لخّصلي

بات العالم اليوم على سطح حضاري تكنولوجي ساخن،
يعيش فوقه قفزات تقنية حاسوبية إلكترونية رقمية متوالية، تجعله
يحفز طاقاته، ويدفعها نحو التنمية والتطوير في مجالات متعددة،
سـواء في الاتصالات، أو المعلومات، أو الاقتصاد، أو الصناعة، أو التعليم، أو الطب، أو غيرها.
والمحلق في فضاءات التكنولوجيا اليـوم كـمـن دخـل إلـى لجـة خلـم شاسع الآفاق، فمقياس تقـدم
الدول ورقيها مرتبط بمدى مجاراتها لهذا التدفق العلمي التكنولوجي الرقمي المتسارع، وبقدرتها على
التحكم بمعطياته وتوظيفه في الحياة .
وأطلق مصطلح الرقمنة أو الحوسبة، على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستخدام
وسائلها وتقنياتها الحاسوبية، وأجهزتها الرقمية الحديثة في مجالات الحياة المختلفة. وربما يتحدد التعريف
أكثر وفقاً للسياق الذي يستخدم فيه، فعرف في مجال معالجة المعلومات، أنه تحويل مصادر المعلومات
من كتب، ومجلات، ومواد سمعية أو مرئية إلى شكل رقمي، يسهل تنظيمها، وحفظها، والتعامل معها،
ويسرع في الوصول إليها، وترجمتها، وتداولها وقراءتها، عبر محركات البحث على الشبكة العالمية، وقد
ضمنت هذه التقنية حماية النسخ الأصلية من المخطوطات والكتب النادرة، التي تكون عرضة للتلف
أو الضياع، فتنبهت المتاحف العالمية إلى رقمنة الأعمال الفنية والوثائق القديمة؛ لحفظها، وجعلها في
متناول الجميع.
وقد أحدثت هذه الطفرة الرقمية وأنظمة الشبكات والبرمجيات الطفرة : القفزة، أو التقلة
التوعية .
نقلة نوعية في مجال الاتصالات ووسائلها؛ فالإنسان أكثر انفتاحاً
على العالم، وله أن يصل إلى أبعد نقطة فيه، ويتعرف إلى أي
شخص، متحدثاً إليه منـداحـاً بـلا عوائق، مستعيناً بهاتفه المحمول
الذي لا يفارقه، ويطل على المواقع الإلكترونية والصفحات إطلالة
طائر مر بسرعة خاطفة مستشرفاً صورة العالم وأخباره في لحظات .

وشبكات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، والتويتر، وإنستغرام، ...إلخ)، أضحت أساساً في بناء
العلاقات وتمكينها أو فشلها، والكشف عن مشاعر الناس وتفاعلهم مع الأحداث، وعند الانضمام إلى
واحـد مـن مواقعها، يبدأ سيل جارف من الإعجابات، والرسائل، والتعليقات، والتعابير الشعورية، التي تأخذ
مشتركها إلى عالمها الحقيقي أو الافتراضي. وبمعاينة هاتف ذكي محمول واحد يحوي برمجيات وتقنيات
دقيقة، ويرسل ويتلقى معلومات وبيانات كثيرة جداً. أو شريحة صغيرة لا تتخطى أبعادها مليمترات قليلة،
لها مساحات تخزين هائلة، ندرك حجم ما وصلت إليه وسائل الاتصالات والمعلومات من تطور، فعوضاً
عن الشبكات السلكية واللاسلكية والأساليب التقليدية التي شاخت دعامائها، أصبح الاعتماد على الأقمار
الصناعية والسّحابات الإلكترونية.
ولعل ما يشهده العالم من ثورة رقمية تقنية عميقة، تتخطى أحياناً حـدود أحلامنا، وظهور المدن الذكية
التي تُدار بشكل كامل عن طريق أنظمة اتصالات تكنولوجية متطورة، افتتان : شدة الإعجاب .
خير شاهد على افتتان البشرية بالتكنولوجيا وأنظمتها الرقمية، وبحثها
الدؤوب عن سبل توظيفها في تحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته .
ومن ملامحها، أنها تعتمد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات
الحديثة في بنيتها التحتية، والخدمات التي توفرها لمواطنيها، وترتبط بنظام البنية : مصطلح نقدي.
