لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

أبو العتاهية أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان شاعر كوفي ولد بالكوفة ونشأ بها . وهو مولى من الموالى ، ويرجح الباحثون أنه من الأنباط الذين كانوا يعيشون حول الحيرة . تفتحت عيناه على الحياة في الوقت الذي كانت الدولة الأموية تغمض فيه عينيها ، إذ ولد في سنة مائة وثلاثين قبيل سقوط الدولة الأموية بعامين وشهدت طفولته تلك الحياة السياسية المضطربة التي عاش فيها المجتمع الإسلامي عقب الانقلاب العباسي، وشهد بعينيه الصغيرتين رؤوسا تتطاير وأشلاء تتناثر وأرواحاً تزهق ودماء تسيل ، وانطبعت هذه الصورة القائمة السوداء في نفسه منذ هذا الوقت المبكر من حياته . وهى صورة حجبتها الحياة عنه فترة من الزمن حين كان العود ريان الشباب مخضر الإهاب، ولكنها عادت فظهرت قوية واضحة حين أخذت حياته تنحدر نحو الغروب في هذه الفترة المبكرة من حياته انطبعت في نفسه صورة قائمة المصير الإنسان في الحياة ، ذلك المصير الذي شغله فترة طويلة ، وملأ نفسه بالتشاؤم منذ أن أخذ ينحاز عن الجانب المشرق من الحياة إلى الجانب المظلم في عزلته بعيداً عن موكب الحياة والأحياء ومضى يضرب في شعاب الحياة اللاهية . ثم في صدر شبابه مر بتجربة نفسية كان لها أعمق الأثر في حياته وفنه بعد ذلك، فقد تعلق قلبه بحب فتاة نائحة اسمها سعدى، ومضى يضرب معها في شعاب الموت والنواح والسواد ، واصطبغت نفسه في هذا الوقت المبكر من حياته بالتشاؤم الذي كان يثيره في نفسه حديث الموت الذي كان يتردد على شفتي هذه النائحة الحسناء . ثم حيل بينه وبينها ، إذ وقف مواليها في وجهه وحالوا بينه وبين السعادة التي كان يظنها تتحقق له في جوارها . وصدم أبو العتاهية في أول تجربة عاطفية له ، واندفع في أثر هذه الصدمة نحو حياة لاهية متحللة يشارك فيها عصابات المجان الذين كانوا يملكون مدينته . ومضى يسيم سرح اللهو حيث يسيمون ، ويغرق نفسه في كؤوس اللهو والحجون التي كانوا يغرقون فيها أنفسهم. وقضى فترة من شبابه يحيا حياة متحللة ماجنة يرافق فيها أبا تواس وأضرابه من أولئك الشعراء المجان الذين كانت تزخر بهم مدن العراق في ذلك الوقت . وكان أبو العتاهية في هذه الفترة من حياته يعمل جزارا يصنع الجرار الخضر ويبيعها في الكوفة ، وفي هذه الحرفة رأى أبو العتاهية مرة ثانية صورة المصير الإنسان في الحياة ، فهذه الطينة البكر التي يأخذها بين يديه ليسويها جرارا متعددة الأشكال مختلفة الأحجام ، فبعضها إلى قصور الأمراء حيث الغنى والشراء والشرف، وبعضها إلى أكواخ الفقراء حيث الفقر والشقاء والشظف ، لكن المصير في الحالتين واحد ، إنه العودة إلى التراب الذي صنعت منه اليست هذه هي قصة الحياة ؟ من التراب خلق الإنسان ، ثم ألقى به في الحياة لتبلوه وتخبره ويتفاوت حظه ، فشقى وسعيد ، ولكن مصير الاثنين في النهاية واحد ، إنها العودة إلى التراب الذي خلق منه في هذه الفترة أخذ أبو العتاهية ينظم الشعر، وبدأ نجمه يلمع ، وأخذت ناشئة الأدب تسعى إليه لتأخذ عنه الشعر وترويه له. ويحدثنا الرواة أن هذه الناشئة كانت تقصد إليه حيث يصنع الجرار ويبيعها ، وأنها كانت تكتب شعره على ما يتناثر من جراره من قطع الحرف . ثم أراد أبو العتاهية أن يجرب حظه في الحياة شاعرا ، ولمعت أمام عينيه بغداد التي كانت تتألق بأضوائها ، فتجذب إليها العناصر الطامحة من أرجاء المجتمع الإسلامي كله . وشد أبو العتاهية رحاله إلى بغداد . وكان هذا - في أغلب الظن - في أوائل خلافة المهدي . وقبل أن يتصل أبوم العتاهية بالمهدى، وفي أثناء تلك الفترة التي قضاها في بغداد قبل أن يؤذن له بالمثول . میں بدى الخليفة ، مرت به تجربة عاطفية أخرى، فقد أحب عتبة جارية الخليفة حباً ملا عليه كل أرجاء نفسه ، حتى لتوشك أن تكون هي الفتاة الأساسية في حياته ، أو تلك الدمية الجميلة التي يصفها بأن الله لما رأى جمالها خدا بقدرته حور الجنان على مثالها . ومضى أبو العتاهية يصرح