خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
أدت عدة قضايا رئيسة إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية (1860م): أولها قضية الرقيق، حيث ازداد عدد الرقيق المستقدمين من أفريقيا، مما خلق تبايناً حاداً بين الولايات الجنوبية التي اعتمدت على الزراعة بالرق، والولايات الشمالية المناهضة للرق. قسم هذا الخلاف الولايات إلى معسكرين: الأول مؤيد للرق لأسباب اقتصادية ودينية، والثاني معارض له لأسباب إنسانية وأخلاقية. شهدت هذه الفترة إلغاء للرق تدريجياً في بعض الولايات الشمالية، بينما تمسك الجنوب به بقوة بسبب ازدهار زراعة القطن والسكر والتبغ. بلغ عدد الرقيق عام 1850م أكثر من ثلاثة ملايين، مكونين نسبة كبيرة من سكان بعض الولايات الجنوبية. أدت ضغوط الشمال على الجنوب لتحرير الرقيق إلى تهديدات بالانفصال، وتفاقم الموقف مع انضمام ولايات جديدة للاتحاد.
ثانياً، قضية تكساس: شجعت المكسيك في البداية هجرة الأمريكيين لتكساس، لكنها غيرت سياستها لاحقاً خشية سيطرتهم. أدى ذلك إلى ثورة تكساس ضد المكسيك (1836م)، وحصولها على استقلالها. تردد موقف الولايات المتحدة تجاه تكساس، حيث أيد الرئيس جاكسون ضمها، لكن الولايات الشمالية عارضت ذلك بسبب الرق. أُعلنت تكساس دولة مستقلة عام 1837م، ثم انضمت للولايات المتحدة عام 1845م تحت ضغط الجنوب، مما زاد من الخلافات حول الرق. أدى ضم تكساس إلى حرب مع المكسيك، وانتهت الولايات المتحدة منتصرًة، مما أضاف كاليفورنيا وأراضٍ واسعة للولايات المتحدة، وزاد من حدة الخلافات حول الرق.
ثالثاً، تفوق الشمال اقتصادياً وعسكرياً على الجنوب، مما أوجد لدى الجنوب نزعة انفصالية خوفاً من سيطرة الشمال. رابعاً، اختلافات اقتصادية: كانت الولايات الشمالية صناعية وتجارية، بينما كانت الجنوبية زراعية تعتمد على الرق. أراد الشمال حماية صناعته بفرض جمارك عالية، بينما عارض الجنوب ذلك لحماية مصالحه الزراعية. أدى هذا إلى تباين في الرؤى الاقتصادية وسبل التنمية. فاقم كل هذه الخلافات اختلافات في عدد السكان وتقدم الشمال، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية.
القضايا الرئيسة المسببة للحرب :
من المدرك بداهة أنه لا بد من حدوث اختلافات وتصادم في الفكر السياسي وفي مصالح القوى المتعددة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك لازدياد عدد السكان فيها ، واختلاف مداهبهم وأجناسهم وطريقة حياتهم وفكرهم ، أضف إلى هذا كله فإن هناك خلافات جوهرية في الفكر الاقتصادي وتوجيهه وفي المصالح المترتبة عليه ، وقد ينعكس كل هذا على الوضع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتالي فهو يؤثر كثيراً على مجريات الأمور بالنسبة لمبدأ الاتحاد القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية نفسها . ومن هنا برزت قضايا رئيسة أدت إلى قيام حرب أهلية طويلة ومريرة بين الولايات الأمريكية الشمالية وبين الولايات الأمريكية الجنوبية عام ١٨٦٠ م . وكان من أبرز هذه القضايا هي :
١ - قضايا الرقيق الأسود :
من الطبيعي أن تظهر قضية مهمة كقضية الرق في الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك لازدياد نسبة الرقيق بازدياد حركة استجلابهم من أفريقية نتيجة للضغط المتزايد عليهم في الولايات الجنوبية الأمريكية التي تشكل الزراعة أساس الحياة الاقتصادية فيها . وطبيعي لا بد وأن تظهر مشكلات أساسية في العلاقات الاجتماعية بين البيض الأسياد وبين الرقيق الذين يعاملون معاملة العبيد في تلك البلاد ، كما أن هذا الأمر لا بد وأن يؤثر على العلاقة بين ولايات أمريكية تقر الرق وتشجعه وبين ولايات أمريكية لا تقره في دساتيرها بل وتبغضه أحياناً .
نعم لقد كان وضع الرقيق الأسود في الولايات الجنوبية وضعاً مزرياً حقاً ،
فهم يعملون في المزارع من الفجر حتى الليل ، ويشرف عليهم رجل زنجي مثلهم يضربهم بالسوط حال تثاقلهم وتباطئهم عن العمل . وكان يشرف على الجميع رجل أبيض يراقب العمل عن كثب . وكان طعامهم رخيصاً وغير مكلف ولا أجور لهم . وكانوا جهلة ليس من حقهم التعلم ودخول المدارس . إنه عمل مضني وشاق وعناية قليلة وجهل وتأزم في أحوالهم النفسية ، كل هذا سبّب هوة واسعة بين الرجل الأبيض وبين الرجل الأسود ، وقد تراكمت البغضاء حتى وصلت بينهم إلى حد الكره ، وشكلت الحالة هذه حواجز نفسية بين المجتمع الأبيض وبين الجماعات السود في الولايات الجنوبية الأمريكية .
وبناء عليه فقد انقسمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتجاهين : الأول يطالب بإبقاء الرق لأنه يساعد على تعمير الأرض وزراعتها واستيطانها بأقل تكلفة اقتصادية ، أضف إلى هذا كله مسألة تنصير جماعة وثنية وفي هذا العمل خدمة جليلة للنصرانية . والثاني : ويطالب بإلغائه لأنه ظلم واضح لفئة بشرية ، ولأنه لا يساوي بين أفراد المجتمع المتعايش في ظل قانون واحد ومواطنة واحدة وآمال وآلام واحدة ، ولأنه يولد الكره بين فئات المجتمع في الولايات الأمريكية ، ولأنه يتعدى على حقوق الإنسان . وقد تبنت الولايات الأمريكية الشمالية هذا الاتحاد ووضعته موضع التنفيذ. فألغي دستور ولاية ماساتشوستس الرقيق عام ١٧٨٠ م .
