لخّصلي

الموقع الجغرافي والحدود:
وهو لبني دينار بن النجار بن عمرو من الخزرج، ويعرف بمسجد بني دينار الأدنى أو المغيسلة أو الـمِغْسلة أو الغسَّالين، ويقع جنوب المدينة المنورة غربي وادي بطحان(1) مما يلي الحرة، في الجزء الأعلى من منطقة المغيسلة الذي يسمى بالمالحة، ويمكن الوصول إلى موقع المسجد المأثور من خلف أسواق المغير للملابس الجاهزة (بقباء) للقادم من الزاهدية؛ ثم يتجه السالك لهذا الطريق إلى مدخل المالحة؛ ثم إلى اليمين منه يشاهد موضع المسجد المأثور عند منخفض الحرة؛ وقد بُنِيَّ على موضعه مبنى سكني من ثلاثة طوابق حاليًا(2).

ويحد المسجد المأثور اليوم من الجهة الغربية فسحة تؤدي إلى مدخل مسجد المغيسلة الجديد الذي عرف فيما بعد بمسجد المالحة، كما يحده من الجهة الشرقية أرض فضاء تفصله عن المباني الشرقية الواقعة على بعد ثمانية أمتار، أما من الجهة الجنوبية فيجاوره طريق صغير لا يزيد عرضه عن خمسة أمتار ونصف تقريباً يفصله عن المسجد الجديد (مسجد المالحة)، وقد تمت تغطيته حالياً بالزنك والحديد كمنطقة مظللة تابعة للمسجد. أما من الجهة الشمالية فيحده استطراق صغير آخر عرضه ثلاثة أمتار يفصل المبنى الذي أقيم في موضع المسجد المأثور عن باقي المباني المجاورة له(3). ويبعد مسجد بني دينار الأدنى عن المسجد النبوي الشريف ألفاً وعشرين متراً تقريباً(4).

سبب التسمية:
يُعرف مسجد بني دينار بهذا الاسم نسبة إلى بني دينار بن النجار بن عمرو من الخزرج الذين نزلوا غربي وادي بطحان؛ وامتدت منازلهم لتشمل الجزء الجنوبي من منطقة العنبرية(5) إلى جهة باب قباء(6) في الغرب؛ وحتى المغيسلة حيث مسجدهم الأدنى(7).

وقد أشار السمهودي(8) إلى منازل بني دينار وإلى مسجدهم هذا بقوله: «نزل بنو دينار بن النجار دارهم التي خلف بطحان المعروفة بهم، وابتنوا أُطماً يقال له المنيف، عند مسجدهم الذي يقال له مسجد بني دينار"(9)، كما يعرف بمسجد الغسَّالين أو مسجد الـمِغْسلة أو المغيسلة، وسُمِيَّ بذلك لأنه كان يُغسل في هذه المنطقة(10) فقد ذكر الفيروز آبادي(11) المغسلة بقوله: "الـمَغْسلة، بكسر السين المهملة: جبانة في طرف المدينة يُغسل فيها، وهو اليوم -أي في زمنه- حديقة كثيرة النخيل، وهي من أقرب الحدائق الكبار إلى المدينة"(12).

وفي عمدة الأخبار للعباسي "الـمِغْسلة بكسر السين المهملة: جبانة في طريق المدينة يُغسل فيها؛ وهي اليوم كثيرة النخيل –في زمانه- وهي أقرب الحدائق الكبار بالمدينة؛ وهي غربي بطحان لكنها معروفة اليوم بالمغيسلة، وأن مسجد بني دينار يعرف بمسجد الغسالين؛ والظاهر أنه كان بها"(13).