بحبه لها في شعره ، ولم يتورع عن ذلك حتى في مدحه للخليفة نفسه، إذا كان يبدأ مدائحه فيه بالغزل فيها ، وكأنما كان يظن أنه سيهبها له ولكن الخليفة كان مفتونا بها ، وقضى أبو العتاهية في السجن فترة من الزمن ثم أفرج عنه الشفاعة قام بها خال الخليفة وكان معجبا به . وخرج أبو العتاهية من السجن يجر أذيال الخيبة العاطفية التي لحقته ، ويعاني من صدمة نفسية جديدة أعادت إلى نفسه ذكرى التجربة الأولى والصدمة المبكرة التي لحقته حين أحب سعدى النائحة . وقرر أبو العتاهية بعد هاتين الصدمتين أن يميت قلبه إلى الأبد ، بها إلى الخلفاء العباسيين . وتحول أبو العتاهية إلى شاعر رسمى يؤدى واجبه التقليدي للقصر العباسي في بغداد، فاتصل بالمهدى ثم بابنه الهادى من بعده . ثم بابنه الرشيد بعد الهادي ، وتوطدت صلته بالرشيد حتى أصبح شاعره الرسمى لا يفارقه في سفر ولا في إقامة . وأغدق الرشيد عليه الجوائز والعطابا ، وبدأت الدنيا تقبل عليه ، وبدأت الحياة تبسط له ذراعيها إلى أبعد حدودهما ، وبدأ الذهب يسيل من بين أصابعه ، ولكن كل هذا جاء بعد الغروب - لقد ودع أبو العتاهية شبابه محملا بذكريات حزينة واخذ يستقبل شيخوخته التي لا تصلح لحب ولا للهو ولا لمتعة. وقرر أن ينصرف عن منع الدنيا وملذاتها ، وأن يعتزل الناس ، ويفرض على نفسه حياة تقوم على الزهد والتقشف. ومضى أبو العتاهية في زهده يجاهد نفسه مجاهدة عنيفة ، إذ فرض على نفسه الحج كل عام ، كما فرض عليها اعتزال الناس والميل إلى الوحدة ومفارقة مجالس اللهو والشعر والغزل ، كما كان يفرض على نفسه أحيانا أن يصوم عن الكلام ، ومضى في ثيابه الصوفية الخشنة يمارس هذه الرياضات الروحية حتى ودع الحياة . وفي بداية زهده مرت به محنة من تلك المحن التي كان يمتحن بها ، فقد أمر الرشيد بأن يزج به في السجن والأسباب الحقيقية لهذا السجن ليست واضحة تماما ، فالرواة يذكرون أن الرشيد سجنه لأنه طلب إليه أن يقول شعراً في الغزل ولكنه رفض . وصمم الشاعر على امتناعه ، وأقسم الخليفة عليه ليقولن شعرا في الغزل أو ليسجنن ، وأقسم الشاعر ليصومن عن الكلام كله إلا عن قراءة القرآن وذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله لمدة سنة ، وثارت ثائرة الرشيد وألقى به في السجن ثم تختلف الروايات بعد ذلك حول المدة التي قضاها في السجن ، وحول خروجه منه والأسباب التي جعلت الخليفة يعفو عنه، وأنه أخذ يحتال حتى يتحلل من قسمه . ولكن الذي يبدو لي أن هذا السبب الذي يذكره الرواة ليس هو السبب الحقيقي لسجنه ، لأن شعراء الغزل في عصر الرشيد كانوا كثيرين ، ومن الممكن أن يطلب إلى أى واحد منهم أن ينظم له ما يشاء من غزل ، والذي يبدو لي أن الخليفة كان يحاول أن يبعد أبا العناهية عن الأوساط الشعبية التي كان شعره منتشرا بينها انتشارا واسعا حتى لا تتأثر بأرائه التي كان يرددها كثيراً حول الملوك وهوان أمرهم بعد الموت ، وتساويهم في النهاية بالسوقة ، وكان الرشيد كان يرى فيها شيئا يقلل من هيبته في أعين الناس ومنزلته في نفوسهم، ومن هنا كنت أرى أن سجن أبي العتاهية لم يكن إلا صورة من صور تحديد الإقامة فرضها الرشيد عليه ، حتى يبعد به عن الشعب الذى كان يروى شعره ويتغنى به في كل مكان وخرج أبو العتاهية من السجن وقد ألى على نفسه أن يعتزل الناس إلى الأبد وأخذ يجنح إلى الوحدة والعزلة ، وأرسل إلى الخليفة بيئين يعلن فيهما أنه قرر اعتزال الناس والبعد عنهم إلى الأبد . وظل أبو العتاهية طوال حكم الرشيد في عزلته الروحية التي فرضها على نفسه ، حتى إذا مامات الرشيد لم يرثه أبو العتاهية ، وإنما اتخذ من موته موضوعا للعظة والاعتبار، فهذا الملك الجبار الذي كان يخشاه الناس قد انتصر عليه الموت في النهاية وتساوى مع سائر البشر . ثم تضطرب الأمور السياسية ويدور الصراع السياسي بين الأمين والمأمون ، ولم يتصل بالحياة السياسية لا في اضطرابها ولا في استقرارها ، وإنما هو يجاهد نفسه مجاهدة عنيفة ، ويروضها رياضة روحية عميقة ، أما السياسة وأحداثها وأما الحياة والصراع فيها فإنها أشياء قد نفض يديه منها إلى الأبد. ولكن من حين إلى حين كان يخرج إلى معترك الحياة ليشهد اصطراع الناس وهم غافلون عن المصير الذي ينتظرهم ، وليستخلص من ذلك معاني يصورها في شعره الذي بلغ من الذيوع والانتشار درجة كبيرة ، فناشئة الأدب والمتأدبون يفدون عليه في طلب شعره ، والرواة يسجلونه ويحفظونه ، والخليفة نفسه يسعى إليه لينشده من شعره في الزهد والموت والحديث عن المصير، فيعجب ١٠:١٥ م ة ٢٢ مايو ٢٠٢٤ ۲۱:۰۹ اس اس مكافات سخية على الرغم من أنه لا يمدحه كما يفعل سائر الشعراء ، وذلك حتى يضمن له أن يعيش حياة هادئة مطمئنة لا يعكر عليه فيها صفو عزلته الروحية شيء من مشكلات الحياة. وظل أبو العتاهية ينشد شعره في المصير حتى أدركه المصير الذي طالما ردده في شعره في سنة يختلف الرواة حولها ، ولكنها على كل حال تقع في مستهل القرن الثالث ( ٢٠٥ - ۲۰۹ - ۲۱۰ - ۲۱۱ - ۲۱۳ ) ، ولكن السنة التي يذكرها ابنه وهي ۲۱۰ هي السنة التي رجحتها تاريخاً لوفاته في : حياة الشعر في الكوفة ، .. ۲) والفكرة الأساسية فى شعر أبي العتاهية الزهدى هى فكرة المصير : مصير الانسان في الحياة ومصيره بعد الموت ، وتتردد هذه الفكرة في شعره بصورة واسعة ، وهو مشغول بها شغلا كبيرا يعبر عنها في صور شتى وبأساليب متعددة ، يطوف حولها حينا ويتغلغل في أعماقها حينا آخر ، ويعرض علينا منها نماذج مختلفة ، تماما كما كان يفعل في سالف أيامه حين كان يسوى الطيئة الخضراء جرارا مختلفة الأحجام والأشكال ، ولكن جراره الفنية لم تكن خضراً كتلك الجرار التي كان يسويها ، وإنما كانت جرارا سودا قائمة تبعث على التشاؤم ، وتثير في النفس الحزن والانقباض. ويوشك أبو العتاهية أن يكون أهم شاعر عربي شغلته مشكلة المصير ، إلا إذا استثنينا أبا العلاء الذي ألحت عليه هذه المشكلة أيضا وشغلته ، واحتلت قسما كبيرا من شعره ولكنه تفكير ديني يختفى منه الشك والحيرة ليظهر الإيمان واليقين . فالعقل الفلسفي الذي ظهر عند أبي العلاء وسيطر عليه وأثر في شعره يختفى عند أبي العتاهية لتحل محله العاطفة الدينية ومن هنا كان حديث أبي العتاهية عن مشكلة المصير يخاطب الوجدان الإنساني أكثر مما يخاطب العقل الفلسفي - إنه فى حقيقة أمره ليس أكثر من هزة روحية ، ينبه بها أولئك الغافلين الذين اطمأنوا إلى حياتهم الدنيا ، وغفلوا فيها عن المصير الذي ينتظرهم . ولهذا تكثر في شعره تلك الصور التي تثير التشاؤم والانقباض والحزن في نفوس الناس ، وذلك لأنه كان يرى فى إثارة هذه المشاعر الوسيلة الفعالة لتنبيه هؤلاء الغافلين إلى المصير الذي ينتظرهم والتي ستفارقها في يوم من الأيام في رحلة طويلة رهيبة تنتهي بنا إلى الجنة أو إلى النار ؟ هذه هي المشاكل التي شغلت ذهن أبي العتاهية وملأت عليه تفكيره ، ومضى يصوغها في شعره ألوانا مختلفة ، فالحياة عنده - كما هي في القرآن الكريم - دار المتاع والزوال والغرور، وحينا كالضباب لا تلبث أشعة الشمس أن تبدده ، أراك وإن طلبت بكل وجه أو الأمس الذي ولى ذهابا لو ترى الدنيا بعيني بصير إنما الدنيا تحاكي السرايا كحلم النوم أو ظل السحاب وليس يعود أو لمع الشراب إنما الدنيا كفى تولى وكما عاينت فيه الضبابا مثل لمع الآل في الأرض القفار إنما الدنيا غرور كلها والدنيا - في حقيقة أمرها ، وكما يجب أن يتمثلها الإنسان حتى ينجو منها ويفوز بالسعادة في الآخرة - ليست دار إقامة أو استقرار، قلعة ، تقتلع الإنسان مهما يطل عمره فيها : ألم تر أن المرء في دار قلعة إلى غيرها، والموت فيها سبيله وإن طال تعميري عليها وأزمنت أيا نفس لا تستوطنى دار قلعة ولكن خذى بالزاد قبل ارتحالك إنها ليست أكثر من معبر ينتقل عليه الإنسان من شط الحياة الفانية إلى شط الآخرة الساقية ، أو هي مناخ القوم مسافرين ينزلون به ليستريحوا من رحلة شاقة مجهدة ، ثم دام إن داراً نحن فيها لدار كم وكم قد حلها من أناس فهم الركب أصابوا مناخاً ليس فيها المقيم قرار


