لخّصلي

ويتحدثون بوضوح وألم عن هبوط الذوق الفني لدى أطراف من هذا الجيل ممن لا يتمتعون بأدنى قدر من الثقافة الموسيقية. ولا أخفي كذلك أنّ ملاحظتهم هذه تجعلني لا أهتم فقط بسلامة موقفي ومواقف أبناء جيلي تجاه التشوّه المتعمّد لذوق أبنائنا وبناتنا فحسب، للموسيقى العربية من هبوط لا علاقة له باختلاف الأذواق الذي يقوم عادة بين الأجيال، وأزعم أنني ومعي أفراد من جيلي نتابع منذ وقت طويل الإصغاء باهتمام وإعجاب لنماذج رائعة من الموسيقى وكم حاولتُ أن أصغي باهتمام إلى بعض الأغاني التي يقدمها بعض الفنانين الشباب فازداد نفورًا وتراجعًا وإنكارًا واستنكارًا لما يُقال من أنّ لكل جيل ذوقه. ومن رفض أو قبول لا يدخل على الإطلاق في مجال ما يُسمّى بصراع الأجيال، وإنما هو صراع بين الفن واللافن، الأذواق بين تقليديين مُتمسّكين بمستوى من الإبداع الأدبي والفني المحافظ على قواعد طال عليها الزمن، يخلو من قواعد ومواصفات فنية لا تصدم الذوق العام. تسمية سواء صراع الأجيال أو اختلاف الأذواق، وهو يمثّل حالة أو نوعًا من الثقافة الموسيقية الهابطة

لا أخفي أنّ شعورًا بالراحة والغبطة يغمرني عندما أستمع إلى فردٍ أومجموعة أفراد من الجيل الجديد ينتقدون
الفوضى السائدة في الموسيقى (الجديدة)، ويتحدثون بوضوح وألم عن هبوط الذوق الفني لدى أطراف من هذا
الجيل ممن لا يتمتعون بأدنى قدر من الثقافة الموسيقية.
ولا أخفي كذلك أنّ ملاحظتهم هذه تجعلني لا أهتم فقط بسلامة موقفي ومواقف أبناء جيلي تجاه التشوّه المتعمّد
لذوق أبنائنا وبناتنا فحسب، بل تجعلني أطمئن إلى أنّ هناك من أبناء الجيل الجديد من يشاركنا التذمّر لما يحدث
للموسيقى العربية من هبوط لا علاقة له باختلاف الأذواق الذي يقوم عادة بين الأجيال، وإنما هو نابع من
تخريب متعمّد وإشاعة لون من الموسيقى الهابطة المتعمدة في أساس تكوينها الإيقاعي على الحركة بعيدًا عن
فن الموسيقى الرفيع والهادف إلى خلق حالة من الانتشاء الروحي.
وأزعم أنني ومعي أفراد من جيلي نتابع منذ وقت طويل الإصغاء باهتمام وإعجاب لنماذج رائعة من الموسيقى
التقليدية الغربية، ونتابع أحيانا الأغاني الغربية الحديثة الهادئة والصاخبة أيضًا، لكننا لا نطيق الاستماع إلى
كثير من الأغاني العربية الحديثة الموصوفة بالشبابية والتي تقوم على تنافر شديد في الآلات والإيقاع.
والحدبث هنا لا يشمل الأغاني الشعبية، وهي ظاهرة لها مستمعوها وعُشّاقها، ولها ظروفها وأسباب شيوعها،
وكم حاولتُ أن أصغي باهتمام إلى بعض الأغاني التي يقدمها بعض الفنانين الشباب فازداد نفورًا وتراجعًا
وإنكارًا واستنكارًا لما يُقال من أنّ لكل جيل ذوقه. وما يحدث في دنيا الموسيقى اليوم من اجتهادات عشوائية،
ومن رفض أو قبول لا يدخل على الإطلاق في مجال ما يُسمّى بصراع الأجيال، وأنّ الأذواق تتغيّر بتغيّر
الأزمان والثقافات، وإنما هو صراع بين الفن واللافن، بين الإبداع الموسيقي، كما ينبغي أن يكون، وتشويه
الإبداع أو ادّعائه في أحسن الآحوال.
لقد شهدت الثقافة العربية في القرن الماضي ما يمكن تسميته بصراع الأجيال في الإبداع الأدبي والفني، في
القصيدة واللوحة والأغنية والقطعة الموسيقية الصافية، وكان ذلك الصراع يندرج بحق في إطار اختلاف
الأذواق بين تقليديين مُتمسّكين بمستوى من الإبداع الأدبي والفني المحافظ على قواعد طال عليها الزمن، وبين
معاصرين يرغبون في الجديد ويطمحون إلى التغيير، كما يسعون إلى فنّ يتحرّر من سيطرة القديم، لكنه لا
يخلو من قواعد ومواصفات فنية لا تصدم الذوق العام.
لكن ما يحدث الآن في مجال الفنون، وفنّ الموسيقى خاصة لا يمكن كما سبقت الإشارة، أن يندرج تحت أيّة
تسمية سواء صراع الأجيال أو اختلاف الأذواق، وهو يمثّل حالة أو نوعًا من الثقافة الموسيقية الهابطة
يصاحبها قدرٌ من الذكاء الهادف إلى الاستخفاف بالجمهور الغائب عن ثقافة الماضي والحاضر، هذا الجمهور