وحرر دستور ولاية نيويورك العبيد عام ١٧٩٩ م . وعملت ولاية بنسلفينيا على تحرير الرقيق بشكل تدريجي . ومُنع إدخال العبيد إلى الولايات الجديدة مثل ولايات وسكانسن وميتشيغان والينوي وانديانا وأوهايو . وقامت جمعيات تطالب بتحرير الرقيق وإعادتهم إلى موطنهم الأول في افريقيا . وكان رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسون في الولايات الشمالية والجنوبية يعيبون على البلاد العمل بقانون الرق . ولكن كانت هناك أمور تجعل الولايات الجنوبية تتمسك به ، كازدياد زراعة القطن والطلب عليه ، واتساع نطاق زراعة قصب السكر ، واتساع نطاق الأراضي الزراعية وحاجة الجنوب إلى عمال في هذه المجالات . كما أن الرقيق كان يشكل قناة اقتصادية من قنوات الاقتصاد في الولايات الجنوبية . وكان يشكل ثروة كبيرة لدى الكثير من البيض ، لذا كان لا بد وأن يعوضوا أموالا كثيرة قبل الشروع بعملية تحرير الرقيق بشكل تدريجي . فكان عدد الرقيق في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٨٥٠ م يزيد على ثلاثة ملايين نسمة من أصل ثلاثة وعشرين مليوناً أي أن السود يشكلون في حدود ١/٨ عدد سكان الولايات
المتحدة الأمريكية وقتذاك . وكانوا يشكلون أكثر من نصف سكان ولاية كارولينا الجنوبية وولاية ميسسبي ، ويعادلون سكان ولاية لويزيانا . ووصل عددهم في ولاية الباما إلى أقل من نصف سكانها . ووصل عددهم في حدود عشر سكان ولاية ماري لاند . وكانوا يتمركزون في مناطق معينة وأحياناً وصل عددهم فيها إلى (٠,٨) و (٠,٧) و (٠,٦) كما هو الحال في بعض مناطق ولاية جورجيا والباما وميسسبي وكارولينا الجنوبية وغيرها . أما في الولايات الشمالية فكانت لديهم الصناعة والتجارة وكان الذين يعملون فيها هم من البيض . وعليه لا بد وأن تختلف نظرة الشمال للرق عنه في الولايات الجنوبية التي تزعم أنها لا تستغني عنه . وقامت جمعيات كانت مراكزها في الشمال تعمل على مطالبة الولايات الجنوبية بتحرير رقيقها ولو بشكل تدريجي . وظهرت مجموعة من الصحف والكتابات التي تنادي بذلك مثل صحيفة المحرر في مدينة بوسطن .
وتحت ضغط الولايات الشمالية على الولايات الجنوبية في مسألة تحرير العبيد السود في ولاياتها بدأت علامات الانفصال تظهر في الولايات الجنوبية .
وهددت ولاية ساوث كارولينا بالانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٨٣٢ م .
وهكذا نلاحظ الخطر المحدق بالاتحاد الأمريكي من مسألة الرقيق، وأخذت المسألة تزداد تعقيداً من يوم إلى آخر بسبب دخول بعض الولايات الجديدة في الاتحاد الأمريكي . وفي عام ١٨١٨ م وصل عدد الولايات الأمريكية التي لا تقر الرق إلى إحدى عشرة ولاية . وبلغ عدد الولايات التي تقره إلى عشرة ولايات .
وعندما دخلت الولايتان : ميسوري وألباما الاتحاد الأمريكي حدث تعقيد جديد بين الولايات الشمالية المخالفة للرق وبين الولايات الجنوبية المؤيدة له بخاصة بعد انضمام الباما التي اشترطت أن تحتفظ بمبدأ إقرار الرق فيها إذا ما قبلت في الاتحاد الأمريكي . وقد تعدل الموقف بعض الشيء عندما دخلت ولاية مين الاتحاد الأمريكي وهي ولاية لا تبيح الرق ولا تقره ولا تعمل به ، فلك
دخولها قد عدل موقف الولايات الشمالية . وصدر قانون من الكونجرس الأمريكي يمنع الرق في لويزيانا الولاية المشتراة من فرنسا . وساد جو من الاستقرار النسبي في الولايات المتحدة الأمريكية ، وظل الاستقرار معلقاً لأنه كان مجرد هدنة وليس استقراراً دائماً ومقبولاً لأنه لم تلتق بعد وجهات نظر الولايات الجنوبية مع وجهات نظر الولايات الشمالية في مسألة مهمة جداً وهي مسألة الرق الذي عدته الولايات
الجنوبية بأنه مسألة مصيرية ذات ارتباط بالكيان الاقتصادي القائم فيها بخاصة بعد تطور زراعة القطن وقيام مملكته في الجنوب من جهة وتطور صناعته من جهة ثانية . كما أن زراعة القطن شغلت معظم الأراضي في ولاية كارولينا الجنوبية وجورجيا ومناطق حوض الميسسبي . أضف إلى هذا كله فقد تطورت كذلك زراعة نصب السكر في المناطق الجنوبية الحارة ذات المياه الكثيرة ، وازدادت زراعة التبغ في أرض فرجينيا وكنتكي وتنيسي . وقد تطلبت كل هذه الزراعات المنتشرة في الجنوب إلى عدد كبير من العمال الذين لهم تجربة في هذا الميدان الزراعي من جهة ولديهم القدرة والتحمل على مزاولته من جهة ثانية . ولهذا الأمر فإن مسألة الرق ستبقى مدة طويلة وهي مسألة الساعة ومسألة الخلاف بين الولايات الشمالية وبين الولايات الجنوبية في الاتحاد الأمريكي .
٢ - قضية تكساس :
كانت تكساس تابعة للمكسيك . وكانت الحكومة المكسيكية في أول الأمر تشجع سكان الولايات المتحدة الأمريكية على الاستيطان في تكساس التي تفصل الولايات المتحدة الأمريكية عن المكسيك . وصارت جماعات الأمريكيين تأتي إلى تكساس بأعداد كبيرة . وسنت الحكومة المكسيكية عدداً من القوانين التي شجعت الأمريكيين على الهجرة إلى تكساس والاستقرار فيها . وكان معظم الأمريكيين المهاجرين إلى تكساس يأتون من مناطق حوض الميسسبي الأدنى .
لقد غيرت الحكومة المكسيكية وجهة نظرها تجاه مجرة الأمريكيين إلى تكساس . بعد أن حست بأنها ارتكبت خطا كبيراً عندما فتحت باب الهجرة لهم للاستيطان فيها ، إذ كانت ترى أن إقامة الجماعات الأمريكية في تكساس التابعة للمكسيك سيجعلها تتحول إلى مكسيكيين ، وقد حدث العكس تماماً إذ أصبح للأمريكيين نفوذ كبير في تكساس وصاروا يضغطون على حكومتهم من أجل ضم تكساس إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، إلى وطنهم الأم ، وشجعوا حركة الاستقلال التي قامت في تكساس فيما بعد لتصبح دولة مستقلة عن المكسيك كمقدمة لضمها إلى الاتحاد الأمريكي .
