خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
(۱)العقل غير مصمم للتفكير: يوضح النص أن الدماغ لا يُصمم للتفكير بكفاءة عالية، بل يبرع في وظائف أخرى كالإبصار والحركة، التي تتميز بالكفاءة والموثوقية أكثر من التفكير. ويُثبت ذلك تفوق أجهزة الكمبيوتر في المهام "العقلانية" مقابل تفوق الإنسان في الإبصار والحركة. يُشير النص إلى أن التفكير عملية بطيئة، تتطلب جهداً، وغير مؤكدة، بخلاف الإبصار أو الحركة. وللتغلب على صعوبات الحياة اليومية، نعتمد على الذاكرة أكثر من التفكير، حيث نستخدم استراتيجيات متكررة لحل مشكلات مألوفة. الذاكرة، رغم قصورها أحياناً، تُعتبر أكثر موثوقية من التفكير في حل المشكلات اليومية، حيث إنها توفر إجابات سريعة وبمجهود أقل. نستخدم الذاكرة لتوجيه سلوكنا في المهام المعقدة، ما يُتيح لنا القيام بمهام متعددة دون جهد كبير. السعي الدائم للتفكير "خارج الصندوق" مُرهق، بينما الاعتماد على الذاكرة يُسهل الحياة. السفر لبلد غير مألوف يوضح هذا، حيث تتطلب أبسط المهام جهدًا فكرياً كبيراً. الدماغ يتكيف لتجنب التفكير من خلال تحويل المهام المُعقدة إلى تلقائية مع الممارسة، كما في تعلم قيادة السيارة.
(۲) البشر فضوليون بالفطرة، لكن لا يمكن التعويل على الفضول: رغم عدم كفاءة الدماغ في التفكير، يستمتع البشر بالنشاط الذهني تحت ظروف معينة. نمتلك هوايات تتطلب تفكيراً، ونختار مهناً ذات تحديات عقلية. حلّ المشكلات يُجلب السعادة، ويرتبط بنظام المكافأة في الدماغ عبر إفراز الدوبامين. السعادة تكمن في "فعل" حل المشكلة، وليس مجرد معرفة الحل. النشاط الذهني الجذاب يعتمد على المحتوى، إلا أن المحتوى وحده لا يكفي لإثارة الاهتمام باستمرار. الاهتمام يتأثر بصعوبة المشكلة، فالمشاكل السهلة جداً مملة، والصعبة جداً مُحبطة. لذا، نُحب التفكير عندما نرى أن الجهد الذهني سيُثمر سعادة حل المشكلة، لذا، فإن الزعم بأن الناس يتحاشون التفكير، وبأنهم فضوليون بالفطرة، صحيحان. الفضول يحفز على استكشاف الأفكار، لكن يُقيّم الجهد الذهني، فإذا كان كبيراً جداً أو صغيراً جداً، يتوقف التفكير. هذا يفسر كراهية العديد من التلاميذ للمدرسة؛ فالمهام الدراسية إما سهلة جداً أو صعبة جداً.
(۳) آلية عمل عملية التفكير: يقدم نموذج مبسط للعقل: الذاكرة العاملة (الوعي) والذاكرة طويلة المدى. التفكير يحدث عندما نربط معلومات من البيئة والذاكرة طويلة المدى بطرق جديدة في الذاكرة العاملة. حلّ الألغاز يُوضح هذه العملية. تحتوي الذاكرة طويلة المدى على حقائق ومعرفة إجرائية (إجراءات عقلية). المعرفة الإجرائية تُسهل التفكير. التفكير الناجح يعتمد على: معلومات من البيئة، حقائق في الذاكرة طويلة المدى، إجراءات في الذاكرة طويلة المدى، ومساحة كافية في الذاكرة العاملة. قصور أي عامل قد يُفشل التفكير.
(٤) التطبيقات بالنسبة إلى التدريس: لماذا لا يحب كثير من الطلاب المدرسة؟ عامل مهم هو الشعور المستمر بمتعة حل المشكلات. المعلمون يمكنهم ضمان هذه المتعة عن طريق: (أ) التأكد من وجود مشكلات ذات تحدٍّ متوسط، مع مراعاة الحدود المعرفية للتلاميذ، (ب) احترام الحدود المعرفية للتلاميذ عند تصميم التحديات، (ج) توضيح المشكلات، (د) جعل المشكلات شائقة من خلال الربط مع اهتماماتهم، (هـ) التركيز على الأسئلة، (و) إعادة النظر في وقت إثارة حيرة التلاميذ. (ز) قبول اختلاف استعداد التلاميذ، وتقديم مهام مناسبة لقدراتهم. (ح) تغيير الإيقاع لجذب الانتباه.
(۱)العقل غير مصمم للتفكير
يقوم المخ بالعديد من الوظائف، والتفكير ليس أفضل وظيفة يقوم بها؛ فمخك يدعم أيضًا القدرة على الإبصار والحركة؛ على سبيل المثال: هاتان الوظيفتان تعملان على نحو أكثر كفاءة وموثوقيةً من قدرتك على التفكير وليست مصادفةً أن معظم مناطق مخك مخصصة لمثل هذه الأنشطة؛ فثمة احتياج إلى قوة المخ الإضافية لأن الإبصار هو في الواقع أكثر صعوبة من لعب الشطرنج أو حلّ مسائل التفاضل والتكامل.
