لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

(تلخيص بواسطة الذكاء الاصطناعي)

يتناول هذا الكتاب التركيب النحوي في شعر المتنبي من خلال منظور نظرية التلقي، مؤكداً على دور القارئ في إنتاج معنى النص. يرى المؤلف أن المعنى التركيبي ينشأ من تفاعل القارئ مع مستوى التركيب النحوي، لا كأداة فحسب، بل كركن أساسي في وضع قوانين التركيب نفسها. يناقش الكتاب كيف تسهم تحولات التركيب في "كسر أفق التوقع" لدى القارئ، مما يُحدث الإدهاش. يُقسم الكتاب إلى بابين: الأول يتناول "جدل المبنى والمعنى" في شعر المتنبي من خلال فصول عن "التداخل في وظائف النصب"، "التردد في العلاقات النحوية"، و"المثير النحوي الدلالي". أما الباب الثاني فيبحث "أثر القافية في تشكيل البنى النحوية الدلالية"، متناولاً "العدول عن الأصل" و"مبدأ الاستبدال" في تشكيل القافية، وكيف يساهمان في "كسر أفق التوقع". يُبرز المؤلف التداخل الدلالي في وظائف النصب، لا سيما تداخل الحال مع التمييز، المفعول لأجله، والمنصوب على المصدرية، مستعيناً بأمثلة من شعر المتنبي، ومناقشاً آراء النحاة حول هذه الظواهر، مع التركيز على الجوانب الدلالية والتداولية، وعلاقة ذلك بنظرية النحو الوظيفي.


النص الأصلي

التركيب النحويّ في شعر المتنبي
سؤال القراءة وأفق التلقي
مقدمة:
لا رئة للنص، أيّ نصّ، يزاول بها أن يكون إلّا بوجود قارئ متلقٍ يعيد إنتاجه، في كلّ مرة يمارس فيها (فعل القراءة)، بحسب ما يطيقه ذلك القارئ أو ما يمكن أن يصير إليه، وليس لنا أن نتحدث عن نص خارج تخوم القراءة، فالنصّ، بالضرورة، يحمل في طياته قارئه المفترض معه، وتزداد قيمة هذا القارئ ومحسوبيته كلما كان النص داخلًا في حقل الإبداع والخلق الفني. يقول ابن جني في (الفتح الوهبي): "قال لي المتنبي يومًا: أتظنَّ أن هذا الشعر لهؤلاء الممدوحين؟، هؤلاء يكفيهم منه اليسير، وإنّما أعمله لك لتستحسنه. أي: لك ولأمثالك"، وهذا يعني، وينبغي له أن يكون، أن أبا الطيب يضمر في نتاجه قارنًا ضمنيًّا، كما يعبّر المشتغلون بـ (نظرية التلقي)، وما هذا القارئ في الحقيقة إلا تكوين تجريدي يحاول المعنى ويتغياه، بما يمتلكه من(سجل نصي)، أو لنقل: مواضعات متفق عليها سلفًا، ثقفها من التقاء نصوص معرفية سابقة عليه، فيُمضي فعلَ القراءة بناءً على تلك الأطراس الضاربة بجرانها في أعماق وعيه، وهذا ما يمنح النصوص الرفيعة قارئًا مقدّرًا متحركًا؛ ولذا كان جل اهتمام المشتغلين بـ(التلقي) بما يمكن أن يكون في وعي ذلك القارئ المتحرك، الذي يقع تحت تأثير سيرورة فعل القراءة، أما القارئ الكسول والقارئ الذي(يكفيه اليسير)، كما عبّر المتنبي، فهما لا يقعان في مضارعة القارئ المنوه به، بل قد ينكصان دون النص، أو يستعجمانه، على حدّ ما في قول النابغة الذبيانيّ:
إستعجمت دارُ نُعم ما تكلِّمُنا والدارُ لو كلَّمتنا ذاتُ أخيار
ومن ثمّ، يكون المكوّن الدلاليّ هو ما يتطلّع إليه
القارئ، إلى حدّ التماهي، وهذا التطلع هو الذي دفع عن
المشهد كثيرًا من التوجهات الحديثة التي حاولت
الانصراف عن المعنى، أو تجنبه، بدعوى أنه عنصر
يأبى الضبط، ويصعب الإلمام بكل خيوطه، ولا يعطي
البحث عنه صفة تجريبية. والمعنى التركيبي، الذي
يشتغل عليه هذا الكتاب، هو المعنى الذي يكونه القارئ،
وهو ما يسفر عنه مستوى التركيب النحوي، ليس لأن
إستعجمت دارُ نُعمٍ ما تكِلِّمُنا والدارُ لو كلَّمتنا ذاتُ أخيار
قوانين التركيب هي أداة النص والقارئ للوفاء بالمعنى
وتكوينه فحسب، بل لأن المعنى نفسه هو الركن الأساس
في وضع تلك القوانين نفسها، وهو سبيل في دراستها
وتفسيرها وتعليلها.
إن النص الإبداعي، ومنه نص المتنبي، نص يحمل
شروط نجاحه وتفوقه معه، وكذلك هي النصوص
المفارقة، فصاحبه على وعيّ بأنه يفارق مستوى الإبلاغ
إلى مستوى الإدهاش، وفيه تسهم تحولات التركيب
في(كسر أفق التوقّع)، وقد يكون ذلك بأن تمنحه حساسية
نحوية بدرجة ما، فالقرّاء المتلقون الذين يضمرُهم النص،
كما يقول الدكتور محمد عبد اللطيف حماسة: "لا يقبلون
من الشاعر أن يقول ما يعرفونه بالطريقة التي يعرفونها،
إنما يتوقعون منه أن يقول لهم ما يعرفونه بطريقة لا
يعرفونها"
وقد شكّلت أصول التحليل النحوي الوظيفي أيضًا،
والاستثناءات عليها، في شعر أبي الطيب؛ أدواتٍ وصُؤَّى
وجّهت المُعرِب الذي يتقصّى المعنى، وهو يمارس فعل
القراءة؛ إلى تحديد الوجوه التي يمكن أن تقع عليها الدوال
النحوية، وربما يذهب إلى اجتراح معنى لطيف لا تنكره
تلك الأصول أو الاستثناءات، وترشحه ظروف تلابس
النص وتصدّق ذلك المعنى.
وعلى هدى من كلّ ما تقدم كان هذا الكتاب مقسمًا على
بابين، الأول منهما كان (في جدل المبنى والمعنى) في شعر
المتنبي، ودار في فصول ثلاثة، عرض الأول منها
لـ(التداخل في وظائف النصب)، وقد أخذ من المكوّن
المنصوب، وما يتحقق فيه من تداخل في الاشتراط البنيوي،
ميدائًا له، وكان موضوع الفصل الثاني(التردد في العلاقات
النحوية)، وهو قراءة في الأبعاد الدلالية لهذا التردد الناشئ
من توجيه البنى أو الدوآل النحوية، أما الفصل الثالث فكان
(المثير النحوي الدلاليّ)، وهو قراءة انعقدت في المشكل
والمحتمل.
وكان الباب الثاني منه في(أثر القافية في تشكيل البنى
النحوية الدلالية)، واصطلح في مجرياته مع (أسلوبية
التلقي)، التي هي أسلوبية بنيوية، تقف عند البنيات
المميزة، وتحللهاً بالنظر إلى علاقات تكاملية بين
العناصر اللغوية، إذ النص وحدة متكاملة، والبيت فيه
وحدة مستقلة، بصورة عامة، والقافية في البيت أهم جزء
بنيوي، له خاصية وأسلوب صياغي منسجم مع البيت في
الإيقاع والدلالة والتركيب، ولما كانت الأسلوبية، في
مستواها النحوي، تتابع طرق تأليف الجمل، وخصائص
التركيب الشائعة التي تكتنف النصوص، وما ينجم عنها
من دلالات؛ فقد راعى هذا الباب محورين، أحدهما
خطي(أفقي)، موضوعه العدول عن الأصل، والآخر
رأسي(عمودي)، يقوم على مبدأ الاستبدال، وكلاهما قائم
على(كسر أفق التوقع)، الذي يجلب الدهشة والإمتاع،
فكان كل منهما فصلا قائمًا برأسه، وقد تقدّمهما فصل
أول حدد مفهوم القافية، وزاوية النظر إليها، وحديث النقد
الأسلوبي في قافية المتنبي، والفصلان، الثاني والثالث،
اللذان تبعاه هما علي التتابع: (ظواهر الاختيار الرأسي)،
و(ظواهر العدول الخطي). وربما تحسن الإشارة إلى
أنّني قد نشرت عددًا من مواد هذه الفصول، التي انتظمت
في البابين، منجّمةً في عدد من المجلات العلمية،
وأجريتُ فيها شيئًا فنيًّا يتطلبه النشر الأكاديميّ.
وبعدُ، فقد طال بي الأمدُ في التفتيش وتقري
النصوص، وما تزال في النفس حاجات عزّ عليّ قضاؤها
واستيفاؤها، ومثلي في ذلك مثل المتنبي في قوله:
ولكنّه طال الطريقُ ولم أزل أفتِشُ عن هذا الكلامِ وينهبُ
أو أنني كذاك الذي يقول فيه مهدي النهيريّ:
على شرفةِ المعنى لَكَمْ ظلَّ واقفًا فرجَ له الأفقُ الرحيبُ اعتذارَه
على أنني بذلت قصارى جهدي في هذا التفتيش
والتقرّي، وربما أجدُ شفيعًا لي في قول أبي الطيب:
وكُنُّ طريقٍ أتاه الفتى على قَدَر الرّجْلِ فيهِ الخُطا