كما يشير العباسي إلى سبب تسميته بمسجد الغسالين بقوله: "ويعرف المسجد بمسجد الغسالين؛ لأنه كان عند الغسالين من بني دينار بن النجار من الخزرج(14). كما أشار إبراهيم العياشي(15) إلى موضع المغسلة أو الغسالين بقوله: "أما المغسلة فهي القسم الجنوبي من دار بني دينار، وكان في جانبها الشرقي غدير يتجمع فيه من مياه وادي بطحان لانحدار الغدير عن مجرى السيل إذا طغى، ويسمى غدير الطحلاوي؛ وفيه مبنى فندق البنك الأهلي الذي تشغله اليوم -أي في زمانه- دوائر الحكومة"(16).كما يعرف هذا المسجد بمسجد بني دينار الأدنى تميزاً له عن مسجد بني دينار الأعلى في عالية الحرة الذي يعرف بمسجد المنارتين(17).
المكانة الدينية والتاريخية لمسجد بني دينار الأدنى:
يعتبر مسجد بني دينار الأدنى أو المغيسلة أحد المساجد المأثورة التي كان يصلي فيها النبي صل الله عليه وسلم، فقد أورد ابن شبة مارواه عن إبن أبي يحيى عن عبدالله بن عتبة بن عبدالملك: أن النبي صل الله عليه وسلم كان كثيرًا مايصلي في مسجد بني دينار عند الغسَّالين(18). وكان أبو بكر رضي الله عنه قد تزوج امرأة من بني دينار بن النجار فمرض، فكان الرسول صل الله عليه وسلم يعوده، فكلموه أن يصلي لهم في مكان يصلون فيه فصلى في المسجد الذي في بني دينار عند الغسالين(19).
تأسيس المسجد وعمارته:
بُني مسجد بني دينار الأدنى في عهد الرسول صل الله عليه وسلم على الموضع الذي صلى فيه صل الله عليه وسلم، وظلَّ هذا المسجد على عمارته البسيطة من الحجر وسقفه من جذوع النخل والجريد، حتى أعاد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز(20) بناءه بالحجارة المطابقة خلال فترة ولايته على المدينة بين عامي (87 - 93هـ / 705 - 711م) في خلافة الوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ / 704 - 715)(21) أثناء عمارته للمسجد النبوي الشريف في الفترة بين عامي (88 - 91هـ / 707 - 710م)(22).

ويظهر أن مسجد بني دينار بعد العصر الأموي لم يلتفت إليه بعمارة ذات شأن، ويُستدل على ذلك بما ذكره السمهودي بأنه نقب عن موضع المسجد فوجد حجرة كتب عليه كتابة كوفية ما لفظه: مسجد رسول الله، ووجد عنده آثاراً رجح بأنها من آثار المسجد، فقام صاحب المغسلة آنذاك ببناء وعمارة مسجد في موضع تلك الآثار وجعل الحجر فيه(23).

ومع مرور الزمان اندثرت بعض أجزاء هذا المسجد حتى بناه القاضي إلياس الخطيب والإمام في المسجد النبوي الشريف، وفي ذلك يقول العباسي: «والحجر في محرابه مكتوب فيه: هذا مسجد رسول الله -ويقصد بالحجر الذي أشار إليه السيد السمهودي من قبل - وقد ذرعته فإذا هو ستة أذرع(24) طولًا وعرضًا، وهو مربع؛ روي أن النبي كان كثيراً ما يصلي في مسجد بني دينار عند الغسالين، وهو اليوم في زمننا حديقة القاضي إلياس الخطيب والإمام في المسجد النبوي، وقد جدده على أساسه الأول بعدها فتح الله به علينا وأعلمناه فيه علامة؛ ثم بناه الخطيب»(25).

وقد كانت آخر عمارة للمسجد قبل إزالته؛ هي عمارة عثمانية مجصصة عليها قبة عالية، وقد أشار إبراهيم العياشي إلى هذه العمارة العثمانية بقوله: "إن مسجد الغسالين هذا موجود العين، مما بنته الدولة التركية حينما تتبعت المساجد النبوية؛ وهو على قياس المساجد العمرية، مربع الشكل تسعة عشر قدما في مثلها، وعليه قبة حسنة مرتفعة في الهواء"(26). وظل المسجد على هذه العمارة حتى تمت إزالته في عهد الدولة السعودية؛ وبني مسجد آخر مجاور له على مرتفع الحرة نظرًا لصغر مساحة المسجد المأثور وصعوبة توسعته في موضعه. وقد سمي المسجد الجديد بمسجد المغيسلة لبعض الوقت؛ ثم سمي بالمالحة وهو الاسم المعروف به هذا المسجد حتى اليوم(27).

ويشير إبراهيم العياشي إلى المسجد الجديد الذي أقيم بجوار المسجد المأثور فيقول: "لقد أصبح في منطقة المغسلة مسجد آخر جنوب قطعة آل الحلو في مرتفع الحرة مما يلي منازل بياضة، فهو حديث لا يُظَّن بأنه من المساجد الأثرية"(28). ويقصد العياشي بهذا المسجد مسجد المالحة الذي بني على مرتفع الحرة، أما مسجد المغيسلة المأثور فهو عند منخفض الحرة، ويقع إلى الشمال من مسجد المالحة ولا يبعد عنه إلا بمسافة خمسة أمتار وستين سنتمتراً(29).
الوصف المعماري لمسجد بني دينار المأثور (المغيسلة):
والمسجد على هيئة شكل مربع تبلغ مساحته أربعة أمتار في أربعة أمتار تقريباً، وتتطابق هذه المقاسات تقريباً مع ما أشار إليه إبراهيم العياشي الذي ذرع المسجد فكان مربع الشكل طول ضلعه تسعة عشر قدماً في مثلها(30)، والمقاسات من الخارج أيضاً أي بفارق 29 سم تسعة وعشرين سنتمتراً في طول وعرض المسجد(31).