يمكنك تقدير قوة الجهاز البصري لديك من خلال مقارنة القدرات البشرية في هذا الشأن بقدرات أجهزة الكمبيوتر. عندما يتعلق الأمر بالرياضيات، والعلوم، وغيرهما من مهام «التفكير» التقليدية، فإن الآلة تهزم الإنسان بلا منازع. يمكنك بخمسة دولارات فقط أن تحصل على آلة حاسبة من شأنها إجراء حسابات بسيطة على نحو أسرع وأدق مما يستطيع أي إنسان، كما يمكنك أن تشتري بخمسين دولارًا برنامج لعبة شطرنج يستطيع أن يهزم أكثر من %۹۹% من سكان العالم. بَيْدَ أن أقوى جهاز كمبيوتر في العالم لا يمكنه أن يقود شاحنة؛ يرجع هذا إلى أن الكمبيوتر لا يستطيع أن يرى، خاصةً في البيئات المعقدة المتغيرة باستمرار، كتلك التي تواجهها في كل مرة تقود فيها. الروبوتات
بالمثل مقيدة في طريقة حركتها، بينما يبرع البشر في تعديل أوضاع جسدهم وفقا للمهام المطلوبة، حتى إن كان التعديل غير مألوف، مثلما يحدث عندما تلف جذعك وتلوي ذراعك في محاولة لنفض الغبار الموجود خلف الكتب على أحد الأرفف. الروبوت ليس كفوا في اكتشاف طرق جديدة للتحرك؛ وعليه، يكون نافعًا في المقام الأول في الأعمال المتكررة مثل دهان أجزاء السيارات بالرش، الذي يتطلب دائما نفس الحركات. إن المهام التي تراها بديهية - على سبيل المثال: السير على شاطئ صخري حيث لا يمكن التنبؤ بشكل خطواتك - أكثر صعوبة من لعب شطرنج في مستوى متقدّم؛ فما من كمبيوتر يستطيع أن يفعل هذا
أقصى وقت متاح لحل هذه الأحجية هو في الغالب عشرون دقيقة، وقليلون هم من يستطيعون حلها في خلال هذا الوقت مع أنه بمجرد أن تعرف الحل ستدرك أنها ليست صعبةً لهذه الدرجة؛ فسوف تفرغ العلبة من المسامير، وتسمر العلبة في الجدار، وتستخدمها كقاعدة للشمعة.
توضح هذه الأحجية ثلاث صفات للتفكير؛ أولاً : أن التفكير «بطيء». يستوعب الجهاز البصري لديك في الحال أي منظر معقد؛ فعندما تدخل إلى الفناء الخلفي لمنزل أحد الأصدقاء، أنت لا تقول في نفسك: «حسنًا ، ثَمَّةَ بعض الأشياء الخضراء، إنه عشب على الأرجح، لكن لعله نوع آخر من أغطية الأرضيات، وما هذا الشيء البني الصلب المنتصب هناك؟ ربما يكون سورًا.» ما يحدث هو أنك تستوعب المشهد بالكامل – العشب مع السور وأحواض الزهور ومقصورة الحديقة - من نظرة واحدة ، أما جهاز التفكير لديك فلا يحسب في الحال حل أي مسألة بالطريقة الفورية التي يستوعب بها جهازك البصري المشهد المرئي. ثانيًا: يتطلب التفكير بذل مجهود»؛ فأنت لا يتعين عليك أن تبذل مجهودًا في الرؤية، أما التفكير فيتطلب تركيزا؛ فبإمكانك أن تؤدي مهام أخرى وأنت تنظر إلى شيء ما، لكن لا يمكنك أن تفكّر في أي شيء آخر وأنت تحلُّ مسألة ما. ثالثًا وأخيرا: التفكير «غير مؤكد»، فنادرًا ما يخطئ جهازك البصري، وعندما يفعل ذلك فأنت عادةً ما تظن أنك ترى شيئًا مشابها لما هو موجود هناك بالفعل؛ فأنت قريب من الصحة، ما لم تكن صحيحًا تمامًا، أما جهاز التفكير فربما لا يكون قريبًا حتى من الصحة؛ إذ ربما يكون الحل الذي يقدّمه جهاز تفكيرك للمسألة غير صحيح بالمرة، بل ربما أيضًا لا يأتي بحل على الإطلاق، وهو ما يحدث مع معظمنا عندما يحاول حل أحجية الشمعة.
إذا كنا جميعًا سيئين جدًّا في التفكير، فكيف نتغلب على صعوبات يومنا؟ كيف نجد طريقنا إلى العمل أو نستفيد من أحد العروض المخفضة في متجر البقالة؟ وكيف يصنع المعلم مئات القرارات اللازمة للتغلب على صعوبات يومه؟ الإجابة هي أنه عندما نتغلب على الصعوبات التي نواجهها، فإننا لا نفكر ، لكننا نعوّل عوضًا عن ذلك على الذاكرة، فمعظم المشكلات التي نواجهها هي مشكلات حللناها من قبل؛ وعليه، كل ما في الأمر أننا نفعل أشياء قمنا بها في الماضي؛ على سبيل المثال: افترض أن أحد أصدقائك عرض عليك الأسبوع المقبل أحجية الشمعة، فإنك ستقول له على الفور: «حسنًا، لقد سمعت هذه الأحجية من قبل، فالفكرة أنك تسمّر العلبة في الجدار.» ومثلما يستوعب جهاز الإبصار لديك أحد المناظر، ودون أن تبذل أدنى مجهود يخبرك ماذا يوجد في البيئة من حولك هكذا الحال مع جهاز التذكر لديك الذي يدرك في الحال ودون أدنى مجهود أنك قد سمعت هذه الأحجية من قبل ويقدّم الحل . قد تظن أن ذاكرتك سيئة، وهذه حقيقة؛ فجهاز التذكر لديك لا يمكن التعويل عليه بنفس قدر التعويل على جهاز الإبصار أو جهاز الحركة فأنت تنسى أحيانًا، وأحيانًا أخرى «تظن أنك تتذكر مع أنك لا تتذكر – ولكن جهاز التذكر جدير بالاعتماد عليه أكثر من جهاز التفكير لديك، ويقدّم إجابات سريعة وبمجهود قليل.
عادةً ما نعتبر الذاكرة مستودعًا للأحداث الشخصية مثل ذكريات حفل زفافنا والحقائق (مثل كون جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة). تخزن ذاكرتنا أيضًا الاستراتيجيات التي تُرشدنا إلى ما ينبغي علينا فعله على سبيل المثال: الطريق الذي يجب أن ننعطف إليه أثناء القيادة إلى المنزل، وكيفية تسوية شجار بسيط أثناء مراقبة استراحة التلاميذ، وماذا نفعل عندما تبدأ قدر موضوعة على الموقد في الغليان (انظر الشكل (١-٢). وفي الأغلبية العظمى من القرارات التي نتخذها، لا نتوقف لنفكر فيما قد نفعله، ونحكم عقلنا بشأنه، ونتوقع عواقبه الممكنة، وما إلى ذلك؛ على سبيل المثال: عندما أقرّر طهي مكرونة اسباجيتي على العشاء، فإنني لا أرجع لكتب الطبخ وأدقق فيها، وأُمعن التفكير في مذاق كل وصفة، وقيمتها الغذائية، وسهولة إعدادها، وتكاليف مكوناتها، وجاذبية شكلها، وما إلى ذلك؛ كلُّ ما في الأمر أنني أُعِدُّ صلصة المكرونة بالطريقة التي عادةً ما أعدها بها. في هذا الإطار، يقول اثنان من علماء النفس: «نحن نفعل معظم الوقت ما نفعله في معظم وقتنا.» عندما تشعر كما لو كنت تتصرف بنحو تلقائي»، حتى إن كنتَ تفعل شيئًا شديد التعقيد، مثل قيادة السيارة إلى المنزل بعد الانتهاء من العمل في المدرسة فإن ذلك يرجع إلى أنك تستخدم الذاكرة في توجيه سلوكك. لا يتطلب استخدام الذاكرة الكثير من انتباهك؛ ومن ثَمَّ لك مطلق الحرية في الاستغراق في أحلام اليقظة، حتى وأنت تتوقف في إشارات المرور، وتتخطّى السيارات، وتنتبه للمشاة، وما إلى ذلك.
