لخّصلي

يتناول النص إشكالية حرية الإنسان من خلال مقارنة موقفين فلسفيين متناقضين: موقف اسبينوزا الذي ينفي الحرية ويؤكد على الحتمية الكونية، وموقف سارتر الذي يؤكد على الحرية المطلقة للذات. يُقدم النص تحليلًا لموقف اسبينوزا الذي يرى أن الإنسان يخضع للضرورة الطبيعية والإلهية، وأن ما يُعتبر حرية هو في الحقيقة وهم ناتج عن جهل الإنسان بالأسباب الكامنة وراء أفعاله. يبني اسبينوزا أطروحته على مفاهيم أساسية كالحرية، الضرورة، الوعي، والشهوة، مستخدمًا منهجًا استقرائيًا يبدأ من أمثلة بسيطة (كحركة حجر) لينتقل إلى استنتاجات عامة حول سلوك الإنسان. يختم اسبينوزا بتساؤل حول محاسبة الإنسان على أفعاله إذا كان فعلاً محكومًا بالضرورة. في المقابل، يُقدم النص موقف سارتر الوجودي الذي يُؤكد على أن الإنسان هو كائن وجوده سابق لماهيته، وأنّه يصنع ذاته واختياراته بحرية مطلقة تتجاوز أي حتمية داخلية أو خارجية. يُعارض سارتر بذلك الحتمية اللاشعورية، القدرية، والبيولوجية، مؤكدًا على مسؤولية الإنسان الكاملة عن اختياراتِه. يُبرز النص التناقض بين هذين الموقفين، مُسلّطًا الضوء على إشكالية نفي الحرية وتبعاتها، مع التركيز على أهمية فهم طبيعة العلاقة بين الحرية والحتمية في تحديد مسؤولية الفرد عن أفعاله.

تركيب :
يتضح إذن من خلال من خلال معالجة الإشكال المتعلق بحرية الشخص أن هناك تعارض تام بين أطروحة الحتمية عند اسبينوزا مثلا وأطروحة الحرية المطلقة عند سارتر وكحل مؤقت لهذه المفارقة يمكن أن نستخلص أن الشخص كذات فردية محكوم من جهة بحتميات بيولوجية طبيعية داخلية وخارجية (قوانين النظام الطبيعي والغريزة، واجتماعية وثقافية ( الشخص كيان اجتماعي ثقافي ونفسية ( بنية نفسية مركبة وتاريخية ( الانسان صورة لظرفه التاريخي) ... لكنه من جهة أخرى هوية تخلق ذاتها وتطورها بفعل ما تملكه من وعي وإرادة وقدرة على التفكير والعقلنة والفعل والإبداع، مما يعكسحريته ... في علاقته بذاته وعلاقته بحياته الاجتماعية والغير، وهنا نتساءل ما طبيعة علاقته بالغير؟ وهل حرية الشخص تتجاوز الغير؟

التحليل :
إجابة على المشكل المطروح أعلاه وكما هو جلي في النص أن صاحبه (هنا هو الفيلسوف اسبينوزا يعتبر أن الحرية مجرد وهم وأن الانسان يخضع للضرورة الكونية المطلقة ككل الكائنات.

وهذا يعني أن الانسان عموما والأشخاص كأفراد للنوع الإنساني عادة يعتبرون أنفسهم أحرارا ويفعلون ما يقررون ويرغبون حسب إرادتهم والحقيقة أنهم إنما يخضعون للضرورة وينفدون ما تفرضه طبيعتهم الخاصة وما تفرضه الطبيعة العامة (الكون). وقد بنى صاحب النص أطروحته هذه ببنية مفاهيمية تتمثل في مفهوم الحرية والذي يعني تصرف الذات حسب إرادتها وما تقرره بكامل وعيها دون إكراه والذي يعتبر ضد الحرية حيث يكون ملزما بالقوة، ومفهوم الضرورة والتي هي الحتمية والتي تفرضها الطبيعة على مختلف الكائنات المكونة للنظام الطبيعي كحتمية الشهوة وحتمية الصراع من أجل البقاء ... وهي نفسها الضرورة الإلاهية على أساس التطابق بين الإرادة الإلاهية والإرادة الطبيعية، ومفهوم الانسان كنوع يدخل في تكوين النظام الطبيعي ومن خواص طبيعته الخاصة الشهوة (الغريزة) والوعي... ويتجلى كأفراد، ومفهوم الوعي ويعني الخاصية المميزة للطبيعة الإنسانية والتي تجعله يدك ويكون معرفة نسبية عن نفسه وجزء من الطبيعة ويتعلق بالعقل عندما يرتقي في البحث عن الحقائق ومعرفتها، ومفهوم العلة وتشير إلى السبب الوجودي الأصلي الذي يحدد وجود كائن أو ظاهرة ما ويحكم كيف يسلك... إنه من خلال ما سبق من مفاهيم نلاحظ أن تكاملا بين مفهوم الضرورة كمفهوم مركزي يحتوي ويحكم مفهوم الانسان (النوع والفرد / الشخص ومفهوم الاكراه ومفهوم الوعي ومفهوم الشهوة ... وفي المقابل علاقة تقابل تضاد مع مفهوم الحرية.... كما بني صاحب النص أطروحته بناء حجاجيا وبواسطته دافع عنها يتجلى في المنهج الاستقرائي والذي جاء على شكل مقدمات (فرضيات وأمثلة واستخلص منها نتائج فقد انطلق فيه من مثال حجرة في وضعية الحركة بفعل سبب خارجي دفعها للحركة، فكانت حركتها رغما عنها محددة بهذا السبب، واستنتج من ذلك حكما عاما وهو أن كل شيء له وجود فردي محكوم دائما في وجوده وسلوكه بسبب حتمي. وبناءا على مقدمة ثانية (فرضية) تتمثل في افتراض أن الحجرة تملك خاصية الوعي والقدرة على المعرفة (كالانسان ومنها استنتج أن الحجرة ستعتقد أنها تحركت بفعل إرادتها الخاصة (حرة في فعلها، واسنتج حكما عاما تجلى في التطابق بين حرية الانسان وحرية الحجرة (تلكم هي الحرية الإنسانية...)، وبرهن على ذلك بأمثلة من حياة الإنسان الواقعية : الطفل، الشاب المنفعل، السكير.... ثم خلص في الأخير إلى نتيجة أن أحكام الناس أن هذا الحكم من حيث .... واختياراتهم والتي ترتبط بإيمانهم المطلق بالحرية الاختيار بين عاطفتين متعارضتين إنما تعكس الضرورة التي تفرضها الفطرة الخاصة والنظام العام للطبيعة.