لقد قاومت الحكومة المكسيكية حركة تدفق الهجرة الأمريكية إلى تكساس باستصدار عدة قوانين عام ١٨٣٠ م للحد من الهجرة الأمريكية إلى تكساس ، أذكر
منها :
1.
2. فرضت ضرائب جمركية عالية على الحدود بين تكساس وبين الولايات المتحدة الأمريكية .
3. زادت أعداد الجيش المكسيكي المقيم في تكساس لضمان بقائها تحت السيادة المكسيكية .
4. سمحت للأوروبيين والمكسيكيين باستعمار أرض تكساس في الزراعة والاستثمار الاقتصادي وأعمال التعدين وغيرها .
5. شددت على دخول الأمريكيين إلى تكساس كوسيلة من وسائل تقليل عدد الأمريكيين فيها ، وبالتالي تقليل تأثيرهم هناك .
وتعتبر القوانين المكسيكية الجديدة هي التي أدت إلى تأزم الموقف بين الحكومة المكسيكية وبين تكساس التي طالبت حكومة المكسيك بإلغاء هذه القوانين . ولما لم تستجب الحكومة المكسيكية لطلب تكساس أعلنوا استقلالهم عنها في مارس عام ١٨٣٦م. ولم ترض الحكومة المكسيكية بذلك فاشتعلت الحرب بين المكسيك وبين تكساس . وكان سانتا آنا «Santa Anna" رئيس جمهورية المكسيك يقود القوات المكسيكية بنفسه التي تحارب في تكساس ولكنه انهزم وأسر في وقعة سان جاكينتو «San Jacinto» ، واستطاعت تكساس أن تحصل على استقلالها عام ١٨٣٧ م بعد انتصارها على القوات المكسيكية .
لقد كان موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ثورة تكساس موقفاً متردداً . فكان الرئيس الأمريكي جاكسون Jacksonn» يرغب في ضم تكساس إلى الاتحاد الأمريكي ، لكنه كان مع الولايات الشمالية في موقفها تجاه مسألة الرق السائد في تكساس . فكانت الولايات الشمالية تعارض ضم تكساس ما دام انها تعمل بقانون الرق . وجدير بالملاحظة أن من بين الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ثورة تكساس ضد المكسيك كان إلغاء المكسيك لقانون الرق عام ١٨٢٩ م ، ولم يقبل بهذا الإجراء أصحاب الرقيق في تكساس ، فبذلوا كل ما في وسعهم للعمل على فصل بلادهم عن المكسيك .
وجدير بالملاحظة هنا أن الحكومة في الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة جاكسون رفضت مساعدة الثوار في تكساس ووقفت على الحياد في الحرب الدائرة بين تكساس وبين المكسيك . ولكنها في الوقت نفسه اعترفت رسمياً باستقلال تكساس عام ١٨٣٧ م كأسلوب من أساليب فتح الباب مع الحكومة الجديدة في تكساس .
وقد حدثت حرب بين المكسيك وبين تكساس مرة ثانية بعد إعلان تكساس استقلالها . وطلب رئيس جمهورية تكساس سام هوستون «Sam HTouston» الذي انتصر على رئيس جمهورية المكسيك سانتا آنا في وقعة سان جاكينتو من فرنسا وانجلترا أن تساعداه ضد المكسيك مقابل منحهما امتيازات في بلاده ، كما نوّه للحكومة البريطانية بأنه سيعمل على إلغاء قوانين الرق في بلاده . وكان هدف سام هوستون من وراء ذلك الضغط على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لإجبارها على التدخل في الحرب لصالح تكساس . وبالفعل فقد بدأت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بمسألة ضم تكساس إلى الاتحاد الأمريكي في الفترة من
١٨٤٤ - ١٨٤٠ م في عهد رئاسة جون تايلر الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد وفاة الرئيس وليم هنري هاريسون الذي تسلم الرئاسة الأمريكية بعد مارتن فان بورن . وقد انضمت تكساس إلى الإتحاد الأمريكي عام ١٨٤٥ م تحت ضغط الولايات الجنوبية التي تشجع قانون الرق وتطالب بإباحته في تكساس ، علماً بأن القانون المكسيكي المطبق في تكساس يحظر العمل بهذا القانون .
وهكذا فقد أضاف انضمام تكساس إلى الولايات الأمريكية مشكلة جديدة بين الولايات الشمالية الأمريكية التي تعارض الرق وتحظره في ولاياتها وبين الولايات الجنوبية الأمريكية التي تقره وتعمل به .
ونتج عن ضم تكساس إلى الاتحاد الأمريكي وما أحدثه ذلك من خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المكسيك أن اندلعت حرب جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المكسيك بسبب ما نشب بينهما من خلاف حول حدود تكساس وبسبب توجه الولايات المتحدة الأمريكية لامتلاك كاليفورنيا . وقد انتصرت قوات الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة زخاري تيلور Zachary Taylor» واستولت على مدينة مونتيري Monterey» في شمال المكسيك ، وهزم القوات المكسيكية في وقعة أخرى هي وقعة بيونا فستا «Buena Vista» واستولى جيش
«Vera Cruz على فيراكروز «Winfield Scotta أمريكي آخر بقيادة وينفيلد سكوت
ومنها توجه إلى الغرب في الأرض المكسيكية. ووصل مدينة المكسيك بعد معارك طاحنة . واضطرت المكسيك إلى طلب الصلح فتم الصلح بين الدولتين ، أخذت الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه كاليفورنيا والمنطقة الواسعة الواقعة بين كاليفورنيا وبين تكساس وهي ما تعرف باسم نيو مكسيكو . وبهذا الضم الجديد إزدادت حدة الخلافات حول مسألة الرق بين الشمال والجنوب إلى جانب ظهور
مشكلات جديدة للاتحاد الأمريكي ككل مثل مشكلة المحيط الباسفيكي ومشكلة مناطق الكاريبي ومشكلة برزخ بنما وغيرها من المشكلات التي واجهت الولايات المتحدة الأمريكية بسبب هذا التوسع في مناطق الغرب .
