خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
لم يكن لديهم خيار آخر لأن جمالهم وماعزهم بانت تعاني من الجوع. كانت عبارة عن طعام يكفي لإشباع الجميع لعدة أيام مُقبلة. كانت ما تزال في غاية السعادة. كانت تلك هي العاصفة الرملية الأولى التي تهب هذا العام. لَمْ يَكُن يوسعها سوى أن تختبئ تحت قماش الثوب الأسود الذي غطت به وجهها وشَدَّته بيديها حول جسمها. ولدي، كانت تَقُولُ إِن تلك العاصفة كانت أفظع عاصفة رملية مرت بها، وإنها استمرت لمدة سبعة أيام وسبع ليال. كل ما هناك كان قد تغير مظهره. عادت النعامة التي تُدعى ماكو إلى عُشْ بَيْضها ورأت الطفل البشري الذي كان يَجلِسُ هُناك، ذُو شَعرٍ أَسود ناعم وأنف غريب الشكل. لم يكن يرتدي سوى قميص أَسْوَدَ قَصير. جلس طائر النعام بجانب أنثاه وفَرَدَ أَجْنِحَتَهُ الأَكْبَرَ حَحِمًا فَوْقَهَا وَفَوْقَ الطفل. عندما وصلت العاصفة القاسية إليهم مد طائرا النعام عُنُقَيهِما بمحاذاة الأرض. حتى غطى ثلاثتهم وكأنه غطاء سميك. وحين سارت لم يتبعها كما يفعل أي فرخ نعام. دَفَعَت بعدها بالطفل تجاه زوجها. وها هي الآن تقف مائلة تجاه السور الصخري للخيل مشكلة مغارة صغيرة، فلا الريحُ ولا الرمل المتطاير كانا يصلان إلى داخل المغارة. ما علينا سوى أن ننسى عش البيض ذاك، قتلته أمه النعامة وأكله هو. الذي وجداه كانت خنافس سوداء اللون تَرْحَفُ مِن مَخابئها تَحْتَ الرمل في أثناء الليل فيقتلها طائرا النعام ويرميانها للصبي. وكانا يحفران في الرمل الذي تجمع عند مدخل المغارة ويجدان يرقات زهرية اللون كان يدفع كل منهما بها بمنقاره نحو الصبي، وفي تلك المغارة تعلمت النعامة الأم الفرق بين صغار النعام وصغار البشر، كانت ككل أم تحب أن ترى طفلها وهو يأكل. وعن الأمل. وهو رَجُلٌ مشهور جدا في هذا الجزء من الصحراء كان مشهورًا لأنه لم يكاد يوجد شخص اخر يلم بذات القدر من المعرفة التي كان دولة يُلم بها عن الجمال. رأت فاطمة الدفء واللطف يُشِعانَ مِن ذلك الوجه. راح يقرأ بصوته القوي: واختارت مكانا لها في المقدمة، كانت تُسْمِعُ بِشَغْفِ لِكُلِّ كلمة يقولها. لكنه نَطَقَ في النهاية بالكلمات التي كانت تنتظرها وتأمل بها. أطلب إليك وبكل أسمائك الحسنى، وأتوسل إليك يا قادر على كُلِّ شَيْءٍ أن تعين والدته على إيجاد وَلَدِها المفقود. عليك أن تكفي عن الأمل. لا يُمكن لطفل أن ينجو من عاصفة رملية كتلك، الفصل الرابع في مُواجَهَةِ المَوتِ قالت ماكو بحزم، تمددت ماكو فوق الطفل إذ إن هذا صار أمرًا تعودته، حالما فَعَلْنَ ذلك كانت شَفَةُ إذ كان يبحث عن مكان يبني فيه عشه الجديد يتوفر فيه ما يكفي مِنَ الطعام. كانوا يسيرون بطءٍ بِسَبَبٍ هدارة. كانت ماكو تجيبه:
الفصل الأول
بَيضاتُ النَّعَامِ فِي الرَّمْلِ
نعق غراب في اللحظة التي بدأ فيها أفراد قبيلة من بدو الصحراء بطي خيامهم. توقف أفراد تلك المجموعة مِنَ النَّاسِ عَنِ العَمَلِ ليُصعُوا السمع. تعيق غراب في الصباح الباكر علامة شُومِ. رُغمَ ذلكَ اتَّخَذُوا قَرَارًا بِالبَدءِ برحلتهم عبر الصحراء. لم يكن لديهم خيار آخر لأن جمالهم وماعزهم بانت تعاني من الجوع.
