معنى الأمانة لغة واصطلاحا
الأمانة لغة ضد الخيانة، وأصل الأَمْن: طمأنينة النفس وزوال الخوف. أما اصطلاحًا، فهي خلق يعفّ به الإنسان عما ليس له به حق، ويؤدي ما عليه من الحقوق).
أولًا. التَّرغيب في الأمَانَة في القرآن الكريم
- قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النِّساء: 58]. وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72]. وقال تعالى في ذكر صفات المفلحين: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8].
ثانيا. التَّرغيب في الأمَانَة في السنة النبوية
عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) (يعني إذا ائتمنه النَّاس على أموالهم أو على أسرارهم أو على أولادهم أو على أي شيء مِن هذه الأشياء فإنَّه يخون -والعياذ بالله-، فهذه مِن علامات النِّفاق). وعن ابن عباس أيضًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ضُيِّعت الأمَانَة فانتظر السَّاعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السَّاعة)).
ثالثا. فوائد الأمانة
1- الأمَانَة مِن كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2- يقوم عليها أمر السَّموات والأرض.
3- هي محور الدِّين وامتحان ربِّ العالمين.
4- بالأمَانَة يُحْفَظ الدِّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشَّهادة والقضاء والكتابة...
5- الأمين يحبُّه الله ويحبُّه النَّاس.
6- مِن أعظم الصِّفات الخُلقيَّة التي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8] ، و[المعارج: 32]
7- مجتمع تفشو فيه الأمَانَة مجتمع خيرٍ وبركة.
رابعا. صور الأمانة
1- أمانة في حقوق الله، وهى أمانة العبد في عبادات الله عزَّ وجلَّ.
2- أمانة في حقوق البشر، فمنها الأمَانَة في الأموال بالعفَّة عمَّا ليس للإنسان به حقٌّ مِن المال، وتأدية ما عليه مِن حقٍّ لذويه.
3- الأمَانَة المالية وهي الودائع التي تُعْطَى للإنسان ليحفظها لأهلها.
4- الأمَانَة في الأعراض، ومنها العفَّة عمَّا ليس للإنسان فيه حقٌّ منها، وكفُّ النَّفس واللِّسان عن نيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة.
5- الأمَانَة في الأجسام والأرواح، ومنها كفُّ النَّفس واليد عن التَّعرُّض لها بسوء، من قتل أو جرح أو ضرٍّ أو أذى.
6- الأمَانَة في المعارف والعلوم بتأديتها دون تحريف أو تغيير، ونسبة الأقوال إلى أصحابها، وعدم انتحال الإنسان ما لغيره منها.
7- الأمَانَة في الولاية، وهي تأدية الحقوق إلى أهلها، وإسناد الأعمال إلى مستحقِّيها الأكفاء، وحفظ أموال النَّاس وأجسامهم وأرواحهم وعقولهم، وصيانتها ممَّا يؤذيها أو يضرُّ بها، وحفظ الدِّين الذي ارتضاه الله لعباده مِن أن يناله أحدٌ بسوء، وحفظ أسرار الدَّولة وكلِّ ما ينبغي كتمانه مِن أن يسرَّب إلى الأعداء، إلى غير ذلك مِن أمور
8– الأمَانَة في الشَّهادة: وتكون بتحمُّلها بحسب ما هي عليه في الواقع، وبأدائها دون تحريف أو تغيير أو زيادة أو نقصان.
9– الأمَانَة في القضاء: وتكون بإصدار الأحكام وفْقَ أحكام العدل التي استُؤْمِن القاضي عليها، وفُوِّض الأمر فيها إليه.
10– الأمَانَة في الكتابة: وتكون الأمَانَة في الكتابة بأن تكون على وفْقِ ما يمليه ممليها، وعلى وفْقِ الأصل الذي تُنْسَخ عنه، فلا يكون فيها تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص، وإذا كانت مِن إنشاء كاتبها فالأمَانَة فيها أن تكون مضامينها خالية مِن الكذب، والتَّلاعب بالحقائق، إلى غير ذلك.
11– الأمَانَة في الأسرار التي يُستأمن الإنسان على حفظها وعدم إفشائها: وتكون الأمَانَة فيها بكتمانها. ومِن الأمانات ما يكون بين الرَّجل وصاحبه مِن الأمور الخاصَّة التي لا يجب أن يطَّلع عليها أحدٌ، فإنَّه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها. ومِن ذلك أيضًا ما يكون بين الرَّجل وبين زوجته مِن الأشياء الخاصَّة، فإنَّ شرَّ النَّاس منزلةً عند الله تعالى يوم القيامة الرَّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمَّ يروح ينشر سرَّها، ويتحدَّث بما جرى بينهما.
