خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
أمامة بنت الحارث الشيبانى كانت زوجا لعوف بن محلم الشيبانى و كانت تتصف بالحكمة و العقل و الفصاحة وسداد الرأى و قوة البيان ، تلك الأم الأعرابية هي وفتاتها المقبلة على عش الزوجية هي أم إياس ، خلت بها أمها وقد عرفت ما يسعد الرجل ، لتوصيها ليلة زفافها بتلك الوصية الثمينة ، التي ينبغي أن تفهمها كل أم وكل زوجة وكل فتاة ، وكأنهـا تقـول لفتاتهـا ولكـل نساء العالم : إن المرأة إذا أدت ما عليها حصلت على حقوقها تبعا لذلك دون أن تمسك الأبواق للمطالبة بحقها ، ودون أن تلجأ إلى المحاكم والقضاء وقوة عقلها ، وأدب وبيان ، فمضت حتى انتهت إلى أمها ، فأعلمتها بما قدمت له ، فأرسلت أمامـة إلى ابنتها ، وقالت : أي بنية ! هذه خالتك ، فلا تستري عنها شيئا إن أرادت النظـر مـن وجـه أو خلـق ، أي بنية , وكنت أغنى الناس عنه, انك فارقت الجو الذي منه خرجت , وخلقت العش الذي فيه درجة, فأصبح يملكه عليه قريب و مليكا , أي بنية , ومن القيم التربوية الاولى في الوصية : وهي قيمة تربوية عالية تضمن للزوجين استقرارا أسريا في حياة زوجية جديدة, وتتمثل بلاغة القيمة التربوية هنا في مقدمة الوصية في مهارة عرضها الفعال وهو مايعرف في البلاغة ب "براعة الاستهلال " وبراعة الاستهلال لها نصيب كبير من ضمان اصغاء السامع وشد انتباهه , وتبدو براعة الاستهلال في عرض هذه الوصية القيمة من رواة الأدب العربي . والقيمة التربوية الأولى هنا تتمثل في أن الأمهات يجب أن يجلسن مع فتياتهن قبيل الزفاف لاسداء النصح اليهن , وقد جاء اللون البديعي الخلاب في مقدمة الوصية منسجما مع ما تشتمل عليه من قيم تربوية واجتماعية راقية, خلت بها أمها "أمامة بنت الحارث"وقالت توصيها: وقد بدت براعة الاستهلال هنا في عرض الوصية بايجاز شديد يبرز مقامها وزمانها وشخصياتها, وهي جملة :"أن تحمل. ",وجملة جواب "لما"وهي":"خلت بها أمها. ",والجملة المعطوفة عليها:"وقالت توصيها". وهذا العرض البارع في جذبه وايجازه يجعل السامع حاضر الذهن مشدودا, يضمن المتحدث عدم شروده أو ملله ويتأكد من السيطرة عليه وضمان الأصغاء اليه. فهو يشعر يتوصيف بالغ بمادته الى احساس الفتاة بفراق بيت والديها , وحلول أجل الفراق لا محالة استعدادا لحياة جديدة , أي لما حان حمل, ومجيئه هكذا أبلغ من المصدر الصريح, حيث أتاح الفعل المضارع الذي دخلت عليه"أن" مساحة للدلالة على أنها لم تحمل بعد و أنها ستحمل في الغد القريب لا محالة. وقد عرف المسند اليه: "نائب الفاعل":أم اياس"بالعملية عن طريق الكنية وهي لم تتزوج بعد ولم تلد حنى تصير أما , تكريما لها وصونا لاسمها أن يذكر, وهذه عادة العرب حيث كانو يكنون بناتهم وفتياتهم حتى قبل الزواج , وجاء متعلق فعل الحمل جارا ومجرورا:"الى زوجها الحارث بن عمرو ملك كندة"مع أنه لم يصر زوجها بعد, باعتبار ما سيكون على طريقة المجاز المرسل, و"الى:غائية تشعر أن الزوج غاية كل امرأة ومطمح امالها ونهاية حلمها: ليبرزأنها زفت الى ملك وليس أي ملك, ان ملك كندة, فلما كانت ليلة الزفاف خلت بها أمها لتوصيها بهذه الوصية. وخلو الأم بفتاتها لترفع عنها الحرج في النصح أمام أخواتها أو غيرهم وقد نصت الرواية على اسمها:"أمامة بنت الحارث"وكانت من حكيمات العرب المشهورات بالعقل الراجح والرأي السديد, وقد أبرز الفعل المضارع:"توصيها"بصيغته تجدد الوصية على لسانها حسب مقتضيات الحاجة والمقام, حيث تزف الفتاة الى ملك من ملوك العرب. احتوت بداخلها جملا ثلاثا مع عدم الاخلال بالمعنى , حيث نصت من خلالها, فهي وصية أم لابنتها ليلة زفافها على ملك له قدرة وخطره , وقد أبرز النص على أسماء الشخصيات مع ذكر بعض صفاتهن ثقل الوصية , والفتاة من جميلات النساء , وافرة العقل والجمال, ولذلك ضمن هذا الاستهلال البارع جذب انتباه السامع والاستيلاء على قلبه وعقله قبل سمعه وبصره. وفيها كذلك لون من ألوان التشويق , حيث ان القلوب بطبيعتها تتشوق الى معرفة ما يتعلق أو ما يصدر من الحكماء والملوك , ولذلك خرجت تلك الوصية الذهبية في أبهى حلة و أجمل صورة , وانما هو من باب الذكرى تقول:أي بنية , ولو أن امرأه استغنت عن الزواج لغنى أبويها , وشدة حاجتهما اليها , كنت أغنى الناس عنه , ولهن خلق الرجال". والقيمة التربويه هنا تتمثل في حرص الام على بث الثقة في نفس ابنتها, فقد جمعت بين الأدب الجم وغنى الوالدين, ومع ذلم فهي تحتاج للوصية, لان الوصية تذكرة للغافل ومعونة للعاقل. واختيار "أي"من بين أدوات النداء , فأقرب انسان الى الفتاه هو أمها, وصغرت المنادى "بنية", تركت لذلك منك "والمخاطب وهو الفتاة , خالية الذهن فحقها أن يلقى اليها الخبر ابتدائيا خاليا من التأكيد , وهي منقادة سامعة مطبعة لأمها, دفعا لتوهم الفتاة أن تكون أمها حريصة على وصيتها شكا منها في أخلاقها أو أدبها , وقد علقت الأم الحكيمة افتراض ترك الوصية على