لخّصلي

الحيواناتُ الصَّغِيرَةُ الثَّلاثَةُ

في مَزْرَعَة خارج المدينةِ كَانَ ثَلاثَةُ حَيواناتٍ صَغِيرَةِ إِخْوَةٍ يعيشون مَعَ أُمِّهِمْ . وَذَاتَ يَوْمِ نَادَتْهُمْ أُمُّهُمْ وَقَالَتْ لَهُمْ : « لَقَدْ كبرتم الآن ، وحانَ الوَقْتُ كَيْ تَخْرُجوا إلى العالَمِ وَتَتَعَلَّمُوا الاعْتِمَادَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ . »

وَقَبْلَ أَنْ يُغَادِرُوا المَزْرَعَةَ طَلَبَتْ مِنْهُمْ أُمُّهُمْ أَنْ يَكونوا حَذِرِينَ ، وَاخْـذ وَجَادِّينَ في عَمَلِهِمْ . وَنَبَّهَتْهُمْ إلى الذَّئبِ الشَّرِّيرِ الكبير ، الذي له يُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ الحيواناتِ الصَّغيرَةَ . وَعَدَ الإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ أُمَّهُمْ أَنْ قَالَ يأخُذُوا حِذْرَهُمْ ، وَانْطَلَقُوا يَقْفِرُونَ في الطَّرِيقِ ، وَهُمْ فِي غَايَةِ أَن الفَرَحِ لأَنهم سَيَخْرُجون لمواجَهَةِ العَالَمِ الكَبيرِ .

وَاخْتَارَ كُلٌّ مِنْهُمْ بُقْعَةً مِنَ الْأَرْضِ كَيْ يَيْنِيَ عَلَيْهَا مَنْزِلاً لِنَفْسِهِ. وَعَثَرَ أَصْغَرُ الإِخْوَةِ عَلَى كَوْمَةٍ مِنَ القَشُ بِجانِبِ الطَّرِيقِ . فَقَالَ : ( سَوْفَ أَبْنِي لنَفْسِي بَيْتاً مِنَ القَشُ . وَسَيَكُونُ بِناؤُهُ سَهْلاً وَلَنْ يَسْتَغْرِقَ وَقْتاً طويلاً . » وَهَكَذَا رَاحَ يَعْمَلُ بِنَشَاطٍ . وَأَقَامَ أَعْمِدَةً خَشَبِيَّةٌ ، ثَبَّتَ عَلَيْهَا جُدْرانَا وَسَقْفاً مِنَ القَشُ

وَبَعْدَ قَلِيلِ اقْتَرَبَ مِنْهُ الذِّئبُ الشَّرِّيرُ الكَبِيرُ ، وَقَالَ لَهُ : « أَيُّهَا الصَّغِيرُ ، دَعْنِي أَدْخُلُ بَيْتَكَ . » فَأَجَابَهُ : « كَلَّا ، كَلَّا . أَنْتَ - شِرِّيرٌ، وَلَنْ أَدَعَكَ تَدْخُلُ ... فَقَالَ الذِّئبُ : « إِذا سَوْفَ أَهْدِمُ بَيْنَكَ بِنَفْخَةِ وَاحِدَةٍ . » وَنَفَخَ الذَّئبُ الشِّرِّيرُ نَفْخَةً قَوِيَّةً هَدَمَتِ البَيْتَ ، فَانْطَلَقَ الصَّغير المشكينُ يَعْدُو هارباً بأقصى سُرْعَةٍ .

أَمَّا الأَخُ الأَوْسَطُ فَقَدْ عَثَرَ عَلَى كَوْمَةٍ مِنَ الْأَلْواحِ الْخَشَبِيَّةِ عِنْدَ طَرْفِ الغابة ، وقال : سأَبْنِي لِنَفْسِي بَيْنَا مِنْ هَذِهِ الأَلْواحِ ، وَسَيَكُونُ بَيْتاً قوياً ، وَلَنْ أَجِدَ صُعوبَةٌ فِي بِنائِهِ . فَالخُشْبَانُ كَثِيرَةٌ . ) وَراحَ يَعْمَلَ بِجِدٌ حَتَّى انْتَهَى مِنْ بِنَاءِ البَيْتِ . وَعِنْدَهَا أَخَذَ هنا . » يَتَمَشَّى ، وَيَلْتَقِطُ بَعْضَ ثمار البلوط في طَرِيقِهِ

وَفَجْأَةً ظَهَرَ الذَّئبُ الشَّرِّيرُ الكَبِيرُ مِنْ بَيْنِ الأَشْجَارِ . وَعِنْدَمَا رآهُ الأَخُ الأَوْسَطُ رَكَضَ دَاخِلَ بَيْتِهِ وَأَغْلَقَ البَابَ
وَصاحَ الذِّئبُ : « أَيُّهَا الوَلَدُ اللَّطِيفُ ، دَعْنِي أَدْخُلُ بَيْتَكَ .. فَأَجَابَهُ : « كَلَّا ، كَلَّا . أَنْتَ شِرِّيرٌ ، وَلَنْ أَدَعَكَ تَدْخُلُ . فَنَفَخَ الذِّئبُ نَفْخَةً قَوِيَّةً هَدَمَتِ البَيْتَ ، وَأَمْسَكَ بالحَيَوانِ المشكين، لكنهُ اسْتَطَاعَ التَّخَلَّصَ مِنْهُ ، وَراحَ يَجْري هارباً .

كان الأخ الأكبرُ أَذْكَى مِنْ إِخْوَتِهِ . وَقَالَ لِنَفْسِهِ: « يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْتي قَوِيّاً جداً ، كَيْ يَحْمِيَنِي مِنَ الذَّنْبِ الشَّرِّيرِ . فَالقَشُ وَالأَلْواحُ الخَشَبِيَّةُ لَيْسَتْ قَوِيَّةٌ . ) وَأَخَذَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ بَحْنَا عَنْ مَوَادَّ مايني بها وَقَرَّرَ أَنْ يَيْنِيَ بَيْناً حَجَرياً . وَرَاحَتِ الحَيواناتُ الصَّغِيرَةُ فِي الغابة تُساعِدُهُ في جَمْعِ الأَحْجَارِ لِبناءِ البَيْتِ .

اسْتَغْرَقَ البِناءُ وَقْتاً طويلاً. فالأَحْجَارُ تُحْمَلُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. كذلك تَطَلَّبَ العَمَلُ اسْتِخْدَامَ الطِّينِ وَالمَاءِ كَيْ تَلْتَصِقَ الأَحْجارُ وَتَتَماسَكَ. كانَ الذِّئبُ يُراقِبُ بِنَاءَ البَيْتِ مِنْ خَلْفِ شَجَرَةٍ . وَضَحِكَ فِي سِرِّهِ قائلاً : ( لَنْ يَكُونَ البَيْتُ قَوِيَّاً ، وَسَأَدْخُلُهُ بِسُهولة . )

وأخيراً انتهى بناء البَيْتِ . وَتَمَّ تَرْكيب باب وَنَوافِذَ لَهُ . كما
صُنِعَ لَهُ سَقْفٌ جَمِيلٌ مِنَ القِرْمِيدِ. وَعِنْدَما أَصْبَحَ البَيْتُ جاهزاً ، وَنُطْفَتْ بَقايا الأَثْرِيَةِ مِنْهُ ، دَعا صاحِبُ البَيْتِ أَصْدِقَاءَهُ الحيواناتِ إِلى مَأْدُبَةٍ شَهِيَّةٍ