خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
كما قال الله في حقه وملته : ﴿وَجحدوا بِها وَاسْتَفَنَهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَكُلُوا [النمل : ١٤]. ولكنهم لا يقرون بذلك . أما إذا ويترك ما نهى عنه من أعمال ؛ ولوم الذين لا يلزمون أنفسهم بالصغير والكبير من أمر الإسلام وسنة ولم يمنعه الموت الذي نزل به من أن يرشد ذلك الرجل إلى أمر يعده كثير من الناس اليوم من القشور التي لا يجوز أن يُعنى بها . كل من أنكر العقيدة إنكاراً كلياً كالشيوعيين الذين ينكرون وجود الله ويكذبون الرسل، لأن القرآن إما حديث مباشر عن الله تعالى: ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله كآية الكرسي، أولاً : أدلة وجود الله - تعالى - ورد الشبهات التي تثار حول هذا الموضوع . بِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) [ ص: ۸۲-۸۳] . وفي القرآن (قال قرينه ربنا ماأطغيته وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) ق : ۲۷] ورغبت القلوب إلى ربها بصدق وإخلاص، . ولكنهم كانوا ومن المعروف أن العرب كانوا يعظمون الكعبة الناس - اليوم كان حرياً بنا ألا نقف عند أدلة وجود الله كثيراً ؛ وأصبح لها فلسفة تدرس، يقول تعالى : ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور : ٣٥-٣٦] . والأثر يدل على المسير، فماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده، فأخذ العلماء يبحثون عن محتوياتها ويحاولون أن يحققوا العصر الذي بنيت فيه، ولأن الشيء لا يستطيع أن يوجد نفسه . وتباين أكنافها من غير صانع ولا حافظ ؟! فبكوا جميعاً، وقالوا: صدقت وتابوا . فلا تكاد الآية تلامس السمع حتى تزلزل النفس وتهزها . ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجة فإذ قد أنكروا الإله الخالق، أفهم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في الفساد أكثر، وإذا كانت السماء والأرض لم توجدا نفسيهما، وإذا كان هؤلاء لا يستطيعون الادعاء بأنهم أوجدوا ذلك كله، وتتابع سلسلتها حلقة حلقة حتى تشهد بداية العالم، المبحث الثاني الرد على شبهات الملحدين في نشأة الكون ١ - القول بالمصادفة يقول وحيد الدين خان (۱) بعد نقله لهذه الفقرة من كلام (هكسلي ) (٢) : ( إن أي كلام من هذا القبيل لغو مثير بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان، وصدق الله في وصفه للإنسان ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: (٧٢] (١) . وهذه فرية راجت في عصرنا هذا ، وعلل كثيرون وجود الأشياء وحدوثها بها، ذوات الأشياء؟ أم تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي تحكم الكون؟ أم تريدون بها قوة أخرى وراء هذا الكون أوجدته وأبدعته؟
الفصل الثاني علاق العقيدة بالايمان والشريعة المبحث الأول : علاق العقيدة بالايمان امتدح الله في كتابه الإيمان وأهل الإيمان مثل قول : (قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: ١] ، وقال فيهم : ( أَوَلَيْكَ عَلَى هودًى من رَّبِّهِمْ وَأَوْلِئِكَ هُمُ). الْمُفْلِحُونَ ) [البقرة : ٥]، ووعدهم بالجنة : ( أَوَلَيْكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفَرْدَوسَ هُمْ بِهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون : ۱۰-۱۱] . تمثل قاعدة الإيمان وأصله، فالإيمان عقيدة تستقر في القلب مستقراً يلازمه، ولا ينفك عنها، ويعلن صاحبها بلسانه عن العقيدة المستكنة في قلبه، وصدق المصطلح والقول للعمل المجمعة هذه العقيدة التي تستكن في القلب، ولا يكون هناك في العقيدة الخاوية جمعت، لا تستحق أن تسمى العقيدة، وقد سمعنا كثيرًا من الناس يعرفون الحقيقة على وجهها، ولكنهم لا يعرفونها، يصوغون شخصيتها وفقها، بل قد يعارضون الحق الذي استيقنوه ويحاربونه، فهذا إبليس يعرف المعرفة الكبرى الإيمانية، ويعرف الله، ويعرف صدق الرسل والكتب، ولكن نذر نفسه الثقيل الحق الذي يعرفه. وفرعون كان يوقن المعلومات المعجزات التي جاء بها موسى إنما هي من عند الله، ولكن جحدها استكباراً وعلواً، كما قال الله في حقه وملته : ﴿وَجحدوا بِها وَاسْتَفَنَهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَكُلُوا [النمل : ١٤].