وحدث جو من الوثام بين ولايات الشمال وبين ولايات الجنوب عام
١٨٥٠ م عندما اتفقوا على إدخال ولاية كاليفورنيا في الاتحاد الأمريكي بشرط أن تكون من الولايات التي لا تقر الرق بل تناوئه ، وأن تقوم الحكومة الفيدرالية الأمريكية بدفع ديون تكساس بعد أن ضمت إلى الاتحاد كولاية تعمل بالرق كتعويض لها عن بعض الأراضي الحدودية التي تنازلت عنها إلى ولايتي نيو مكسيكو ويوتة ، وإدخال هاتين الولايتين في الاتحاد بعد أن تتهيا لهما مقومات الضم والعمل على إعادة الرقيق الفارين إلى أسيادهم بالقوة . ومع أن هذه الحلول وافق عليها الشمال والجنوب لكن لب القضية بقي موجوداً ، ومن هنا كان لا بد وأن يحدث الصراع والتصادم بينهما . وبالفعل فقد حدث خلاف عام ١٨٥٤ م بين الشمال والجنوب بسبب الرق عندما وافق الكونجرس الأمريكي على إدخال كانساس ونبراسكا كولايتين جديدتين في الاتحاد الأمريكي ، وسمح لهما بحرية الاختيار في مسألة الرق فإما أن تعملا على الأخذ بمبدأ الرق وممارسته وإما أن تعملا على منعه وإلغائه ، فأعطي الكونجرس للولايتين الجديدتين حرية التصرف والاختيار في شأن هذه المسألة . وكان لهذا القرار دور كبير ووقع أليم على أهالي الشمال ، كما أن أهالي الجنوب أيدوه وعدوه عملًا مناصراً لقضيتهم .
وحدث تصادم في الفكر بين أعضاء مجلس الكونجرس الأمريكي حول موضوع الرق فانتقده عضو مجلس الشيوخ السنتور تشارلز سومنير Charles"
ممثل ولاية ماساتشوستس انتقاداً شديداً ، وانتقد بشكل شخصي السنت na
أندرو بطلر ممثل ولاية ساورث كارولينا مما أدى إلى إثارة عاصفة من الهيجان في الكونجرس ، ودى كذلك إلى انتقام أحد مؤيدي بطلر وهو السنتور بريستون بروكس «Preston Brookes» ممثل كارولينا الجنوبية من السنتور سومنير بضربه ضرباً مبرحاً بعصاً غليظة حتى أغمي عليه . وأمسك عام ١٨٥٩ م رجل اسمه جان براون وهو يشكل جماعة هدفها الانتقام من مؤيدي الرق في فرجينيا ، وقد اكتشف أمره وهو يحاول مع جماعته الاستيلاء على مخزن للسلاح من أجل تسليح العبيد كي يتمكنوا من الثورة ضد أسيادهم وضد الأنظمة التي تعمل على عبوديتهم وقد لقي هذا الرجل مصرعه شنقاً .
٣ - قضية تقدم الشمال على الجنوب :
كانت الولايات الشمالية أكثر تقدماً من الولايات الجنوبية وأكثر منها غنى ، وأنظمتها الداخلية أكثر استقراراً وتجاوباً مع متطلبات السكان فيها ، كما أنها أكثر تلاحماً وتجاوباً مع الحكومة الفيدرالية . فالشمال بلدان صناعية وتجارية وفيها الزراعة أيضاً . كما أن بلادهم ذات موقع استراتيجي يطل على ساحل المحيط الأطلنطي وله سواحل تكثر فيها الموانيء والمراكز البحرية المهمة ، إلى جانب أن الشمال كان أكثر تقدماً في الناحية العلمية والثقافية والفكرية . وقد لعب هذا التفوق دوراً بارزاً في إيجاد عقدة دائمة لدى سكان الجنوب وظل الشماليون يعدّون أنفسهم أنهم أول من وصل إلى القارة الأمريكية الشمالية، وعليه فقد تكبدوا الكثير من الصعاب في تكوين هذه البلاد . كما أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم نواة حرب الاستقلال الأمريكية ، فمن بوسطن اندلعت الثورة واندلعت المقاومة ضد الحكومة البريطانية .
وبناء عليه فقد تولدت لدى سكان الجنوب نزعة الاستقلال عن الشمال خوفاً من تغلبهم عليهم وسيطرتهم الكاملة على أجهزة الدولة الفيدرالية . ومن هنا تولدت فكرة تغلب الشمال على الجنوب ، مما أدى بالجنوب إلى العمل على الانفصال عن الشمال مهما كلفهم ذلك من مقاومة وجهد ونفقات .
٤ - القضايا الاقتصادية :
ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية تباين اقتصادي واضح بين الولايات التي انتظمت في الاتحاد الأمريكي . فكانت الولايات الشمالية والشرقية ولايات رأسمالية حرة تتحكم بما لها من صناعات وتجارة وغير ذلك من الأمور الاقتصادية التي تتجمع فيها الثروة ، وبالتالي أصبح أهل الشمال والشرق يطالبون الحكومة الفيدرالية باتخاذ القوانين التي تعمل على تنشيط الصناعة والتجارة وتحد من منافسة الصناعة الخارجية للصناعة الوطنية عن طريق فرض جمارك عالية على المصنوعات غير الوطنية وعن طريق تشجيع الصناعة الوطنية بغرض حمايتها والمحافظة عليها .
كما أنهم طالبوا بتحسين المواصلات التي هي شريان الحركة الصناعية والتجارية ، وطالبوا الحكومة الأمريكية الفيدرالية بتشجيع الهجرة وسن القوانين المشجعة عليها بخاصة الهجرة القادمة من أوروبا لأنهم أصبحوا بحاجة إلى عمال ممارسين في الصناعة . وطالبوا بإنشاء عملة مركزية قوية كي تعمل على دعم الاقتصاد الأمريكي
وبنك وطني يساعد على تطوير الحركة المالية والتمويلية التي تقوي الاقتصاد الصناعي وتسهل حركة التبادل التجاري وحركة التمويل الخاصة بالصناعات الوطنية .
أما في الجنوب والغرب فهناك تركيز كبير على الزراعة . فظهر في الجنوب كبار المزراعين وملاك الأرض الزراعية والعبيد . وظهر في الغرب صغار المزراعين . ومن هنا فإن مشروعات الولايات الجنوبية والولايات الغربية لا بد أن تقوم في الأساس على دعم الزراعة وحماية قوانين الرق والعمل على تطوير الحركة الزراعية بالتوسع في امتلاك الأرض والتوسع في عملية زرعها واستيطانها وجلب الرقيق للعمل فيها . ومن هنا كان لا بد وأن تختلف الأهداف وتتباين بين الولايات الشمالية والشرقية من جهة وبين الولايات الجنوبية والغربية من جهة أخرى . لقد طالب المزارعون الحكومة الفيدرالية تشجيع عملية بيع منتوجاتهم في الأسواق الأوروبية لأنها أكثر فائدة وربحاً لهم . ومن هنا كان همهم الأول إيجاد الأسواق في الخارج لبيع منتوجاتهم الزراعية المتنوعة بخاصة في أسواق انجلترا ، وعليه فإن المزارعين عارضوا فكرة فرض جمارك عالية لأن هذا الأمر يضر بمصالحهم الاقتصادية وينفع فقط مصالح الولايات الشمالية والشرقية . كما أنهم طالبوا أن يظل أمر العملة تابع للمجالس التشريعية وعارضوا إنشاء عملة ذات قيمة ثابتة لأن هذا في اعتقادهم قد يعرقل عملية تسديد ديونهم . وعارضوا كذلك إقامة بنك وطني لأن هذا ليس من سلطات الحكومة الفيدرالية وإنما هو أمر يعود إلى السلطات المحلية في الولايات .