بالطبع بإمكانك أن تتَّخِذ كلَّ قرار بعناية وترو ، عندما يشجعك أحدهم على أن تفكر خارج الصندوق»، فهو عادة ما يقصد ألا تتصرف بنحو تلقائي، وألا تفعل ما تفعله أو يفعله الآخرون دائمًا. تخيل شكل الحياة إذا كنت تسعى دائمًا» للتفكير خارج الصندوق، افترض أنك تعاملت مع كل مهمة من مهامك وكأنك تتعامل معها لأول مرة، وحاولت أن ترى كل احتمالاتها، حتى المهام اليومية مثل تقطيع البصل، أو دخول بناية عملك، أو شراء مشروب مرطب على الغداء. ربما يكون التجديد ممتعًا لبعض الوقت لكن الحياة سرعان ما ستكون منهكةً لك (انظر الشكل ١-٣).
لعلك مررت بتجربة مماثلة عند السفر إلى الخارج، خاصةً إذا ذهبت إلى بلدة لا تعرف لغتها المحلية؛ كلُّ شيء حولك غير مألوف، وحتى أبسط الأفعال تتطلب الكثير من التفكير؛ على سبيل المثال: يتطلب شراء زجاجة مياه غازية من أحد الباعة اكتشاف النكهة المطلوبة المكتوبة على غلاف العلبة الغريبة اللغة، ومحاولة التواصل مع البائع، ومعرفة أي عملة تستخدمها، وما إلى ذلك، وهذه هي بعض أسباب كون السفر منها جدا؛ فكافة الأحداث الصغيرة التي يمكن أن تفعلها بنحو تلقائي وأنت في بلدك، تحتاج إلى الانتباه الكامل.
تناولت حتى الآن طريقتين صُمّم بهما مخك كي يَقِيَك من الاضطرار إلى التفكير؛ الأولى: أن بعضًا من أهم الوظائف (على سبيل المثال: الإبصار والحركة لا يحتاج إلى تفكير، فأنت لست مضطرًا إلى أن تفكّر فيما ترى؛ إذ إنك تعرف على الفور ما يوجد في العالم من حولك. الثانية: أنك تميل إلى استخدام الذاكرة لتقود أفعالك أكثر من ميلك إلى القيام بالتفكير؛ فمخك لا يتوقف عند هذا الحد، فهو قادر على التغيير كي يقيك من الاضطرار إلى التفكير، فإذا كررت نفس المهمة التي تحتاج إلى تفكير مرارا وتكرارًا، فإنها ستصير تلقائية في آخر المطاف، وسيتغير مخك بحيث يمكنك أن تتمم المهمة دون التفكير فيها. سأناقش هذه العملية بمزيد من التفصيل في الفصل الخامس، لكن هناك مثالاً مألوفًا سوف يوضّح ما أعنيه؛ فعلى الأرجح يمكنك أن تسترجع أن تعلم قيادة السيارة كان مهمةً مُرهقة ذهنيًا جدًّا. أتذكَّرُ أنني كنتُ أصبُّ تركيزي على مقدار قوة الضغط على دواسة الوقود، ومتى وكيف أستعمل الفرامل وأنا أقترب من إحدى إشارات المرور الحمراء، وإلى أي مدى ألف عجلة القيادة لأنعطف، ومتى أنظر في المرايا، وما إلى ذلك، بل لم أكن أنصت حتى إلى الراديو أثناء القيادة خشية التشتت بَيْدَ أنه مع الممارسة، صارت عملية القيادة تلقائية، وغَدَا الآن التفكير في هذه التفاصيل الصغيرة للقيادة لا يتطلب مني أكثر مما يتطلبه التفكير في كيفية السير على قدمي؛ إذ يمكنني أن أقود السيارة وأنا أتحدث في الوقت نفسه مع الأصدقاء، وأومئ بإحدى يدي، وأتناول البطاطس المقلية، وهو إنجاز معرفي رائع، وإن كان غير جدير جدًا بالمراقبة. إذن بالممارسة تصبح المهمة التي كانت تحتاج في البداية إلى قدر كبير من التفكير، مهمةً تحتاج إلى القليل من التفكير، أو لا تحتاج إلى تفكير على الإطلاق.
إن تطبيقات هذا الأمر في التعليم لا تدعو إلى التفاؤل؛ فإذا كان الأشخاص سيئين في التفكير ويحاولون تجنبه، فيم ينبئنا هذا عن توجهات التلاميذ نحو المدرسة؟ من حُسن الحظ أن القصة لا تنتهي عند رفض الناس بعناد للتفكير؛ فبالرغم من الحقيقة التي تقول إننا لسنا جيدين جدا في التفكير، فإننا في واقع الأمر «نحب» التفكير؛ فنحن فضوليون بالفطرة، ونتحين الفرص للانخراط في أنواع معينة من التفكير. لكن لأن التفكير بالغ الصعوبة، لا بد من أن تكون الظروف مواتية كيما ينمو هذا الفضول، وإلا فسنتوقف عن التفكير بسهولة شديدة. يشرح القسم التالي متى نحب أن نفكر ومتى لا نحب.