الباب الأول: في جدل المبنى والمعنى
بين المبنى والمعنى تغاير وتقابل، والتقابل بين
المتغايرين يقتضي تأثيرًا، أو لنقل: يقتضي حوارًا، وإذا
ما استعرنا لغة النقد المعاصر فإن هذا الحوار ما هو إلّا
علاقة جدلية تكون بين طرفي التقابل(1)، والجدل في اللغة
يعني: "اللدد في الخصومة والقدرة عليها"(2)، لما بين
طرفيها من التغاير والتكافؤ، وهو مصطلح تعاوره
الفلاسفة والأصوليون على اختلاف في الفهم والإجراء،
بيد أنهم يكادون يلتقون في كونه، من حيث الأصل، فن
الحوار والمناقشة(3)، وهو، في العموم، يقوم على ثنائية
تنازع ومغالبة، يتبادل فيها الطرفان التأثر والتأثير (4)،
ولسنا بحاجة إلى الإيغال في مفهومه الفلسفي أو
الأصولي، ويكفينا منه أن يكون حوارًا يتبادل فيه
الطرافان ضربًا معينًا من التأثير.
إن الحديث عن جدل المبنى والمعنى؛ ما هو إلا
صورة من صور الحديث عن جدلية القراءة التي تنعقد
بين القارئ والنص، ولا يمكن أن يُتصوّر وجود النص
الأدبي خارجًا عن فعل القراءة التي تقوم على الجدل
الذي يقع بين مباني النص ومعانيه، وأن اكتشاف ذلك
النص أو كشفه يبدآن منذ ممارسة القراءة وتلقي النص،
وأن مقاربته ينبغي لها أن تأخذ بالحسبان ما يمكن أن
تفترعه تلك القراءة من تعدد أو اختلاف في تلقي ذلك
النص، فسيرورة هذه الممارسة-القراءة- تقحم صاحبها
داخل عالم النص، وتحمله على الانتقال في محتملاته
ومستوياته الدلالية المختلفة، وتورده إلى تنسيق كل ذلك
في مكوّن دلاليّ منسجم، يملي شروطه على القارئ
الكفوء، في أثناء بناء المعنى، ويقيده ويتحكم فيه؛ على
أساس من الجدلية المستمرة بين المبنى والمعنى، في
لحظة التلقي، حين تبدأ القراءة ويبدأ معها النشاط
التركيبي لعلامات النص، والاندماج في تحقيق المكوّن
الدلاليّ، الذي يعدل القارئ بناءه في كل مرة، في ضوء
ما يمكن أن يُتاح له، ويتبادر إلى ذهنه، وهذا النشاط، مع
ما قد يطرأ عليه من تعديل، لا يكون فوضويًا، إذ إن
القارئ مقيد بشروط القراءة التي تتسالم مع المواضعات
المعرفية التي تحكم النصوص عامة؛ كما أن المبدع ليس
فوضويًّا أيضًا في تركيب النص، فهو ابتداءً يتطلع إلى
ذلك المتلقي المرتقب، أو ما يُعرف بـ(القارئ الضمني)،
الذي يتحرز منه، ويحاوله على معنى مثير أو مرتد أو
متعدد، بصياغة تركيبية لا تجانب المقبولية، ولا تفترُّ
عن معنى فاسد، وفي ذلك يقول المبرد: "فكلُّ ما صلح به
المعنى فهو جيّد، وكلُّ ما فسد به المعنى فهو مردود"(1)،
ومن الأصول الَّتي يجب أن يتغيّاها القارئ في تحصيل
المعنى التركيبي المقبول؛ ما في قول ابن جنّي: "وذلك
انك تجد في كثير من المنثور والمنظوم الإعراب
والمعنى متجاذبَيْن، هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك
منه، فمتى اعتورا كلامًا ما أمسكت بعروة المعنى،
وارتحت لتصحيح الإعراب"(1)، وقد عزا ابن جنّي أكثر
الآراء المختلفة والأقوال المستشنعة إلى مراعاة ظواهر
التراكيب دون البحث عن سرّ معانيها ومعاقد
أغراضها، وهذا المعنى التركيبي الذي يقصده أبو
عثمان، سواء كان مرددًا أو غير مردد، متعددًا كان أو
غير متعدد؛ الغاية فيه أن يكون مرادًا أو مقبولًا، دون أن
يكون مقبولاً من قبل الصناعة، مردودًا من قبل المعنى.
وبلحاظ كل هذا ينعقد هذا الباب في فصولٍ ثلاثة،
لعلّها تتناول أبرز مظاهر جدل المبنى والمعنى في شعر
أبي الطيب المتنبي، وهذه الفصول هي:
الفصل الأول: التداخل في وظائف النصب.
الفصل الثاني: التردد في العلاقات النحوية - قراءة
في الأبعاد الدلالية.
الفصل الثالث: المثير النحوي الدلالي - قراءة في
المشكل والمحتمل.
الفصل الأول
التداخل الدلالي في وظائف النصب
مدخل:
يتخذ البحث في هذا الفصل من المكوِّن الدلاليّ
المنصوب، في شعر المتنبي؛ هدفًا في عملية ممارسة
التحليل اللغويّ، وقد كان الاهتمام به مفضيًا إلى ضبط
التداخل الحاصل بين وظيفة الحال، وأهم الوظائف
النصبيّة الأخرى، وتبيّن أن عنصر النصب وظيفة دلالية
تداولية استقطابية، يوقّر لها الانفتاح على الحقول
المتاخمة المعنية بالمعنى؛ استقطابًا آخر، وسيتبين أن
التداخل في البعد الدلاليّ هو الذي طوّع الحال، أكثر من
غيرها، على التداخل مع تلك المنصوبات في بعدها
البنيويّ(الشكليّ)، ومنحها، بهذا اللحاظ تنوعًا دلاليًّا
وتداوليًّا. وينتظم هذا الفصل في ثلاثة محاور، وجدتُ
أنها أوضح موارد النصب المتداخلة وأبرزها، وسأتناولها
تباعًا بحسب شيوعها في شعر أبي الطيب، وسيكون
المحور الأول في تداخل وظيفة الحال مع وظيفة التمييز،
أما المحور الثاني فسيكون في تداخل وظيفة الحال مع
وظيفة المفعول لأجله، وأما المحور الثالث فسيكون في
تداخل وظيفة الحال مع وظيفة المنصوب على
المصدرية.
ولا بدّ، قبل ذلك، من الوقوف على معنى التداخل
الذي ينعقد عليه هذا الفصل، فهو مفهوم تتجاذبه علوم
مختلفة(1)، ولا يبتعد، فيها، عن معناه اللغويّ، فهو
مصدر الفعل الثلاثي المزيد بحرفين(تدَاخّلَ)، الذي تكون
الألف فيه للمشاركة بين طرفين، وهذا ما قد تفيده الألف