زيادة الأدب بأسلوب الشرط ب"لو", وهي حرف امتناع لامتناع , وهي تربط أجزاء الجملة ربطا قويا , لمناسبتها لمقام الحديث الحاني من أم لابنتها ليلة زفافها , وبنت الفعل للمجهول "تركت لأدب" وانما قالت :"لفضل أدب" لتشير الى عموم حكمتها وشيوع قضيتها ، ولم تقل :" لو تركت لأدب" وانما قالت :"لفضل أدب ، ويبعد عن الفتاة الشوائب الارتياب أوالشك في ثقة أمها بها ، وشدة حاجتهما اليها ، كنت أغنى الناس عنه ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال ) لتبرز تلك الحقيقة الانسانية التي فطر الله . وهي تمثل حاجة الرجل للمرأة والعكس وتلك الفطرة لا مجال لاستغناء احدهما عن الاخر. والاسلوب خبري مجرد عن التأكيد ، لانه يقرر حقائق انسانية مجردة وفطرة واقعية . تنكير المسند إليه " امرأة " طبع كلامها بطابع العموم ، لتبرز صفة افتراضية جدلية لتلك المرأة المتوهمة حيث لا وجود لها في الحقيقة والواقع ، ، وأبرزت لام التعليل سبب هذا الاستغناء المزعوم : " لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها " ، فالمرأة هنا تحصل لها من أسباب العزوف عن الزواج ما يعوضها عن الزوج من ناحية وهو غنى أبويها ، حيث نزل بهما الهرم وحلت الشيخوخة والضعف ، وكثرت الأمراض وصارا في أشد الحاجة لفتاة تخدمهما ، لا سيما إذا كانت هي الوحيدة بعد زواج أخواتها ، أو الكبرى مثلا ، ومع وجـود هذه البواعث والأسباب التي تدعو للعزوف عن الزواج ، وعدم الرغبة فيه عقلا ، إلا أن المرأة لا تستغني عن زوجها فطرة ، وقد توفر ذلك في " أم إياس " عروس الليلة ، ولذلك أفصحت الأم عن ذلك بجـواب " لو " وهو قولها : " كنـت أغنـى الناس عنه " ، وهذا الجواب يوحي بأمرين : ـ أولهما : أن الفتاة ذات أصل وحسب ونسب ، وانحدرت من بيت عز وغنى ورفاهية ، وانما هو صفة لهما جميعا : " لغنى أبويها ، وهذه وحدها كفيلة لزرع جذور الثقة في نفس الفتاة ، والأمر الآخر : هو " شدة حاجتهما إليها " وهو يدل على ضعفهما في هذا الزمان وعظم احتياجهما للفتاة . إن الأم قد ساقت عللا افتراضية أقرب إلى العقل والواقع ، وبدأت بالنساء ؛ لشدة حاجـة الرجـل للمـرأة ، وكأنها تهيئهـا يـذلك لاتخاذ بيت زوجها مصدر أمن وأمان لها فهو مستقرها ولا غنى لها عن أحضانه ، ولا بديل عن ذلك بضوابطه الشرعية حتى تستقيم عجلة الحب والتضحية والعطاء. <<توطين الفتاة على مواجهة حقيقة الفراق والانتقال الى بيت الزوجية >> : " أي بنية ، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، أي بنية ، وهنا تعود الأم إلى نداء ابنتها بهذه الصيغة : " أي بنية " ، للحرص على إبراز قربها الشديد من فتاتها ، وفي تكرار النداء بصيغته إشارة إلى حرص الأم على جذب انتباه ابنتها التي تتأهب للانتقال إلى بيت زوجها ، فالفتاة تعرف أنها ستفارق بيت أبيها إلى بيت زوجها : " إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، ولكنها أرادت أن تذكرها بمقتضيات الحياة الجديدة ، وأنها ستكون حياتها الأصلية ولن تعود لبيت أبيها إلا أن تكون زائرة . فحقها أن يلقى إليها الخبر ابتدائيا خاليا من التأكيد ، وهما " إن " واسمية الجملة ؛ لما بدا عليها من أمارات القلق والتوتر والتأكيد ينقل لنا الحالة النفسية التي كانت عليها الفتاة من شدة تعلقها ببيت أبيها وتوجسها من القدوم على عش جديد غامض المعالم مبهم الأسرار . وقد اختارت لفظ الفراق للإشارة إلى أنه فراق بلا عودة إلا للزيارة . وفي ذلك زج بالفتاة في قلب الحدث ، وتكليف لها بتحمل المسؤولية واشعار بجدية. الأمر ، ومن ثم انعكس ذلك عليها سلبا ، قد تنجح وقد تفشل وتعود لبيت أبيها إن أمامة أصدرت قرا ر الفراق " إنك فارقت الجو الذي منه خرجت " مؤكدا هكذا لتغلق أبواب التردد والمماطلة ووساوس الشيطان أمام ابنتها ، والجـو : الهواء ، والجـو ما بين السماء والأرض ، وهي كناية عن بيت أبيها ، لأن لفظ الجـو يـعنـي الـهـواء الذي استنشقته والعادات التي نشأت عليها ، وعبرت بالماضي ' فارقت " مع أنها لم تفارق بعد ، فزمان الوصية ليلة العرس . وما أجمل أن تعتبر الأم بيت زوجها عشا لصغارها : " وخلفت العش الذي فيه درجت " ، حيث شبهت بيت أبيها بعش الطائر ، ثم استعارت العش لبيت أبيها وهي استعارة عميقة تتغلغل في حنايا النفس البشرية لتبرز لك هذه الصورة الدافئة في ثوب حسي ، تـراه بعينيك وتلمسـه بيـديك وتشـعر بـه بـحسـك ومشاعرك ، فالوالـد كالطائر الذي ينطلـق صـباحا ليـوفر لفراخـه وصـغاره لقمـة العيش ، ويعـود مساء ليقـوتهم ويحميهم مـن غوائـل الزمـان ونـوازل الحـدثان وظلـم الظالمين وتطفـل المتطفلين ، تديره أم بارعة وأب حنون ، ويبثان في أعطافه الدفء والحنان وقد عبرت هنا بالفعل " خلفت " ؛ للإشارة إلى الترك وضرورة عدم تعلق القلب . . ببيت أبيها ولاحـظ الجنـاس الناقص بين : " خرجت " و " درجت " ، ومادة كل كلمـة موافقة لسياق جملتها ، فالخروج ابتداء يكون