هكذا نستخلص مع صاحب النص أن الإنسان كنوع وكأفراد (أشخاص) يعيش على وهم الحرية لسبب واضح هو وعيه بشهواته وأفعاله وبالقابل جهله بالأسباب الخفية الكامنة وراء وجوده وسلوكاته بما فيها الوعي، والحقيقة الفعلية هي خضوعه للضرورة المطلقة والتي لن يستطيع التحرر منها إلا في حالة معرفة مطلقة بالكون، آنئذ بإمكانه الافتخار بالحرية، وهو شيء يواجه استحالة. إذا كان إذن وضع الإنسان بهذا الشكل كما صوره اسبينوزا فلماذا إذن نحاسب الإنسان على أفعاله؟؟

المناقشة : تصور الفيلسوف الوجودي الفرنسي جون بول سارتر نص مقترح

إذا كان الموقف السابق ينفي حرية الإنسان كحقيقة واقعية ويعتبرها مجرد وهم، وهو ما قد يتقاطع مع بعض الأطروحات العلمية في مجال العلوم الحقة والعلوم الإنسانية وحتى بعض المعتقدات الدينية ( خضوع الانسان للقدر الإلاهي المطلق وخصوصا مع بعض التفسيرات التيتبالغ في ذلك ، ورغم قوته الاقناعية والاستدلالية، فإنه يسقطنا في نفي تام للفعل الإنساني وبالتالي يتحول الأشخاص إلى مجرد آلات صماء وكائنات فاقدة للإرادة، فلماذا نحملها مسؤولية أفعالها كما أكد الفيلسوف الألماني كانط على العكس تماما من هذا الموقف نجد أن الفيلسوف الفرنسي المعاصر جون بول سارتر يعتبر، من خلال إعادة الاعتبار للوجود الذاتي للإنسان (الشخص)، أن الإنسان على الأقل هو الكائن بين الكائنات الأخرى الذي يعتبر وجوده سابق لماهيته، وهذا يعني أنه لا يمكن أن نتصور الإنسان الفرد (الشخص بأية فكرة أو تصور نحدد به هويته قبل أن يوجد في العالم، فهو يوجد أولا ثم يتحدد بعد ذلك. ولهذا فالإنسان في الفلسفة الوجودية لسارتر، لا يمكن تعريفه بأي تعريف كيفما كان، لأنه عندما يخرج إلى العالم لا يكون شيئا محدد الخصائص، بل هو الذي سيحدد ماهيته بخلقه لها وصنعها بنفسه عكس باقي الكائنات التي تسبقها ماهيتها لوجودها فالبذرة مثلا حاملة سلفا في بنيتها لماهية النبتة قبل وجودها (شجرة ، زهرة ..... فالإنسان مشروع وجودي يتشكل وفق اختيارات الشخص الذاتية وليس للإنسان ماهية ثابتة قبلية نحدده بها سلفا كما تصورت الفلسفة الماهوية الميتافيزيقية كفلسفة ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود ...) ، فالشخص يصنع ذاته وهويته وفق ما يطمح إليه مستقبلا، أي وفق ما ينوي أن يكون مستقبلا شاعر، سياسي عالم.... لا شيء وهذا أيضا اختيار ذاتي...) ، فالشخص مشروع وجود ذاتي منفتح يتشكل حسب اختيارات الذات. هكذا فالذات إذن حرة في أن تصنع بنفسها ما تشاء، وحريتها هذه حرية مطلقة لا تحدها حدود كيفما كانت، وحتى إذا سلمنا بوجود حدود فالذات قادرة على تجاوزها كليا واتخاذ قرارات تتجاوز أي حتمية أو إكراه داخلي أو خارجي ( الإنسان يكون جائعا مثلا ويضرب عن الطعام كقرار اختياري يتجاوز الطبيعة...)، وهنا يظهر نقد سارتر لمواقف متعددة ومنها الموقف أعلاه الحتمية اللاشعورية للتحليل النفسي الأطروحة القدرية الدينية والفلسفية والبيولوجية كأطروحة اسبينوزا، ... الشخص إذن حر حرية مطلقة ويتحمل مسؤولية كاملة عن اختيار هويته ووجوده وعن كافة الاختيارات التي يختارها ساء كانت خيرا أو شرا....