لخّصلي

عفــاف فتــاة يف عمــر الزهــور، اكتســت مــن خيــوط الشــمس لونــا، ً هـدوء القمـر سـمتا، ومـن عيـون بلدتهـا الثـر وأطــول أخواتهــا الثمانيــة، لــم تكــن تعــرف يف تعاملهــا مــع ذويهــا يف أســرتها الكبيــرة املمتــدة قــول ال، حتــى لــو كان علــى حســاب صحتهــا أو صحبتهــا. كانـت النحلـة التـي تتنقـل بـن البسـاتني تشـم الرحيـق، وتنقـل بـذور الثمـار واألزهـار، إال أنهـا لـم تكـن تلسـع مـن ينـال منهــا حيــاء حينــا، وحرصــا علــى إبقــاء أواصــر املــودة واإلحســان، ،مســاعدة ومـا زالـت علـى العهـد خفيفـة الوثبـة قصيـرة اللسـان إرادتهـا صلبـة، وصديقتــه املقربــة، وحنانهـا صـادق، ّــا، ّت األيــام تطــوي األحــداث طي همومــه وأقــداره . مــر حتـى جـاء ذلـك اليـوم الظالـم يف طي األســود يف شــدة مصائبــه، بئيــس علــى عفــاف لتصبــح بســببه فتــاة البــؤس، ومــن أيــن ميكــن أن يــدور يف أجمـل أخواتهـا، وأصـدق أترابهـا، وأسـرع ربـات ً وأسـمقها حسـبا، وأرفعهـا نسـبا، وهـي قبلـة كل محتـاج، وملجـأ كل مسـتغيث . كل هـذة املعانـي كانـت حاضـرة يف ذهـن عفـاف، ّ اليـوم؟ لقـد قالـوا: " دنسـت عفـاف شـرف العائلـة " !!!! أمــر جلــل، وخطــب عســير، أضــاع فيــه احلليــم حلمــه، ذهنـه، وقـع علـى أبيهـا وقع القضاء ا ُمل َكـم، والبـركان احلـارق، فمـاذا عسـى والدهـا أن يفعـل وقـد اسـتغلقت عليـه ّن مـن ذكريـات عفـاف احلبيبـة ووراء ذاك الشـريط دخـان نـار العـار تفسـد تسلسـله، وتقبـض مضجعـه، وهـو بـن املشـهدين كمـن فقـد دليلـه يف فيفـاء مقفـرة، ليــل حالــك وبــرد قــاص . هــل يصــدق أذنــه التــي ســمعت مــا قالــه النــاس أم أن تسـأل ابنتـه؟ هـل سـيقوى قلبـه علـى رؤيـة فلـذة كبـده وهـي تبكـي بدمـوع تنهمـر كاملطـر، املصيـري كمـا فعلـه كثيـر مـن النـاس فيغسـل عـاره بيـده، ويطفـئ لهيـب الثـأر ُسـكت كل لسـان وي وكأنهـا عاصفـة هوجـاء هب شـديد الفــراش ثــا ٍ ث ليــال، فأصابتهــا حمــى شــديدة أفقدتهــا وعيهــا، ّرت قوتها، وكانـت كلنـا اشـتدت عليهـا احلمـى لـم يكـن يجـري وخـو ّـا يفـوق علـى لسـانها إال مـا يسـيطر علـى جنانهـا، إنـه اسـم أبيهـا الـذي أحبتـه حب ّل، فأمرهـا وجتلـه إجـا ّ ال ال حـد لـه، كيـف ال وهـي ابنتـه املد ونَف ّ ــس متهــدج، فالعيــون ّ ـا رأتـه ّ ّ ة،

عفــاف فتــاة يف عمــر الزهــور، اكتســت مــن خيــوط الشــمس لونــا، ومــن
ّ ً ة كرمـا، أكبر شـقيقاتها السـبع،
ً هـدوء القمـر سـمتا، ومـن عيـون بلدتهـا الثـر
وأطــول أخواتهــا الثمانيــة، لــم تكــن تعــرف يف تعاملهــا مــع ذويهــا يف أســرتها
الكبيــرة املمتــدة قــول ال، حتــى لــو كان علــى حســاب صحتهــا أو صحبتهــا.
