لخّصلي

نظرية النمو المعرفي عند بياجيه :

تركز اهتمام بياجيه على النمو العقلي والمعرفي الذي يطرأ على الشخص السوي خلال التحول من مرحلة الوليد الذي تصدر عنه الأفعال المنعكسة الصريحة حتى مرحلة الرشد التي تتميز بالأفعال الماهرة.

• العمليات الأساسية أو الوظائف العقلية.

يرى بياجيه أن التفكير والسلوك الذكي ينشأن من فئة بيولوجية معينة،

وهي فئة تمتد وتتسع بسرعة تبعا لعملية مشابهة بالنمو الحركي وتتوازى إلى حد ما مع النضج. ومحور هذه العملية وظيفتان ثابتتان هما التنظيم والتكيف أو التوافق وهما خاصيتان فطريتان تقودان النمو السلوكي الكلي للإنسان. وعلى ذلك فإن كل ما يعرفه الإنسان ويستطيع عمله ويريد علمه ويعمله بالفعل في كل مرحلة من مراحل نموه يميل إلى أن يكون على درجة كبيرة من التنظيم والتكامل. وهكذا يدل التنظيم على البناء المعرفي القائم لدى الفرد ويتألف من وحدات معرفة مترابطة متكاملة. بالإضافة إلى أن ما يتعلمه الفرد يرجع في جوهره إلى التكيف مع الظروف البيئية والتكيف هو التعبير البنائي أو الوظيفي الذي يحقق للكائن العضوي بقاءه.

ويتضمن التكيف السلوكي للفرد ما يسمى بالتوازن الذي يعد الأساس الجوهري لنمو الفرد ولكي يتحقق هذا التوازن لابد من وظيفتين متفاعلتين ومتكاملتين هما التمثل والمواءمة.
والتمثل هو عملية تلقى المعلومات من البيئة واستخدامها في نشاط معين موجود بالفعل في البناء المعرفي للفرد. أما المواءمة فتعني إضافة أنشطة جديدة إلى البناء المعرفي أو تعديل أنشطته استجابة لظروف البيئة. وبمعنى آخر يتضمن التمثل تحويل المعلومات بما يتناسب مع الشخص. أما المواءمة فتتضمن تغير البني المعرفية وتطويرها بهدف التكيف مع البيئة

التراكيب أو الأبنية العقلية ومراحل النمو:

الأبنية العقلية عند بياجيه هي الخصائص المميزة للذكاء، وهي التي تتغير مع العمر نتيجة لتفاعل الفرد مع بيئته. وهذه الأبنية تمر في أربعة مراحل مختلفة تمثل كل واحدة منها شكلا من أشكال التفكير أو الذكاء وقد حدد لها بياجيه أعماراً تقريبية نتيجة لدراساته المتعددة. وتتسم هذه المراحل بالآتي:

التحسن المتزايد في استيعاب السلوك كأن يفكر المرء في الأفعال ونتائجها

بدلا من إصدار النشاط الصريح.

التمايز المتزايد للمخططات (الأبنية العقلية وبالتالية توسيع نطاق القدرات لدى الفرد.

تكامل الأبنية العقلية في تنظيمات هرمية أكثر تركيبا وتعقيدا مما يجعل سلوك المرء أكثر استقرار وأكثر قابلية للتحكم والضبط.

النمو عملية تتابع منظم تسير باضطراد من مرحلة سابقة إلى مرحلة لاحقة حسب قانون يشبه التكامل، بمعنى أن الأبنية السابقة تصبح جزءاً لا يتجزأ

من الأبنية اللاحقة، أي أن المراحل اللاحقة تحتوى ما قبلها . ويمكننا إيجاز مراحل النمو المعرفي عند بياجيه في الآتي:

• مرحلة التفكير الحسي الحركي

وتمتد من الولادة حتى نهاية السنة الثانية من العمر، وفيها تتكون بدايات جميع الأبنية العقلية بشكل جزئي أو كلي تلك الأبنية التي سوف تمكن الطفل من تطوير ذكائه فيما بعد.

وعلى الرغم من افتقار الطفل للقدرة على التعامل مع الرموز في بداية هذه المرحلة فإنه يتحول من كائن ضعيف سلبي إلى كائن نشط قادر على بعض الكلام وعلى التكيف الاجتماعي الجيد.