(۲) البشر فضوليون بالفطرة، لكن لا يمكن التعويل على الفضول
مع أن المخ غير مصمم من أجل التفكير بكفاءة شديدة، فإن البشر في الحقيقة يستمتعون بالنشاط الذهني، على الأقل في ظل ظروف معينة، فنحن لدينا هوايات مثل حل الكلمات المتقاطعة، والفحص الدقيق للخرائط، ومشاهدة الأفلام الوثائقية المليئة بالمعلومات، كما نسعى للالتحاق بمهن - مثل التدريس - تنطوي على تحديات عقلية أكبر من تلك الموجودة في مهن أخرى، حتى إن كان العائد المادي أقل؛ فنحن لا نرغب في التفكير فحسب، بل نسعى أيضًا عن قصد في طلب المواقف التي تتطلب التفكير.
إن حل المشكلات يجلب السعادة. عندما أذكر عبارة «حل المشكلات في هذا الكتاب فإنني أقصد نجاح أي نشاط إدراكي؛ قد يكون فهم فقرة نثرية صعبة، أو تخطيط حديقة، أو اغتنام فرصة استثمارية. ثَمَّةَ شعور بالرضا؛ أي شعور بالإنجاز، من جراء التفكير الناجح. اكتشف علماء الأعصاب في السنوات العشر الأخيرة أن ثَمَّةَ تداخلا بين مناطق المخ والمواد الكيميائية الضرورية للتعلم وبين تلك الضرورية في جهاز المكافأة الطبيعي الخاص بالمخ. يشك كثير من علماء الأعصاب في أن الجهازين مرتبطان؛ إذ تتعلم الفئران في المتاهة بنحو أفضل عندما تُكافأ بقطعة جبن. إنك عندما تحل مشكلة، قد يكافئ مخك نفسه بإفراز جرعة صغيرة من الدوبامين، وهي مادة كيميائية تُفرز في المخ بنحو طبيعي، وهي مهمة لجهاز السعادة في المخ. يعرف علماء الأعصاب أن الدوبامين مهم لكلا الجهازين - التعلم والسعادة - وإن كانوا لم يسبروا بعد غور العلاقة المباشرة بينهما.
وعلى الرغم من أن كيمياء الأعصاب ليست مفهومةً بالكامل، فإنه لا يمكن إنكار أن الأفراد يجدون سعادةً في حل المشكلات.
من الملاحظ أيضًا أن السعادة تكمن في فعل «حل المشكلة؛ فأن تتناول مشكلة دون أن تشعر بأنك تحرز تقدمًا في حلها أمر غير سعيد، بل في الواقع محبط. ومع ذلك، لا توجد متعة كبيرة في مجرد معرفة الحلّ؛ لقد أخبرتك بحل أحجية الشمعة، فهل وجدت أي متعة في ذلك ؟ تخيل كم المتعة التي كنت ستحصل عليها لو كنت قد توصلت إلى حلها بنفسك، حينها كانت الأحجية ستبدو أكثر براعة، مثلما تبدو المزحة التي تفهمها أكثر ظرفًا من المزحة التي تحتاج إلى شرح. حتى إذا لم يخبرك أحدهم مباشرةً بحل مشكلة ما، فحالما يعطيك أحدهم الكثير من التلميحات إلى الحلّ، فإنك تفقد الشعور بأنك «أنت» من حل المشكلة، والوصول إلى الحلّ في هذه الحالة لا يطلق نفس الشعور بالرضا.
يستهوينا النشاط الذهني حيث إنه يتيح الفرصة للشعور بالسعادة لدى نجاحه، وإن لم تكن كل أنواع التفكير جذابة بنفس الدرجة. يختار الأفراد أن يحلُّوا الكلمات المتقاطعة، ولا يختارون أن يحلُّوا مسائل الجبر. وعلى الأرجح تُباع السيرة الذاتية للمطرب الأيرلندي بونو أكثر من السيرة الذاتية للشاعر الإنجليزي كيتس. ما سمات النشاط الذهني الذي يستمتع به الناس
إجابة معظمنا على هذا السؤال قد تبدو واضحة: «أظن أن الكلمات المتقاطعة ممتعة وبونو شخص مثير للإعجاب، لكن الرياضيات مملة وكذلك كيتس.» بعبارة أخرى، المحتوى هو المهم؛ إذ يثير فضولنا بعض الأشياء، ولا يثيرها البعض الآخر. بلا شك هذه هي الطريقة التي نَصِفُ بها اهتماماتنا؛ على سبيل المثال: «أنا جامع طوابع»، أو «أنا محب للموسيقى السيمفونية التي ترجع للقرون الوسطى. لكن في رأيي ليس المحتوى هو الذي يحرّك الاهتمام؛ فكل منا حضر محاضرة أو شاهد برنامجا في التليفزيون (ربما) رغما عنه عن موضوع ظن أنه لا يستهويه، ليجد نفسه مفتونا به، كما أنه من السهل أن يشعر المرء بالضجر حتى عندما يكون الموضوع مُحبَّبًا له. لن أنسى أبدا لهفتي لذلك اليوم الذي كان معلمي في المدرسة الإعدادية مُزمِعًا أن يتحدَّث فيه عن الجنس؛ فَكَصَبِي في سن المراهقة يعيش في ظل ثقافة الضواحي الصارمة في سبعينيات القرن العشرين، كنت أتلهف بحماس شديد لأي حديث بشأن الجنس، وذلك في أي وقت وأي مكان. بيد أنه عندما جاء اليوم المنتظر، أوهَنَ الملل تمامًا عزيمتي أنا وأصدقائي؛ ليس لأن المعلم تحدث عن الأزهار والتلقيح . لقد تحدث بالفعل عن العلاقات الجنسية البشرية - لكن بطريقة ما كان حديثًا مُمِلًا . في الواقع ليتني أستطيع أن أتذكر كيف فعل هذا؛ فأن يصيب حديث عن الجنس مجموعةً من المراهقين، المتَّقدين حماسًا نتيجةً للنشاط الهرموني، بالملل؛ لهو عمل فذ.