خلال سنواتٍ كَثِيرَةٍ تَلَتْ أُجِيرَتِ الشَّابَّةُ التي تُدعى فاطمة على تَذَكَّرِ الصراخ المبحوح لذلك الغُراب في ذلك الصباح الباكر.
كان علينا أن نستمع إلى ذلك التحذير، فكرتُ مِرارًا.
كان علينا أن نمتنع عنِ الرَّحِيلِ.
لكن فاطمة لم تُدرك في ذلك الصباح، أن ذلك اليوم سيُصبحُ اليَوْمَ الأكثر شُومًا فِي حَياتِها بأكملها. حينها، عندما باشروا رحلتهم، كانت لا تزالُ أمَّا سَعِيدةً، وكانت صَغِيرَةً جِدًّا في السِّنِّ، بَل لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ طِفلةٍ هي أيضًا. عندما بدأت تلك المجموعة من الناس والجمال والماعز بالسير على طريق رحلتها ببطء، كانت هي تجلس على ظهرِ جَمَلِها الذي كان
يؤرجحها برفق هي وطفلها الذي كان لا يزيد عمره على السنتين وكان يجلس في حضنها.
عانقته
شَمْتْ رائحة شَعْرِه
غنت له .
لم تكن تُغنى له قصائد شعرية بل كلمات مليئة بالفرح كانت تفوز من داخلها فكانت تتمتمها في شعره ذي الرائحة الزكية.
أنت ابني الأول،
أنت ابني الوحيد.
اسمك هو هدارة
أنتَ تَملؤني بسعادة كبيرة
واسعة كهذه الصحراء.
جمالنا باتت نحيلة،
لَم يَعُدْ هُناكَ عُشب ترعاه.
لذلِكَ نَبِحَثُ الآن عن مَكَانٍ
فيه ماء
وكثير من الأوراق الخضراء.
هدارة، يا طفلي الوحيد،
أنت جميل
كنجوم الصحراء كلها ....
الجَمَلُ الذي رَكِبَتْهُ فَاطِمة سار في مؤخرة القافلة. كانت مشغولة جدا
13
بأغنيتها إلى درجة منعتها من ملاحظة أن جمَلَهَا كَانَ مُتَأَخِّرًا جدًّا عن الآخرين. لَفتَ نَظَرَها لَمَعَانٌ أبيض في الرمل جعلها تستيقظ من حلمها وتتوقف عن الغناء لتمعن النظر. ما رأته هُناكَ جَعَلَهَا تُشِعُ فَرَحًا وسعادة.
فقد رأت حفرة في الرمل مليئة ببيضات كبيرة، بيضاء اللون مائلة إلى الصفار، لامعة.
قد حبست أنفاسها وحسب. ففي اللحظة التالية هبت مقتحمة الصحراء بزئير غاضب.
كانت تلك هي العاصفة الرملية الأولى التي تهب هذا العام.
قامت العاصفة بجمع غيوم رملية وَرَمَت بها تجاهها، لم تتمكن فاطمة من رؤية شَيْءٍ بسبب الرمل الذي كان يملأُ الهَوَاءَ مِن حُولِهَا، لَمْ يَكُن يوسعها سوى أن تختبئ تحت قماش الثوب الأسود الذي غطت به وجهها وشَدَّته بيديها حول جسمها. رغم ذلك تسرب الرمل في كُلِّ مكان مما أجبرها على إغلاق فمها وعينيها.
هدارة، ولدي، ماذا جرى لك الآن؟ إِنَّهُ السؤال الوحيد الذي كان يشغل بال فاطمة. هدارة، يا طفلي الصغير، هدارة، ولدي.....
حاولت أن تقف وتسير عائدة إلى طفلها لكن الريح ومنها أرضًا. حَاوَلَت مَرات عديدة لكن العاصفة والرمال التي كانت تضربها كالسوط منعاها من الاستمرار.
