لخّصلي

حالات السـواء.
وكـما تـرون مـن كل مـا سـبق، فـإن المحللـين النفسـيين يتسـمون بإيمانهـم الراسـخ بمبـدأ
الحتميـة في الحيـاة النفسـية٢؛ فبالنسـبة إليهـم ليـس هنـاك وجـود لمـا هو بـلا معنـى، لا ولا ما هو
تافـه أو اعتباطـي أو عشـوائي. إنهـم يتوقعون أن يجـدوا دوافع كافية في كل حالـة في الوقت الذي لا
تـبرز فيـه أي توقعـات مـن هـذا القبيـل لـدى غيرهم، بل إنهـم مسـتعدون للبحث عـن دوافع عدة
لحادثـة نفسـية واحـدة وبعينهـا٣ في ذات الوقـت الـذي يبـدو فيـه وكأن لدينـا لهفة فطريـة وراثية
لسـببية تعلـن رضاها بسـبب نفـسي واحد.
وإذا مـا قمنـا الآن بجمـع مـا نملكـه مـن وسـائل للكشـف عـن مـا هـو مخفـي أو منسي أو
مكبـوت في العقـل، أي دراسـة الأفـكار التـي تطرأ على ذهن المريـض الخاضع للتداعـي الطليق أثناء
العـلاج، ودراسـة أحلامـه وهفواتـه وأفعالـه العرضيـة، وإذا مـا أضفنا إليهـا تسـخير الظواهر الأخرى
التـي تحـدث أثنـاء العـلاج بالتحليـل النفـسي والتـي سـأعطيكم حولهـا بعـض الملاحظـات في وقـت
لاحـق تحـت عنـوان »الطـرح«، أقول إذا كنتم سـتضعون كل ما سـبق عـين الاعتبار فإنكم سـتنتهون
إلى موافقتـي القـول بـأن تقنيتنـا سـابق الذكـر كاف بالفعـل لإنجاز مهمتـه المتمثلة في جلـب المادة
النفسـية المسـببة للمـرض إلى حيـز الشـعور، والتخلـص بالتـالي مـن الآلام المرتبطـة بالأعـراض التـي
نتجـت عـن تكـون أعـراض بديلـة لتلـك المـادة. وإذا مـا اسـتطعنا – ونحـن في مسـيرتنا العلاجيـة –
توسـيع وتعميـق معرفتنـا بالعقـل الإنسـاني في الصحـة والمـرض على حد سـواء، فيمكن اعتبـار الأمر
عامـل جـذب خـاص بعملنا.
ربمـا يكـون قـد تشـكل لديكم انطبـاع ناجم عن ما تحدثـت به حتى الآن بأن هـذا التكنيك
صعـب للغايـة، وفي رأيـي أن هـذا التكنيـك ينسـجم تمامـاً والمادة التي يفـترض به التعامـل معها، إلا
أن مـا يمكـن أن نقولـه بوضـوح أن هـذا التكنيـك ليس جليـاً بذاته ويسـتلزم منكم دراسـته وتعلمه
مثلـه في ذلـك مثـل تكنيـكات علـم الأنسـجة أو الجراحـة. وربمـا تفاجئـون إذا علمتم أننـا في أوروبا
قـد تلقينـا – ولا زلنـا – عـدداً ضخـماً مـن الأحـكام بخصـوص التحليل النفـسي من أنـاس لا يعرفون
شـيئاً عـن تقنياتـه ولم يسـتخدمونها، ومـع ذلك فهـم يسـتمرون في مطالبتنا بـازدراء واضـح بتقديم
مـا يبرهـن عـلى صحة مكتشـفاتنا. وبـكل التأكيد فـإن هناك من بين هـؤلاء المعارضين من يتسـمون
بنمـط أكـثر انفتاحـاً مـن التفكـير العلمـي، فهم على سـبيل المثـال لن يرفضـوا نتائج فحـص مجهري
لمجـرد أنـه لا يمكـن تأكيدهـا في الإجـراءات التشريحية بواسـطة العـين المجردة، وإنما سـيعمد هؤلاء
إلى تكويـن أحكامهـم الخاصـة فيـما يتعلـق بالمسـألة مـن خـلال اسـتخدامهم للمجهر ذاتـه. ولكن ،
حـين يتعلـق الأمـر بالتحليـل النفسي، فإن فـرص الاعتراف به هـي في الحقيقة أقل مواتـاة؛ فالتحليل
النفـسي يسـعى إلى تعريـف الشـعور بمـا هـو مكبـوت مـن الحيـاة النفسـية، وكل مـن يكـون حكماً
هنـا هـو نفسـه إنسـان يمتلك كبوتـات مشـابهة، وربما يكـون بالكاد قادر عـلى الحفـاظ عليها، ومن
ثـم فمثـل هـؤلاء يكونـون مجبريـن عـلى أن يسـتدعون في أنفسـهم ذات المقاومـة التي يسـتخدمها
المريـض؛ وهـي المقاومـة التي يمكن أن تتخفى بسـهولة خلف سـتار الرفض المنطقـي العقلاني وطرح
الحجـج المشـابهة لتلـك التـي نحصـن مرضانـا منها بواسـطة القاعـدة الأساسـية في التحليـل النفسي .إننـا عـادة مـا نصبـح عـلى وعـي بـأن مـا تتبـدى في خصومنـا، مثلما هـو الحـال في مرضانا، مـن قوة
في الحكـم إنمـا تتأثـر وجدانيـاً وبشـكل غايـة في الوضـوح بالإحسـاس بأنهـا في طريقهـا للتـلاشي. إن
الغطرسـة التـي تسـم الشـعور (والتي تتبـدى في رفضه للأحلام بنوع مـن الازدراء على سـبيل المثال)
هـي واحـدة مـن أقـوى الأدوات المتوفـرة لدينـا لحمايتنـا من غـارات العقـد والمركبات اللاشـعورية؛
وهـو مـا يفـسر صعوبة إقناع النـاس بحقيقة اللاشـعور وتدريبهم على إدراك أشـياء جديدة تتعارض
ومعارفهم الشـعورية.