من بيت الوالد ، ولذا عبرت معه بمن الابتدائية " الذي منه خرجت " وخروجها من بيت أبيها يكون وهي فتاة غضة جاهزة للزواج ، والدرج والدرجان يناسب تنقل الصغير في ربوع البيت ولعب الفراخ في حضـان العش ، قـال فـي اللسـان : " والـدرجان : مشية الشيخ والصبي ، ودرج الشيخ والصبي يدرج درجا ودرجانا ودراجا فهو دارج : مشيا مشيا ضعيفا ودبا فالدرج يتوافـق مـع نشأة الفتاة وهي صغيرة ، واختيار حرف الظرفية " في " في قولها : " الذي فيه درجت يشعر بظرفية العش وأنه وطاء ممهد تدرج فيه الصغيرة حيث شاءت ثم قالت : " إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه " والوكر : عش الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ وهو الخروق في الحيطان والشجر وقال في أساس البلاغة : " ما دار في فكري نزولك في وكري . فـي قـول أمامة : " إلى وكر لـم تعرفيـه " استعارة تصريحية أصلية ؛ بجامع الدفء والاحتضان والرعاية في كل منهما ، ووراءها إشعار بدفء الحياة الزوجية في أحضان بيت يقوده زوج حكيم يعرف ماله وما عليه . لإلفها للأول وهو بيت أبيها ، وغموض الثاني بالنسبة لها ، بينما نكرت الوكر مع الزوج ، لغموضه ، وهـي كلمـة تـوحـي بالرهبة بمادتها بخلاف العش مع بيت أبيها الذي يوحي بالدفء والأمان ـم صـرحت بصـاحب هـذا الـوكر وهـو زوجهـا فقالت : " وقـريـن لـم تألفيـه فزوجها هو قرينها ؛ وكلاهما من مخرج واحد وهو الحلق ، فالإلف يقتضـي المعرفة بلا عكـس ، والمعرفة مناسبة للوكر لأنه مكان ، والإلف مناسب للزوج ، ولاحظ ذكر الوكر والقرين : ـ الأول : يشعر بالدفء . كما سبق . والغموض ، فقد ذكروا عن الوكر أنه عش الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ ، وهو الخروق في الحيطان والشجر . وفيه كذلك تفاؤل بإنجاب الولد يؤخذ ذلك من قولهم موضع الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ والثاني : وهو القرين يشعر بدوام الملازمة والصحبة وعدم الانفكاك من أسره أو رباطه ، فكأنها تهيئها لحياة أبدية . ثم قالت : " فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا ، وأنها بمجرد عقد زواجها صار زوجها مليكا عليها ورقيبا ، بل ومن متطلبات المرأة السوية كاملة الأنوثة ، ووراء هـذا الوصف إيحاء لابنتها بأن تراعي تلك الرقابة التي ستكون عليها ومن ثم تصون نفسها من الزلل ، لكنها قبل أن تفصل الخصال العشر تتحفها بهذه الهدية الذهبية العامـة : " فكـونـي لـه أمـة يكن لك عبـدا وشيكا " والوشيك : السريع والقريب لأنه تشبيه حال بحال ووجه الشبه مركب ، فهي لم تقصد أن تشبهها بالأمة فحسب ، والنتيجة : " يكن لك عبدا وشيكا " فالجزاء من جنس العمل ولام الملك أو التخصيص جاءت معها كذلك ردا لمعروفها وحسن عشرتها لزوجها إنه لن يكون لها كالعبد في الذلة والانكسار وإنما يكون حاله معها كحال العبد مع سيده في الموادعة وحسن السمع والطاعة والخوف عليه ، وانما عبدا وشيكا ،
أمامة بنت الحارث الشيبانى كانت زوجا لعوف بن محلم الشيبانى و كانت تتصف بالحكمة و العقل و الفصاحة وسداد الرأى و قوة البيان ،
تلك الأم الأعرابية هي وفتاتها المقبلة على عش الزوجية هي أم إياس ، خلت بها أمها وقد عرفت ما يسعد الرجل ، وما يغضبه ، لتوصيها ليلة زفافها بتلك الوصية الثمينة ، التي ينبغي أن تفهمها كل أم وكل زوجة وكل فتاة ، متجردة مما لها من حقوق كزوجة ، وموضحة لما عليها من واجبات تجاه زوجها ، وكأنهـا تقـول لفتاتهـا ولكـل نساء العالم : إن المرأة إذا أدت ما عليها حصلت على حقوقها تبعا لذلك دون أن تمسك الأبواق للمطالبة بحقها ، ودون أن تلجأ إلى المحاكم والقضاء
فقد ذكروا أن الحارث بن عمرو ملك كندة لما بلغه جمال ابنة عوف بن محلم الشيباني ، وكمالها ، وقوة عقلها ، دعا امرأة من كندة يقال لها : " عصام " ، ذات عقل ولسان ، وأدب وبيان ، وقال لها : " اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف " . فمضت حتى انتهت إلى أمها ، وهي " أمامـة بنت الحارث " ، فأعلمتها بما قدمت له ، فأرسلت أمامـة إلى ابنتها ، وقالت : أي بنية ! هذه خالتك ، أتتك لتنظر إليك ، فلا تستري عنها شيئا إن أرادت النظـر مـن وجـه أو خلـق ، وناطقيهـا إن استنطقتك
لما حان أن تحمل " أم اياس" الى زوجها :" الحارث بن عمرو"
ملك كندة خلت بها أمها "أمامة بنت الحارث وقالت توصيها
أي بنية , ان الوصية لو تركت لفضل أدب , تركت لذلك منك , ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.
ولو أن المرأة استغنت عن الزواج لغنى أبويها , وشدة حاجتهما اليها ؛ وكنت أغنى الناس عنه, ولكن النساء للرجال خلقن , ولهن خلق الرجال.
أي بنية , انك فارقت الجو الذي منه خرجت , وخلقت العش الذي فيه درجة, الى وكر لم تعرفي, وقرين لم تألفيه , فأصبح يملكه عليه قريب و مليكا , فكوني له أمة يكن لك عبدا و شيكا.
أي بنية , أحملي على عشرة خصال , تكن لك ذخرا و ذكرا.