  • عمومًا- في المصادر التي تجيء على هذا البناء(1).
    يقال: تداخلت الأمور، أي: تشابهت والتبست ودخل
    بعضها في بعض(2)، بمعنى أن يندرج بعضها في عداد
    الآخر، قلّ أو كثُرَ هذا الاندراج، لا بمعنى أن يتماهى
    بعضها مع بعض، فيكون هو هو، وعندها تنعدم المغايرة
    بينهما، فيكونان شيئًا واحدًا غير متمايز. وهذا الاندراج
    هو مفهوم التداخل في ميدان البحث اللغويّ، كما في باب
    (تداخل اللغات)(3)، وهو كذلك في الميدان الفقهيّ، كما
    في أبواب (العبادات والمعاملات وغيرهما)(4)، أمّا قول
    الفلاسفة إن التداخل هو "ملاقاة شيء بأجمعه لآخر
    بأجمعه، ويتبعه كون كلّ واحد من المتداخلين في مكان
    الآخر"(5)؛ فإيضاحُه أنهم يعنون بالشيء، هنا، ما كان
    جزءًا من كلٍّ وقد طابق شيئًا آخر، وهذا الآخر جزء من
    كلّ أيضًا، فصح أن يكون أحدهما مكان الآخر لمكان
    التلاقي أو التطابق بينهما، وهذا يعني أن الكلينِ غير
    متطابقين، بل إنهما متداخلان في هذين الجزأين.
    وإذا اتضح هذا، فإن النحويين- ولا سيما المتأخرون
    منهم- يفردون لكلّ وظيفة نحوية قسمًا يخصُّها، يتضمن
    حدًّا للوظيفة النحويّة التي يطلع بها عنصر نحوي معين،
    ويتضمن أيضًا شروطها الصرفية والإعرابية ورتبة
    العنصر الذي يلابسها وحدودها الدلالية، ثم ما يطرأ على
    ذلك العنصر من عوارض الصياغة التركيبية، في ضمن
    علاقات التركيب المتعددة التي تربطه بغيره من العناصر
    التي تطّلع بوظائف أخرى. وإن هذه المحددات التي تنتظم
    الوظيفة النحوية تمثل الصورة الأصل لذلك العنصر، بيد
    أنه قد توجد استثناءات تخرج عن الأصل رصدها
    النحويون للوظائف النحوية يسمح بها الاستعمال، وكثيرًا ما
    وجدوا-أو أوجدوا- لها تفسيرًا أو تسويغًا مقبولًا يردُّها إلى
    الأصل(1). وبموجب هذا يكون للعناصر النحوية وظائفها
    في ضمن التركيب، وربّما صحّ لها أكثر من وظيفة نحوية،
    طبقًا للشروط الصرفية والإعرابية والموقعية التي وافق أن
    اجتمعت فيها، ومن هنا يحدث التداخل الدلالي بين وظائف
    العناصر المختلفة، وقد أشار النحويون إلى نقاط التلاقي أو
    الاشتراك بين الوظائف النحوية، وما تنفرد به كل وظيفة
    فلا تشاركها فيها وظيفة أخرى، وما يتبع ذلك من توافق
    شكلي(بنيوي)، أو ما يتبعه من تمايز فيهما(2).
    وقد لاحظتُ، وأنا أواظب على مطالعة الديوان
    وشروحه، أن النصب هو الوظيفة الأشيع التي تنفتح على
    وظائف ديناميكية متعددة، يسمح بها السياق وملابسات
    القول المختلفة، ولاحظتُ أيضًا أن وظيفة الحال هي أكثر
    وظائف النصب حضورًا وتداخلا مع غيرها من وظائف
    النصب الأخرى، بما له من طاقة تعبيرية إيحائية، وما فيها
    من مرونة نعدم مثلها في غيرها من المنصوبات؛ فوجدتُ
    أن أجعلها مرتكزًا في كلّ محور من محاور البحث، ألاحظ
    عبرها التداخل الحاصل بين هذه الوظيفة ووظائف النصب
    التداولية المجاورة لها، مفيدًا من معطيات النحو الوظيفي،
    بما ينسجم وروح النص. ولا مراء في أن هذا التداخل
    الدلالي تداخل متفاوت ومختلف نسبيًا، وليس على درجة
    واحدة، تبعًا لنقاط الاشتراك مع هذه الوظائف أو نوعها،
    وقد كان النحويون، من قبلُ، كلما وجدوا ما يقوي هذا
    الاشتراك من اشتراطات بنيوية، قالوا بتعدد الإعراب،
    وكثيرًا ما فزعوا إلى السياق لتقوية وجه على آخر، إذا ما
    كان الاشتراك الشكلي حاصلا، وتشهد بذلك مصنفات
    إعراب القرآن وشروح الشعر المختلفة. وقد دأبوا على ربط
    الحال بصاحبها فاعلًا أو مفعولًا، على اختلاف العبارة،
    كقول ابن يعيش: "اعلم أن الحال وصف هيئة الفاعل أو
    المفعول، وذلك نحو: جاء زيدٌ ضاحكًا، وأقبل محمدٌ
    مسرعًا، وضربتُ عبد الله باكيًا، ولقيتُ الأميرَ عادلًا"(1)،
    وربط الحال بصاحبها هو الملمح الدلاليّ الأبرز في
    المصنفات النحوية، أما ربطها بعاملها فلم يأتِ إلّا في
    سياقات خاصة. بيد أن للأنواع الدلالية التي تأتي عليها
    الحال أثرًا في تفطّن المتأخرين إلى أن الحال قد تخرج عن
    مواضعات النحويين، قال الرضي: "فالأولى أن نقول:
    الحال على ضربين: منتقلة ومؤكِّدة، ولكل منهما حد،
    لاختلاف ماهيتيهما، فحد المنتقلة: جزء كلام يتقيد بوقت
    حصول مضمونه، تعلق الحدث الذي في ذلك الكلام،
    بالفاعل أو المفعول، أو بما يجري مجراهما ... وحد
    المؤكِّدة: اسم غير حدث يجيء مقررًا لمضمون الجملة"(1)،
    فهذا وغيره(2) يداخل الحال في حدود وظائف النصب
    الأخرى، كما سأحاول إيضاحه في محاور البحث الآتية،
    التي أزعم أنها أوضح المحاور في شعر أبي الطيب
    وأهمها.
    المحور الأول: تداخل وظيفة الحال مع وظيفة التمييز
    قد يخرج كلٌّ من الحال والتمييز عن مواضعات
    النحويين، فيلتقيان في العنصر النحويّ الواحد فيحتمل
    الوظيفتين معًا، إذ الأصل في الحال-كما هو مقرر
    عندهم- الاشتقاق، والأصل في التمييز الجمود، وهذا هو
    الكثير فيهما، ولكن قد يحصل العكس، فتأتي الحال جامدة
    ويأتي التمييز مشتقًا(3). وهذا ما يؤدي إلى التداخل
    الوظيفي بينهما، ففي قول القائل: (هذا خاتم حديدا)
    أن(حديدًا) اسم منصوب نكرة جامد، وهو من حيث
    الاشتراط الصرفي والإعرابي والموقعي تمييز، ولكن لمّا
    كان مبينًا لأصل صاحبها صحّ فيه أن يكون حالًّا(1)،
    والذي يقوّي التداخل بينهما أنهما يزيلان الإبهام عمّا
    سبقهما، فالتمييز يفسر ما انبهم من الذوات، والحال تفسر
    من انبهم من الهيآت(2).
    ومن ذلك التداخل ما في قول أبي الطيب(3):
    حَتَائَيْكَ مَسْؤولا وَلَيَيْك دَاعيًا وَحَسبيَ مَوْهُوبًا وحَسبُكَ وَاهِيا
    فقد ذهب ابن جني إلى أن المنصوبات(مسؤولًا،
    وداعيًا، وموهوبًا، وواهبًا) كلها أحوال(4)، وتبعه على
    ذلك المعربون(5)، وذهب بعضهم إلى جواز كونها