شَعَرَت كأن تلك العاصفة الرملية دامت دهرًا. فيما بعد، عندما كانت تتحدث عما جرى خلال هذا اليوم التعيس، كانت تَقُولُ إِن تلك العاصفة كانت أفظع عاصفة رملية مرت بها، وإنها استمرت لمدة سبعة أيام وسبع ليال. وكانت دائمًا تَقُولُ إِنَّهَا لَمْ تَشعُرُ أَبَدًا، لا قبل ولا بعد بذلك اليأس الذي شَعَرَت به عِندَها حين هدأت العاصفة في نهاية المطاف، وحين أزالت فاطمة قُماشَ النُّوبِ عَن رأسها ونَظَرَت حَولَهَا، لَمْ تَتعرف إلى مَعَالِم المكان من حولها.
كل ما هناك كان قد تغير مظهره.
فقد انتقلت الكثبان من مكانها وصارت للرمل أشكال جديدة.
لم يكن هناك أي أثر للصبي.
أطلقت حينها فاطمة صرخة من أعماقها.
عندما وجدها الآخرون كانت تركض في خَلَقَاتٍ حَولَ نَفسِها صارحة:
الفصل الثاني
مدفون في الرمال
عادت النعامة التي تُدعى ماكو إلى عُشْ بَيْضها ورأت الطفل البشري الذي كان يَجلِسُ هُناك، صَبِيٌّ صَغير بدين، ذُو شَعرٍ أَسود ناعم وأنف غريب الشكل. لم يكن يرتدي سوى قميص أَسْوَدَ قَصير. كانت النعامة قد شعرت بالخطر القادم. كما أحَسَّ الجَمَلُ بأن عاصفة رملية كانت في طريقها إلى ذلك المكان، ولذلك عاد باحثًا عن مكان يحميه من الخطر، كذلِكَ شَعَرَتِ النعامة بما كان على وشك الحدوث. رأت ماكو الطفل البشري وفكرت بأنه بحاجة إلى من يحميه. تصرفت بالضبط كما كانت ستصرف لو كان لديها صغار خرجوا لتوهم مِنَ البيض. فقد فَرَدَت جناحيها وجلست إلى جانب الطفل لتغطيه.
بعد فترة وجيزة أتى زوجها الذي يُدعى حوج.
جلس طائر النعام بجانب أنثاه وفَرَدَ أَجْنِحَتَهُ الأَكْبَرَ حَحِمًا فَوْقَهَا وَفَوْقَ الطفل.
عندما وصلت العاصفة القاسية إليهم مد طائرا النعام عُنُقَيهِما بمحاذاة الأرض. كادت الريح أن تقتلعهم من مكانهم وانتَشَرَ الرَّمْلُ الهَائجُ فَوْقَهم.
حتى غطى ثلاثتهم وكأنه غطاء سميك.
لن يذكر الصبي أيا من هذه الأحداث في المستقبل.
ولن يخبره والداه بالتبني، أي طائرا النعام بأي منها لاحقا.
عندما هدأت الريح حفر طائرا النعام لنفسيهما طريقا من تحت الطبقة الرملية التي كانت قد غطتهما معا، مدا عنقيهما وهذا أجنحتهما ونظرا بقلق إلى الصبي. كان يجلس هناك باكيا، حز بكاؤه في نفس النعامة ماكو لأن أطفالها لم يعرفوا البكاء أبدًا، لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ماذا ستفعل لتسكته، لكنها لكزته بمنقارها وجعلته يقف على ساقيه. وَقَفَ الصبي واهنا، وحين سارت لم يتبعها كما يفعل أي فرخ نعام. لذلك قَالَت لِزَوْجِهَا إِنَّ عَلَيْهِ أن يتمدد على الأرضِ. دَفَعَت بعدها بالطفل تجاه زوجها. بطريقة أو بأخرى نجحت في دفع الصبي إلى فوق ظهر ذكرِ النَّعَامِ. كَانَ الصَّبِيُّ عَلَى قَدْرٍ كافٍ مِنَ الذكاء جَعَلَهُ يُمْسِكُ بريش الذَّكَرِ عِندما قام هذا مِنَ مَكَانِه، ولذلك بَقِيَ الصَّبِيُّ مُعلَّقًا فَوْقَ ظَهرِه.