ذات مرة أثبت هذا المجموعة من المعلمين عندما كنتُ أتحدث عن الدافعية والإدراك؛ فبعد مرور نحو خمس دقائق من الحديث عرضت أمامهم شريحة تصور نموذج الدافعية الموضح في الشكل ١-٥ ، ولم أهيئ المستمعين لعرض هذه الشريحة بأي نحو، بل عرضتها فحسب وبدأت في شرحها بعد مرور حوالي خمس عشرة ثانية توقفت وقلت للمستمعين: أي شخص لا يزال ينصت إليَّ يرفع يده من فضلكم. رفع شخص واحد يده. كان التسعة والخمسون شخصًا الباقون حاضرين بمحض إرادتهم أيضًا؛ فقد كان موضوع المحاضرة محل اهتمامهم كما يُفترض، وكان الحديث قد بدأ للتو، لكن في خلال خمس عشرة ثانية كانت أذهانهم شاردةً في مكان آخر. إن محتوى المشكلة سواء أكان عن الجنس أم عن الدافعية - قد يكون كافيًا لإثارة اهتمامك، لكنه لن يحافظ على دوامه وعلى ذلك إذا لم يجعلك المحتوى تحتفظ بانتباهك إليه، فمتى يتمتع الفضول بقدرة على الاستمرارية ؟ ربما تكمن الإجابة في صعوبة المشكلة. إذا كنا نحصل على قدر قليل من المتعة من حل مشكلة ما ، فعندئذ لا فائدة من تناول مشكلة بالغة السهولة؛ فلن يكون هناك شعور بالمتعة لدى حلها لأنها لم تَبْدُ مشكلةً كبيرة في المقام الأول. ومع ذلك عندما تعتبر أن مشكلةً ما شديدة الصعوبة، فإنك تقرّر أن من المستبعد حلها؛ ومن ثم لا يُحتمل أن تحصل على الرضا الذي يصاحب حلها. فأحجية الكلمات المتقاطعة البالغة السهولة هي عمل لا حاجة فيه إلى إعمال العقل؛ فأنت تملأ المربعات، وقلما تفكر فيها، ولن يكون هناك شعور بالرضا، مع أنك تصل إلى كل الإجابات الصحيحة، لكن من المستبعد أن تجتهد لوقت طويل لحل أحجية كلمات متقاطعة بالغة الصعوبة؛ فأنت تدرك أنك سوف
تحل القليل جدا منها؛ ومن ثَمَّ ستكون مثبطة للعزيمة فحسب. إن محتويات الشريحة المعروضة في الشكل ١-٥ بالغة التفصيل بحيث لا يمكن استيعابها من خلال عمل مقدمة قصيرة جدا لها؛ فسرعان ما خلص المستمعون في المحاضرة إلى أنها كانت عسيرة الفهم وشرد ذهنهم عن حديثي.
باختصار، ذكرت أن التفكير بطيء وغير مؤكد ويتطلب بذل مجهود كبير، إلا أنه يروق لنا التفكير ، أو على نحو أكثر دقة، نحن نحب أن نفكر إذا رأينا أن المجهود الذهني سوف يثمر الشعور بالسعادة الذي يتملكنا لدى حلّ مشكلة ما. ومن ثَمَّ، فإن الزعم بأن الناس يتحاشون التفكير، والزعم بأنهم فضوليون بالفطرة، صحيحان؛ فالفضول يحفز الناس على استكشاف أفكار ومشكلات جديدة، لكن متى فعلوا ذلك، فسرعان ما يقيمون مقدار المجهود الذهني المتضمن في حل المشكلة؛ فإذا كان المجهود كبيرًا أو ضئيلا للغاية، يتوقفون عن التفكير في حل المشكلة إن كان بمقدورهم فعل هذا.
هذا التحليل لأنواع المجهود الذهني التي يسعى نحوها الناس أو يتحاشونها، يُجيب أيضًا على سؤال: لماذا لا يحب عدد كبير من التلاميذ المدرسة ؟ فتناول المشكلات ذات المستوى المناسب من الصعوبة أمر محبّب، بَيْد أن تناول مشكلات بالغة السهولة أو بالغة الصعوبة شيء غير محبب، ولا يمكن للتلاميذ اختيار تجنب تناول هذه المشكلات بالطريقة التي عادةً ما يستخدمها الكبار؛ فإذا كانت المهام الدراسية التي يجب على التلاميذ تأديتها، عادةً ما يشوبها قدر من الصعوبة البالغة، فلا غرابة إذا في عدم اكتراثهم بالمدرسة؛ فمن جانبي أنا لن أرغب في قضاء العديد من الساعات يوميًا في محاولة حل أحجية الكلمات المتقاطعة الصادرة يوم الأحد بصحيفة «نيويورك تايمز».
إذا ما الحل ؟ هل نقدّم للتلميذ مهام أسهل ؟ بإمكانك أن تفعل هذا، لكن يتعين عليك بلا شك أن تنتبه إلى ألا تجعلها بالغة السهولة لدرجة أن تصيب التلميذ بالملل. على كل حال، أليس من الأفضل أن تعزّز قدرات التلميذ قليلا ؟ وعوضًا عن تسهيل المهام المدرسية، هل من الممكن أن تسهل عملية التفكير ؟
(۳) آلية عمل عملية التفكير
إن فهم القليل عن آلية حدوث التفكير سوف يُعينك على فهم ما يُصعب التفكير، وسوف يساعدك هذا بدوره في فهم كيفية تسهيل عملية التفكير لتلاميذك؛ ومن ثم مساعدتهم في الاستمتاع بالمدرسة أكثر
دعونا نبدأ بنموذج بالغ البساطة للعقل: موضّح في يمين الشكل ١-٦ البيئة التي تعج بأشياء لنراها ونسمعها، ومشكلات لنحلها، وهكذا، وموضح في يسار الشكل أحد مكونات العقل الذي يُطلق عليه العلماء الذاكرة العاملة». اعتبر الآن «الذاكرة العاملة» مرادفا للوعي؛ فهي تحتفظ بالأشياء التي تفكّر فيها. يُظهر السهم المتجه من البيئة نحو الذاكرة العاملة أن الذاكرة العاملة هي ذلك الجزء من عقلك حيثما تكون واعيًا بما يحدث من حولك على سبيل المثال: رؤية بقعة ضوء ساقطة على طاولة متربة، وسماع نباح كلب على بعد مسافة منك، وما إلى ذلك. بالطبع يمكنك أيضًا أن تَعِي أشياء ليست موجودة في البيئة في الوقت الحالي؛ على سبيل المثال: يمكنك استرجاع صوت والدتك، حتى لو لم تكن في الغرفة بل حتى لو لم تعد موجودةً على قيد الحياة). إن الذاكرة الطويلة المدى» هي المخزن الكبير الذي تحتفظ فيه بمعرفتك بالحقائق عن العالم؛ على سبيل المثال: تغطي البقع جسد الدعاسيق، ونكهة الآيس كريم المفضلة لك هي الشوكولاتة، وفاجأك بالأمس صغيرك البالغ من العمر ثلاث سنوات بذكر كلمة غريبة، وما إلى ذلك. يمكن أن تكون المعرفة بالحقائق مجردة؛ على سبيل المثال: قد تشمل فكرة أن المثلثات هي أشكال مغلقة ذات ثلاثة جوانب، ومعرفتك بشكل الكلب عمومًا. تقع كافة المعلومات الموجودة في الذاكرة الطويلة المدى خارج الوعي، وهي ترقد في سكون إلى أن تظهر حاجة إليها، وعندئذ تدخل
إلى الذاكرة العاملة، وهكذا تصبح واعيًا بها على سبيل المثال: إذا سألتك: «ما لون الدب القطبي؟» فسوف تجيب في الحال: «أبيض.» كانت هذه المعلومة ترقد ساكنة في الذاكرة الطويلة المدى منذ ثلاثين ثانية، بَيْد أنك لم تصبح واعيا بها إلا حين طرحت السؤال الذي جعلها ذات صلة بالتفكير الدائر، الأمر الذي يترتب عليه دخولها إلى حيز الذاكرة العاملة. يحدث التفكير عندما تربط المعلومات من البيئة والذاكرة الطويلة المدى بطرق جديدة، يحدث هذا الربط في الذاكرة العاملة. وكي تفهم هذه العملية، اقرأ الأحجية المطروحة في الشكل ۱-۷ وحاول أن تحلها. ليس الهدف هو أن تحل الأحجية بقدر ما أن تجرب المقصود بالتفكير والذاكرة العاملة.