    تمييزًا(6)، أو إلى كون التمييز هو الوجه الأحسن(7)، وما
    ذلك إلّا لتداخل الوظيفة النحوية التي تمارسها هذه
    المنصوبات في خواطر المعربين، بوصفهم متلقين، وهذا
    التداخل يتأتى من كونها صالحة لأن تُعرب حالَّا بحسب
    الأصل، لتوافر شروط الحال فيها، فالحال اسم نكرة
    منصوب فضلة يُذكر ليبين هيئة اسم معرفة قبله، يسمى
    صاحب الحال، ويُشترط في الحال أن تكون صفة منتقلة
    غير ثابتة، مشتقة غير جامدة(1)، وكلّ هذا نجده في
    المنصوبات التي في البيت، ويصحّ فيها أن تكون تمييزًا
    أيضًا، ولكن بخروجها عن الأصل، إذ يُشترط في التمييز
    أن يكون اسمًا جامدا لا أن يكون اسمًا مشتقًّا، وذلك لأن
    بيان الذات إنّما يكون بالذات، وقد اجتمعت الاشتراطات
    النحوية في هذه المنصوبات إلّا كونها جامدةً، وهذه
    الاشتراطات التي يرددها النحويون هي كون التمييز اسمًا
    منصوبًا نكرة فضلة جامدًا، وكونه مفسّرًا لما انبهم من
    الذوات(2). بمعنى أن من ذهب إلى كون هذه المنصوبات
    تمييزًا إنّما نظر إلى أن التمييز قد يخرج عن أصل
    وضعه فيأتي مشتقًّا، كما في(كَرُمَ زيدٌ ضيفًا)، إذ قد يُراد
    بـ(ضيفًا) تمييزًا أو حالًّا بحسب المعنى الذي يرمي إليه
    المرميل، فإن قصد أن ضيف زيد هو الذي كرُم
    كان(ضيفًا) تمييزًا، وإن قصد أن زيدًا هو الذي كرُم
    عندما صار ضيفًا كان المنصوب حالًا(3). وهذا يعني أن
    التداخل قد يحصل بين الحال والتمييز بتجاوز الشرط
    الصرفي.
    وبالعود إلى البيت نجد المنصوبات المشتقة، سواء
    أكانت اسم مفعول(مسؤولًا، وموهوبًا)، أم كانت اسم
    فاعل (داعيًا، وواهبًا)؛ غير متعينة للحالية مع كونها
    مشتقة، بل يصحّ فيها أن تكون تمييزًا، وحينئذٍ لا يُراد
    بالمشتق الوصف المرتبط به، وإنّما يُراد به الذات
    الموصوفة، إذ إن المشتق -كما هو معروف- يدلّ على
    ارتباط الوصف الذي يؤديه ذلك المشتق بذات معينة،
    وبالمقابل فإن الحال قد ترد جامدة، كما في قول المتنبي
    نفسه(1):
    قَبَّلْتُها ونُمُوعي مَزْجُ أَدَمُعِها وقَبَّلْتْنِي على خَوفٍ فَمَّا لِفَمِ
    فقد نُصب(فمًّا) على الحال(2)، وهذه الحال خرجت
    عن مواضعات النحو، من حيث كونها خارجة عن
    الاشتراط الصرفيّ، فهي ليست مشتقة، بل جامدة، ولذا
    التمس النحويون أن تكون مؤولة بمشتق، بدلالتها على
    المفاعلة(3)، ومن هنا تكون بمعنى: (مشافهة)(4). ومن
    ذلك أيضا قوله(5).
    بَدَتْ قَمَرًا ومالَتْ خُوطَ بانٍ وَفاحَتْ عَنْبَرًا وَرَنَتْ غَزالا
    إذ إن المنصوبات جميعًا أحوال(6) خرجت عن أصل
    وضعها الصرفي، فجاءت جامدة، لما فيها من معنى
    التشبيه(1)، فالحال عند النحويين قد تخرج عن كونها
    مشتقة إلى كونها جامدة، إذا ما دلّت على معنى
    التشبيه(2).
    وكلّ هذا يفضي إلى أن الشرط الصرفي(الجمود
    والاشتقاق) لا يمكن أن يكون فيصلًا بين الحال والتمييز،
    من دون الالتفات إلى جانب الوظيفة التداوليّة، فالتداخل
    بينهما يقوى بالغض من الاشتراط الصرفي أو جعله
    اشتراطًا غير حاكم بالنظر إلى ظروف القول البلاغية
    والدلالية التي تكتنف النصوص، وهذا ما يتفق ومبادئ
    النحو الوظيفي، فالوظيفة سابقة على البنية ومحددة لها، ولذا
    فالجوانب الدلالية والتداولية-عند الوظيفيين- مقدمة على
    الجوانب البنيوية الشكلية صرفيةً أو تركيبيةً(3)، كما أن
    التنوع في الوظائف النحوية أيضًا صدى للمعاني
    والأغراض المختلفة(4).
    ومما هو جدير بالعناية أن كلّ واحد من هذه
    المنصوبات الأربعة جاء ختامًا موسيقيًا لجملته، وكلّ
    جملة في البيت توافق تفعيلتين(5)، وهذا ما يُدعى في
    البلاغة (التقطيع)، الذي هو ضرب من (التقسيم)
    البديعي(1)، والتقسيم "هو تجزئة الوزن إلى مواقف أو
    مواضع، يسكت فيها اللسان، أو يستريح، أثناء الأداء
    الإلقائي"(2)، ومثل هذا ملحوظ ممدوح في شعر أبي
    الطيب، وقد رصده حازم القرطاجني وأثنى عليه، قال:
    "وكان أبو الطيب المتنبي يعتمد المراوحة بين معانيه،
    ويضع مقنعاتها من مختلاتها أحسن الوضع، فيتمّم
    الفصول بها أحسن تتمة، ويقسم الكلام في ذلك أحسن
    قسمة"(3)، والانتهاء إلى هذه المواقف أو المواضع
    المنصوبة، أو الاستراحة القليلة عندها؛ يرشح أن تكون
    منبورة، والعناصر النحوية إنما تكون منبورة لما تحمله
    من وظائف تداولية(4)، ومثل هذه الدوال النحوية عند
    تأخرها في جملها تستقطب الوظيفة التداولية وتستأثر بها؛
    لأنها(بؤرة الجديد)(5)، تلك البؤرة الحاملة للمعلومة الأهم
    الأبرز، التي هي إضافة إخبارية للمخاطب، ولذا فهي
    موضع عناية طرفي الخطاب(6)، والنبر عندها يعطيها
    زخمًا دلاليّا إنجازيًّا، سواء أكانت هذه المنصوبات تبيينًا
    للذات، بأن تكون تمييزًا، أم كانت وصفًّا لها، بأن تكون
    حالًّا، وكأنّ الشاعر بوعيه الثقافي يريد الاندماج الثقافي
    مع مخاطبه(سيف الدولة)، كما يعبر المشتغلون بالأنساق
    الثقافية، وذلك عبر الاهتمام بمجموعة القيم الثقافية،
    والتسلل إلى نفس المخاطب(الممدوح) استدرارًا لعطفه
    وكرمه، وإيقاظًا لتلك القيم في نفسه، ولا غرو في هذا
    الاستبطان، فإن الوظيفية تتميز بالتواصل مع الأنساق
    المختلفة، فهي تلتحم وتتشابك مع علم النفس والفلسفة
    التحليلية(1).
    وليس بدعًا أن يؤدي النصب مثل هاتين الوظيفتين
    الدلاليتين المثيرتين، فإنّما شأنه في ذلك شأن الدوال
    النحوية الأخرى، وليس عيبًا في النحو أن تؤدي عناصرُه
    وظائف متعددة، كما عاب بعض المحدثين(2)، فاللغة
    البليغة يُنتظر منها أن تؤدي أغراضًا متعددة بأقل عدد من
    العناصر، وهذا ما يعرف بـ(كفاءة اللغة)(3).
    ومثل هذا التداخل الدلالي في وظيفة النصب؛ ما نجده
    أيضًا في قوله(4).
    بغيرك راعيًا عَبَث الذنابُ
    وغَيرَك صَارِمَا ثلَمَ الضَرَابُ