وقد استخدمت الحجارة في بناء المسجد وتمت تكسيته من الداخل بالجص وطلاؤه بالنورة البيضاء، أما واجهات المسجد الخارجية فقد بقيت كما هي ببنائها الحجري. وقد تم تجصيص العراميس(32) بين وحدات الحجر (33).

وللمسجد مدخل واحد يقع في منتصف الجدار الشمالي للمسجد مقابلاً للمحراب، ويبلغ عرض هذا المدخل متراً وعشرة سنتمترات وارتفاعه مترين، وقد كان لهذا المدخل باب من الخشب إلا أنه أزيل منذ فترة طويلة؛ مما جعل المسجد مهملاً كما أشار إلى ذلك إبراهيم العياشي بقوله: "ومن المؤلم حقا أن هذا المسجد مهجور تماماً ويدخل إليه الصبيان وضعفة العقول فيتبرزون فيه"(34).

كما يحتوي المسجد على محراب مجوف داخل القبلة لا يزيد عرضه عن ثمانين سنتمتراً، ويبلغ تجويفه داخل جدار القبلة أربعين سنتمتراً تقريبًا(35)، وقد فُتحت في الجدارين الشرقي والغربي للمسجد نافذتان صغيرتان ترتفع عن منسوب أرض المسجد بحوالي ثمانين سنتمترا؛ وتبلغ مساحة الواحدة منها تقريبا عرضاً بثمانين سنتمتراً وارتفاعاً بمتر وعشرة سنتمترات تقريباً، ويغطي النافذتين ضلف من الخشب وعليها قوائم رأسية من الحديد(36).

وللمسجد ذروة علوية يبلغ ارتفاعها ستين سنتمتراً تمت لياستها من الداخل والخارج وطلاؤها باللون الأبيض؛ وله قبة واحدة كبيرة تغطي كامل مساحته بنيت بالطوب والحجر؛ وتم تجصيصها من الداخل والخارج، كما تم عمل شبابيك صغيرة في القاعدة المثمنة للقبة، عند زوايا وأركان المثمن؛ وترتفع هذه النوافذ إلى أعلى مستوى المثمن على هيئة عقود.

نصف دائرية من الجص. كما تحاط القبة من أعلى مستوى القاعدة على ثمانية فتحات صغيرة مستطيلة الشكل تنتهي كل فتحة بعقد نصف دائري، وتنتهي القبة في أعلاها بهلال من النحاس(37).

الوضع الحالي لمسجد بني دينار الأدنى المأثور:
أقيم في موضع مسجد بني دينار الأدنى المأثور مبنى على هيئة عمارة سكنية من الخرسانة المسلحة والطوب تتكون من ثلاثة أدوار يتكون الدور الأرضي من جزأين الجزء الجنوبي وخصص كمرافق وخدمات ودورات مياه ومكان للوضوء لخدمة مسجد المغيسلة الجديد (المالحة)، أما الجزء الشمالي فقد خصص في بادئ الأمر كمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم؛ ثم استخدم كمستودع لبعض أدوات إفطار الصائمين في شهر رمضان، وقد تم عمل بابين منفصلين لكل جزء يفتحان على الواجهة الغربية. ويفتح هذان البابان على دكة صغيرة يبلغ طولها 9 أمتار من الشمال إلى الجنوب، في حين أن عرضها من الشرق إلى الغرب لا يتجاوز ثلاثة أمتار وأربعين سنتمتراً.

أما الدوران الأول والثاني فقد خصصا لسكن المسؤول عن صيانة ونظافة المسجد؛ ثم سكن للإمام والمؤذن، وقد تم عمل مدخل منفصل لهذين الدورين يقع في الجدار الجنوبي للمبنى؛ ويفتح عند منسوب بلاطة المدخل الرئيسي للمسجد الجديد أي بارتفاع منسوب بلاطة سقف الدور الأرضي تقريبا. ويؤدي هذا المدخل إلى درج مباشر يربط بين الدورين الأول والثاني للمبنى، ويحتوي المبنى على مجموعة من النوافذ الحديثة التي توزعت على الواجهة الشمالية والشرقية والغربية، وقد زادت مساحة المبنى عن مساحة موضع المسجد المأثور، حيث بلغ طول ضلع المبنى الشمالي سبعة أمتار في حين أن طول ضلعه الجنوبي 6،88 سم. أما ضلع المبنى الغربي فيبلغ طوله تسعة أمتار، أما الحائط الشرقي فيبلغ طوله 10،25 سم؛ مما جعل البناء المقام يميل إلى الاستطالة(38).