بدأ ذكرُ وأُنثَى النعام بالسير بطيئًا تاركين ذلك الكثيب بمتاعهما العجيب. كانا يعلمان أن هناك صخرة ضخمة على بُعدِ مسافةٍ من هناك. كانت تلك الصخرة هي الهدف الذي سارا باتجاهه. كانا مُتشنِّجِينِ وقَلِقين.
هل سيصلان إلى الصخرة في الوقت الملائم يا تُرى؟ كانا يعلمان أن العاصفة قد هدأت الفترة قصيرة فقط لتلتقط أنفاسها، وأنها ستنقض عليهما ثانية في وقت قريب.
وصلا بعد برهة إلى الصخرة السوداء التي كانا قد احتميا ها مرارا في السابق. كانت قطعة من الصخرة قد أفلتت من مكانها، وها هي الآن تقف مائلة تجاه السور الصخري للخيل مشكلة مغارة صغيرة، وصلا إلى فتحة المغارة في اللحظة التي انقضت فيها العاصفة على الصحراء عاوية من جديد.
تحدد ذكر النعام على الأرض مرة أخرى وأنزل الصبي عن ظهره إلى الأرض داخل المغارة التي قدمت قَدْرًا لا بأس به من الحماية. فلا الريحُ ولا الرمل المتطاير كانا يصلان إلى داخل المغارة.
ما علينا سوى أن ننسى عش البيض ذاك، قالت ماكو لزوجها حوج.
حين تعصف الريح هكذا ينتقل الرَّمْلُ مِنَ مَكَانٍ إلى آخر. لن نَحدَ العُشْ مهما بحثنا عن مكانه.
أجل، أعلم ذلك، قال زوجها حوج. يجب أن نَضَعَ بَيْضًا مِنْ حَدِيدٍ.
لكن، ماذا ستفعل بهذا ؟ قالَتِ النعامة. بهذا الطفل. يبدو بائسا لا عون له. أخشى أن يُبَاشِرَ البكاء مجددًا.
الحقيقة هي أن طيور النعام خرساء. فهي تفتقد للأوتار الصوتية ولا يمكنها إصدار الأصوات. لذلك نجد أن المحادثات التي تدور بين ماكو
وحوج هي أحاديث صامتة لأن أفكارهما تنتقل بينهما مِنَ الواحد إلى الآخر.
لم تكد النعامة تنتهي من حملة «أخشى أنْ يُبَاشِرَ البُكَاءَ مُحدِّدًا» حَتَّى أجهش الصبي بالبكاء، نظر طائرا النعام بحيرة كُلِّ منهما باتجاه الآخر. بكاء الأطفال كان أمرًا لا خيرة لهما به على الإطلاق.
فَجْأَةً صَمَتَ الطفل. كان يحدقُ إلى شيء تحرك على الأرض. كان
شيئًا طوله حوالي العشرة سنتيمترات وكان يتحرك باتجاهه.
كان ذلك الشَّيْءُ عَقْرَنَا أَزْعَجَتَهُ تِلكَ الزِّيَارَةُ المَفَاجِئةُ لِمَغَارته. وكان العَقَرَبُ يَرْحَفُ الآن باتجاه الصَّبِيِّ ضَحِكَ الصِّبِيُّ لأَنَّهُ وَحَدَ أَنَّ الْحَيَوَانَ الذي كان يزحف باتجاهه له شكل مثير للضحك. مَدَّ يَدَهُ الْمُكَثِيرَةَ نَحْوَ العقرب. رفع العقرب ذيله المزود بزباني سامة بسرعة البرق لبلدغه، لكن أنثى النعام كانت أشرع فوجهت ضربة قاضية للعقرب بمنقارها الضخم.
أمسك الصبي بالعقرب الميت ووَضَعَهُ في فمه.
هذا الحدث هو أول الأحداث التي بقيت في ذاكرة الصبي.
سوفَ يَتذَكَّرُ فِي المُسْتَقْبَلِ مَغارةً وحَيَوانًا مُصْحِكًا زَحَفَ نَحوَه. وفي وقت لاحق سيتعرف إلى ثمانية أنواع مِنَ العقارب التي تَحْمِلُ فِي مُؤخّرة ذنبها أنواعًا قاتلة من السموم، وذلك ليتعامل معها بحذر. لكن ذكرى الطفولة تلك كانت خالية من الذعر ، مليئة بالبهجة. كانَ الحَيَوَانُ مُصْحِكًا. قتلته أمه النعامة وأكله هو. كانَ طَعْمُهُ لَذِيذا.