ف(راعيًا) و(صارمًا) يصحّ فيهما أن يكونا حالًّا أو
تمييزًا(5)، ولا يُلتفت إلى إهمال بعض المعربين أن يكونا
تمييزًا(1)، وربما يكون ذلك منهم احتجاجًا بمذهب
الجمهور، المانع لتقدّم التمييز على عامله، إذا كان فعلا
متصرفًا(2)؛ والقول بصحة كونه تمييزًا إنّما كان لثلاثة
أمور، أحدها: ورود السماع بمجيء التمييز متقدمًا على
عامله الفعل المتصرف، ومنه ما في الشاهد(3):
أتهجر ليلي بالفراق حبيبها
وما كان نفسًا بالفراق تطيب
وثانيها: قياسه على الحال، قال المبرد: "وتقول: راكبًا
جاء زيد؛ لأن العامل فعل؛ فلذلك أجزنا تقديم التميز إذا
كان العامل فعل"(4)، وقد قاسه ابن مالك على سائر
الفضلات المنتصبة بأفعال متصرفة(5). وثالثها: أن تقديم
التمييز في مثل ذلك جائز في ضرورة الشعر(6)، وعليه
فإن جواز تقديم التمييز في بيت المتنبي -في أقل تقدير-
إنّما يكون لما تسمح به لغة الشعر، بلة الأمرين
المتقدمين.
وإذا تقرّرت صحة كونهما حالين أو تمييزين، فيجب
أن يكون ذلك على التناظر، وليس على التناوب؛ بأن
يكونا على جهة واحدة، إما حالين، وإما تمييزين، لا أن
يكون أحدهما حالًّا والآخر تمييزًا، لأن ذلك يُذهب بسحر
التوازي المنعقد بين الشطرين، والتوازي بوصفه شكلا
من"أشكال النظام النحوي الذي يتمثل في تقسيم الفقرات
بشكل مماثل في الطول والنغمة والتكوين النحوي، بحيث
تبرز عناصر متماثلة في مواضع متقابلة في الخطاب،
وقد يسمى التشاكل"(1)، والمكونات المتعاطفة، عند
الوظيفيين، بنيات علائقية متكافئة متناظرة، فهي تأخذ
القيم الدلالية والتداولية نفسها، وإلّا تنعدم الإفادة وينعدم
الإنجاز التواصلي(2)
وتعدد الوظيفة النحوية للمنصوبين(راعيًا)
و(صارمًا)، بين الحال والتمبيز، إنّما كان لتداخلهما
المتناظر، سواء أكانا تبييئًا لذات الممدوح، ورفعًا لإبهامها،
أو وصفًا لهيئتها في وقت مخصوص، وكلا المعنيين يساور
المتلقي ويتبادر إلى ذهنه، ولعل التشاكل التركيبي المنعقد
بين الشطرين خلّص(صارمًا) في الشطر الثاني، إلى جواز
كونه تمييزًا، إذا كان ثمة اشتراط موقعي مانع، أو كان ثمة
اشتراط صرفي آخر مانع من إعرابه تمييزًّا، لكونه مشتقًّا،
فالتناظر يشفع بهذا الحمل الدلاليّ أيضًا، ولم أجد أحدًا يشير
إلى مثل هذا الحمل أو النظر.
ومثل هذا التداخل الحاصل في المنصوب، بين
وظيفتي الحال والتمييز، كثير في شعر المتنبي، وقد وقف
المعربون عنده، يعالجونه ويتجاذبون المعنى، أو طرفًا
منه، ومن مواضع النصب هذه نصب(مناخًا)(1)، في قول
أبي الطيب(2):
لَحا الله ذي الذُنيا مُناخا لراكبٍ فكلٌّ بعيدِ الهمِّ فيها معذِّبُ
ونصب(فاضحًا)(3) في قوله(4).
وكفى بمن فضحَ الجَداية فاضحًا لمحبِه وبمصر عي ذا مصْرَعا
ونصب(فارسًا)(5)، في قوله(6).
أفْرَسُهَا فَارِسًا وَأَطْوَلُهَا باعا وَمِغْوَارُهَا وَسَيَدُهَا
ونصب (مملوءًا)(7)، في قوله(8):
ومِثَلِ العَمْقِ مَمْلُوءا دِماء جَرَتْ بك في مجاريهِ الخُيُولُ
ونصب (بطشًا)(9)، في قوله(10):
أشدُّ من الرِياحِ الهوج بطشًا وأَسرَعُ في النّدَى منها هُبُوبا
وغير ذلك مواضع كثيرة، يزخر بها شعر أبي الطيب(1).
المحور الثاني: تداخل وظيفة الحال مع وظيفة المفعول لأجله
تقدّم أن الحال تكون وصفًّا، ولكنها قد تأتي على خلاف
الأصل، بأن تأتي جامدة، فيوجد لها النحويون مسوغا
يردّها إلى معنى الوصف المشتق. وكذا إذا وقعت مصدرًا،
نحو (أقبل زيدٌ ركضًا)، و(طلع زيدٌ بغتة)(2)، وهو مع ذلك
ليس بمقيس عندهم، على كثرته(3)، وهو مقيس لدى المبرد
إذا ما كانت الحال نوعًا من العامل فيها، نحو (أقبل زيدٌ
ركضًا)، فالمصدر (ركضًا) وضع موضع الحال، لأن
الركض نوع من الإقبال(4). ومن هنا يحدث الالتقاء أو
التداخل بين الحال والمفعول لأجله أو يسمى(المفعول له)،
من حيث الاشتراط الصرفي، فهذا المفعول لا يكون إلّا
مصدرًا، يقول الجرمي: "إن ما يسمى مفعولا له منتصب
نصب المصادر التي تكون حالًّا، فيلزم تنكيره، ويقدر نحو
قوله: (خَذَّرَ الْمَؤْتِ](5)، متحاذرين الموت"(6)، وكذا هما
متداخلان في الشرطين الموقعي والإعرابي، فكلاهما
فضلة، والحال تلتزم النصب، أما المفعول لأجله فقد يكون
منصوبًا وقد يكون مجرورًا(1). وعليه فقد جوزوا في قوله
تعالى مثلًا: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَئًا](2) نصب(عبثًا)
على الحال أو على أن يكون مفعولًا لأجله(3)، وذلك لأن
المواضعات النحوية تلتقي في هذا المصدر، سواء أكان
حالا أو مفعولًا لأجله(4)، وهذا التجوز يفتح قناة اتصال
بينهما تسمح بتعدد الإعراب.
ومما ينبغي الإشارة إليه، هنا، أن التداخل قد يتجاوز
الاشتراط البنيوي إلى أن يكون ثمة تداخل في البعد
الدلاليّ، علاوةً على الاشتراط البنيوي، فقد قال النحويون
بجواز مجيء المصدر حالًا، مع احتمال كونه مفعولًا
لأجله(5)، بيد أنهم توقفوا في الحال التي تلتقي مع هذا
المفعول في هذه المواضعات، فلم يقولوا بجواز كونها
مفعولًا لأجله إذا ما كان ذلك العنصر النحوي مشتقًا،
فهي حال ليس إلّاء وذلك لأن الشرط الصرفي حاكم
صناعي عندهم، لا يسمح بمثل هذا، ومن هنا يكون
التداخل بينهما بخروج الحال عن أصل وضعها، لا
بخروج هذا المفعول عن أصله المقرّر.
ومن هذا التداخل الذي وقع في شعر أبي الطيب، ما
وقع في قوله(1):
أبنى الهَوى أسفًا يَوْم النَّوى بدني
وَفرَّقَ الهَجْرُ بِينَ الجَفْنِ والوَسَنِ
وفيه يكاد يذهب الشراح جميعًا؛ إلى أن(أسفًا) منتصب
على المصدريّة مفعولًا مطلقًا، بفعل محذوف دلّ عليه
الفعل(أبلى)، لأن إبلاء الهوى إنّما يدلّ على أسفه، فكأنه
قائل: أسفتُ أسفًا(2)، ولم أجد منهم أحدًا ذهب إلى غير ذلك
الوجه، وهو وجه ظاهر -بلاشك- ولكنّ هذا المنصوب
يحتمل أكثر من وظيفة متداخلة، وقد أورد ابن هشام هذا
البيت في(مغنيه)، بوصفه متلقيًا، وجعل المنصوب مما
يحتمل النصب على المصدريّة، والحاليّة، والمفعول
لأجله(3)، وكونه حالًّا أو مفعولًا لأجله - وهو ما يعنينا هِنا-
معنى ظاهر أيضًا، فعلى القول بأنه حال يعني- صناعة-أن
المصدر خرج عن الاشتراط الصرفي، فالأصل في
الحال، وقد مرّ ذلك، أن يكون مشتقًا، من باب وضع
المصدر موضع الحال، وذلك لأن (أسفًا) نوع من
عامله(أبلى)، فيدخل حينئذٍ في حيز المفعول لأجله الذي لا
يأتي غير مصدر، وبذا يتداخل معه. وأما كونه مفعولا
لأجله فعلى ثلاثة اعتبارات(4)، أحدها: أن يكون بعدم