12– الأمَانَة في الرِّسالات: وتكون الأمَانَة فيها بتبليغها إلى أهلها تامَّة غير منقوصة ولا مزاد عليها، وعلى وفْقِ رغبة محمِّلها، سواء أكانت رسالة لفظيَّة أو كتابيَّة أو عمليَّة.
13– الأمَانَة في السَّمع والبصر وسائر الحواس: وتكون الأمَانَة فيها بكفِّها عن العدوان على أصحاب الحقوق، وبحفظها عن معصية الله فيها، وبتوجيهها للقيام بما يجب فيها مِن أعمال، فاستراق السَّمع خيانة، واستراق النَّظر إلى ما لا يحلُّ النَّظر إليه خيانة، واستراق اللَّمس المحرَّم خيانة.
14- الأمَانَة في النُّصح والمشورة: ومِن صور الأمَانَة أن تنصح مَن استشارك، وأن تَصْدُق مَن وَثَقَ برأيك، فإذا عرض عليك أحدٌ مِن النَّاس موضوعًا معيَّنًا، وطلب منك الرَّأي والمشورة والنَّصيحة، فاعلم أنَّ إبداء رأيك له أمانة، فإذا أشرت عليه بغير الرَّأي الصَّحيح، فذلك خيانة. وقد قال الرَّسول صلى الله عليه وسلم: ((المستشار مؤتمن)).
خامسا. الرَّسول صلى الله عليه وسلم القدوة في الأمَانَة
أشهر مَن اتصف بالأمَانَة هو نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم في كلِّ أمور حياته، قبل البعثة وبعدها. أما أمانته قبل البعثة: فقد عُرِف بين قومه قبل بعثته بالأمين ولقِّب به، فها هي القبائل مِن قريش لما بنت الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن -الحجر الأسود- اختصموا فيه، كلُّ قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدُّوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسًا، ثمَّ تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أوَّل مَن يدخل مِن باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أوَّل داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمَّد، فلمَّا انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((هلمَّ إليَّ ثوبًا، فأُتِي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثمَّ قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بنى عليه)).
ولقد كان السَّبب في زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله عنها هو الأمَانَة، فقد تاجر صلى الله عليه وسلم في مال خديجة قبل البعثة، وقد اتَّصف في تجارته بصدق الحديث، وعظيم الأمَانَة، يقول ابن الأثير في هذا الصَّدد: (فلمَّا بلغها -أي: خديجة- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صِدْقَ الحديث، وعظيم الأمَانَة، وكرم الأخلاق، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشَّام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره مع غلامها ميسرة، فأجابها، وخرج معه ميسرة)، ولـمَّا عاد إلى مكَّة، وقصَّ عليها ميسرة أخبار محمَّد صلى الله عليه وسلم قررت الزَّواج به.
والمواقف التي تدلُّ على أمانته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كثيرة. أمَّا أمانته بعد البعثة: فقد أدَّى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الأمَانَة الكبرى -التي تكفَّل بها وهي الرِّسالة- أعظم ما يكون الأداء، وتحمَّل في سبيلها أعظم أنواع المشقَّة. وقد شهد له العدوُّ قبل الصَّديق بأمانته، ومِن الأمثلة على ذلك: ما جاء في حوار أبي سفيان (قبل إسلامه) وهرقل، حيث قال هرقل: (سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنَّه يأمر بالصَّلاة، والصِّدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمَانَة، قال: وهذه صفة نبيٍّ )... وفي موضع آخر يقول هرقل: (وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرُّسل لا يغدرون).
وقد كان صلى الله عليه وسلم أحرص النَّاس على أداء الأمانات والودائع للنَّاس حتى في أصعب وأحلك الأوقات، فها هي قريش تُودِع عنده أموالها أمانة لما يتوسَّمون فيه مِن هذه الصِّفة، وها هو صلى الله عليه وسلم يخرج مهاجرًا مِن مكَّة إلى المدينة، فماذا يفعل في أمانات النَّاس التي عنده؟! (قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: نَمْ على فراشي، واتَّشح ببردي الأخضر، فنم فيه، فإنَّه لا يخلص إليك شيء تكرهه، وأمره أن يؤدِّي ما عنده مِن وديعة وأمانة.