كانت ذكرى أولى سعيدة.
دامت العاصفة وقتًا طويلا وقطع طائرا النعام الأمل بإيجاد عُشْهِما والبيض الذي كان فيه بدلا من التحسر على ما كان راحا يعتنيان بالطفل
الذي وجداه كانت خنافس سوداء اللون تَرْحَفُ مِن مَخابئها تَحْتَ الرمل في أثناء الليل فيقتلها طائرا النعام ويرميانها للصبي. أسعدهما اكتشاف الأسنان المتينة في فم الصبي التي مكنته من المضغ جيدا. وكانا يحفران في الرمل الذي تجمع عند مدخل المغارة ويجدان يرقات زهرية اللون كان يدفع كل منهما بها بمنقاره نحو الصبي، كان يأكلها أيضًا، لكن اليرقات كانت تزحَفُ فَوْقَ لسانه وتجعله يضحك قبل أن يتمكن من ابتلاعها.
وفي تلك المغارة تعلمت النعامة الأم الفرق بين صغار النعام وصغار البشر، وهو أن صغار البَشَرِ يَضْحَكُونَ. كانت تَفَرَحُ كَثِيرًا عندما كانت تستمع إلى ضحكة ولدها الصغير. وكانت تومئ بفرح إلى زوجها كلما رأت الصبي يأكل طعامه. كانت ككل أم تحب أن ترى طفلها وهو يأكل. وفي الخارج لم تتوقف العاصفة عن التداعي فوق الصحراء.
الفصل الثالث
حِينَ طَلَبَت أم هدارة من راعي الجمال دولة أن يدعو لها ولابنها
كانت فاطمة تركب جملها في مؤخرة القافلة. لكن لم يعد لديها صبي صغير تحضنُهُ بَينَ ذِراعيها. بكت. لماذا عاقبها الله بهذه الطريقة؟ لكن بالرغم من أنه قد مَضَت عشرة أيام على اختفاء هدارة، وبالرغم من أن كل أفراد عائلتها قالوا لها إن عليها أن تُدرك أن وَلَدَها هَدارَةً، طفلها الصغير قد مات إلا أنها رفضت أن تُصدق ذلك. كانت تتلفت حولها طوال الوقت بينما كانَ جمَلُها يَتَحَرَّكُ بطء إلى الأمام، خلف الآخرين. كانت تنظر لترى ما إذا كانَ هَدارَةُ سَيَظهر للعيان في مكان ما، خَلْفَ صخرة أو خلف شجرة أكاسيا. كانت تعلم أن ذلك الأمر كان مستحيلاً لكنها لم تتمكن من الامتناع عن النظر، وعن الأمل.
توقفوا عند بئر لتشرب جمالهم وماعزهم وليرووا عطشهم هم أيضًا. نصبوا خيامهم وقرروا البقاء في ذلك المكان؛ لأنه كان فيه ما يكفى من العشب لترعى قطعانهم. عندما وصلت مجموعة من بدو الصحراء إلى
23
البئر ذاتها امتلأت نفس فاطمة بالأمل. الرجل الذي قاد تلك المجموعة من الناس وقطيع جمالهم الضخم، كان يُدعى دولة، وهو رَجُلٌ مشهور جدا في هذا الجزء من الصحراء كان مشهورًا لأنه لم يكاد يوجد شخص اخر يلم بذات القدر من المعرفة التي كان دولة يُلم بها عن الجمال. لكنه كان مشهورًا وحائزاً على التقدير لسبَبٍ مُختلف تمامًا، وهوَ صَلَواتُ أَيَّام الجمعة، كان البدو الرحل كلهم في هذا الجزء من الصحراء يعتقدون أن دولة كان يتمتع بصلة خاصة مع الله. كَانَ النَّاسِ يَتَجَمَّعُونَ حَوْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ جمعة ليستمعوا إلى دعواته التي كان يُوجّهها إلى الله عز وجل.
وَجَدَتْهُ فَاطِمَةُ واقفًا فِي وَسَطِ قَطيع جماله. كَانَ دَولَةُ رَجُلًا زِنجيا طويل القامة، ذا يدين هائلتي الحجم.