اشتراط اتحاد الفاعل، إذ فاعل(أبلى) هو (الهوى)، وفاعل
المصدر هو الضمير المستكن فيه، وعدم اشتراط اتحاد
الفاعل مذهب المحققين من النحويين(1). والثاني:
بإسقاط(اللام) السببية توسعًا، وهذا كثير في كلام العرب.
والثالث: على أن الفعل العامل في(أسفًا) فعل مطاوع
ل(أبلى) محذوف، والتقدير: فبليتُ أسفًا، وبذا يكون الفاعل
متحدًا بين الفعل المحذوف والمصدر، على جهة الاشتراك
فیه معلّى.
وهذا المصدر، من حيث احتمال الحالية والمفعول
لأجله، نظير ما في قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعُ نَفْسَكَ عَلى
أثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُْوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا](2)، فـ(أسفًا)
يحتمل أن يكون مصدرًا موضوعًا موضع الحال،
ويحتمل أن يكون مفعولًا لأجله(3)، وهو أيضًا نظير ما
في قول أبي تمام(4):
لأنفدنَ أَسَّى إذْ لم أمتْ أسفا
أو ينفَدُ العمرُ بي أو يَنفَدُ الأبَدُ
إن وظيفة النصب المتداخلة لـ(أسفًا)؛ تؤدي وظيفة
استقطابية، فهي(بؤرة الجديد)(5) المستأثرة بالبعد التداولي،
سواء كان الفاعل-المنفذ كما يعبر الوظيفيون(1)-
هو (الهوي) وكانت بؤرة الجديد هي الحال، أو المفعول
لأجله-العلة كما يعبرون(2)- أم كان الفاعل(المنفذ) هو
الضمير في الفعل المقدر (بليتُ)، وعليه فلست أجدني متفقًا
مع طه حسين في كون (أسفًا) نابية عن موضعها، أو
مقحمة، وقد جاء بها لإقامة الوزن(3)، وربّما يكون الذي
شجعه على هذا النظر أن هذا البيت، وغيره آخرينِ، ممّا
قاله في صباه، بمعنى أن يكون الصبي قد أعجل ولم يتأن
في صناعة الشعر(4)، وقد كفانا النقاد مؤونة ردّ هذا النظر،
بأن لو حُذف هذا المصدر ونُثر البيت، لتبيّن أن الحذف
يسبب ضعفًا في أثر البيت وقوته(5)، أقول هذا مع إيماني
بأن للصبا أثره في النظم، كما سيأتي في موضع لاحق.
ولعل الذي يزيد من قوة التبئير الذي يؤديه النصب، في
هذا الموضع، كونه في سياق مبالغة غالية(6)، أو كونه
جزءًا مهمًّا وفاعلًا في بنية هذه المبالغة، إذ إن إبلاء الهوى
بدنه أسفًا يوم النوى ليس له تحقق في الخارج عقلًا وعادةً.
وهذا النصب الدلالي المتداخل، بخروج الحال عن أصل
وضعها لتلحق بالحقل الصرفي للمفعول لأجله؛ يحقق تبئيرًا
تداوليًّا لدى المتلقي، ويستأثر بعواطفه، ويجعله منحازًا إليه،
وقد أدت المبالغة فعلها التداولي، فالأنساق اللغوية هي نتاج
الجماعة اللغوية التي لها أعرافها ومواضعاتها وسننها(1)،
والمبالغة واحدة من هذه الأنساق التدولية، وكل ذلك
يستهدف المتلقي، وإن كان الشاعر الصبي قد أسرف فيها
على نفسه وعلى متلقيه، وهذا الاستهداف هو ما يُعرف
لدى(أوستين) بـ(لازم فعل القول)، الناتج عن القول
وإنجازه(2)، فقد يكون أراد استثارة عواطف المتلقي، أو أن
يكون هدف إلى الإقناع الفني، أو إليهما معا، وهو بذلك
نسق مضمر، ولا سيما أن البيت مما قاله في حداثنه بين
يديّ مؤدّبه في الكوفة، كما يخبرنا الديوان(3)، مقلدًا مذهب
الشعراء في المبالغة(4)، ومحاولة إقناع المتلقي واستثارته
من وظائف أفعال الكلام(5).
ومن المواضع الأخرى التي يتداخل فيها الحال مع
هذا المفعول، ما في قوله(6).
وما شَرَقي بالماءِ إلا تذكّرا لماءِ به أهلُ الحبيبِ تُزولُ
فـ(تذكّرًا)، في البيت، تتعاوره وظيفتان نصبيتان،
إحداهما أن يكون حالًا(1)، والأخرى أن يكون مفعولًا
لأجله(2)، وكونه حالّا -كما في الموضع السابق- متأتٍ من
وقوع هذا المصدر موقع الحال، فكأنه أراد(متذكرًا)(3)،
وحينئذٍ تخرج الحال عن أصل وضعها، متجاوزةً شرطها
الصرفي، أو أن يقال إن شرطها الصرفي معدل تأويلا،
وبذا تكون متداخلة بنيويًّا مع المفعول لأجله في الاشتراط
الصرفي والموقعي والإعرابي. والجدير بالذكر هنا
أن (تذكّرًا)، فيما لو كان حالًّا، لا يكون بؤرة الجديد، بحسب
توصيف النحو الوظيفي، ذلك لأن هذا المصدر المنصوب
يقع في ضمن بنية الاستثناء المفرغ، والاستثناء المفرغ
وظيفيًّا يكون في البنيات البؤرية الحصرية، و(بؤرة
الحصر) هي بؤرة من(بؤر المقابلة)، التي تعني أن المتلقي
يجهل المعلومة التي يؤديها المكون المحصور فيه، أو يشك
في صدقها، أو ينكرها، أو أنّه يُنزل منزلة كلٍّ مما تقدم،
سواء أكانت هذه المعلومة تصحيحًا أو تعديلًا أو
تعويضًا(4)، وبؤرة الحصر هذه تعني أن المتلقي يعرف
شطرًا من المعلومة ولا يعرف شطرها الآخر، أو يُنزل
منزلة غير العارف بها(1)، وبمعنى آخر أنه عارف
بالمحصور وغير عارف بالمحصور فيه، أو أنه يُنزل
منزلة غير العارف. وهذا موضع إشكال يُشكل به على
النحو الوظيفي العربي، إذ تقرّر عندهم أن الحال بؤرة من
بؤر الجديد، وفي هذا الموضع، لمّا كان الكلام استثناءً
مفرغًما، فيقتضي أن يكون المحصور فيه بؤرة مقابلة
حصرية، بيد أنه يمكن أن يحلّ هذا الإشكال بكون
المحصور فيه-الحال هنا- سادًا مسدّ الخبر، أو مغنيًا عنه،
وحينئذٍ هو ليس بفضلة تضيف معنى جديدًا، بل إنه جزء
من بنية حصرية، وعليه يكون المصدر بؤرة حصر
تصحح معلومة لدى المتلقي وتستأثر باهتمامه تداوليًّا. ولكن
الإشكال الذي لا يوجّه بمثل الاستغناء المتقدّم فيما لو كان
المصدر المنصوب مفعولا لأجله في بنية استثناء مفرغ
كهذه، فكيف يكون المفعول لأجله بؤرة مقابلة حصرية
وبؤرة جديد في آن؟، إذ تقرّر عندهم أن المفعول لأجله
بؤرة جديد(2)، ولا يقل قائل إنه سد مستّ الخبر، كما الحال،
فهذا المفعول غير مقرّر له في المواضعات النحوية أن يسد
مسدّ الخبر. والذي أراه -دفعًا لهذا الإشكال- أن (تذكّرًا)
المفعول لأجله هو بؤرة جديد تستأثر باهتمام المتلقي
وتستقطبه تداوليًّا في بنية الاستثناء المفرغ، باعتبار أنّ ثمة
خبرًا محذوفًا(3) بعد أداة الحصر، وهذا المفعول يكون بؤرة
الجديد، بمعنى أن بؤرة الجديد جزء متمم لبؤرة الحصر،
وحينئذٍ يرتفع الإشكال الوظيفي.
ومن هذا التداخل الذي تحققه وظيفة النصب، ما في
قوله(1):
لا أشرَيبُ إلى ما لم يَقُتْ طَمَعًا
ولا أبيث على ما فات خسزانا
فقد ذهب المعريّ إلى أن(طمعًا) فيه يحتمل أن يكون
مفعولا مطلقًا، ويحتمل أن يكون مفعولًا لأجله(2)، ولم أجد
غيره من الشراح المعربين من ذكر هذين الوجهين، فضلًا
عن أن يذكر ما يمكن أن يحتمله من الحالية، والحالية معنى
ظاهر فيه، فهذا المصدر المنصوب على نحو قولنا: (جئتُ
طمعًا في رضاك)، فإن كان تقدير المصدر(طامعًا) كان