ّ
. كانـت النحلـة التـي تتنقـل بـن البسـاتني تشـم الرحيـق، وتنقـل بـذور الثمـار
واألزهـار، و تنتـج العسـل الـذي فيـه الشـفاء، إال أنهـا لـم تكـن تلسـع مـن ينـال
منهــا حيــاء حينــا، وحرصــا علــى إبقــاء أواصــر املــودة واإلحســان، ،مســاعدة
األهــل واجليــران، وبــث البســمة بــن األتــراب واألقــران ...
مضـت األعـوام وكبـرت عفـاف حتـى غـدت أجمـل بنـات عائلتهـا بـل بنـات
قريتهـا، ومـا زالـت علـى العهـد خفيفـة الوثبـة قصيـرة اللسـان إرادتهـا صلبـة،
ّ فكانــت ابنتــه املدل ّ لــة، وصديقتــه املقربــة، يبــث إليهــا أســراره، ويشــاركها ّ وحسـها مرهـف، وحنانهـا صـادق، ممـا زاد يف حـب أهلهـا لهـا وخاصـة أباهـا،
ّــا، وترســم الذكريــات
ّت األيــام تطــوي األحــداث طي
همومــه وأقــداره ... مــر
ّاتهـا، الطويـل يف دقائقـه وسـاعاته،
رسـما، حتـى جـاء ذلـك اليـوم الظالـم يف طي
األســود يف شــدة مصائبــه، احلنظــل يف مــرارة أخبــاره، جــاء ذلــك اليــوم بخبــر
بئيــس علــى عفــاف لتصبــح بســببه فتــاة البــؤس، ومــن أيــن ميكــن أن يــدور يف
خلدهــا أو ميــر بطيفهــا بــؤس كهــذا؟ وهــي مــن هــي ؟ وأســرتها مــن أســرتها؟
أمـا هـي ففتـاة أبيهـا املدللـة، أجمـل أخواتهـا، وأصـدق أترابهـا، وأسـرع ربـات
ّ املنـازل، وأحرصهـن ّ علـى بـث احملبـة واملـودة يف أسـرتها، وأمـا أسـرتها فأكثـر
،ً وأسـمقها حسـبا، وأرفعهـا نسـبا، وهـي قبلـة كل محتـاج، ومحـج
األسـر ثـراء
كل مسـتنصح، وملجـأ كل مسـتغيث ... كل هـذة املعانـي كانـت حاضـرة يف
ذهـن عفـاف، وال تغيـب عـن بـال أهـل بلدتهـا رجـاال ونسـاء .... فمـا خطـب ذلـك
ّ اليـوم؟ لقـد قالـوا: " دنسـت عفـاف شـرف العائلـة " !!!!
49
أمــر جلــل، وخطــب عســير، أضــاع فيــه احلليــم حلمــه، وفقــد فيــه احلكيــم
ذهنـه، وقـع علـى أبيهـا وقع القضاء ا ُمل َكـم، والفتل املبرم، فكان كالزلزال
املاحـق، والبـركان احلـارق، فمـاذا عسـى والدهـا أن يفعـل وقـد اسـتغلقت عليـه
ّن مـن ذكريـات عفـاف احلبيبـة
الدوائـر ودار فيهـا دوران احلائـر ؟؟؟ وشـريط ملـو
ُ الصديقــة الرصينــة يــدور زمامــه، ذكريــات تعبــق باحملبــة، وتتــوج بالوفــاء،
وتشـهد بالعفـة، ووراء ذاك الشـريط دخـان نـار العـار تفسـد تسلسـله، وتقبـض
مضجعـه، وهـو بـن املشـهدين كمـن فقـد دليلـه يف فيفـاء مقفـرة، يجللهـا سـواد
ليــل حالــك وبــرد قــاص ... هــل يصــدق أذنــه التــي ســمعت مــا قالــه النــاس أم
يصـدق قلبـه الـذي مـا عهـد علـى عفـاف إال العفـاف؟ هـل سيسـمح حلكمتـه ؟