وظهرت مشكلة ذات صلة بالاقتصاد إلى حد ما وهي أن أهالي الجنوب ارادوا التوسع في الغرب وامتلاك الأراضي فيه بالمجان ، وقد عد أهالي الشمال والشرق أن هذا الأمر سيؤدي إلى هجرة عمالهم إلى هذه المناطق وبالتالي تصبح حاجتهم ملحّة لهؤلاء العمال . ومن هنا كان لا بد من وقوع الاختلاف والتصادم في الفكر الاقتصادي والمصالح الاقتصادية بين الشمال والجنوب ، حتى أن هذا الخلاف أثّر كثيراً على العمران فحدث عمران متطور في الشمال ومناطق الشرق لم يقابله تطور في عمران الجنوب .
وهكذا نلاحظ أن خلافات حادة ظهرت بين الشمال وبين الجنوب في مسألة الرق والاقتصاد ومذاهبه وطرقه ووسائله، وفي مسألة التقدم العلمي والعمراني، ومسألة الاختلاف في المعيشة وأساليب العيش وبالتالي في الفئات الاجتماعية لمجتمع
الاتحاد الأمريكي ، أضف إلى هذا كله فإن عدد سكان الشمال كان يفوق عدد سكان الجنوب ، ومن هنا كان لا بد من وقوع الاحتكاك ، وبالتالي كان لا بد من انفجار الموقف وإعلان الحرب التي سميت في التاريخ الأمريكي بالحرب الأهلية أو حرب الأخوة .
اندلاع الحرب :
لقد تشدد الديمقراطيون في برنامجهم الانتخابي الخاص بالرئاسة والمتوقع إعلانه عام ١٨٦٠م ، فقالوا بمطالبة الحكومة الفيدرالية بالاعتراف الكامل بالسيادة المستقلة لكل ولاية أمريكية داخلة في الاتحاد الأمريكي . وطالبوا كذلك بحق أي أمريكي أن يقوم ومعه عبيده باستيطان المناطق التي ما زالت غير داخلة في الاتحاد الأمريكي ، وطالبوا الكونجرس الأمريكي بسن القوانين التي تحمي الرق في الولايات التي تعمل به . وحدث انشقاق في الحزب الديمقراطي الذي أراد أن ينتخب ممثله للرئاسة عام ١٨٦٠ م في اجتماعهم في مدينة تشارلتون في كارولينا الجنوبية . وكان سبب الانقسام هو عدم موافقة مندوبي الولايات الشمالية على هذا البرنامج ، فانشق الحزب وتعثر اختيار الممثل الديمقراطي في هذا الاجتماع ، وانسحب ممثلو ولاية مسيسبي ولويزيانا وساوث كارولينا وفلوريدا وجورجيا وتكساس وأركنساس . وكان هذا الانقسام قد قوي في عضد الحزب الجمهوري المعارض الذي رشح عنه للرئاسة إبراهام لنكولن . ووضع الحزب الجمهوري خطة تقول بأنه لا يحق لأي سلطة تشريعية أو تنفيذية إعطاء الرق صفة شرعية وقانونية في الولايات الأمريكية . وقالوا بوضع حد لتجارة الرقيق . وقالوا بإدخال كنساس في الاتحاد الأمريكي بشرط أن تكون من الولايات التي لا تقر الرق .
وقالوا بضرورة قيام إصلاحات داخلية متنوعة للمرافق العامة . وطالبوا بحماية الصناعات الوطنية من منافسة الصناعات الخارجية لها .
لقد انتخب لنكولن وتسلم الرئاسة عام ١٨٦٠ م ، مما أغضب الولايات الجنوبية فأعلنت ساوث كارولينا الانفصال عن الاتحاد الأمريكي بعد قرار اتخذته جمعيتها العمومية التي صادقت على دستور الولايات المتحدة عام ١٧٨٨ م . وأقر هذا القرار من قبل مجلس الولاية التشريعي. وانسحبت بعد ذلك كل من ولاية فلوريدا وألياما وميسسبي وتكساس ولويزيانا وجورجيا ، وانسلخ بذلك الجنوب عن الشمال . وجدير بالملاحظة أنه ليس كل سكان الجنوب كانوا يؤيدون الانفصال
بل على العكس تماماً فإن أعداداً كبيرة من سكان الجنوب حاربوا إلى جانب الشمال المؤيد لبقاء الاتحاد الأمريكي ضد الثوار في الجنوب الذين يطالبون بالانفصال التام عن الشمال ، أضف إلى هذا أعداد السود الذين يؤيدون الشمال لأنهم يعملون على تحريرهم من ظلم أسيادهم في الجنوب .
لقد ازداد نشاط الجماعات المؤيدة للرق في الولايات الجنوبية . وأخذوا يصفون الانفصال بأنه علامة تاريخية تخص فوائدها الولايات الجنوبية ، حيث تفتح أمامهم حرية تجارة الرقيق ممّا يسبب في كثرة أعداده وبالتالي سيؤدي حتماً إلى رخص الأيدي العاملة وإلى تطوير العمل الزراعي وتوسيع رقعة الأرض المزروعة بالقطن وقصب السكر والتبغ وغيرها من المشروعات . لقد بينوا للناس أنهم سيكونوا مستقلين أحراراً في سن قوانينهم وضرائبهم وجماركهم ، وفي استيراد ما يشاءون من بضائع وبيع منتوجاتهم لمن يريدون .
وقد تمكنت سبع ولايات جنوبية من الاجتماع في مدينة مونتغمري
بولاية الياما في فبراير ١٨٦١ م وشكلت فيما بينها ولايات المال riets)
"Confederate States of America» أو ما تسمى بالولايات الأمريكية المتحالفة
وانتخب جفرسون ديفس «efferson Davis» رئيساً مؤقتاً لها . وهكذا تشكلت رسمياً دولة أمريكية جنوبية خارجة عن الاتحاد الأمريكي ، هادفة الابتعاد كل البعد عن أنظمة الولايات الشمالية وقوانينها . ومتمسكة تماماً بمبدأ الرق والعمل به في كل مكان متخطية بذلك تسوية ميسوري التي حددت خط عرض ٣٦ ٣٠ ليكون فاصلا بين الولايات التي تعمل بالرق وبين الولايات التي لا تعمل به ولا تقره .