حالًّا، وإن كان التقدير (أطمع طمعًا) فهو منصوب على
المصدرية، وإن أُريد به العلة كان مفعولًا لأجله(3)، كالذي
في قوله تعالى: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعَا(4)، فالمصدران
موضوعان موضع الحال، أو أن يكونا مفعولين لأجله،
بلحاظ العطف بينهما(5)، ومثله ما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطُمَعَا}(1)، فالمصدران المنصوبان على
نحو ما تقدم (2).
إن البنية المكونية لـ(طمعًا)، في البيت، هي ذروة
التبئير المؤخَّر حتى نهاية الشطر الأول، ويقال فيها ما قيل
سابقًا، من حيث إنه بؤرة الجديد المثيرة، بتداخلها الدلاليّ
التداوليّ، ولعل الذي يقرّر هذا التبئير ويرسيه؛ بنية التوازي
التركيبية المنعقدة بين الشطرين، على اعتبار أن طرفي
التوازي متعادلان ومتلازمان، ولا قيمة دلالية من دون هذا
التلازم، والتلازم الذي أزعمُه متأتٍ من أن الشاعر ناظرٌ
فيه قوله تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوا عَلَى مَا فَاتَكْمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا
أتَاكُم][الحديد:23]. وكلّ ذلك يعزز من نفاذ التبئير وسطوته
على متلقيه، ومنهم الممدوح، والشاعر يمارس فيهم نوعًا
من التطهير (3)، بإثارة عاطفة الشفقة، والأبيات التي قبل هذا
البيت تشهد بذلك وتنصره.
وفي شعر أبي الطيب أمثلة أخرى، وقف عندها
المعربون(4)، وقد تداخلت فيها هاتان الوظيفتان أيضًا،
ببعديهما الدلاليّ والتدوليّ، وحققت فيها وظائف سياقية لا
يعدمها التحليل والتبصر.
المحور الثالث: تداخل وظيفة الحال مع وظيفة المنصوب
على المصدريّة
تكرر في غير موضع أن الأصل في الحال أن تأتي
وصفًا مشتقًا، أمّا أن تأتي مصدرًا فهو خارج عن الأصل،
فالمصدر متضمّنٌ الحدث من دون الإشارة إلى محدثه،
والحال وصف لصاحبها، الذي هو محدث الحدث، ولكن
الاستعمال التداوليّ خرج بها إلى أن تلتقي مع المصدر
صرفيًّا، فتكلّف لها النحويون تأويلًا صناعيًّا يردُّها إلى
الأصل(1)، ومن هنا صارت الحال تحاقل هذا المصدر
المنصوب بنيويًّا، في الاشتراط الصرفي والموقعي
والإعرابي، والذي يزيد من هذا التحاقل بينهما دلاليًّا
وتداوليًّا في ما أرى، بله ما تقدم؛ أمور عدة، أحدها: أن ثمة
من يرى أن المصدر الواقع حالًا منصوب على المفعولية
المطلقة، لفعل محذوف، يستدلّ عليه بالمذكور، فقولنا: (جاء
زيدٌ ركضًا) هو بتقدير: (جاء زيدٌ يركضُ ركضًا)(2).
وثانيها: أن الكوفيين يرون أن المصدر الواقع حالًا
منصوب على المفعولية المطلقة، للفعل المذكور نفسه،
ف(جاء) في(جاء زيدٌ ركضًا) هو بمعنى(ركض)(3).
وثالثها: أنه قد تأتي الحال مؤكّدة لعاملها أو صاحبها أو
مضمون الجملة التي قبلها، وذلك بأن يُستفاد معناها من ذلك
العامل، نحو(ولى سعيدٌ مديِرًا)، أو من صاحبها،
نحو(انظُوا فِي السِّلْمِ كَافّةً](4)، إذ(كافة) حال مؤكِّدة
للضمير الواو في(ادخلوا)، أو أن يُستفاد معناها من
مضمون الجملة التي قبلها، نحو(هو المتنبي شاعرًا)،
فـ(شاعرًا) تؤكِّد ما عرف به المتنبي(1)، وكذا فالمفعول
المطلق قد يكون مؤكِّدًا لعامله، في نحو (نصر الله عبده
نصرًا)(2). بيد أن الأمرين الأولين أكثر وضوحًا في بيان
التمازج والتلابس الوظيفي بينهما.
وكل هذا وغيره يدعو إلى النظر في تداخل الوظيفة
النصبيّة بينهما، ومنه ما في قول أبي الطيب(3):
وتملك أنفُسَ الثقليْنِ ضُرًّا
فكيف تحوز أنفسها كِلابُ
ف(طُرًّا) مصدر للفعل(طرّ)، يقال: طررتُ القوم طرًّا،
بمعنى مررتُ بهم جميعًا(4)، وهو -عمومًا-من المصادر
التي تكاد تلازم النصب في العربية ولا تتصرف(5)، ويفيد
ما تفيده ألفاظ التوكيد المعنوي من الدلالة على الإحاطة
والشمول(6)، ومثله (قاطبة) و(كافة)، من حيث ملازمة
النصب، وخصوصية الاستعمال(7).
وتتداخل الوظيفة النحوية في مثل هذه الألفاظ
المنصوبة تداخلًا اختلف لأجله قول النحويين، قال
المبرد: "واعلم أن هذه المنتصبات عن المصادر في
موضع الأحوال، وليست بأحوال، ولكنها موافقة،
وموضوعة في مواضع غيرها؛ لوقوعها معه في المعنى.
وكذلك: جاءني القوم قاطبة، وطرًّا. إنما معناه: جاءني
القوم جميعًا، ولكن وقع(طرًّا) في معنى المصدر؛ كما
تقول: جاءني القوم جميعاً إذا أخذته من قولك: جُمعوا
جمعًا. وقد يكون الجمع اسمًا للجماعة، قال الله عزّ وجل:
(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلَّونَ الدُّبْرَ](1). فأمّا قولك: (طرًّا) فقد
كان يونس يزعم أنه اسم نكرة للجماعة وإن لم يقع إلّا
حالًا، ويقال: طررت القوم، أي: مررت بهم جميعًا. وقال
النحويون سوى يونس: إنّه في موضع المصدر الذي
يكون حالًا"(2).
و(طُرًّا) في هذا الموضع منصوب على الحالية، أو
المفعولية المطلقة(3)، ونصبه على المفعولية المطلقة يقابل
مصطلح(الحدث) في النحو الوظيفي(4)، وهو يؤدي -
بالإعرابين- وظيفته الدلالية المتداخلة، ووظيفته التداولية،
التي هي موضع استقطابي ظاهر، بكونه بؤرة الجديد، أو
أن بؤرة الجديد أسندت إليه، ويعلي من قيمة التبئير
التواصلية فيه أمران، أحدهما: كونه منتهى جملة خبرية
وافق أن كانت منتهى الشطر الأول، ومثل هذه العناصر
النحوية -عمومًا- تنزع إلى أن تشغل الموقع الأخير في
التراكيب(5). والآخر: كون النبر يقع عليه، وقد مرّ ما للنبر
من أثر وظيفي فاعل في الفعل الكلامي الإنجازي، ولا
سيما أنّ(طرًّا) متكوّن صوتيًّا من مقطعين طويلين مغلقين،
هما(طَرْ) و(رَنْ)، وكلاهما يتكون من صوت صامت،
تتلوه حركة قصيرة (مصوت قصير)، فصوت صامت:
(ص ح ص/ص ح ص)، وكلّ منهما، على ذلك، مقطع
من النوع الثالث عند المشتغلين بالأصوات(1)، والنبر إنّما
يكون على مقطعه الأول، كما يرى الدكتور إبراهيم أنيس
في مثل هذا اللفظ وذلك أنه إذا كان المقطع الأخير ليس
من النوع الرابع أو الخامس(2)، فحينئذٍ يكون النبر واردا
على المقطع الذي قبله، لأنه من النوع الثالث(3)، والذي
ينهض بالنبر في هذا اللفظ ويعطيه قيمته الوظيفية؛ أنه لفظ
موضوع للتوكيد أصلًا، لما فيه من دلالة على الشمول
والإحاطة، فهو إن كان حالًّا يكون من قبيل الحال المؤكِّدة
التي يُستفاد معناها ممّا قبلها، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك،
وإن كان مفعولًا مطلقًا يكون من قبيل المفعول المؤكّد
لعامله الذي لا يشتمل على زيادة عليه من وصف أو من
دلالة على عدد (4).


