمل أن يكون امتناعه من الصلاة عليه ليعلمهم أن حقوق بني آدم لا بد من قضائها، وأن السيئات التي بين العبد وبين ربه عز وجل إذا غفرها له فإنه يبدل السيئات حسنات، ومن مات وعليه دين فإنه يؤخذ من حسناته وتجعل لمن له الدين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصلوا على ذلك الميت. وقال:"صلوا على صاحبكم"، فلو لم تنفعه صلاتهم عليه لكان أمره لهم بالصلاة عبثا.([66])


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

مرسوم ميالنو: ي...

مرسوم ميالنو: يعد من أبرز نماذج التسامح والتعايش، وساهم فيه كل من قسطنطين العظيم وليسينيوس حيث كانت ...

Have you ever w...

Have you ever wondered why some people seem to excel incredibly in their lives, while others struggl...

1939 schlossen ...

1939 schlossen Deutschland und die Sowjetunion einen Nichtangriffspakt. Darin gab es eine geheime Ab...

The effect of n...

The effect of nanomaterials on the creep stiffness does not reveal any significant outcome as the cr...

حظيت الكائنات ا...

حظيت الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في البيئات القاسية باهتمام كبير في السنوات الأخيرة بسبب تنوعها ...

5) التركيز على ...

5) التركيز على العمليات: هذه الفئة تتناول الكيفية التي تركز المنظمة من خلالها على عملها، والبرنامج ا...

New Year’s Day ...

New Year’s Day The action of the play is set at Christmastime, Nora and Torvald both look forward t...

اللغة هي عنوان ...

اللغة هي عنوان سيادة الهوية، وهي التعبير الجلي عنها، وعنصر أساسي من عناصر جوهرها، سواء أكانت هوية قو...

[8:51 م، 2024/7...

[8:51 م، 2024/7/4] ام ميار: الباب الأول في تعريف الحدود، ومشروعيتها، والحكمة منها. ومسائل أخرى: ١-...

رحبة ينم عن مدى...

رحبة ينم عن مدى ثراء صاحبها وعلى فراش وثير رقد عليه جسداً وهيناً هزيلاً ينتفض كأنما انتابته القشعرير...

تبرز أهمية قياد...

تبرز أهمية قيادة التغيير، كونها النمط القيادي الذي يمارسه القادة، للانتقال بالمؤسسة التربوية للتعايش...

إذا كان يعرّفك ...

إذا كان يعرّفك علي أصدقائه المقرّبين وأفراد عائلته البعيدين فهذا يثبت لكِ بالتأكيد أنّه يحبّك، تعتقد...