معلومات من البيئة - الشروط وشكل لوحة الألعاب - وبعد ذلك تتخيل تحريك الحلقات لتحاول الوصول إلى هدفك. لا بد أن تحفظ في الذاكرة العاملة وضْعَك الحالي في الأحجية موضع الحلقات الآن - ثم تتخيل النقلات المحتملة وتقيمها. في الوقت نفسه يتعين عليك أن تتذكر الشروط التي تُنبّهك إلى كون أي النقلات مسموحا بها،
يوضح توصيف عملية التفكير أن الإلمام بـ «كيفية ربط وإعادة تنظيم الأفكار في الذاكرة العاملة هو أمر لا غنى عنه من أجل التفكير الناجح على سبيل المثال: في أحجية الحلقات والأوتاد، كيف لك أن تعرف الأوتاد التي تحرّك الحلقات إليها؟ إذا لم تَرَ هذه الأحجية من قبل، فمن المحتمل أنك شعرت أنك تقوم بكثير من التخمين؛ فأنت لم تكن لديك أي معلومات في الذاكرة الطويلة المدى كي ترشدك، كما يتضح من الشكل ١-٨. لكن إن كانت لديك خبرة في حلّ هذه النوعية بالتحديد من الأحجيات، فمن المحتمل إذا أن تكون لديك معلومات في الذاكرة الطويلة المدى عن طريقة حلها لا تحتوي الذاكرة الطويلة المدى لديك على المعلومات المبنية على الحقائق فحسب، مثل لون الدب القطبي، وحاصل ضرب ۸ × ۷ ، بل تحتوي أيضًا على ما سنطلق عليه «المعرفة الإجرائية»؛ التي هي عبارة عن إلمامك بالإجراءات العقلية اللازمة لتنفيذ المهام. إذا كان التفكير هو الربط بين المعلومات في الذاكرة العاملة، فإن المعرفة الإجرائية هي عبارة عن معرفة قائمة بالأشياء التي ستربطها معًا ومعرفة التوقيت المناسب لذلك؛ إنها تشبه وصفة لإتمام نوع معين من التفكير. لعلك قمت بتخزين إجراءات الخطوات اللازمة لحساب مساحة المثلثات، أو نسخ الملفات الإلكترونية باستخدام نظام ويندوز، أو القيادة من منزلك إلى عملك.
من الواضح جدا أن تخزين الإجراء المناسب في الذاكرة الطويلة المدى ينفع بشدة عند التفكير، ويفسر هذا سهولة حل المسألة الرياضية السابقة وصعوبة حل أحجية الحلقات والأوتاد. لكن ماذا عن المعرفة المبنية على الحقائق ؟ هل تساعدك في التفكير بالمثل؟ أجل، إنها تساعد في التفكير بالعديد من الطرق المختلفة التي سأتناولها في الفصل الثاني، لكن لاحظ الآن أن حل المسألة الرياضية تطلب استرجاع المعلومات المبنية على الحقائق، مثل حقيقة أن ٨ × ٧ = ٥٦ . ذكرت أن التفكير يستلزم الربط بين المعلومات في الذاكرة العاملة في أغلب الأحيان لا تكون المعلومات المتاحة في البيئة كافيةً لحل مشكلة ما، ويتعين عليك أن تكملها بمعلومات من الذاكرة الطويلة المدى.
من المحتمل أن يكون انطباعك الأول لدى قراءة هذه الأحجية «ما هذا؟»، ربما ترى أنه يتعين عليك قراءة الأحجية مرات عديدة فقط لتفهمها، فما بالك بأن تبدأ في العمل على حلها ؟! لقد بَدَتِ الأحجية عسيرة الفهم لأنه لم تكن لديك مساحة كافية في الذاكرة العاملة لاستيعاب كافة جوانب الأحجية؛ فالذاكرة العاملة لها حيّز محدود؛ ومن ثم يصبح التفكير صعبًا بنحو متزايد حين تزدحم الذاكرة العاملة
خلاصة القول: يعتمد التفكير الناجح على أربعة عوامل: معلومات من البيئة، وحقائق في الذاكرة الطويلة المدى، وإجراءات في الذاكرة الطويلة المدى، ومقدار المساحة المتاحة في الذاكرة العاملة. فإذا كان أي من هذه العوامل قاصرًا، فمن المحتمل أن يفشل التفكير.