النص الأصلي

أبو العتاهية


(۱)


أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان شاعر كوفي ولد بالكوفة ونشأ بها . وهو مولى من الموالى ، ويرجح الباحثون أنه من الأنباط الذين كانوا يعيشون حول الحيرة . تفتحت عيناه على الحياة في الوقت الذي كانت الدولة الأموية تغمض فيه عينيها ، إذ ولد في سنة مائة وثلاثين قبيل سقوط الدولة الأموية بعامين


وشهدت طفولته تلك الحياة السياسية المضطربة التي عاش فيها المجتمع الإسلامي عقب الانقلاب العباسي، وشهد بعينيه الصغيرتين رؤوسا تتطاير وأشلاء تتناثر وأرواحاً تزهق ودماء تسيل ، وانطبعت هذه الصورة القائمة السوداء في نفسه منذ هذا الوقت المبكر من حياته . وهى صورة حجبتها الحياة عنه فترة من الزمن حين كان العود ريان الشباب مخضر الإهاب، ولكنها عادت فظهرت قوية واضحة حين أخذت حياته


تنحدر نحو الغروب


في هذه الفترة المبكرة من حياته انطبعت في نفسه صورة قائمة المصير الإنسان في الحياة ، ذلك المصير الذي شغله فترة طويلة ، وملأ نفسه بالتشاؤم منذ أن أخذ ينحاز عن الجانب المشرق من الحياة إلى الجانب المظلم في عزلته بعيداً عن موكب الحياة والأحياء


واتصل أبو العتاهية في صباه بفتيان الكوفة المخنثين، ومضى يضرب في شعاب الحياة اللاهية . ثم في صدر شبابه مر بتجربة نفسية كان لها أعمق الأثر في حياته وفنه بعد ذلك، فقد تعلق قلبه بحب فتاة نائحة اسمها سعدى، ومضى يضرب معها في شعاب الموت والنواح والسواد ، واصطبغت نفسه في هذا الوقت المبكر من حياته بالتشاؤم الذي كان يثيره في نفسه حديث الموت الذي كان يتردد على شفتي هذه النائحة الحسناء . ثم حيل بينه وبينها ، إذ وقف مواليها في وجهه وحالوا بينه وبين السعادة التي كان يظنها


تتحقق له في جوارها . وصدم أبو العتاهية في أول تجربة عاطفية له ، واندفع في أثر هذه الصدمة نحو حياة لاهية متحللة يشارك فيها عصابات المجان الذين كانوا يملكون مدينته .. ومضى يسيم سرح اللهو حيث يسيمون ، ويغرق نفسه في كؤوس اللهو والحجون التي كانوا يغرقون فيها أنفسهم. وقضى فترة من شبابه يحيا حياة متحللة ماجنة يرافق فيها أبا تواس وأضرابه من أولئك الشعراء المجان الذين كانت تزخر بهم مدن العراق في ذلك الوقت .


وكان أبو العتاهية في هذه الفترة من حياته يعمل جزارا يصنع الجرار الخضر ويبيعها في الكوفة ، وهي صناعة كانت أسرته تحترفها من قبل . وفي هذه الحرفة رأى أبو العتاهية مرة ثانية صورة المصير الإنسان في الحياة ، فهذه الطينة البكر التي يأخذها بين يديه ليسويها جرارا متعددة الأشكال مختلفة الأحجام ، ثم يلقى بها إلى النار لتحرقها حتى إذا ما أخرجت منها تشعبت بها السبل ، واختلفت بها الحظوظ ، فبعضها إلى قصور الأمراء حيث الغنى والشراء والشرف، وبعضها إلى أكواخ الفقراء حيث الفقر والشقاء والشظف ، لكن المصير في الحالتين واحد ، إنه العودة إلى التراب الذي صنعت منه اليست هذه هي قصة الحياة ؟ من التراب خلق الإنسان ، ثم ألقى به في الحياة لتبلوه وتخبره ويتفاوت حظه ، فشقى وسعيد ، ولكن مصير الاثنين في النهاية واحد ، إنها


العودة إلى التراب الذي خلق منه


في هذه الفترة أخذ أبو العتاهية ينظم الشعر، وبدأ نجمه يلمع ، وأخذت ناشئة الأدب تسعى إليه لتأخذ عنه الشعر وترويه له. ويحدثنا الرواة أن هذه الناشئة كانت تقصد إليه حيث يصنع الجرار ويبيعها ، وأنها كانت تكتب شعره على ما يتناثر من جراره من قطع


الحرف .


ثم أراد أبو العتاهية أن يجرب حظه في الحياة شاعرا ، ولمعت أمام عينيه بغداد التي كانت تتألق بأضوائها ، فتجذب إليها العناصر الطامحة من أرجاء المجتمع


الإسلامي كله . وشد أبو العتاهية رحاله إلى بغداد .