فسمح للولايات الواقعة جنوب هذا الخط العمل بمبدأ الرق وحرم العمل به في الولايات والمناطق الواقعة شماله .
موقف الولايات الأمريكية الشمالية من انفصال الجنوب :
وقف الشمال بولاياته البالغ عددها ثلاث وعشرون ولاية موقفاً متصلباً تجاه ما حدث في الجنوب . وأصروا على المحافظة على الاتحاد الأمريكي بأي ثمن .
وكان الرئيس الأمريكي لنكولن حريص على أمرين هما :
المحافظة على بقاء الاتحاد الأمريكي مهما كلف ذلك من حروب ونفقات وجهد .
العمل على تحرير الرقيق بشكل تدريجي وعلى مراحل متتابعة.
وهناك أمر جدير بالملاحظة وهو تفوق الولايات الشمالية على الولايات الجنوبية من حيث العدد ، فكان في الجنوب في حدود تسعة ملايين نسمة منهم الثلث تقريباً من الرقيق الذين بلا شك سيناصرون الشمال الذي يطالب بتحريرهم . وكان عدد السكان في الولايات الشمالية في حدود ثلاثة وعشرين مليوناً في معظمهم من البيض وقليل منهم من السود . كما أن الشمال بلد صناعي متطور في آلياته وأسلحته وصناعاته الاستراتيجية وغير الاستراتيجية . وهم يشكلون أيضاً أكثر الولايات التي يتشكل منها الاتحاد الأمريكي . وكان الشمال يتفوق على الجنوب في الثروة وأكثر احتكاكاً بالغرب الأوروبي ، وبيدهم الشؤون التجارية الداخلية والخارجية . وكان الشمال أكثر تقدماً في المواصلات والعمران والتقدم العلمي .
أما الجنوب فكانوا يتصورون أنهم لا بد وأنهم سيتفوقون على الشمال لأنهم يحاربون وهم لا يراودهم أدنى شك بأنهم منتصرون . وكانوا يتمسكون بالنظرية القائلة بأن الصناعة تحتاج إلى مواد خام ، فصناعة الشمال القائمة على القطن وقصب السكر والتبغ لا بد من أن يتعثر سيرها إذا أصر الشمال على استمرار الحرب ضد الجنوب الذي بيده حق التصرف في هذه المواد الخام . وكان الجنوب بخطط أن بأستطاعتهم كسب ود بريطانيا وفرنسا وبيعها المواد الخام وشراء الأسلحة منهما التي سيحاربون بها الشمال ، كما أن تقربهم من فرنسا وبريطانيا سيؤدي ذلك إلى الاعتراف باستقلالهم ، وهذا بدوره سيقود إلى اعتراف دول أخرى بهذا الاستقلال ، وعندها يضطر الشمال إلى القبول بالأمر الواقع .
ويبدو أن الغرور كان يسود عقلية الجنوب الذين استخفوا بقدرة الشمال الحربية مقتنعين بأن الشمال إذا دخلوا الحرب ضدهم فلن يدوم أمدها كما أن لديهم قادة لهم شهرة كبيرة في فنون الحرب ، ناسين أو متناسين قدرة الشمال الصناعية إذا ما تحولت هذه إلى صناعات حربية ، بينما يظل اعتماد الجنوب في جلب الصناعات الحربية وشرائها على الدول الأوروبية ، وهذا يكلفهم أموالاً كثيرة وسيحتاجون إلى وقت طويل كي تصل هذه الأسلحة إليهم وكي يتدربوا على استخدامها ، أضف إلى هذا ما كانت تتمتع به الولايات الشمالية من قوة بحرية تسيطر على السواحل الشرقية ، وهي مراكز التجارة والمواني الرئيسة للتجارة القائمة بين أوروبا والقارة الأمريكية الشمالية .
وثمة مسألة أخرى مهمة وهي ما كان يتمتع به لنكولن من ثبات وجرأة وصبر
وتحمل للصعاب وإصرار على النجاح . أما الرئيس الجنوبي جفرسون ديفس فكان رجل حصيف الرأي معتز بنفسه وصلابة قدرته ، لكنه كان كثيراً ما ينفذ صبره ويغضب ممّا يؤدي إلى صدور أحكام فجة ، إلا أنه وجماعته في الجنوب كانوا يؤمنون بالقتال وكانوا يؤمنون بأن النصر سيكون حليفهم لأنه ليس من المعقول أن بخضع الشمال بحروبه أرض الجنوب الشاسعة المترامية الأطراف ما دام أن أهلها مصرون على الثبات .
وهناك أمر مهم ساعد على ثبات الموقف في الشمال وهو أن إبراهام لنكولن كان يؤمن بالاتحاد وكان عدواً لدوداً لمسألة الرق . فكان قد وضع نصب عينيه الا تتمزق وحدة الولايات المتحدة الأمريكية إلى صفين متباينين ومتناحرين ، كما أنه لم يسر في البداية في صف المتحمسين لتحرير العبيد بسرعة لأنه كان يرى أن تحريرهم يجب أن يكون على مراحل مع دفع التعويض اللازم لتحريرهم من خزينة الدولة الفيدرالية . وهكذا فإن صدور قانون إلغاء الرق في الولايات المتحدة الأمريكية كان عام ١٨٦٥ م وقد رافقه قانون آخر وهو قانون التعويضات في حال تحريرهم أو عتقهم .