ومن القيم التربوية الاولى في الوصية :
حرص الأم على الخلوة بابنتها لاسداء النصح لها ليلة زفافها لتهيئتها لاستقبال عش الزوجية الجديد ، ولأهمية الوصايا لتنبيه الغافل ومعونة للعاقل، كما أوصتها بالكثير من الوصايا وهي الأحترام والمراعاة وهذا يصب في مصلحتهما وأهمية الحياة الزوجية .
وهي قيمة تربوية عالية تضمن للزوجين استقرارا أسريا في حياة زوجية جديدة, وتتمثل بلاغة القيمة التربوية هنا في مقدمة الوصية في مهارة عرضها الفعال وهو مايعرف في البلاغة ب "براعة الاستهلال "
وبراعة الاستهلال لها نصيب كبير من ضمان اصغاء السامع وشد انتباهه , وتبدو براعة الاستهلال في عرض هذه الوصية القيمة من رواة الأدب العربي .
والقيمة التربوية الأولى هنا تتمثل في أن الأمهات يجب أن يجلسن مع فتياتهن قبيل الزفاف لاسداء النصح اليهن ,وأن تشمل الأم ابنتها بعطفها وحنانها .
وقد جاء اللون البديعي الخلاب في مقدمة الوصية منسجما مع ما تشتمل عليه من قيم تربوية واجتماعية راقية, حيث عرضت بأسلوب ماتع يستميل قلب السامع ويضمن اضاءه هكذا:
"لما حان أن تحمل" أم اياس" الى زوجها:"الحارث بن عمرو " ملك كندة,خلت بها أمها "أمامة بنت الحارث"وقالت توصيها:
وقد بدت براعة الاستهلال هنا في عرض الوصية بايجاز شديد يبرز مقامها وزمانها وشخصياتها,كل ذلك من خلال جملة كبرى فعلية مصدرة ب "لما"الحينية ,طوت بداخلها عدة جمل صغريات ,وهي جملة :"أن تحمل..",وجملة جواب "لما"وهي":"خلت بها أمها..",والجملة المعطوفة عليها:"وقالت توصيها".
وهذا العرض البارع في جذبه وايجازه يجعل السامع حاضر الذهن مشدودا,يضمن المتحدث عدم شروده أو ملله ويتأكد من السيطرة عليه وضمان الأصغاء اليه.
"ولما" هنا هي "لما" الحينية وهي ظرف فيه معنى الشرط, ومن ثم أتبعت بلفلظ الحين "حان" والحين والحينونة تشعر بحلول الأجل المعلوم وانقضاء الوقت والتأهب للرحيل والفراق والانتقال من حال الى حال ,فهو يشعر يتوصيف بالغ بمادته الى احساس الفتاة بفراق بيت والديها ,وحلول أجل الفراق لا محالة استعدادا لحياة جديدة ,وجاء فاعل فعل الحين "أن تحمل " مصدرا مؤولا من أن والفعل,أي لما حان حمل, ومجيئه هكذا أبلغ من المصدر الصريح, حيث أتاح الفعل المضارع الذي دخلت عليه"أن" مساحة للدلالة على أنها لم تحمل بعد و أنها ستحمل في الغد القريب لا محالة.
وقد عرف المسند اليه: "نائب الفاعل":أم اياس"بالعملية عن طريق الكنية وهي لم تتزوج بعد ولم تلد حنى تصير أما ,تكريما لها وصونا لاسمها أن يذكر, وهذه عادة العرب حيث كانو يكنون بناتهم وفتياتهم حتى قبل الزواج ,اكراما لها وتيمنا بأن تكون أما في الغد القريب.
وجاء متعلق فعل الحمل جارا ومجرورا:"الى زوجها الحارث بن عمرو ملك كندة"مع أنه لم يصر زوجها بعد,باعتبار ما سيكون على طريقة المجاز المرسل, لأنه سيكون زوجها غدا فقد كانت الوصية ليلة الزفاف,أو أنه قد عقد عليها كما هي العادة أن يتم العقد قبيل الزواج بيوم أو يومين ,و"الى:غائية تشعر أن الزوج غاية كل امرأة ومطمح امالها ونهاية حلمها:
وقد نص على اسم زوجها وأتبعه بعطف بيان يعد كاشفا لصفته وحقيقته وهو قوله:"ملك كندة:.ليبرزأنها زفت الى ملك وليس أي ملك,ان ملك كندة,وقد ورد أن الحارث لما سمع بجمالها وعقلها وصفا كافيا كاشفا فبعث الى أبيها يخطبها منه فجهزها,فلما كانت ليلة الزفاف خلت بها أمها لتوصيها بهذه الوصية.
والخلوة:الانفراد,وخلو الأم بفتاتها لترفع عنها الحرج في النصح أمام أخواتها أو غيرهم وقد نصت الرواية على اسمها:"أمامة بنت الحارث"وكانت من حكيمات العرب المشهورات بالعقل الراجح والرأي السديد,ولذلك خلت بها وأخذت توصيها ,وقد أبرز الفعل المضارع:"توصيها"بصيغته تجدد الوصية على لسانها حسب مقتضيات الحاجة والمقام,حيث تزف الفتاة الى ملك من ملوك العرب.
والقيمة التربوية الأولى هنا تتمثل في أن الأمهات يجب أن يجلسن مع فتياتهن قبيل الزفاف لاسداء النصح اليهن,وأن تشمل الأم ابنتها بعطفها وحنانها وتشد على يدها أن تنسى حياة الدعة والتدلل لتستعد لحياة الاستقرار النفسي في كنف زوجها.
وقد بدتى براعة هذه القيمة التربوية في براعة الاستهلال ,حيث عرضت بأسلوب ممتع اعتمد على الايجازوالتركيز في جملة واحدة ,احتوت بداخلها جملا ثلاثا مع عدم الاخلال بالمعنى ,حيث نصت من خلالها,رغم قصرها.على شخصيات القصة الثلاثة , وصفة كل شخصية بوضوح وجلاء دون لبس أو خفاء.
وبراعة الاستهلال كذلك تتمثل في النص على المقام الذي قبلت فيه هذه الوصية,فهي وصية أم لابنتها ليلة زفافها على ملك له قدرة وخطره ,وقد أبرز النص على أسماء الشخصيات مع ذكر بعض صفاتهن ثقل الوصية ,فالأم من حكيمات العرب , والفتاة من جميلات النساء , وافرة العقل والجمال,والزوج ملك أصيل له قدره وخطره ,ولذلك ضمن هذا الاستهلال البارع جذب انتباه السامع والاستيلاء على قلبه وعقله قبل سمعه وبصره.