وينظر بياجيه إلى التفاعل القائم بين النشاط الحركي والإدراك على أنه الأساس في تفكير الأطفال في السنتين الأولى والثانية ولذلك يسمي هذه المرحلة بمرحلة التفكير الحسي - الحركي. ومن أهم سمات هذه المرحلة تكرار الاستجابات تكرارا أعمى في البداية كأن يمسك بالشيء ويتركه عدة مرات، ثم تكرار الاستجابات بعد فترة لهدف ما كأن يحرك الخشخيشة ليسمع الصوت. إلا أن أهم سمات هذه المرحلة تكوين مفهوم بقاء الشيء، أي أن الشيء يبقى موجوداً في ذهن

الطفل على الرغم من غيابه عن بصره. -

مرحلة تفكير ما قبل العمليات :

تمتد هذه المرحلة من نهاية السنة الثانية حتى السنة السابعة من العمر. ومن سمات هذه المرحلة قدرة الطفل على تكوين و تقليد بعض الأفعال التي جرت أمامه قبل ساعات، إلا أنه لا يستطيع أن يحل عددا من المشكلات التي تبدو

بديهية للكبار مثل مشكلة الاحتفاظ.

وتقسم هذه المرحلة إلى الآتي:

طور ما قبل المفاهيم من 2-4 يستطيع الطفل في هذا الطور القيام بعمليات التصنيف البسيطة حسب مظهر واحد كمظهر الطول مثلاً.

الطور الحدسي من :4-7 يقوم الطفل في هذا الطور ببعض التصنيفات الأصعب، حدسة، أي بدون قاعدة يعرفها. كما يبدأ الوعي التدريجي بثبات الخصائص أو ظاهرة الثبات وعلى سبيل المثال إذا أعطي الطفل كرتين من المعجون يقرر أنهما يحتويان على نفس كمية المعجون. ولو غيرنا إحداهما إلى عصا، فإن الطفل عندئذ يقرر أن الشكلان لا يحتويان على نفس كمية المعجون، وفي حوالي السابعة يبدأ الأطفال بإدراك أن الشكلين يحتويان نفس كمية المعجون

ومن سمات هذه المرحلة التفكير الأرواحي أو الإحيائي فالطفل هنا يسبغ الحياة على كل شيء حوله بما في ذلك الجماد، ويرجع ذلك إلى أن الطفل ما زال يعتقد أن كل شيء في الكون له حياة وله هدف مثله تماماً، أي أن هذه الصفة

امتداد الخاصية التمركز حول الذات.

وسمة التمركز حول الذات من السمات الرئيسة لطفل هذه المرحلة كما أوضح بياجيه، فالطفل يستدمج جميع الخبرات التي يقابلها في رصيده المحدود من المعلومات ويتعامل معها من خلال حاجاته مما يحول دون رؤيته للأشياء بطريقة موضوعية. وتمركز الطفل حول ذاته يقوده إلى الاعتقاد بأن جميع الناس يفكرون مثله، وأن العالم كله يشاركه أحاسيسه ورغباته، وهذا الشعور يدفعه إلى الإحساس بقدرته السحرية على أن يجعل الآخرين يهتمون به. ومن المظاهر الأخرى لتمركز الطفل حول ذاته عدم قدرته على وضع نفسه مكان الآخرين ليس على مستوى العقل والتفكير فقط، ولكن من الناحية العاطفية أيضاً، فمن الصعب على طفل هذه المرحلة أن يشعر بإحساس الآخرين. وهذا الأمر لا يتفق كثيراً مع ما أظهرته الأبحاث الحديثة في هذا المجال.

• مرحلة التفكير الواقعي أو المادي :

وتمتد هذه المرحلة من نهاية السنة السابعة حتى نهاية السنة الحادية عشرة ويتمكن الطفل خلالها حل مشكلة ثبات الكميات مع تغير الأشكال. كما أنه يستطيع أن يفرق بين الوقت الحالي والوقت الماضي، وأن يصنف الأشياء باستخدام بعدين مثل اللون والشكل.

• مرحلة التفكير المجرد.