(٤) التطبيقات بالنسبة إلى التدريس
دعونا نلتفت الآن إلى السؤال الذي استهللنا به هذا الفصل: لماذا لا يحب الطلاب المدرسة ؟ أو دعونا نَصُغْه على نحو واقعي أكثر : لماذا لا يحبها عدد كبير منهم؟ يعرف أي معلم أن ثَمَّةَ كثيرًا من الأسباب التي تفسر احتمال أو عدم احتمال أن يحبَّ التلميذ المدرسة. (كانت زوجتي تحب المدرسة، لكن لأسباب اجتماعية في المقام الأول.) من المنظور المعرفي، يتمثل أحد العوامل المهمة فيما إذا كان التلميذ يشعر باستمرار بفورة المتعة التي تصاحب حل المشكلات أم لا. ماذا يمكن أن يفعل المعلمون لضمان أن يحصل كل تلميذ على هذه المتعة ؟
تأكد من أن هناك مشكلات بحاجة إلى الحل
لا أقصد بالضرورة بلفظ «مشكلة» سؤالاً يوجهه المعلم إلى الفصل، أو أحجية رياضية إنما أقصد العمل المعرفي الذي ينطوي على تحد متوسط، بما في ذلك أنشطة من قبيل فهم إحدى القصائد، أو التفكير في استخدامات جديدة لمواد قابلة لإعادة التدوير. بالطبع هذا النوع من العمل المعرفي يمثل جوهر عملية التدريس؛ فنحن نريد أن يفكر التلاميذ. لكن دون بعض الانتباه، تصبح خطة الدرس سلسلةً طويلة من شروح المعلم، يتخللها القليل من الفرص للتلاميذ لحل المشكلات؛ وعليه، افحص خطة كل درس، مركزا على العمل المعرفي الذي سوف يؤديه التلاميذ، وحدد مدى تكرار وجود مثل هذا العمل المعرفي، وهل هو ممزوج بفواصل معرفية، ومتى حددت التحديات، فاحسب ما إذا كانت عرضةً لنتائج سلبية، مثل: فشل التلاميذ في فهم ما هم مقبلون على فعله، أو عدم احتمالية أن يحل التلاميذ المشكلة، أو محاولتهم ببساطة تخمين ماذا تريد منهم أن يفعلوه أو يقولوه.
احترم الحدود المعرفية للتلاميذ عندما تقدم على محاولة صنع تحديات ذهنية فعّالة لتلاميذك ضع في حسبانك الحدود المعرفية لهم، والتي تناولناها في هذا الفصل؛ على سبيل المثال: افترض أنك تستهل أحد دروس التاريخ بطرح السؤال التالي: «سمعتم جميعًا عن حادثة «حفل شاي بوسطن»، لماذا تعتقدون أن المستوطنين قد تنكروا في زي الهنود الحمر وألقوا بشحنة شاي كاملة في مياه ميناء بوسطن ؟ هل يمكن أن تكون لدى تلاميذك المعرفة العامة الضرورية في الذاكرة التي تمكنهم من التفكير في هذا السؤال ؟ ماذا يعرفون عن العلاقة بين المستوطنات والحكومة البريطانية في عام ۱۷۷۳؟ هل هم على دراية بالأهمية الاجتماعية والاقتصادية للشاي؟ وهل بمقدورهم استحداث مسارات فعل بديلة حكيمة؟ إن لم تكن لديهم المعرفة العامة المناسبة حول الموضوع، فإن السؤال الذي تطرحه سرعان ما سيراه التلاميذ «مملا». إن لم تكن لدى التلاميذ المعرفة العامة التي تمكّنهم من الانخراط في حل إحدى المشكلات،
فاستبقها لوقت آخر حين تكون لديهم تلك المعرفة. وعلى نفس القدر من الأهمية يجب أن تضع في اعتبارك حدود الذاكرة العاملة. انتبه إلى أن بمقدورنا الاحتفاظ بكم محدود من المعلومات في العقل في الوقت نفسه، ومثال ذلك ما حدث معك عندما قرأت نسخة طقس الشاي من أحجية الحلقات والأوتاد. ينتج التحميل الزائد للذاكرة العاملة عن أمور من قبيل التعليمات المتعددة الخطوات، والقوائم المكونة من حقائق غير متصلة، والتسلسلات المنطقية التي يزيد طولها عن خطوتين أو ثلاث، وتطبيق مبدأ جرى تعلُّمه للتو على مواد جديدة إلا إذا كان المفهوم بالغ البساطة). إن حل مشكلة التحميل الزائد هذا بسيط ، ألا وهو : تقليل سرعة التقدم، واستخدام الوسائل المساعدة للذاكرة؛ مثل الكتابة على السبورة التي تجنّب التلاميذ الاحتفاظ بالكثير من المعلومات في الذاكرة العاملة.
وضّح المشكلات المراد حلها كيف تجعل المشكلة شائقة ؟ من الاستراتيجيات الشائعة السعي نحو جَعْل المادة ذات صلة بالنسبة إلى التلاميذ. أحيانًا تنجح هذه الاستراتيجية، وإن كان يصعب استخدامها مع بعض المواد. تتمثل صعوبة أخرى في أن الفصل قد يضم مثلا تلميذين من مشجعي كرة القدم الأمريكية، وتلميذةً تهوى جَمْعِ الدُّمى، وتلميذًا من محبي سباقات ناسكار للسيارات، وآخر من هواة الفروسية؛ هل فهمت ما أقصد ؟ ربما يؤدي ذكر اسم مطرب محبوب في سياق درس تاريخ إلى جَعْل الفصل يضحك، لكن لن يكون له تأثير أكبر من ذلك. لقد أكدتُ على أن فضولنا يُثار عند تعرضنا لمشكلة نعتقد أنَّ بمقدورنا حلها. ما السؤال الذي يجذب التلاميذ ويجعلهم يرغبون في معرفة الإجابة؟
واحدة من الطرق التي يُنظر بها للدراسة هي أنها سلسلة من «الإجابات»؛ فنحن نريد أن يعرف التلاميذ قانون بويل، أو ثلاثة أسباب لاندلاع الحرب الأهلية الأمريكية أو لماذا دأب الغراب في قصيدة الغراب للشاعر إدجار آلان بو على قول «لا شيء آخر.» في بعض الأحيان، أظن أننا كمعلمين متحمسون بشدة لتقديم الإجابات لدرجة أننا لا
نخصص الوقت الكافي لصنع الأسئلة. لكن كما تشير المعلومات المطروحة في هذا الفصل فالسؤال هو ما يثير اهتمام الناس؛ فلن يثير انتباهك أن يخبرك أحدهم الإجابة فحسب.
