لخّصلي

ففي انطلاقتها الأولى، كانت دول " البريكس " تركز على التعاون الطويل الأمد بينها في المالية والطاقة والتقنيات والطيران والرقائق الإلكترونية وحماية البيئة والزراعة وسلامة الأغذية، إضافة إلى المفاوضات المتعددة الجانب في منظمة التجارة العالمية من أجل تنمية إقتصاد كل منها، إلى جانب تنمية الإقتصادات العالمية والإقليمية أيضاً، وفي الوقت نفسه، زيادة التعاون الإقتصادي العالمي. ولاحقاً إنتقلت مجموعة دول " البريكس " في قمتها الأخيرة التي عقدت في نيودلهي في 29 آذار/مارس 2012 لتعبر عن عزمها على العمل من أجل دفع الإقتصاد العالمي نحو النمو والتوازن لإنجاز الإصلاحات في النظام المالي العالمي. كما إتفقت على ضرورة إعادة التوازن الدولي وإنهاء إستخدام مجلس الأمن كوسيلة لإسقاط الأنظمة غير المرغوب بها أميركياً.
ولقد توجت قمة "البريكس" الأخيرة بإقتراح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف بضم كل من البرازيل والهند وجنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن الدولي كأعضاء دائمين في محاولة لإصلاح هذا المجلس وهذا ما يؤكد أن مجموعة "البريكس" وصلت إلى مرحلة تسمح بمناقشة كل المسائل السياسية والإقتصادية على مستوى العالم. إلا أن الولايات المتحدة الأميركية، وفي محاولة لمقاومة تراجع نفوذها، تقف موقفاً غير متحمس لتوسيع مجلس الأمن الدولي. وما يعزز فرص البرازيل والهند وجنوب أفريقيا في العضوية الدائمة في مجلس الأمن مستقبلاً هو رغبة إلمانيا بتوسيع هذه الدائرة والدخول إلى نادي الأعضاء الدائمين أمام الحذر الفرنسي والبريطاني من هذه المسألة خوفاً من تراجع إمتيازاتهما. فألمانيا حالياً تلعب دوراً مؤثراً على الساحتين الأوروبية والدولية، وإقتصادها يعد واحداً من اكبر اقتصادات العالم ويحتل المركز الاول أوروبياً، وهي أظهرت تمايزها عن الإتحاد الأوروبي من مسألة التدخل العسكري في ليبيا، كما أنها لعبت الدور الأساسي في تقديم الحلول لأزمة الديون السيادية في أوروبا، وتمكنت من فرض تصوراتها في هذا المجال. وإلى جانب الطموحات السياسية يُعتبر الإقتصاد هو الباب الأساسي الذي يمكن من خلاله لدول " البريكس " أن تفرض إيقاعها على الصعيد العالمي عبر ملى الفراغ الذي شكله تراجع الدول التي كانت إقتصادياً في الطليعة بحيث تتصاعد أهمية دول " البريكس " التي تشهد نمواً متزايداً وملحوظاً منذ بضعة سنوات.
ومن المتوقع أن تستمر دول " البريكس " في إندفاعتها لتخفيف الهيمنة الغربية من أجل تعزيز التعاون في مجال التنمية المستدامة، ولتحقيق نمو أكثر توازناً بإعتباره التحدي الحقيقي المشترك أمام العالم. وأيضاً ستستمر هذه الدول في العمل لتخفيف هيمنة الدولار الأميركي على المعاملات التجارية الدولية الأساسية. كما ستركز هذه الدول على مناهضة السياسة الغربية، عبر التركيز على عدائيتها لفكرة التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. وكانت ليبيا أول إختبار لدول " البريكس "، ففي 17 آذار / مارس 2011 تم التصويت على قرار مجلس الامن رقم /1973/ لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، حيث إختارت دول "البريكس" إضافة إلى ألمانيا الإمتناع عن التصويت كما انتقدت هذه الدول أسلوب التدخل العسكري من دون أن تعرقله، حيث كان بإمكان روسيا أو الصين إستعمال حق النقض.
وفي سوريا، فإن دول "البريكس" عارضت وتعارض التدخل العسكري لتغيير النظام وقد استعملت روسيا والصين حق النقض لمنع استعمال القوة في مجلس الأمن الدولي، ودعتا إلى حل الأزمة السورية عبر الحوار.