وتمتد هذه المرحلة من الثانية عشرة حتى الخامسة عشرة من العمر. إلا أن استخدام هذا النوع من التفكير يستمر إلى نهاية العمر. وتقود هذه المرحلة إلى مستوى عال من التوازن، ويتصف هذا التوازن

بأربعة مزايا اجتماعية وهي كالآتي:
يصبح العالم موحدا ذا قوانين وقواعد ووظائف

يتلاشي التمركز حول الذات وينطلق الفرد نحو الشعور بالتكامل الاجتماعي يعتمد تطور الشخصية على تغير القيم عن طريق الاتصال الذاتي.

يحل معنى المساواة محل الخضوع لسلوك الكبار. ومن أهم خصائص هذه المرحلة التصنيف على أساس محكات متعددة، التفكير المجرد والاستدلالي، عزل عناصر المشكلة ومعالجة الحلول الممكنة بانتظام، الاهتمام بالأمور المستقبلية والمشكلات الايديولوجية.

الاستعداد عند بياجيه :

إن الاستعداد التطوري للتعلم عند بياجيه له مفهوم نسبي، لأن حدود التعلم تخضع لمرحلة النمو المعرفي التي ينتمي لها الطفل وما يميز هذه المرحلة من أساليب التفكير وأنماطه، وبمعنى أكثر وضوحاً، إن المرحلة النمائية هي التي تحدد ما العمليات العقلية التي يستطيع الطفل إجراءها، وما التراكيب المعرفية التي يمكن أن يطورها ويخزنها في ذاكرته. فإذا كانت المرحلة النمائية تسمح له باكتساب تراكيب عقلية معينة، فإن اكتسابه لهذه التراكيب سوف يحقق له التوازن والنمو.

إن الفروق في الاستعداد عند بياجيه هي فروق في المرحلة النمائية التي تسمح للفرد اكتساب تراكيب معرفية أم لا، كما أن نمو الفرد المعرفي ونمو استعداده محدد بمراحل نمائية أربعة ضرورية، حتمية متسلسلة تهدف إلى التكامل في النمو، أما البيئة فيمكن أن تساهم في النمو المعرفي السوي ولكن طاقات النمو المعرفي محددة بالمرحلة النمائية ولا يمكن تسريعها. بمعنى أن تأثير الوراثة على الاستعداد للتعلم أكثر بكثير من تأثير البيئة، ولكن بياجيه يرى أنه من خلال تفاعل الطفل مع الخبرات البيئية يمكن للطفل أن يعمق نموه المعرفي وذلك بزيادة محتوى تفصيلي للتراكيب المعرفية التي يمكن أن تكون غير دقيقة أو تكون قد شوهت بفعل المرحلة النمائية التي لم تسمح له بتطوير تراكيب معرفية تمكنه من الاستيعاب الصحيح للمعرفة

من الملاحظ أن آراء بياجيه في الاستعداد تفرض علينا ألا نواجه الطفل بمشكلات تتطلب أعمالاً تتفوق على مرحلة تطوره المعرفي، كما لا يجب إلا نعطل

عليه ممارسة الأعمال العقلية التي يؤهله نموه المعرفي لممارستها.

ويوجه عام، يمكننا الاهتداء بمراحل بياجيه في النمو المتدرج لتفكير الطفل واستعداده للتعلم، في تنظيم تعلم أطفالنا. ولكن في ذات الوقت لا نطبق آراء بياجيه بطريقة تعسفية.

مهمات بياجيه :