إداري متكامل، يتحكم بكل مرافقها ومكوناتها، إضافة إلى تميز مواطنيها بقدرتهم على الاستخدام الذكي
لنظمها الرقمية.
وتقدم قطاعي الصناعة والاقتصاد اليوم رهـن بالرقمنة، واقتصاد المعرفة؛ أي نقل المعلومات،
والاستفادة منها في التطوير، فقد بدأ استخدام الآلات في الصناعة ذات النظام التكنولوجي الدقيق،
الذي يوفر الجهد والوقت، ويكفل جودة المنتج، وحسن تشويقه. وتقدمت الصناعات التقليدية، وظهرت
في حلة أخرى تتسم بالتصميـم الجـاذب، والحداثة، ونشأت صناعات أخرى جديدة، مرتبطة بالتصنيع
والتحسين. وأوجـدت التكنولوجيـا وأنظمتها الرقمية نشاطاً تجارياً إلكترونياً، أسهم في تطوير الاقتصـاد
والتجارة، فظهر ما يعرف بالتجارة الإلكترونية، التي تم باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، المعتمدة
على شبكة (الإنترنت) أساساً في عمليتي البيع والشراء، وعقد الصفقات، والوصول إلى الأسواق العالمية،
وعرض المنتج بصورة مباشرة للمستهلك، من خلال صفحات الكترونية ومدونات تجارية، إضافة إلى سهولة متابعة المتغيرات العالمية حول خصائص السلع، وأذواق المستهلكين، وتنشيط حركتي الاستيراد
والتصدير؛ ما ينعكس إيجاباً على الدخل القومي، والتجارة الإقليمية الدولية .
ومع دخول الرقمنة إلى ميدان التعليم والتعلم، باتت روافد الثقافة والمعرفة غزيرة، وطلبتنا يقفون
أمام قضاء واسع من المعلومات في حقول العلم المختلفة، والمعلم ينتقي لطلبته أطيب بساتين المعرفة،
ويوجههم إليها، فلم يعـد وحـده مصدراً لها؛ وهذا شجع الطالب على تحمل مسؤولية تعلمه، ومكنه
من بناء معرفته، وتقييمها، واختيار ما يناسبه منها. وينظر أيضاً إلى
توظيف التكنولوجيا أنها استراتيجية تدريس فاعلة، وجاذبة للطلبة في لبنات تعليمية : مفردها لبنة، وهي
الموقف التعليمي، تعرض المحتوى في لبنات تعليمية مشوقة؛ تقرب وحدة تعليمية توظف التكنولوجيا
في تصميمها وتطبيقها .
لهـم الـواقـع فـي مقطع قصير أو صـورة، وتساعد في تنفيذ تجـارب
علمية إلكترونية آمنة .
وأضافت التكنولوجيا الرقمية، وما ارتبط بها من معلومات وتطبيقات وأجهزة حديثة مصادر لمعدات
طبية جديدة، ووسائل علمية حديثة، أثبتت كفاءتها في تشخيص الأمراض، وعلاج المرضى. فالمخرجاتُ
والفحوصات دقيقة وشريعة؛ ما مكن الأطباء من إجراء العمليات المعقدة في الدماغ، والقلب، والعين،
وغيرها دون جراحة. ووفرت الشبكات والمنتديات الإلكترونية فرصة للأطباء لتبادل الخبرات والاستشارات
بين المتخصصين، وديمومة الاطلاع على كل ما هو جديد في عالم الطب من أبحاث ودراسات عالمية .
ونحن من يقرر إيجابية الرقمنة أو سلبيتها، وفق ما نختاره لأنفسنا منها، فيمكن أن تجعلها سلاحاً
للرفعة والتقدم، أو معولاً للهدم والفناء. وهذا التطور التكنولوجي المتدفق، يدفعنا دفعاً نحو التغيير، بل
يسير بنا سيراً حثيثاً، تُجاة التطبيقات العلمية الحديثة في مناحي الحياة جميعها؛ فقد أحدثث تعديلاً
واضحاً في ملامح العالم كله، وتركت بصماتها في كل نشاط يؤديه الإنسان؛ فلا مجال للاستغناء عنها
في واقعنا، فنحن نعيش على إيقاع أنظمتها وبرامجها، شئنا ذلك، أم أبينا، فهي أداة العمل الفاعلة،
ووسيلة الإبداع الدقيقة، التي لا تُجارى ولا تُبارى .
تجاری: تنافس .