وكان هذا - في أغلب الظن - في أوائل خلافة المهدي . وقبل أن يتصل أبوم العتاهية بالمهدى، وفي أثناء تلك الفترة التي قضاها في بغداد قبل أن يؤذن له بالمثول . میں بدى الخليفة ، مرت به تجربة عاطفية أخرى، فقد أحب عتبة جارية الخليفة حباً ملا عليه كل أرجاء نفسه ، حتى لتوشك أن تكون هي الفتاة الأساسية في حياته ، أو تلك الدمية الجميلة التي يصفها بأن الله لما رأى جمالها خدا بقدرته حور الجنان على مثالها .
ومضى أبو العتاهية يصرح بحبه لها في شعره ، ولم يتورع عن ذلك حتى في مدحه للخليفة نفسه، إذا كان يبدأ مدائحه فيه بالغزل فيها ، وكأنما كان يظن أنه سيهبها له ولكن الخليفة كان مفتونا بها ، فغضب من تلميحات أبي العتاهية وأمر فزج به في غياهب السجن ، وقضى أبو العتاهية في السجن فترة من الزمن ثم أفرج عنه الشفاعة قام بها خال الخليفة وكان معجبا به . وخرج أبو العتاهية من السجن يجر أذيال الخيبة العاطفية التي لحقته ، ويعاني من صدمة نفسية جديدة أعادت إلى نفسه ذكرى التجربة الأولى والصدمة المبكرة التي لحقته حين أحب سعدى النائحة . وقرر أبو العتاهية بعد هاتين الصدمتين أن يميت قلبه إلى الأبد ، ومضى يدفن ذكرياته وأشجانه في تلك المدائح التي كان يتجه


بها إلى الخلفاء العباسيين .


وتحول أبو العتاهية إلى شاعر رسمى يؤدى واجبه التقليدي للقصر العباسي في


بغداد، فاتصل بالمهدى ثم بابنه الهادى من بعده . ثم بابنه الرشيد بعد الهادي ، وتوطدت صلته بالرشيد حتى أصبح شاعره الرسمى لا يفارقه في سفر ولا في إقامة . وأغدق الرشيد عليه الجوائز والعطابا ، وبدأت الدنيا تقبل عليه ، وبدأت الحياة تبسط له ذراعيها إلى أبعد حدودهما ، وبدأ الذهب يسيل من بين أصابعه ، ولكن كل هذا جاء بعد الغروب - لقد ودع أبو العتاهية شبابه محملا بذكريات حزينة واخذ يستقبل شيخوخته التي لا تصلح لحب ولا للهو ولا لمتعة. وقرر أن ينصرف عن منع الدنيا وملذاتها ، وأن يعتزل الناس ، ويفرض على نفسه حياة تقوم على الزهد والتقشف.


ومضى أبو العتاهية في زهده يجاهد نفسه مجاهدة عنيفة ، إذ فرض على نفسه الحج كل عام ، كما فرض عليها اعتزال الناس والميل إلى الوحدة ومفارقة مجالس اللهو والشعر والغزل ، كما كان يفرض على نفسه أحيانا أن يصوم عن الكلام ، ومضى في ثيابه الصوفية الخشنة يمارس هذه الرياضات الروحية حتى ودع الحياة .


وفي بداية زهده مرت به محنة من تلك المحن التي كان يمتحن بها ، فقد أمر الرشيد بأن يزج به في السجن والأسباب الحقيقية لهذا السجن ليست واضحة تماما ، فالرواة يذكرون أن الرشيد سجنه لأنه طلب إليه أن يقول شعراً في الغزل ولكنه رفض ... وصمم الخليفة على طلبه، وصمم الشاعر على امتناعه ، وأقسم الخليفة عليه ليقولن شعرا في الغزل أو ليسجنن ، وأقسم الشاعر ليصومن عن الكلام كله إلا عن قراءة القرآن وذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله لمدة سنة ، وثارت ثائرة الرشيد وألقى به في السجن
ثم تختلف الروايات بعد ذلك حول المدة التي قضاها في السجن ، وحول خروجه منه والأسباب التي جعلت الخليفة يعفو عنه، ويميل كثير من الرواة إلى القول بأن الخليفة ندم على سجنه ، وأنه أخذ يحتال حتى يتحلل من قسمه . ولكن الذي يبدو لي أن هذا السبب الذي يذكره الرواة ليس هو السبب الحقيقي لسجنه ، لأن شعراء الغزل في عصر الرشيد كانوا كثيرين ، ومن الممكن أن يطلب إلى أى واحد منهم أن ينظم له ما يشاء من غزل ، والذي يبدو لي أن الخليفة كان يحاول أن يبعد أبا العناهية عن الأوساط الشعبية التي كان شعره منتشرا بينها انتشارا واسعا حتى لا تتأثر بأرائه التي كان يرددها كثيراً حول الملوك وهوان أمرهم بعد الموت ، وتساويهم في النهاية بالسوقة ، وكان الرشيد كان يرى فيها شيئا يقلل من هيبته في أعين الناس ومنزلته في نفوسهم، ومن هنا كنت أرى أن سجن أبي العتاهية لم يكن إلا صورة من صور تحديد الإقامة فرضها الرشيد عليه ، حتى يبعد به عن الشعب الذى كان يروى شعره ويتغنى به في كل مكان