وعلى الرغم من طرح مشروعات تسوية لحل الأزمة بين الشمال وبين الجنوب ، كمشروع جون كرتندن «John Crittenden» الذي يقول بالعمل بتسوية ميسوري ، إلا أن لنكولن لم يوافق على مشروع السنتور الأمريكي ممثل ولاية كنتكي معتقداً أن مثل هذه الحلول ما هي إلا حلول مؤقتة ولا بد أن تنفجر الأزمة مهما طال الانتظار وطال معه زمن الهدنة القائمة بين الطرفين . كما أنه رفض مطالب الجنوب بخاصة في موضوع الرق ، مشيراً إلى أن هناك روابط دموية واجتماعية وثقافية ودينية وسياسية وجغرافية لا يمكن أن تنفصل عراها بمثل هذه السهولة التي يفكر فيها أهل الجنوب . وانه بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لا بد وأن يتمسك بحق الدولة في الاحتفاظ بأملاكها ومؤسساتها ومرافقها في الجنوب ولو أدى ذلك إلى احتلالها بالقوة . وأصدر إنذاراً إلى الجنوب بالعودة إلى الاتحاد وإنهاء المشكلة ، وقرر كذلك أن الحكومة الفيدرالية سوف لن تكون هي البادئة بإعلان الحرب على الأخوة في الجنوب خلال الزمن المعطى لهم للتفكير في أمر تعديل موقفهم . وكان رأي وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية المستر وليم سيورد أن تقوم بلاده بإثارة الخلافات مع الدول الأوروبية وتعلن عليها الحرب لأن هذا الأمر سينقذ الموقف وسيجعل الولايات التي انفصلت
عن الاتحاد تعود إليه من جديد تحت عملية التهديد الخارجي للولايات . ونعتقد أن هذا الاجراء ليس إجراء مضموناً ، إذ ربما عدّت الولايات المنفضلة هذا الأمر فرصة للتعاون مع دول أوروبا كي تساعدها على استقلالها ، وبالتالي تنتهي الحرب المصطنعة وتخسر الولايات الشمالية الكثير دون مقابل .
مراحل الحرب :
وجّه الرئيس لنكولن قوات عسكرية في ابريل ١٨٦١ م للسيطرة على قلعتي سمتر وبيكتر على اعتبارها من قلاع الحكومة الفيدرالية في الجنوب . وكان موقف جفرسون ديفس أن أمر قواته بالرد على هذا الاجراء بضرب قلعة سمتر بالمدفعية بعد أن احتلتها قوات لنكولن . واضطرت قوات الشمال إلى الاستسلام بعد يومين من ضربها بمدافع الجنوب ، وقد أثار هذا العمل نقمة الشمال ، فأمر لنكولن ستغلا سلطاته وصلاحياته وغياب اجتماعات الكونجرس التي لم تبدأ دورته إلاّ في شهر يولية بتأليف قوات من (٧٥) ألف متطوع للعمل على تنفيذ قرارات الحكومة الفيدرالية وأوامرها ولتقوم بحصار موانىء الولايات المنفصلة . وهكذا بدأت الحرب بين الشمال وبين الجنوب . وقررت أربع ولايات جنوبية أخرى من ولايات الرق الانضمام الى الولايات المتحالفة ، هي : فرجينيا ونورث كارولينا وأركنساس وتنيسي . ونقلت العاصمة بعد ذلك من مدينة مونتغمري في الباما الى ريتشموند
بولاية فرجينيا . ولم تدخل مناطق فرجينيا إلى جانب الجنوب بل ا o re
الجزء الغربي منها يؤيد الشمال ، فدخلت هذه المناطق الاتحاد الأمريكي عام
١٨٦٣ م باسم ولاية فرجينيا الغربية . وظلت أربع ولايات كانت تعمل بالرق تابعة للاتحاد الأمريكي على الرغم من أن بعض سكانها حاربوا إلى جانب الجنوب تلك
الولايات هي : ديلور وكنتكي وميسوري وماري لاند .
لقد وضع الشمال خطة حربية كبيرة من أجل إخضاع الولايات الجنوبية المنفصلة عن الاتحاد الأمريكي ، فقرروا قطع المواصلات الرئيسة عنها حتى يتعذر عليها تلقي الدعم والمساعدات والمواد الغذائية حتى تنشل تحركاتهم العسكرية . وقرروا فرض حصار على العاصمة الجنوبية ريتشموند ، والقيام بعمليات عسكرية متشعبة الإتجاهات ضد جموع الجنوب وجيوشهم . وخططوا لفرض السيطرة على نهر الميسسبي وعلى معظم موانيء الجنوب .
لقد حاول الشماليون السيطرة على عاصمة الجنوب رتشموند لكنهم هزموا
أمام قوات الجنوبيين في معركة بول رن «Ball Run» في شمال فرجينيا على يد قائدين جنوبيين مشهورين هما : بوريجارد «Beauregard» وجوزيف جونسون
واندحر الشماليون إلى واشنطن بعد أن تشتت شلمل ra arl
يوليو ١٨٦١ م .
لقد أحرز الشماليون بوساطة قائدهم بوليسيس جرانت انتصاراً على الجنوبيين في مناطق الغرب وسيطر جرانت على قسم من ولاية تنيسي . وصد هجوماً جنوبياً عند شيلو Shilohn" واحتل مدينة ممفيس «Memphis» الواقعة على نهر المسيسبي . وكان الشماليون قد أحرزوا انتصاراً آخر على الجنوب عندما استولوا بوساطة قوة بحرية قادمة من الشمال على مدينة نيو أورليانز على مصب نهر الميسسبي . وهكذا نجحت خطة الشمال في السيطرة على مناطق نهر الميسسبي .
وقامت معارك بين الشماليين وبين الجنوبيين في الشرق عام ١٨٦٢ م .
وشدد الشماليون من ضغطهم على الجنوبيين في مدينة ريتشموند علهم يسقطوها ، إلا أن محاولاتهم لم تفلح . وحدث اصطدام بين قوات الشمال بقيادة جورج مكيلان «George McCellan» وقوات الجنوب التي يقودها القائد المدرب والقدير روبرت لي «Robert Lee» الذي خلف القائد الجوبي جونسون بعد إصابته بجروح في المعارك . ودامت الاصطدامات سبعة أيام، انسحبت على أثرها قوات الشمال باتجاه العاصمة واشنطن بعد أن وردت إليهم أوامر بذلك . وقد فسّر المؤرخون سبب الانسحاب الشمالي بان القيادة الشمالية كانت تشك في صدق قتال القائد مكيلان . وقد كلفها شكها هذا زمناً طويلاً وصل الى حدود السنتين حتى تمكنت من الوصول الى أطراف ريتشموند ، بينما كانت قواتها قبل انسحابها تشارف عليها .
وبإنسحاب الشماليين تمكن الجنوبيون من الزحف نحو الشمال وانتصروا على الشماليين في وقعة مناساس «Manassas» ووقعة بول رن الثانية . واستطاعوا عبور نهر باتوماك «Potomac» الذي يمر بمدينة واشنطن . وبدأ تفوق واضح للجنوبيين على الشماليين ، وهم الآن يهددون عاصمتهم واشنطن ويخططون للهجوم على ولاية بنسلفينيا .
ودارت معركة كبيرة بين القائد الشمالي مكيلان الذي أعاده لنكولن وبين القائد الجنوبي لي في أنتيتام «Antietam» في ولاية ماري لاند في الجزء الغربي منها . واستطاع مكيلان أن يهزم لي في سبتمبر ١٨٦٢ م، وأرتدت على أثرها
جيوش الجنوب إلى فرجينيا ، ولم يتابع مكيلان فلول الجنوبيين مما أدى إلى عزله .