وفيها كذلك لون من ألوان التشويق ,حيث ان القلوب بطبيعتها تتشوق الى معرفة ما يتعلق أو ما يصدر من الحكماء والملوك ,ولذلك خرجت تلك الوصية الذهبية في أبهى حلة و أجمل صورة ,توافقا مع المقام وأقدار المتكلمين والمخاطبين , فكانت بمثابة قلادة ذهبية وضعتها الأم الحكيمه في عنق ابنتها وهي على عتبة الوداع.
والقيمة التربويه الثانية في مقدمة الوصية كانت من كلام الأم,حيث بينت لها أن جلوسها معها ليلة زفافها على انفراد لتوصيها ليس دليلا على قلة أدبها أو انعدام معرفتها ,وانما هو من باب الذكرى تقول:أي بنية , ان الوصية لو تركت لفضل أدب , تركت لذلك منك ,ولكنها تذكرة للغافل , ومعونة للعاقل ,ولو أن امرأه استغنت عن الزواج لغنى أبويها ,وشدة حاجتهما اليها , كنت أغنى الناس عنه ,ولكن النساء للرجال خلقن ,ولهن خلق الرجال".
والقيمة التربويه هنا تتمثل في حرص الام على بث الثقة في نفس ابنتها,فقد جمعت بين الأدب الجم وغنى الوالدين,ومع ذلم فهي تحتاج للوصية, لان الوصية تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.
وتلاحظ هنا أن الأم وجهت وصيتها لفتاتها بأسلوب انشائي وهو النداء:"أي بنية ",وهي بذلك تنبهها الى قيمة كلامها حتى تتشوق وتتأهب لتلقي ما يأتي بعده ,واختيار "أي"من بين أدوات النداء ,وهي تاتي لنداء القريب لقرب ابنتها منها حسا ومعنى ومكانا وزمانا , فأقرب انسان الى الفتاه هو أمها,وصغرت المنادى "بنية",تصغير "ابنة", لتشير الى براءتها وعفويتها فما زالت غضة نقية لم يلوث معدنها حراك الزمان وافات الأيام , ووراءها ايحاء باشفاق الأم الرؤوم وحنوها البالغ على فتاتها اليافعة.
ثم أردفت هذا النداء بأسلوب خبري:"ان الوصية لو تركت لفضل أدب ,تركت لذلك منك "والمخاطب وهو الفتاة ,خالية الذهن فحقها أن يلقى اليها الخبر ابتدائيا خاليا من التأكيد , وهي منقادة سامعة مطبعة لأمها,ولكنها نزلت منزلة المتردد,
ولذا جاء الخبر مؤكدا بمؤكدين استحسانا وهما "ان"واسمية الجملة,دفعا لتوهم الفتاة أن تكون أمها حريصة على وصيتها شكا منها في أخلاقها أو أدبها ,فأزالت بالتأكيد هذا الوهم وجعلتها مفعمة بالثقة في نفسها و أدبها.
وقد علقت الأم الحكيمة افتراض ترك الوصية على زيادة الأدب بأسلوب الشرط ب"لو",وهي حرف امتناع لامتناع , وهي تربط أجزاء الجملة ربطا قويا ,وقد جاء المسند أليه معرفة بأل "الوصية"للاشارة الى عموم الوصية ,واختارت لفظ الوصية دون النصيحة أو الارشاد أو عيرهما ،لمناسبتها لمقام الحديث الحاني من أم لابنتها ليلة زفافها ,وبنت الفعل للمجهول "تركت لأدب" وانما قالت :"لفضل أدب" لتشير الى عموم حكمتها وشيوع قضيتها ، فليسالحكم هنا مقصورا على الأم وفتاتها وانما هو الحكم انساني عام ويصلح الى كل زمان ومكان ،ولم تقل :" لو تركت لأدب" وانما قالت :"لفضل أدب ،للأشارة الى زيادة ادبها وسمو اخلاقها ،ولذلك جاء جواب الشرط : "تركت لذلك منك" مشيرة الى ادبها ثم أردفت الأم الحكيمة علة وصيتها لفتاتها قائلة : " ولكنها تذكرة للغافل "
وهو استدراك يوحي بعلة واقعية للوصية ،ويبعد عن الفتاة الشوائب الارتياب أوالشك في ثقة أمها بها ،ويطبع الوصية بالطابع الانساني العام .
ثم أردفت ذلك بقولها ( ولو أن أمرة استغنت عن الزواج لغنى أبويها ،وشدة حاجتهما اليها ،كنت أغنى الناس عنه ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال )
وهنا تعود الأم للشرط بلو الامتناعية مرة اخرى ،لتبرز تلك الحقيقة الانسانية التي فطر الله . عز وجل عليها بني البشر نساء ورجالا ، وهي تمثل حاجة الرجل للمرأة والعكس وتلك الفطرة لا مجال لاستغناء احدهما عن الاخر.
وليس الامر ارتباطا بغنى الوالدين وحبهما وكبر سنهما ، ومن يحتاجان لابنتهما لخدمتها في هذا الوقت العصيب ، والاسلوب خبري مجرد عن التأكيد ،لانه يقرر حقائق انسانية مجردة وفطرة واقعية .