وخرج أبو العتاهية من السجن وقد ألى على نفسه أن يعتزل الناس إلى الأبد وأخذ يجنح إلى الوحدة والعزلة ، وأرسل إلى الخليفة بيئين يعلن فيهما أنه قرر اعتزال الناس والبعد عنهم إلى الأبد . وظل أبو العتاهية طوال حكم الرشيد في عزلته الروحية التي فرضها على نفسه ، حتى إذا مامات الرشيد لم يرثه أبو العتاهية ، وإنما اتخذ من موته موضوعا للعظة والاعتبار، فهذا الملك الجبار الذي كان يخشاه الناس قد انتصر عليه


الموت في النهاية وتساوى مع سائر البشر ..


ثم تضطرب الأمور السياسية ويدور الصراع السياسي بين الأمين والمأمون ، ثم ينتهى الصراع بمصرع الأمين واستقرار الأمر للمأمون الذي يرتقى عرش الخلافة تحدث كل هذه الأحداث وأبو العنامية في عزلته الروحية بعيدا عن الناس لم يشترك في شيء منها ، ولم يتصل بالحياة السياسية لا في اضطرابها ولا في استقرارها ، وإنما هو يجاهد نفسه مجاهدة عنيفة ، ويروضها رياضة روحية عميقة ، أما السياسة وأحداثها وأما الحياة والصراع فيها فإنها أشياء قد نفض يديه منها إلى الأبد. ولكن من حين إلى حين كان يخرج إلى معترك الحياة ليشهد اصطراع الناس وهم غافلون عن المصير الذي ينتظرهم ، وليستخلص من ذلك معاني يصورها في شعره الذي بلغ من الذيوع والانتشار درجة كبيرة ، فناشئة الأدب والمتأدبون يفدون عليه في طلب شعره ، والرواة يسجلونه ويحفظونه ، والخليفة نفسه يسعى إليه لينشده من شعره في الزهد والموت والحديث عن المصير، فيعجب
١٠:١٥ م ة


٢٢ مايو ٢٠٢٤


۲۱:۰۹


اس اس


مكافات سخية على الرغم من أنه لا يمدحه كما يفعل سائر الشعراء ، وذلك حتى يضمن له أن يعيش حياة هادئة مطمئنة لا يعكر عليه فيها صفو عزلته الروحية شيء من مشكلات


الحياة.


وظل أبو العتاهية ينشد شعره في المصير حتى أدركه المصير الذي طالما ردده في شعره في سنة يختلف الرواة حولها ، ولكنها على كل حال تقع في مستهل القرن الثالث ( ٢٠٥ - ۲۰۹ - ۲۱۰ - ۲۱۱ - ۲۱۳ ) ، ولكن السنة التي يذكرها ابنه وهي ۲۱۰ هي السنة التي رجحتها تاريخاً لوفاته في : حياة الشعر في الكوفة ، ..


(۲)


والفكرة الأساسية فى شعر أبي العتاهية الزهدى هى فكرة المصير : مصير الانسان في الحياة ومصيره بعد الموت ، وتتردد هذه الفكرة في شعره بصورة واسعة ، وهو مشغول بها شغلا كبيرا يعبر عنها في صور شتى وبأساليب متعددة ، يطوف حولها حينا ويتغلغل في أعماقها حينا آخر ، ويعرض علينا منها نماذج مختلفة ، تماما كما كان يفعل في سالف أيامه حين كان يسوى الطيئة الخضراء جرارا مختلفة الأحجام والأشكال ، ولكن جراره الفنية لم تكن خضراً كتلك الجرار التي كان يسويها ، وإنما كانت جرارا سودا قائمة تبعث على التشاؤم ، وتثير في النفس الحزن والانقباض. ويوشك أبو العتاهية أن يكون أهم شاعر عربي شغلته مشكلة المصير ، إلا إذا استثنينا أبا العلاء الذي ألحت عليه هذه المشكلة أيضا وشغلته ، واحتلت قسما كبيرا من شعره


ولكن أبا العتاهية يختلف في نظرته إليها عن أبي العلاء، فتفكير أبي العتاهية فيها ليس تفكيرا فلسفيا يسوده الشك والحيرة كما هو الشأن عند أبي العلاء ، ولكنه تفكير ديني يختفى منه الشك والحيرة ليظهر الإيمان واليقين . فالعقل الفلسفي الذي ظهر عند أبي العلاء وسيطر عليه وأثر في شعره يختفى عند أبي العتاهية لتحل محله العاطفة الدينية ومن هنا كان حديث أبي العتاهية عن مشكلة المصير يخاطب الوجدان الإنساني أكثر مما يخاطب العقل الفلسفي - إنه فى حقيقة أمره ليس أكثر من هزة روحية ، ينبه بها أولئك الغافلين الذين اطمأنوا إلى حياتهم الدنيا ، وغفلوا فيها عن المصير الذي ينتظرهم . ولهذا تكثر في شعره تلك الصور التي تثير التشاؤم والانقباض والحزن في نفوس الناس ، وذلك لأنه كان يرى فى إثارة هذه المشاعر الوسيلة الفعالة لتنبيه هؤلاء الغافلين إلى المصير الذي ينتظرهم
وقد سلك أبو العتاهية في عرض آرائه في مشكلة المصير خطاً منتظماً مستقيما فهو يعرض لكل ما يمكن أن يخطر على ذهن من يبحث في هذه المشكلة : ما الحياة ؟ وما سر حب الإنسان لها على الرغم من فنائها وزوالها ؟ وما الموت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ثم ما الوسيلة التي يستطيع الإنسان أن ينجو بها من شقاء الدنيا ليصل إلى السعادة في الآخرة ؟ وما المشكلات التي يقابلها الإنسان في حياته ؟ وما الرأى فيها ؟ وما مشكلة الخير والشر ؟ وما مشكلة الصداقة والصديق ؟ أو بعبارة أخرى - ما مشكلة هذه الحياة التي نحياها ، والتي ستفارقها في يوم من الأيام في رحلة طويلة رهيبة تنتهي بنا إلى الجنة أو إلى النار ؟


