لخّصلي

و معسكرات الجنود النظامية ومخيمات الأمير وذبحوهم عن آخرهم واحتلوا جميع المعسكرات النظامية وعليم الأمير واستولوا على المدافع والرشاشات بعد أن دعوا ضباطها المقيدين بسلاسل الجديد ، وهجم رجال قحطان على من يليهم من اليمين بين معسكرات الجيش الحجازى وبين جبل حضن وشكرا هم فكا ذريعاً ، وكانت المذيعة تلك الليلة حالة لم تشهد البلاد العربية وقعة أكبر من هذه الوقعة فكانت الدماء تجرى في وادى تربة
وكانت جثث القتلى في تلك البلاد وضواحيها كيشيم المختصر . أما غيل الأخوان فقد مات قبل الهجوم بساطة وتعقيت معسكرات الجيش الحجازى وقطعت خط الرجعة على الفارين والمنهزمين وأفارت عليهم بعد طلوع الفجر فذبحتهم عن آخرهم ، ولم ينج من الجنود إلا الأمير عبد الله بنفسه وأنا عشر فارسا معه وقليل من العنباط وبعض البدو الذين أخذوا طريق الحرة في فرارهم ، وانضموا إلى خالد ولجأوا اليه . وفي أثناء الهجوم لجأ بعض الجنود إلى بعض حصون القرية فيهم عليهم الأخوان بعد طلوع الشمس فاهموا الحصون وقتلوا جميع من فيها فتراكمت الجنث بعضها فوق بعض وصبت ميازيب القصور من الدماء كأنها السيل المنهمر وقد بلغ عدد من قتل من جنود الشريف في تلك الوقعة سبعة عشر ألف قتيل ، واستولى الأخوان على جميع أسلحتهم وذخائرم ومعسكراتهم وأموالهم وجميع ما معهم من المؤن والأمتعة والآلك واحتلوا تربة ونزلوا فيها وشرعوا يجمعون ما تركه الشريف والجيش
اما عبد العزيز فلم يعلم بهذه الوقعة الا بعد خمسة ايام فقد كان قادما
من الرياض في طريقه إلى نجدة الأخوان ومعه من الجنود أكثر من اثنى عشر ألفا، وعند وصوله إلى ماء ( القنصلية ) التقى بالبشير فقص عليه الخبر فاستمر مسرعا في سيره حتى وصل تربة في اليوم الأول من شهر رمضان عام ۱۳۳۷ هـ فشاهد بعينه تلك الجثث من القتلى التي ملأت رحاب الأرض وشعابها وحصون تربة وأرى المدافع والرشاشات في مكانها وضباطها من المدفعية والرشاشة مربوطون بسلاسل الحديد ومقتولون عليها ، ورأى معسكرات الشريف على حالتها ورأى نخيل تربة قد ملئت بالجثث المتراكمة والدماء تجرى بين أشجارها كالنهر فنزل في تربة وأقام فيها خمسة عشر يوما يقسم الغنائم مما ترك الشريف على
جميع جنوده . وفى اليوم الثانى جاءه نجاب يحمل كتابا من المعتمد الانجليزي في جدة
يقول فيه : أمرتنى حكومة جلاله الملك بأن أبلغكم بأن تعودوا إلى نجد حالما يصلكم كتابي هذا وتتركوا تربة والخرمة منطقة غير مملوكة حتى مفاوضات الصلح بينكم وبين الملك حسين وتحديد الحدود ، وإذا أبيتم الرجوع بعد الاطلاع على كتابي هذا محكومة جلاله الملك تعتبر المعاهدة بينكم وبينها ملغات وتتخذ كل ما يلزم من التدابير ضد حركاتكم العدائية وبالعكس، فهي تقدر عملكم إذا عدتم وتعتبر أنكم تتم بحقوق الود بينكم وبينها وأخذتم بنصائحها الودية لأنها تعتبر الجميع أصدقاءها وهى تأسف لما حصل بين أصدقائها سواء كان النصر في جانبك أو جانب حسين ، ويقال : أن الحكومة الانجليزية بعثت بيرقية إلى ابن سعود بواسطة وكيلها السياسي في جدة وقد بعثها الوكيل إلى ابن سعود في تربة تطلب منه فيها أن لا يتقدم إلى الطائف وأن يعود إلى نجد فعلت ذلك إكراما للملك حسين الذي التجأ اليها بعد هذه الوقعة وكان ابن سعود في نظرها كريماً

بعد هذا رجع ابن سعود إلى الرياض وأمر على جميع جنوده بالعودة إلى أوطانهم ، وجعل في تربة أميراً عليها من قبله وهو عبد الرحمن بن معمر وجعل معه سرية أغلبها من عبيد ابن رشيد الذين كانوا قد فروا من حائل والتجأوا إلى ابن سعود فجعلهم من ضمن جنوده ولكن ما لبثوا عند ابن معمر في تربه إلا ثلاثة أشهر حتى قتلوا ابن معمر وفروا إلى الشريف حسين فأكرمهم وقربهم اليه .

وفي أوائل هذا العام وقع الوباء العظيم وهلك من وقوعه خلق كثير وقد وقع هذا الوباء في العراق ونجد والهند والاحساء وجميع المدن الواقعة

على الخليج العربي فمات منه خلق كثير ، وقع في شهر صفر واستمر حتى جمادى الأولى، وقد هجرت المساجد وانتنت من كثرة الموتى فيها وخلت أكثر بيوت نجد من ساكنيها ، وهامت المواشي في البادية لا تجد من

يرعاها أو يسقيها .