عندما هبط الليل كغطاء أسود فوق الصحراء، تجمع البدو الذين كانوا قد نصبوا خيامهم بالقُرْبِ مِنَ البشر ، نَهَضَ دَولَهُ مِن مَكَانِهِ، وَجْهَ وَجَهَهُ نَحْوَ السماء ورفع ذراعيه إلى أعلى. راح يقرأ بصوته القوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
"سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم. له ملك السموات والأرضِ يُحيي ويميت وهو على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. هو الذي خَلَقَ السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العَرْشِ يعلمُ ما يَلِجُ في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرُجُ فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملونَ بَصِيرٌ»
صدق الله العظيم
كانت والدة الصبي المفقود الذي يُدعى هدارة جالسة على الأرض، يحيط بها أفراد عائلتها. كانت قد تَدَبَّرَتِ الأمر، واختارت مكانا لها في المقدمة، بالقُربِ مِنَ النَّار والرجل المتوسل إلى الله. كانت تُسْمِعُ بِشَغْفِ لِكُلِّ كلمة يقولها.
قام دولةُ بِالصَّلاةِ ثم وجه دُعاءَه إلى الله. كَانَ العَرَقَ يَتَصَبِّبُ من وجهه. كان يبدو كأنهُ وَقَعَ فِي غَشية، وأدركت فاطمةُ أَنَّهُ كَانَ يُرَدْدُ آيَاتٍ مِنَ القرآن الكريم. لكنه نَطَقَ في النهاية بالكلمات التي كانت تنتظرها وتأمل بها. قال دولة فيما كانت عيناه تُحدِّق إلى السماء المليئة بالنجوم:
25
يا ربي، يا الله يا حبيبي، أطلب إليك وبكل أسمائك الحسنى، وأتوسل إليك يا قادر على كُلِّ شَيْءٍ أن تعين والدته على إيجاد وَلَدِها المفقود.
تابع دولة صلاته، ساعة بعد ساعة. كان يتوقف عن الصلاة بين فَتْرَةٍ وأخرى ليتضرع إلى الله.
وفاطمة يحدوها الأمل في أن يستجيب الله لصلواتهم ودعائهم وتعثر على ابنها على قيد الحياة، لكن زوجها همس في أذنها:
عليك أن تفهمي أن ولدنا قد مات، عليك أن تكفي عن الأمل. عليك أن تكفي عن الحزن. لا يُمكن لطفل أن ينجو من عاصفة رملية كتلك، خاصة أن عمره لا يزيد عن السنتين.
الفصل الرابع
في مُواجَهَةِ المَوتِ
انضمت ثلاث نعامات شابات إلى السرب الذي كان يتألفُ مِنَ الزوجين والطفل البشري، أرادت كُلِّ مِنهُنَّ أَنْ تَبِيضَ لَكنَّهُنَّ انتظَرْنَ الوصول إلى مَكَانَ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لأَيِّ مِنْهُنَّ رَغْبَةٌ ببِناءِ عُشْ فِي ذلك المكان الذي اخْتَفى فيهِ بَيضُ النَّعَامِ تَحْتَ تَلْ مِنَ الرَّمْلِ.
تنقلوا خِلالَ اللَّيلِ. صَعِدَ البَدَرُ بِبطء في سماء الصحراء حين بدؤوا مَسيَرَتهُم بحثًا عن مَكَانٍ جَدِيدٍ يبنون فيه أعشاشًا جَديدة يبيضون فيها. تمكنت ماكو مجددًا من وضع الصبي على ظهر الذكر حوج. تمدد الولد على بطنِه مُمسكًا بريش الجناحين الغزير. ساروا في صف مستقيم طويل. كان حوجٌ يَسير في المقدمة حاملا الصَّبِيَّ فَوْقَ ظَهْرِهِ وخَلْفَهُ سارت ماكو. خلف حوج وماكو سارت الإنات الشابات الثلاث.
ساروا على الحافة العليا لكثيب رملي. رأوا في البعيد ألسنة لهيب نار ومع الريح الخفيفة وصلت إليهم رائحةُ البَشَرِ والجمال سَمِعوا أغاني وصفيق أيد منتظم الإيقاع، دون أن يعلموا ما الذي كانوا يسمعونه، انتشر الذعر بينهم. أسرع حوجٌ خُطاه حتى يبتعد عن بَنِي آدم. أَفَلَتَ الوَلَدُ عِندها
28
قبضتيه، وقع على الأرض وراح يصرخ.