واستطاع لي بعد شهر من معركة أنتيتام أن ينتصر على قوات الشمال في فردر كسيرج واستطاع لي بعد هذه المعركة أن يقطع نهر الباتوماك ويدخل أرض بنسلفينيا في منتصف عام ١٨٦٣ م ، إلا أنه أرتد بعد هزيمته في معركة جتسبرج
الفاصلة . وانسحب على أثرها متراجعاً إلى الجني da en
وكان الشماليون بقيادة جرانت قد استولوا على قلعة فكسبرج آخر مراكز القوات الجنوبية في الغرب وذلك في يوليو من عام ١٨٦٣ م ، ولم يبق للجنوبيين أي حصون على الميسسبي . كما انتصر الشماليون على الجنوبيين في معركة حاسمة عند تشيكاموجا «Chickamauga» وتمكنوا بذلك قطع مواصلات السكك الحديدية المتجهة إلى الجنوب الشرقي والجنوب الغربي . وأصبح الأمر بيد الشماليين الذين ركزوا هجومهم على الجنوبيين الذين بدأوا يتراجعون بشكل تدريجي بعد معارك عام ١٨٦٣ م . وفي الوقت نفسه كان القائد الشمالي جرانت قد حقق نصراً كبيراً على الجنوبيين وأجبرهم على التراجع إلى أتلانتا «Atlanta» وقد عين الرئيس لنكولن جرانت قائداً عاماً لقوات الشمال . وخلفه القائد الشمالي وليم شيرمان «William Sherman» في قيادة منطقة الغرب . وقد استولى شيرمان على أتلانتا عام ١٨٦٤ م . وانتصر الشماليون بقيادة القائد توماس على الجنوبيين في وقعة ناشفيل Nashvili» . واستطاع شيرمان أن يخترق صفوف الجنوبيين ماراً بجورجينا متجهاً إلى الاطلنطي ليقضي على كل المقاومة الجنوبية المنتشرة في هذه الساحة الواسعة .
لقد قرر جرانت بعد أن جهز جيشاً كبيراً اختراق جورجيا والتوجه إلى ريتشموند عاصمة الجنوب . واستطاع أن يصل إلى مناطق قريبة منها على الرغم من المقاومة الشديدة التي أبداها الجنوبيون لإجباره على الابتعاد عن عاصمتهم .
وعسكر جيش جرانت يقابله جيش الجنوب قريباً من ريتشموند عام ١٨٦٤ م وظل لي معسكراً مدة ستة أشهر دون أن يحصل على نتيجة حاسمة . وقد اقترب موعد انتخابات الرئاسة . وفاز الجمهوريون برئاسة لنكولن على مرشح الديمقراطيين الجنرال مكيلان عام ١٨٦٥م . واستمر لنكولن في الحرب . واستطاع القائد الشمالي شيرمان أن يستولي على مدينة سافانا «Savanna» في نهاية عام ١٨٦٤ م .
ونتج عن ذلك أن تضعضعت صفوف الجنوب بعد أن مزقت جيوش الشمال
وحدتهم ومقاومتهم . وقل عدد القوات الجنوبية نتيجة فرار عدد كبير منهم بعد أن يئسوا من القتال .
لقد ركز الشماليون ضغطهم على ريتشموند ، وأضطر القائد الجنوبي لي الانسحاب منها ليعسكر في الجبال المطلة عليها ، لكن القائد شيرمان الشمالي قطع عليه خط الرجعة ، فاضطر لي أن يتفاوض مع جرانت من أجل التسليم النهائي في أبوماتوكس «Appomatox» التابعة لفرجينيا . وبعد مفاوضات بين الطرفين استسلم لي واستسلم القائد الجنوبي الثاني جوزيف جونسون على يد القائد الشمالي شيرمان . والقي القبض على رئيس الجنوب جفرسون ديفس بعد أن هرب إلى الجبال ليقود المقاومة هناك ضد الشمال . وما أن حل شهر مايو من عام ١٨٦٥ م إلّا وكانت جميع المقاومة الجنوبية قد انتهت واستسلمت جميعها .
وبذلك انتهت الحرب الأهلية . وجدير بالملاحظة أن لنكولن كان قدقتل في ١٤ أبريل ١٨٦٥ م قبل أن تنتهي الحرب بقليل ، مع العلم أنها كانت قد تقررت لحساب الشمال. وقد قتله ممثل اسمه جنون ويلكس بوث John Wilkes Boothn» مسدسه وهو يشاهد تمثيلية في مسرح فورد بمدينة واشنطن . وقيل أن الممثل القاتل كان معتوهاً .
نتائج الحرب :
لقد تمخض عن الحرب الأهلية هذه عدداً من الآثار كان من أهمها :
وعن طريق ايجاد العمل الجماعي القومي وغرس الوطنية وحب الاتحاد في نفوس الأمريكيين شمالهم وجنوبهم .
عملت الحكومة الفيدرالية على إضعاف الفكرة القائلة بتغلب الشمال وتسلطهم على الجنوب . وعملت على ايجاد جو من التفاهم بين الشمال والجنوب .
وعبر لنكولن عن هذا الأمر قبل مقتله بقليل عندما وضح بأن مذهبه هو الصلح، وإعادة تكوين الحكومات الموالية للاتحاد الأمريكي في الولايات الجنوبية المهزومة .
إن الحرب الأهلية قضت على مبدأ حقوق الولايات الذي كانت تطالب به الولايات الجنوبية قبل اندلاع الحرب الأهلية . واستطاعت الحرب أن تحافظ على الاتحاد الأمريكي بالقوة العسكرية . وخلفت الحرب الأهلية دولة وطنية وحكومة اتحاد قوية ، لكنها لم تستطع أن تقضي على النزعة السائدة لدى الجميع بأن هناك شمال وهناك جنوب وهناك غرب ... الخ .
تمكنت اسبانيا من استعادة سيطرتها على جمهورية سانتو دومينجو . وقامت بحرب ضد شيلي وبيرو ، أي أن اسبانيا استفادت من اندلاع الحرب فبدات تثبت كيانها الضائع في مناطق الكاريبي وأمريكا الجنوبية والوسطى . كما حدث تدخل بريطاني وآخر فرنسي في شؤون القارة الأمريكية الجنوبية والوسطى . وقد عدت الولايات المتحدة الأمريكية هذا التدخل بأنه انتهاك لمبدأ مونرو .
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...
Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...
تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...
My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...
- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...
تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...
Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...
تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...
أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...
أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...
[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...