هذه هي المشاكل التي شغلت ذهن أبي العتاهية وملأت عليه تفكيره ، ومضى


يصوغها في شعره ألوانا مختلفة ، ويرسم منها صورا متعددة لا حصر لها


فالحياة عنده - كما هي في القرآن الكريم - دار المتاع والزوال والغرور، وهو يتمثلها حينا كأحلام التيام تأتى اليقظة فتمحوها ، وحينا كظل السحاب لا استقرار له ، وحينا كلمع السراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، وحينا كالضباب لا تلبث أشعة الشمس أن تبدده ، وحينا كالأمس الذي ولى ولن يعود :


أراك وإن طلبت بكل وجه


أو الأمس الذي ولى ذهابا لو ترى الدنيا بعيني بصير إنما الدنيا تحاكي السرايا


كحلم النوم أو ظل السحاب


وليس يعود أو لمع الشراب


إنما الدنيا كفى تولى وكما عاينت فيه الضبابا مثل لمع الآل في الأرض القفار


إنما الدنيا غرور كلها


والدنيا - في حقيقة أمرها ، وكما يجب أن يتمثلها الإنسان حتى ينجو منها ويفوز بالسعادة في الآخرة - ليست دار إقامة أو استقرار، وإنما هي - على حد تعبيره - و دار


قلعة ، تقتلع الإنسان مهما يطل عمره فيها :


الم تر أن الأرض منزل قلعة


ألم تر أن المرء في دار قلعة إلى غيرها، والموت فيها سبيله


وإن طال تعميري عليها وأزمنت
أيا نفس لا تستوطنى دار قلعة


ولكن خذى بالزاد قبل ارتحالك


إنها ليست أكثر من معبر ينتقل عليه الإنسان من شط الحياة الفانية إلى شط الآخرة الساقية ، أو هي مناخ القوم مسافرين ينزلون به ليستريحوا من رحلة شاقة مجهدة ، ثم


يستأنفون بعد ذلك سفرهم :


دام


إن داراً نحن فيها لدار كم وكم قد حلها من أناس فهم الركب أصابوا مناخاً


ليس فيها المقيم قرار


ذهب الليل بهم والنهار


فاستراحوا ساعة ثم ساروا وهو يصور هذا الركب وقد شدت رحاله على مطايا الموت التي تسرع به من وادى الحياة الذي لا مقام فيه إلى وادى الموت الذى تنتهى عنده دائما كل رحلة من رحلات


هذه المطايا :


إني لفي منزل ما زلت أعمرة وأن رحلى وإن أوثقته العلى


على يقيني بأني عنه منقول مطية من مطايا الحين محمول النازلية ووادي الموت محلول


وادى الحياة محل لا مقام به


والإنسان في هذه الحياة مسافر في رحلة قصيرة سريعة لا تلبث أن تنقضى عندما


تحط الرحال في هذا الوادي :


الناس في هذه الدنيا على سفر وعن قريب بهم ما ينقضى السفر


ما نحن إلا كركب ضمه سفر


يوما إلى ظل في تمت افترقوا


والدنيا عند أبي العتاهية دار الفجائع والهموم والبؤس والأحزان والشقاء والتعب ، جديدها يلى ، وأمورها متقلبة ، لا تكاد تبتم الإنسان حتى تقلب له ظهر المجن ، ترفعه فوق النجوم ثم تهوى به إلى الثرى ، مساولها تقفو محاسنها فتمحوها ، وتمتزج فيها فرحة البشرى بصوت النعي، وصيحة الفرح بمولود تتفتح عيناه للحياة بصيحة الحزن على ميت يغمض عينيه عنها ، والصوتان متشابهان لا فرق بينهما ، والموت للمناس


بالمرصاد ، والقبور تسوى بين البشر جميعاً :
فكرت في الدنيا وجدتها وإذا جميع أمورها دول ولقد مررت على القبور فما ما زالت الدنيا منغصة دار الفجائع والهموم ودار الـ بينا الفتى فيها بمنزلة تقفو مساويها محامتها ولفل يوم ذر شارقه اتراك تخصى من رأيت من الـه فإذا جميع جديدها يبلى بين البرية قلما تبقى ميزت بين العبد والمولى لم يحل صاحبها من البلوى بؤس والأحزان والشكوى إذ صار تحت ترابها ملقى لا شيء بين النعي والبشرى إلا سمعت بهالك ينعى أحياء ثم رأيتهم موتى ومهما تختلف الأيام بالناس فإن النهاية للجميع دائما واحدة ، إنها الموت الذي