تنكير المسند إليه " امرأة " طبع كلامها بطابع العموم ، وأخرجـه مـن دائرة التخصيص بابنتهـا وحـدها ، وجاءت جملـة الصـفة : " استغنت عن الزواج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها " ؛ لتبرز صفة افتراضية جدلية لتلك المرأة المتوهمة حيث لا وجود لها في الحقيقة والواقع ، لأن استغناءها عن الزوج يعني مخالفتها لفطرة البشر ، ، وأبرزت لام التعليل سبب هذا الاستغناء المزعوم : " لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها " ، وهي علة قد تكون أقرب العلل قبولا وإن كانت مرفوضة أصلا ، فالمرأة هنا تحصل لها من أسباب العزوف عن الزواج ما يعوضها عن الزوج من ناحية وهو غنى أبويها ، وما يجعلها تنصرف عنه لأهميتها القصوى لدى طرف آخر من ناحية ثانية ، وهي شدة حاجة والديها إليها ؛ حيث نزل بهما الهرم وحلت الشيخوخة والضعف ، وكثرت الأمراض وصارا في أشد الحاجة لفتاة تخدمهما ، لا سيما إذا كانت هي الوحيدة بعد زواج أخواتها ، أو الكبرى مثلا ، ومع وجـود هذه البواعث والأسباب التي تدعو للعزوف عن الزواج ، وعدم الرغبة فيه عقلا ، إلا أن المرأة لا تستغني عن زوجها فطرة ، وقد توفر ذلك في " أم إياس " عروس الليلة ، ولذلك أفصحت الأم عن ذلك بجـواب " لو " وهو قولها : " كنـت أغنـى الناس عنه " ،
وهذا الجواب يوحي بأمرين :
ـ أولهما : أن الفتاة ذات أصل وحسب ونسب ، وانحدرت من بيت عز وغنى ورفاهية ، لا تحتاج مالا ولا جاها فهي عزيزة في قومها منيعة بين أبويها وليس الغني هنا صفة للوالد فقط أو الوالدة ، وانما هو صفة لهما جميعا : " لغنى أبويها ، وهذه وحدها كفيلة لزرع جذور الثقة في نفس الفتاة ، ونزع الرهبـة التي يمكن أن تكون في قلبها ، حيث إنها تتزوج ملكا تجهل طباعه ، وهو ملك انقادت له الدنيا وهذا ما يمكن أن يجعل الفتاة تشعر بنقصان كفتها ورجحان كفة زوجها في الكفاءة ، فعدلت الأم كفتهما بهذا الجواب . ـ
والأمر الآخر :
هو " شدة حاجتهما إليها " وهو يدل على ضعفهما في هذا الزمان وعظم احتياجهما للفتاة . إن الأم قد ساقت عللا افتراضية أقرب إلى العقل والواقع ، ومع ذلك قد تحققت لفتاتها ، ولكنها مع ذلك تعود للحقائق التي لا يجادل فيها بشر والتـي هـي من المسلمات عند بني الإنسان وبين الرجال والنساء : " ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال هكذا بهذا الاستدراك لتبرز تلك الحقيقة الإنسانية . وبدأت بالنساء ؛ لشدة حاجـة الرجـل للمـرأة ، فكـلا الطرفين مخلـوق للآخر لتسير عجلة الحياة ويستمر النسل الآدمي ، ولتنقضي الرغبات والحاجات الفطرية بالحلال.
وهذا الاستدراك يخاطب الفطرة السوية ويقرر في هدوء شدة حاجـة الرجـل للمرأة وشدة حاجـة المرأة للرجل مهما اجتمـع لكل منهما من أسباب الرفاهيـة أو دواعي العزوف عن الزواج . إن الأم العاقلة تمهد لابنتها تمهيدا فطريا يتوافق مع مشاعر المرأة وطبيعتها الأنثويـة ، وكأنها تهيئهـا يـذلك لاتخاذ بيت زوجها مصدر أمن وأمان لها فهو مستقرها ولا غنى لها عن أحضانه ، مهما توفرت لها عواما الدعة والراحة والحاجة في بيت أبويها . إن الحياة الهادئة الهانئة الآمنة لكي تتحقق لا بد أن تعيش المرأة في ظل الرجل والرجل في دفء المرأة ، ولا بديل عن ذلك بضوابطه الشرعية حتى تستقيم عجلة الحب والتضحية والعطاء.
: " أي بنية ، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فأصبح بملكـه عليـك رقيبا ومليكا ، فكـونـي لـه أمة يكن لك عبدا وشيكا . أي بنية ، احملي عنى عشر خصال ، تكن لك ذخرا وذكرا . "
وهنا تعود الأم إلى نداء ابنتها بهذه الصيغة : " أي بنية " ، للحرص على إبراز قربها الشديد من فتاتها ، وفي تكرار النداء بصيغته إشارة إلى حرص الأم على جذب انتباه ابنتها التي تتأهب للانتقال إلى بيت زوجها ، حتى تأخذ نصائحها ووصاياها مأخذ الجد ، وتجعلها نصب عينيها دائما وبعد أن نادتها ألقت إليها خبرا ابتدائيا الغرض منه تحقيق لازم فائدة الخبر.
فالفتاة تعرف أنها ستفارق بيت أبيها إلى بيت زوجها : " إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت " ، ولكنها أرادت أن تذكرها بمقتضيات الحياة الجديدة ، وأنها ستكون حياتها الأصلية ولن تعود لبيت أبيها إلا أن تكون زائرة . والفتاة لا تنكر هذا الفراق ولا تتردد فيه ، فحقها أن يلقى إليها الخبر ابتدائيا خاليا من التأكيد ، لكن أمها نزلتها منزلة المتردد فأكدت الخبر بمؤكدين استحسانا ، وهما " إن " واسمية الجملة ؛ لما بدا عليها من أمارات القلق والتوتر والتأكيد ينقل لنا الحالة النفسية التي كانت عليها الفتاة من شدة تعلقها ببيت أبيها وتوجسها من القدوم على عش جديد غامض المعالم مبهم الأسرار . وقد اختارت لفظ الفراق للإشارة إلى أنه فراق بلا عودة إلا للزيارة . كمـا قلـت . وفي ذلك زج بالفتاة في قلب الحدث ، وتكليف لها بتحمل المسؤولية واشعار بجدية.