هذا لن ينفع أبدًا. هذا الولد حالة ميئوس منها، إنه لا يُحسن القيام بأي شيءٍ. لا يقدر على المشي ولا على الركض. فرخ نعام في هذه السن يجيد السير، والركض وإيجاد طعامه بنفسه، هذا وَلَدٌ مُتَخَلَّفْ لَا بُدَّ أَنَّهُ يعاني من علة خطيرة.
اصمت الآن، قالت ماكو بحزم، ارقد هنا.
وهكذا دفعت هدارة بحنان إلى ذكر النعام الراقد وجعلته يتسلق إلى أعلى ظهره ويتمسك بريشه بقوة.
تابعوا مسيرتهم في صف مستقيم. كان حوج يتذمر بلا انقطاع لكن ماكو لم تكترث للأمر. فقد حصلت على طفل جديد وكانت مُصَمِّمَةً على الاحتفاظ به.
عندما ابتعدوا عن البشر والجمال بما فيه الكفاية تَمَدَّدُوا على الرمل ليناموا.
تمددت ماكو فوق الطفل إذ إن هذا صار أمرًا تعودته، صار لهدارة تحت ريشها الناعم سرير دافئ مريح، ولذلك استغرق في النوم بسرعة.
عندما استيقظ الجميع عند الفجر حاولت ماكو أن تُعلِّمَهُ الكلام بواسطة الأفكار.
اسمي ماكو، أنا أمك، قالت له.
لم تحصل على جواب منه. هل كان عاجزا عن الحديث بواسطة الأفكار ؟ ماذا لو كان مُتَخَلَّقًا بالفعل؟
كانت الإناث الثلاث الشابات تزداد فضولية وتَوَدُّ مَعرفة المزيد عن
29
الطفل. إذ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُشبِهُ شَيْئًا أَو أَحَدًا رَأَيْنَهُ مِن قَبْلُ، كُنْ يَتَقَدمَنَ مِنْهُ
ويتجمعن حوله. كُن فُضوليات ككُلِّ طُيُورِ النَّعَامِ، وحاوَلَت كُلِّ مِنْهُنَّ
التعرف إليه عَن قُرب إذ تَعْضُهُ وتَقَرَّصُهُ بِحَذَرٍ بِمِنقَارِهَا، عَضْتَهُ إِحداهُنَّ
من أذنه والأخرى من يديه الصغيرتين. حالما فَعَلْنَ ذلك كانت شَفَةُ
هدارة السفلى تتقوس ثم يباشر بالبكاء. كانت ماكو تَشْعُرُ كَأَنَّ بُكَاءَه
سكين يَقْطَعُ فِي جَسَدِها لذلك وَبَخت زَوجَها والإناث الثلاث.
تناسب أبطأ عضو فيه. ألا ترى أن الصبي يسير سيرًا أَفَضَلَ يَوْمًا بعد يومٍ؟ لن يحتاج إلى الركوب على ظهرك قريبًا بل سيتمكن من السير بنفسه.
كان حوج يتظاهر بالموافقة على رأي زوجته، لكنه كان قد صَمَّم في قرارة نفسه على التخلص من الصبي في أقرب وقت ممكن. ذلك الطفل البشري. ذلك العبء الإضافي العديم الفائدة.
سنحت له فرصة مناسبة لذلك بعد بضعة أيام. إذ ذهبت الإناث للبحث عن أوراق خضراء صالحة للأكل ومحاولة إيجاد غدير أو مستنقع للشرب. بقي حوج لحراسة الطفل. كانت ماكو قد طلبت منه أن يلتقط يرقات ويُقدمها له، لكن حوجًا لم يفعل ذلك.
تأخرت الإناث وكانت أشعة الشمس تنصب عليهما بقسوة. كان يوما من الأيام الصافية جدا، وبدأت الصحراء تعج بسرابات لامعة.