ينتظر الجميع ولا يترك منهم أحداً :


الموت لا والداً يبقى ولا ولدا للموت فينا سهام غير مخطئة


ولا صغيرا ولا شيخا ولا أحدا من قاته اليوم سهم لم يفته غدا


فالموت سنة الله في خلقه منذ أن خلق الحياة ، وحسب الإنسان أن ينظر في الأجيال التي مضت ، والقرون التي سبقت ، وأن يفكر فيها اين مضت ؟ وأين انتهى بها المصير ؟ بل حسبه أن يفكر فى آبائه وآباء آبائه حتى آدم اين مضوا ؟ وإلى أين انتهت بهم الحياة ؟ :


یا نفس ابن أبي وأين أبو أبي عدى فإني قد نظرت فلم أجد بيني قدمات ما بين الجنين إلى الرضي


وأبوه عدى لا أبالك واحيى وبين أبيك آدم من اب


مع إلى الفطيم إلى الكبير الأشيب


وكما خلقنا من التراب سنصير إلى التراب، فالتراب هو البداية والنهاية ، وهو المبدأ والمعاد ، وهو المورد والمصدر، وإذا كان هذا هو المصير فقيم صراع الإنسان في الحياة ؟ لمن يبنى ويشيد ؟ ولم يجمع الأموال ويحرص عليها ؟ ولم ينجب ويحرص على البنين ؟ إنه يبنى للخراب ، وبلد للموت ، ويجمع لمن يرثه بعد موته ، أما هو


فسيخرج من الحياة ولا شيء معه يقول مرة :
لدوا وللموت وابنوا للخراب لمن نبتى ونحن إلى تراب


ويقول مرة أخرى :


أبقيت مالك ميرانا لوارثه القوم بعدك في حال تسرهم ملوا البكاء فما يبكيك من أحد


فكلكم يصير إلى تباب نصير كما خلقنا من تراب


فليت شعري ما أبقى لك المال فكيف بعدهم دارت بك الحال واستحكم القيل في الميراث والقال


وأكثر ما يقف عنده أبو العتاهية في حديثه عن الموت منظران : منظر سكرات الموت ومنظر القبور. وهو يتخير دائما لهما الأوضاع التي تثير في النفس التشاؤم والاكتئاب والوحشة والرهبة والفزع. وليس من شك في أنه كان يقصد إلى هذا كله لكي ينبه الغافلين من غفلتهم ، وكأنه كان يرى في شعره البوق الذي ينفخ فيه ، فيهز مضاجع الغافلين ، ليوقظهم من سباتهم الذى اطمأنوا إليه ، وليبغض إليهم الحياة ، ويدفعهم دفعا إلى التفكير في الآخرة، وما ينتظرهم فيها من ثواب وعقاب


وهو في المنظر الأول ، منظر سكرات الموت ، يصف كل ما يعانيه المحتضر منذ


أن يأخذ في استقبال الموت وتوديع الحياة إلى أن يتم فراقه لها ، ويُخلف في قبره وحيدا بعيدا عن الأهل والأصحاب والأحباب ، ملحا في أثناء ذلك إلحاحا شديدا على التفاصيل الدقيقة ، في محاولة قاسية للضغط على أعصاب الناس بما يعرضه عليهم من صور كتيبة مفزعة ، وكأنه يريد أن يحطمها تحطيما. وفى ديوانه ثلاث قصائد يتجلى فيها هذا المنظر في أشد أوضاعه إثارة للأعصاب وتحطيما لها . وهي القصائد التي يقول في مطالعها :


رب مذكور القوم


لين طلل أسائله


فتوه غاب عنهم فن


معطلة.


منازله


لأبكين على نفسى وحق ليه


يا عين لا تبخل على بعبرية


وأما المنظر الآخر ، منظر القبور ، فإنه يتخير له الأوضاع الكتيبة المثيرة نفسها التي يتحيرها للمنظر السابق ، ولكنه يتخذ منه عادة مجالا للعظة والاعتبار . ومن هنا كان أكثر ما يقف عنده الموازنة بين حال أصحابها في الدنيا وحالهم بعد الموت ، وكأنه يذكر الإنسان


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

آملين تحقيق تطل...

آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...

Network archite...

Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...

السيد وزير التر...

السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...

حقق المعمل المر...

حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...

رهف طفلة عمرها ...

رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...

قصة “سأتُعشى ال...

قصة “سأتُعشى الليلة” للكاتبة الفلسطينية سميرة عزام تحمل رؤية إنسانية ووطنية عميقة، حيث تسلط الضوء عل...

اعداد خطة عمل ع...

اعداد خطة عمل عن بعد والتناوب مع رئيس القسم لضمان استمرارية العمل أثناء وباء كوفيد 19، وبالإضافة إلى...

بدينا تخزينتنا ...

بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

فرضية كفاءة الس...

فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...