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

اعداد خطة عمل ع...

اعداد خطة عمل عن بعد والتناوب مع رئيس القسم لضمان استمرارية العمل أثناء وباء كوفيد 19، وبالإضافة إلى...

بدينا تخزينتنا ...

بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

فرضية كفاءة الس...

فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...

توفير منزل آمن ...

توفير منزل آمن ونظيف ويدعم الطفل عاطفيًا. التأكد من حصول الأطفال على الرعاية الطبية والتعليمية والن...

Le pêcheur et s...

Le pêcheur et sa femme Il y avait une fois un pêcheur et sa femme, qui habitaient ensemble une cahu...

في التاسع من ما...

في التاسع من مايو/أيار عام 1960، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاستخدام التجاري لأول أقر...

أهم نقاط الـ Br...

أهم نقاط الـ Breaker Block 🔹 ما هو الـ Breaker Block؟ • هو Order Block حقيقي يكون مع الاتجاه الرئي...

دوري كمدرب و مس...

دوري كمدرب و مسؤولة عن المجندات ، لا اكتفي باعطاء الأوامر، بل اعدني قدوة في الانضباط والالتزام .فالم...

سادساً: التنسيق...

سادساً: التنسيق مع الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وفريق إدارة شؤون البيئة لنقل أشجار المشلع ب...