كانت الصحراء من حولهم مسطحة، لكن الأرضَ بَدَت فَجأَةً وكأنها مغطاة بمياه زرقاء اللون. لا بد أنه كان قد تبقت في ذهن الطفل ذكريات تتعلق بالينابيع والأغادير؛ إذ إنه انتصب واقفًا حين رأى اللون الأزرق اللامع، كانَ عَطِشًا لدرجة أنَّهُ صَعُبَ عَلَيْهِ أَن يَبْلَعَ رِيقه. كَانَ مُتشوقا إلى ذلك الأزرق الفاتح. وَقَفَ على ساقيه وسارَ بِخُطى قصيرة قلقة باتجاهها. غير أنها كانت تنتقل من مكان إلى آخر طوال الوقت. كان الشراب الأزرق اللامع يسبقه دائما. جَعَلَهُ العَطَشُ يَمُصُّ إِهامَهُ اسْتَمَرْ بالسير بخطى غير واثقة باتحاه ما كان يجب أن تكون مياها. بما أنها
31
استمرت بالانتقال كلما أراد الاقتراب منها، بدأ يركض حتى يلحق بها بسرعة.
وقف حوج في مكانه مُحَدِّقًا.
رأى الطفل يُغَادِرُ المَكَانَ بِحُطَّى غير واثقة.
رأى الطفل يركض.
رأى الطفل يقع ويبقى مُمَدَّدًا في مكانه على الأرض، لا بد أن الموت سيأتيه قريبا. كان حوج مقتنعا بذلك.
رَفَعَ الطِّفلُ نَظَرَه ورأى رَملًا رمادي اللون وسَمَاء ساخنة كالجمر. وضع إبهامه في فَمِهِ مِن جَدِيدٍ، وراح يمص بحدة، لكن من دون فائدة.
كانَ عَطَشُه يَزْدَادُ طَوَالَ الوَقتِ. أَغْمَضَ عَيْنِيهِ وَبَقِيَ مُمَدِّدا على الأَرضِ دُونَ حَرَكَةٍ، لَمْ يَعْد يقوى حتى على مص إبهامه. لذلك لم ير النسر الذي وَجَدَهُ فَرِيسةً، فَراحَ يدورُ مُحلَّقًا فَوْقَهُ. حَلْقَ النَّسْرُ وحلَّقَ فَوقَ الطفل. كان الطائر قد قرر الانتظار إلى ما بعد موت الفريسة حتى يحط عندها ويباشر بالتهامها.
رأى حوج الطفل مستلقيا على الأرض بلا حركة على الرمال الرمادية اللون، ورأى النسر الذي كان يحلق فوقه فأدار ظهره وباشر بالركض تاركا المكان بخطى طويلة رشيقة.
شعر وكأن حملاً ثقيلاً رفع عن ظهره أخيرا سيعود كل شيء إلى ما
كان عليه في السابق.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
العقد يشرتط القانون لنشوء العقد صحيحا و مرتبا آلاثره القانونية، توافر أركانه )شروط انعقاده( املتمثل...
1. أهمية التجاهل الذكي : التجاهل لا يعني القسوة أو الجفاء، بل هو وسيلة لإعادة تقييم العلاقات والتركي...
The ICC is based on several principles, the most important of which are - The principle of complemen...
التربية البدنيةو الرياضية في الجمهورية الجزائرية : تؤدي إلى ثلاثة مهام أساسية – 1/ الناحية البدنية ...
تنبع أهمية دراسة تاريخ القانون في تمكين المهتمين والمشتغلين في حقل القانون من تأصيل القواعد القانوني...
أولاً- شكل التنظيم الإداري في مرحلة ما قبل التنظيمات كانت الدولة العثمانية مقسمة إداريا إلى: إيالات ...
يمثل يوم العمال العالمي مناسبة سنوية لتكريم نضالات العمال وتضحياتهم في جميع أنحاء العالم، ويحمل أهمي...
يوم العمال العالمي: العمال السوريون ودورهم وإنجازاتهم وتحدياتهم يوم العمال العالمي، الذي يُحتفل به ف...
Art by Shahab Shamshirsaz Anna-Maria Crum Hof-Dog Incident The = Open in Realize Reader U For the fu...
1995: كوب 1، برلين، ألمانيا انعقد المؤتمر الأول للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغي...
الطقوس الكنعانيّة عُرِفت الحضارة الكنعانيّة بطقوسها التي لا تختلف عن طقوس غيرهم من الشعوب، وبيانها ف...
The study aimed to identify suitable sites for rainwater harvesting in the Garmian region of Iraqi K...