لعلك لاحظت أنه كان بمقدوري أن أنسج هذا الكتاب حول مبادئ علم النفس المعرفي لكنني عوضًا عن ذلك نسجته حول مجموعة من الأسئلة التي رأيت أن المعلمين سيجدونها مثيرة وممتعة.
عند إعداد درس، أنت تبدأ بالمعلومات التي تريد أن يعرفها التلاميذ بنهاية الدرس.
اجعل الخطوة التالية هي أن تحدّد ماذا يمكن أن يكون السؤال الرئيسي لهذا الدرس، وكيف يمكن أن تصيغه بحيث يكون على مستوى الصعوبة المناسب كي يجذب انتباه تلاميذك ويحترم في الوقت نفسه الحدود المعرفية لهم.
أَعِدِ النظر في وقت إثارة حيرة التلاميذ
كثيرًا ما يسعى المعلمون إلى جذب انتباه التلاميذ إلى الدرس عن طريق تقديم مشكلة يعتقدون أنها سوف تثير اهتمامهم على سبيل المثال: السؤال التالي: «لماذا يوجد قانون يحتم عليك الذهاب إلى المدرسة؟» يمكن أن يُعَدَّ مقدمةً للعملية التي بموجبها تُسَنُّ القوانين)، أو عن طريق إجراء إحدى التجارب أو تقديم إحدى الحقائق التي يُظنُّ أن التلاميذ سوف يجدونها مذهلة. في كلتا الحالتين الهدف هو إثارة حيرة التلاميذ لإثارة حس الفضول بداخلهم. هذه آلية نافعة، وإن كان جديرا بالتفكير معرفة ما إذا كان من الممكن استخدام هاتين الاستراتيجيتين ليس فقط في بداية الدرس، لكن أيضًا «بعد» تعلم المفاهيم الأساسية الخاصة به؛ على سبيل المثال: تتمثل إحدى التجارب العلمية التقليدية في وضع قطعة ورق مشتعلة بداخل زجاجة لبن فارغة، ثم وضع بيضة مسلوقة فوق فوهة الزجاجة، بعدما تحترق الورقة تسقط البيضة في داخل الزجاجة بلا شك سيندهش التلاميذ، لكن إذا كانوا لا يعرفون المبدأ العلمي وراء هذا، فإن التجربة ستكون أشبه بخدعة سحرية؛ ستتكون لديهم إثارة لحظية، وإن كان الفضول الذي سينتابهم لفهم ما حدث لا يدوم طويلا. من الاستراتيجيات الأخرى في هذا الشأن إجراء التجربة بعد إخبار الطلاب بأن الهواء الساخن يتمدد والهواء البارد ينكمش، فيتكون فراغ على الأرجح. كل حقيقة أو تجربة من شأنها أن تثير حيرة التلاميذ قبل أن تكون لديهم المعرفة العامة المناسبة؛ تتمتَّع بإمكانية أن تكون تجربةً محيّرةً للتلاميذ لحظيا»، وعندئذ تؤدي إلى متعة حل المشكلات. حري بك أن تفكر متى تستخدم وسيلة مدهشة مثل خدعة إدخال البيضة في الزجاجة.
اقبل اختلاف استعداد التلاميذ للتفوق، وتصرف بناء على ذلك
كما سأشرح في الفصل الثامن أرفض التصنيف الذي يقول إن بعض التلاميذ ليسوا بارعين» وينبغي وضعهم في فصول أقل تحديًا على حسب قدراتهم. بيد أن من السذاجة ادعاء أن كافة التلاميذ يأتون إلى الفصل وهم متساوون في استعدادهم للتفوق؛ إذ تتفاوت درجات استعدادهم في ذلك، كما تختلف مستويات الدعم التي يلقونها من عائلاتهم؛ ومن ثم يختلفون في قدراتهم. إن كان هذا صحيحًا، وإن كان ما ذكرته في هذا الفصل صحيحًا، فإن مطالبة جميع تلاميذك بنفس المهام لن تحقق النتائج المرجوة؛ فالتلاميذ الأقل في القدرات سوف يجدونها بالغة الصعوبة، وسوف يقاومون بشدة ميل أمخاخهم إلى الشرود ذهنيًا بعيدًا عن الدراسة. من الذكاء في رأيي أن تحاول قدر استطاعتك أن تكلف أفرادا أو مجموعات من التلاميذ بمهام مناسبة لمستوى كفاءتهم الحالي. بالطبع سوف تحتاج أن تفعل هذا بطريقة مراعية لشعورهم، مخففًا وطأة أنهم سوف يشعرون بأنهم متأخرون عن الآخرين، لكن عليك أن تنتبه إلى أن تكليفهم بمهام تفوق قدراتهم وهم في الواقع متأخرون عن الآخرين من المستبعد أن يساعدهم في اللحاق بالآخرين، بل من المحتمل أن يزيد تأخرهم.
غير الإيقاع
لا مناص من أن تفقد انتباه التلاميذ، وكما تناولت في هذا الفصل من المحتمل أن يحدث هذا إذا شعروا بشيء من الارتباك، وحينها سوف يشردون ذهنيًا، لكن الخبر السار هو أن من السهل نسبيًّا جذب انتباههم لك مرةً أخرى. التغيير يشد الانتباه كما تعرف بلا شك؛ فعندما تحدث فرقعة خارج الفصل، تلتفت جميع الرءوس نحو النافذة، وعندما تغير الموضوع، أو تبدأ نشاطًا جديدًا، أو تُظهر بطريقة ما أخرى أنك تغير مسار الحديث سوف تتجه أنظار كافة التلاميذ تقريبا إليك مرةً أخرى، وستكون لديك فرصة أخرى لتشركهم ثانية في الدرس؛ ومن ثَمَّ، جهز للحظات التغيير هذه وراقب انتباه تلاميذك لترى ما إذا كنت بحاجة إليها كثيرًا أم قليلا.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...
أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...
أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...
[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...
ad يترقب المقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي بدء تفعيل التأشيرة الخليجية الموحدة بعد مرور أكثر من ع...
Bullying is a repeated aggressive behavior that involves an imbalance of power between the bully and...
فاللغة العربية ليست فقط لغة المسلمين، ووسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي تعديل سلوك التلاميذ اللغوي من خلال...
1-تعتبر أسرة محمد آل علي الإبداع والإبتكار هي أول نقطة في الإنطلاق إلى التحسين في شتى المجالات حيث ق...
يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...
Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...
يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...