الأمر ، ولو أن نساء اليوم فعلـن مع بناتهم مثل ما فعلت أمامة لاستقامت عجلة الحياة الزوجية لدى أكثرهن ، ولفلت نسب الطلاق والفشل في الحياة الزوجية التي كثرت فـي هـذا الزمـان بطريقة مذهلة ، بسبب تدليل الأم لبناتهـا وعـدم تحميلهن المسؤولية والضعف العاطفي للوالدين أمام دلال الفتاة ، ومن ثم انعكس ذلك عليها سلبا ، حيـث استهانت بقيمـة الحيـاة الزوجيـة وشـعرت معهـا أنـهـا تجربـة عاديـة تخوضها ، قد تنجح وقد تفشل وتعود لبيت أبيها إن أمامة أصدرت قرا ر الفراق " إنك فارقت الجو الذي منه خرجت " مؤكدا هكذا لتغلق أبواب التردد والمماطلة ووساوس الشيطان أمام ابنتها ، ولتؤهلها نفسيا لتقبل أن تكون الحياة القادمة هي حياتها الأبدية . وقد عبرت عن بيت أبيها بالجو ، والجـو : الهواء ، والجـو ما بين السماء والأرض ، وهي كناية عن بيت أبيها ، وانما اختارت لفظ الجو على البيت ؛ لأن لفظ الجـو يـعنـي الـهـواء الذي استنشقته والعادات التي نشأت عليها ، واختلطت بتكوينها وصارت جزءا لا يتجزأ من حياتها ، ومع ذلك فإنها ستفارقها . وراء ذلك إيحاء بأن الحياة الجديدة سيكون لهـا جـو آخـر وهـواء مختلف وطبيعة جديدة ، وقد تصدم الفتاة المدللة إذا لم تهيأ نفسيا ، وعبرت بالماضي ' فارقت " مع أنها لم تفارق بعد ، تأكيدا على تحقق الفراق في الغد القريب ، فزمان الوصية ليلة العرس . وما أجمل أن تعتبر الأم بيت زوجها عشا لصغارها : " وخلفت العش الذي فيه درجت " ، على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية ، حيث شبهت بيت أبيها بعش الطائر ، بجامع الدفء والحنان والاحتضان ، ثم استعارت العش لبيت أبيها وهي استعارة عميقة تتغلغل في حنايا النفس البشرية لتبرز لك هذه الصورة الدافئة في ثوب حسي ، تـراه بعينيك وتلمسـه بيـديك وتشـعر بـه بـحسـك ومشاعرك ، فالوالـد كالطائر الذي ينطلـق صـباحا ليـوفر لفراخـه وصـغاره لقمـة العيش ، ويعـود مساء ليقـوتهم ويحميهم مـن غوائـل الزمـان ونـوازل الحـدثان وظلـم الظالمين وتطفـل المتطفلين ، إنه مصدر الأمن والأمان للأسرة ، معه يشعر الأبناء والزوجـة بالدفء الذي يشعر به الفراخ في عشهم مع أبيهم وأمهم ، فالبيت للفتاة بمثابة عش الطائر ، تديره أم بارعة وأب حنون ، ويبثان في أعطافه الدفء والحنان وقد عبرت هنا بالفعل " خلفت " ؛ للإشارة إلى الترك وضرورة عدم تعلق القلب . . ببيت أبيها ولاحـظ الجنـاس الناقص بين : " خرجت " و " درجت " ، بحـرف واحـد وهـو الحاء مع الدال وهو يتوافق صوتيا لكنه يختلف من حيث المادة ، ومادة كل كلمـة موافقة لسياق جملتها ، فالخروج ابتداء يكون من بيت الوالد ، ولذا عبرت معه بمن الابتدائية " الذي منه خرجت " وخروجها من بيت أبيها يكون وهي فتاة غضة جاهزة للزواج ، والدرج والدرجان يناسب تنقل الصغير في ربوع البيت ولعب الفراخ في حضـان العش ، قـال فـي اللسـان : " والـدرجان : مشية الشيخ والصبي ، ويقـال للصبي إذا دب وأخذ في الحركة : درج ، ودرج الشيخ والصبي يدرج درجا ودرجانا ودراجا فهو دارج : مشيا مشيا ضعيفا ودبا فالدرج يتوافـق مـع نشأة الفتاة وهي صغيرة ، فقد استوعبت بهذا الجنـاس الناقص بين " خرجت ودرجت " أطوار سن فتاتها منذ نعومة أظفارها حتى خروجها " من بيت أبيها لبيت زوجها ، واختيار حرف الظرفية " في " في قولها : " الذي فيه درجت يشعر بظرفية العش وأنه وطاء ممهد تدرج فيه الصغيرة حيث شاءت ثم قالت : " إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه " والوكر : عش الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ وهو الخروق في الحيطان والشجر وقال في أساس البلاغة : " ما دار في فكري نزولك في وكري . فـي قـول أمامة : " إلى وكر لـم تعرفيـه " استعارة تصريحية أصلية ؛ حيث شبهت بيت زوجها بعش الطائر ، بجامع الدفء والاحتضان والرعاية في كل منهما ، ثم استعارت الوكر الذي هو عش الطائر إلى بيت زوجها ، ووراءها إشعار بدفء الحياة الزوجية في أحضان بيت يقوده زوج حكيم يعرف ماله وما عليه . واختيـار لفظ الوكر هنـا مـع بيـت الزوج بينما العش مع بيت الأب ؛ لإلفها للأول وهو بيت أبيها ، وغموض الثاني بالنسبة لها ، فهو وكر لا تعرف ما يجري فيه ، ولذلك قالت : " لم تعرفيه " أي لا عهد لك به ، ومما يعضد ذلك تعريف العش هناك ؛ لقرب عهدها به فأل فيـه للعهد الذهني ، بينما نكرت الوكر مع الزوج ، لغموضه ، وهـي كلمـة تـوحـي بالرهبة بمادتها بخلاف العش مع بيت أبيها الذي يوحي بالدفء والأمان ـم صـرحت بصـاحب هـذا الـوكر وهـو زوجهـا فقالت : " وقـريـن لـم تألفيـه فزوجها هو قرينها ؛ لأنه مصاحب لها ملازم لعشرتها لا يفارقها ولا تفارقه ، وقد وصفت القرين بجملة : " لم تألفيه " يقال : ألف وجوده معه : أنس به اعتاد عليه عاشره فزوجها لم تألفه بعد ، ولم تأنس به ولم تتعود عشرته ، فهو غامض مجهول الحال ، ومن ثم يتوجب عليها أن تتحمل ما يصدر عنه وبين " تعرفيـه وتألفيـه " جنـاس نـاقص بحـرفين ، والحرفان هما العين مع الهمزة ، وكلاهما من مخرج واحد وهو الحلق ، والراء مع اللام وكلاهما من طرف اللسان ، والمعرفة غير الألفة ، فالإلف يقتضـي المعرفة بلا عكـس ، والمعرفة مناسبة للوكر لأنه مكان ، والإلف مناسب للزوج ، ولاحظ ذكر الوكر والقرين