وتشمل الآتي :
1- القدرة على الاحتفاظ والعمليات المادية : يرى بياجيه أن أهم إنجاز للطفل من الناحية المعرفية هو تكوين مفاهيم ثابتة ومستقرة في مواجهة التغير المستمر الذي يحدث في البيئة، وإذا كان الطفل قد نجح في المرحلة الحسية الحركية في تكوين مفهوم مستقر وثبات البيئة، وإذا كان الطفل قد نجح في المرحلة الحسية الحركية في تكوين مفهوم مستقر وثابت لبقاء الأشياء حتى أثناء غيابها عن حواسه فإنه في مرحلة الطفولة المبكرة يواجه مشكلة بقاء صفات الأشياء حتى أثناء غيابها عن حواسه فإنه في مرحلة الطفولة المبكرة يواجهه مشكلة بقاء صفات الأشياء مثل الكم، العدد والوزن والحجم، والمقصود بذلك قدرة الطفل على الاحتفاظ بهذه الصفات ثابتة في ذهنه بالرغم من التغير الظاهري لها، وهذا ما لا يستطيعه طفل ما قبل العمليات الطفولة المبكرة). إن طفل هذه المرحلة لا يدرك أن المادة واحدة سواء تحولت إلى اسطوانة أو بقيت على شكل كرة، وأن فرد عدد من الأزرار بحيث يبدو خط الأزرار أطول لا يغير من عددها، وقد قام بياجيه بعدد من التجارب حول مشكلة الاحتفاظ، ووجد أن الطفل يخطئ في حل هذه المشكلة في معظم الأحيان، ويرجع بياجيه ذلك إلى كون الطفل غير قادر على تصور الشيء كما كان عليه أصلا، أي الرجوع بتفكيره إلى الوراء ليتصور شكل الشيء قبل أن يحدث فيه التحول الظاهري

ويرى بياجيه أن فهم الطفل لهاتي الحقيقتين :
إن الأشياء تحتفظ بصفاتها رغم التغير الظاهر في شكلها.

أن كل عملية يمكن إرجاعها إلى أصلها.

أمر ضروري وأساسي للوصول إلى التفكير المنطقي المبني على المحسوسات والذي يتم في المتوسط في حوالي السابعة، إلا أن بلوغ الطفل سن السابعة، في حد ذاته، لا يكفي لأن يصبح تفكير الأطفال منطقيا وقائما على العمليات العقلية، فلابد أن تتوفر للطفل خبرات كثيرة ومتنوعة تساعده على الخروج من التمركز حول الذات خبرات عملية مع الأشياء في البيئة يحدث فيها مقارنة ومقابلة فيما بينها من حيث الحجم والوزن والشكل والعدد والمساحة للتوصل إلى إدراك العلاقة بين الأشياء وعلاقة الجزء بالكل، خبرات يكتشف فيها الطفل أنماط حدوث الأشياء وإدراك العلاقة السببية بين السبب والنتيجة، مثل هذه العمليات لا تتم إلا في جو تسوه المرونة واحترام الفروق الفردية وتوفير المواد اللازمة للاكتشاف.

وتضم الأسئلة التي تدول حول مشكلة الاحتفاظ والعمليات المادية الفقرات من (111) من مقياس بياجيه.

• القدرة على التفكير المجرد وتتناول مرحلة العمليات المجردة وتشتمل القدرة

على التجربة أو التنظير حول علاقات السببية التي تعطي التفسير الأفضل للحوادث التي تتم ملاحظتها.

أمثلة لتجارب بياجيه في دراسة النمو العقلي لدى الأطفال.

• مبدأ احتفاظ الشيء بكميته رغم تغير شكله.

ضع مجموعة من الخرز في وعاء فارغ أحضر أنبوبة زجاجية بطول (10سم مثلا) ووعاء مسطح آخر، خذ زوجا بعد زوج من الخرز الذي في الوعاء ثم ضع خرزة في الأنبوبة والأخرى في الوعاء المسطح. أطلب من الطفل متابعتك أثناء العمل، وبعد أن تفرغ من العملية اسأل الطفل.

إذا صنعنا عقداً من الخرز الذي في الأنبوبة، وعقداً من الخرز الذي في الوعاء المسطح ... فأي العقدين يكون أطول ؟ أيهما يكون فيه خرز أكثر ؟ في حال

الإجابة الصحيحة أو الخائطة اسأل : " لماذا " ؟

تستخدم هذه التجربة مع أطفال الصفين الأول والثاني الابتدائي. ترتيب الأحداث على أساس الصلة بينها.

اكتشف بياجيه من تجاربه التي أجراها على أطفال دون سن السابعة أنهم يخلطون بين السبب والنتيجة، كما يتضح من الآتي :
طلب بياجيه من طفل في سن السادسة أن يكمل كلاً من العبارتين

التاليتين :

فقدت قلمي لأنني .

• أنا لست في صحة جيدة لأنني ...

فكانت إجابة الطفل على كل من العبارتين كالآتي :

فقدت قلمي لأنني لا أكتب جيداً.

أنا لست في صحة جيدة لأني لا أذهب إلى السوق (الصف الأول الابتدائي).