أن تسـأل ابنتـه؟ هـل سـيقوى قلبـه علـى رؤيـة فلـذة كبـده وهـي تبكـي بدمـوع
تنهمـر كاملطـر، وتنسـكب كالـدرر، وحتـرق كالشـرر؟ أم سـيأخذ قـراره
املصيـري كمـا فعلـه كثيـر مـن النـاس فيغسـل عـاره بيـده، ويطفـئ لهيـب الثـأر
ُخيـف كل جنـان ؟؟؟؟
ُسـكت كل لسـان وي
بدمهـا، في
ســيل متدفــق مــن هــذه األفــكار وغيرهــا كانــت تعصــف يف رأس أبيهــا،
ّـط يف
ّ َّ ـت علـى سـفينة متهالكـة بشـراع ممـزق تتخب
وكأنهـا عاصفـة هوجـاء هب
محيـط دامـس الظـام، عالـي املـوج، متالطـم املـاء، عاصـف الريـاح، شـديد
األمطـار، وأمـا عفـاف فمـا إن وصلهـا اخلبـر كالبـرق الصاعـق حتـى طرحهـا
الفــراش ثــا ٍ ث ليــال، فأصابتهــا حمــى شــديدة أفقدتهــا وعيهــا، وســلبتها
ّرت قوتها،وكانـت كلنـا اشـتدت عليهـا احلمـى لـم يكـن يجـري
إرادتهـا، وخـو
ّـا يفـوق
علـى لسـانها إال مـا يسـيطر علـى جنانهـا، إنـه اسـم أبيهـا الـذي أحبتـه حب
ّل،فأمرهـا
ّ كل وصـف، وجتلـه إجـا ّ ال ال حـد لـه، كيـف ال وهـي ابنتـه املد
مطـاع، وطلبهـا مسـتطاع، وشـفاعتها ال تقبـل اإلرجـاع ..
َ وأخيــرا دخــل والدهــا حجرتهــا بقلــب مضطــرب، ونَف ّ ــس متهــدج، فالعيــون
ّ ـا رأتـه
ّ ّ ة، واألفـكار مسـود َ ة، واأليـدي ترجتـف، والفرائـص ترتعـد، فلم
محمـر
عفـاف حتاملـت علـى نفسـها، وتعالـت علـى جرحهـا، وتسـامت علـى وجعهـا،
ّ ّ لــة يــده، الثمــة خــه،
وأبــت إال أن تســتقبل والدهــا اســتقبالها املعهــود، مقب
ّ وااللتحــام
ففعلــت، ومــن الفــراش نهضــت .. ويف ذروة هــذا التناغــم الروحــي
50
ّ اجلســدي والعطــف األبــوي خشــي والدهــا علــى نفســه أن تضعــف أمــام هــذا
الطوفــان مــن احلــب والــوداد، فيتراجــع عمــا عــزم يف نفســه عليــه، فبادرهــا
ّ ّ ـه، فاسـتفاقت عفـاف مـن حلمهـا الـوردي
بطعنـة خنجـر كان قـد أخفـاه يف كم
علـى طعنـة رأتهـا وخـزة يف جنبهـا، صرخـت باسـتحياء أمـام أبيهـا مسـتجيرة بـه
مـن يـد تدغدغهـا، فعاجلهـا بطعنـة ثانيـة يف خاصـرة ابنتـه حبيبـة األمـس، وعـار
اليــوم - كمــا يظــن - فجعلتهــا تلتصــق بصــدر أبيهــا أكثــر، التصاقــا جعلــه
ّ ّ ــه، وينفــض غبــار اإلثــم عــن عقلــه، فمــد يــده عبثــا لتضميــد
يســتفيق مــن غي
حراحهـا، ورفـع صوتـه مسـتنجدا، وعـا نحييبـه مسـتغيثا، ولكـن األوان قـد
فـات، فضربـات قلـب عفـاف بـدأت تخفـت، وقواهـا أصبحـت تخـور، لكنهـا
تشـبثت بصـدر أبيهـا، ولـم تتركـه حتـى قالـت - وهـي تلفـظ أنفاسـها األخيـرة
:- " قــد ظلمنــي النــاس يــا أبتــي، فليســامحك ا ّلل يــا حبيبــي !!