: ـ الأول : يشعر بالدفء . كما سبق . والغموض ، وفيه إشارة إلى أنها تتقبله حتى ولو كان بسيطا ، فقد ذكروا عن الوكر أنه عش الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ ، وهو الخروق في الحيطان والشجر . " فكأنها تقول لابنتها : فلتعيشي في بيت زوجك حتى ولو كان عشا من طين ومن أوراق الشجر ، وفيه كذلك تفاؤل بإنجاب الولد يؤخذ ذلك من قولهم موضع الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ
والثاني : وهو القرين يشعر بدوام الملازمة والصحبة وعدم الانفكاك من أسره أو رباطه ، فكأنها تهيئها لحياة أبدية . ثم قالت : " فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا ، فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا " وقد عطفت الأم هذه الجملة بفاء التعقيب التي توحي بالسرعة ، وأنها بمجرد عقد زواجها صار زوجها مليكا عليها ورقيبا ، وقد دعمت " أصبح " هذا المعنى ؛ فسوف يكون في الصباح الباكر زوجا لها ، ودخلت باء السببية أي بسبب ملكـه عليك مع " على " التي تفيد الاستعلاء لتؤكد قوامـة الرجل على زوجته وأن ذلك من مقتضيات الفطرة ، بل ومن متطلبات المرأة السوية كاملة الأنوثة ، وقد جعلتـه بسبب عقـده عليهـا رقيبـا أي مراقبـا لأعمالهـا وحركاتهـا وسكناتها ، ووراء هـذا الوصف إيحاء لابنتها بأن تراعي تلك الرقابة التي ستكون عليها ومن ثم تصون نفسها من الزلل ، وصار عليها مليكا وهو صيغة مبالغة من الملك ، وهو ليس ملك يمين أو استرقاق أو عبودية ، وانما ملك قوامة واحتضان . وقد أردفت ذلك بقولها : " فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا " وهنا تبدأ الأم في الدخول في وصيتها شيئا فشيئا ، لكنها قبل أن تفصل الخصال العشر تتحفها بهذه الهدية الذهبية العامـة : " فكـونـي لـه أمـة يكن لك عبـدا وشيكا " والوشيك : السريع والقريب
وقد جاء الأسلوب في ثوب الإنشاء ، فهو أمر أريد به النصح والإرشـاد كـوني " وجوابه : " يكن " فالعطاء مقابل العطاء ، ومـن قـدم الخير حصـد الخير ، وانظر إلى بلاغة المرأة في الإتيان بلام الملكية أو التخصيص " له " أي خاصته وحده دون سواه ، والأمـة موادعة بطبيعتها الأصل فيها أن تكون سامعة مطيعة ، فشبهتها فيما ينبغي أن يكون عليه حالهـا بحـال الأمة الموادعة المطيعة وهو تشبيه تمثيلي ، لأنه تشبيه حال بحال ووجه الشبه مركب ، فهي لم تقصد أن تشبهها بالأمة فحسب ، وإنما حالها بحال الأمة ، والنتيجة : " يكن لك عبدا وشيكا " فالجزاء من جنس العمل ولام الملك أو التخصيص جاءت معها كذلك ردا لمعروفها وحسن عشرتها لزوجها إنه لن يكون لها كالعبد في الذلة والانكسار وإنما يكون حاله معها كحال العبد مع سيده في الموادعة وحسن السمع والطاعة والخوف عليه ، وهل يتوقع السيد الإيذاء من عبده ؟ وهو ليس عبدا فقط ، وانما عبدا وشيكا ، أي سريعا قريب الإجابة قريبا منك هكذا بصيغة المبالغة لقـد صـورت لنا الأم الحكيمـة حـال الحيـاة الزوجيـة الرغدة الهانئة الساكنة السعيدة في حسن طاعة المرأة لزوجها وعدم ادخارها جهدا في إسعاده ، وكذلك حسن معاملة الزوج لزوجته تبعا كرد فعل طبعي وفطري لأدبها ، فمن يزرع العنب يجني العنب ، ومـن يـزرع الشـوك يجنـي شـوكا وحنظلا ، شبهت تلك الحال بحـال الأمة مع سيدها والعبد مع مولاته ، فالأمة مطيعة لسيدها خادمة له رهن إشارته تسعى لإرضائه واشباعه ، حينئذ يحبها سيدها ويعشقها ، وربما حملت منه وصارت أم ولد وتحولت حرة ، وكذلك العبد الهادئ الطباع مع سيده أو مولاته ، حين يكون طائعا سميعا تحمله فوق رأسها ، وهكذا الحياة بين الزوجين حين تكون على هذا الـوتر ، تكـون حياة آمنة تنتشر فيها السعادة والسكينة ، ويـدفئها الحـب والمـودة والرحمة والعطاء ثم بدأت الأم في إتحاف فتاتها بوصاياها العشر الذهبية فقالت : أي بنية ، احملي عنى عشر خصال ، تكن لك ذخرا وذكرا .
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
Le transport de l’énergie électrique qui essentiel au fonctionnement des sociétés modernes, nécessit...
**آداب مع الله عز وجل:** طيوه فإن تهتدو كل على فضل الله عز وجل معرفة بحسن الاختيار ولله على الله قم...
الأرضيات الذكية المنتجة للطاقة هي تقنية حديثة تهدف إلى تحويل الطاقة الحركية الناتجة عن حركة المشاة إ...
من المؤسف أن البعض يقلل من Zahide بسبب نجاحها على تيك توك، لكن هذا ناتج عن الحقد والغيرة. يجب على هؤ...
المبحث الأول: المصالحة في الجرائم الجمركية أصبحت فكرة المصالحة الجمركية سائدة، حيث فرضت نفسها ...
خضع الأردن للانتداب البريطاني، وكان سمو الأمير عبد االله بن الحسين المؤسس قد زار بريطانيا أواخر 192...
في ظل الوضع الحالي لمنهجية التحسين، وقدرة مبادئ الإنتاج الرشيق على معالجتها، بالإضافة إلى البساطة ال...
أسس وفلسفة التربية الرياضية: الفصل الأول الفلسفة هي دراسة الأسئلة الأساسية المتعلقة بالوجود، الحقيقة...
Introduction The nervous system coordinates the activities of many other organ systems. It activat...
(I) ALYAHAR KG, a co-educational government school in Alyahar Al Ain outskirts, serves KG1-KG2 with...
عندما باشرت آن الذهاب إلى المدرسة في اليوم الأول من شهرايلول. راقبتها ماريلا وصدرها يعتلج بالوساوس ا...
تعد الاسرة المكون الاساسي للمجتمع والذي هو عبارة عن مجموعة من الاسر المترابطة فيما بينها, و التي تتق...