وقد خاطب موسى فرعون قائلاً : ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بصَائرَ [الإسراء : ١٠٢].
وأهل الكتاب يعرفون أن محمداً مرسل من ريه: ﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبناء هم [البقرة : ١٤٦]، ولكنهم لا يقرون بذلك .
واسمع إلى قول أبي طالب يخاطب الرسول ﷺ معتذراً لعدم إيمانه : ولقد علمت بأن دين محمد لولا العلامة أو حذار مبة من خير أديان البرية ديناً لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً إذن ليس الإيمان مجرد معرفة باردة بالله، أو معرفة يستعلي صاحبها عن الإقرار بها، أو يرفض أن ينصاع لحكمها، بل هي عقيدة رضي بها قلب
صاحبها، وأعلن عنها بلسانه، وارتضى المنهج الذي صاغه الله متصلاً بها . ولذلك قال علماء السلف : الإيمان: اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان
وعمل بالأركان (1) . المبحث الثاني : صلة العقيدة بالشريعة
الإيمان كما ذكرنا له شطران: عقيدة نقية راسخة تستكن في القلب، وعمل يظهر على الجوارح، فإذا فقد أحد الركنين، فإن الإيمان يزول أو يختل ؛ إذ
الاتصال بين الطرفين وثيق جداً.
مثل الإيمان كشجرة طيبة ضاربة بجذورها في الأرض الطبية، وباسقة بسوقها في السماء، مزهرة مثمرة معطاءة تعطي أكلها كل حين بإذن ربها، فالإيمان هو الشجرة وجذورها العقيدة التي تغلغلت في قلب صاحبها،
والسوق والفروع والثمار هي العمل .
ولا شك أن الجذور إذا خلعت أو تعفنت فدت الشجرة، ويست، ولم
يبق لها وجود، وكذلك الإيمان لا يبقى له وجود إذا زالت العقيدة، أما إذا
قطعت الساق والفروع أو قطع بعض منها فإنّ الشجرة تضعف وتهزل، وقد تموت كلياً، لأن وجود الفروع والأوراق ضروري كي تحافظ الشجرة على بقائها، وكذلك الأعمال إذا تركت أو ترك جزء منها، فإن الإيمان ينقص أو
يزول .
البحث الثالث : العناية بالعمل
ومن هنا يجب الاعتناء بفعل الأعمال التي فرضها الله علينا، أو حبب إلينا القيام بها، ويترك ما نهى عنه من أعمال ؛ لأن ذلك جزء من الإيمان، فالعمل المتروك - وإن كان قليلاً - ينقص من الإيمان بذلك المقدار .
ومن هنا يجب أن يتبه الذين يهوتون من شأن العمل بسنة الرسول ﷺ والتزامها إلى خطورة موقفهم، وقد يتعدى بعض هؤلاء طوره، فيصف أموراً من السنن أو الدين بأنها قشور، ونسأل الله أن يعفو عن هؤلاء، فإن الدين كله
لباب لا قشور فيه، وإن تفاوتت أمور الدين في الأهمية .
ولا يفهم من قولنا أننا لا تعنى بالأولويات في العلم والعمل والدعوة إلى الله، فهذا أمر ينبغي أن يكون مقرراً ومعلوماً، ولكن الذي ننكره هو ترك الجزئيات، ولوم الذين لا يلزمون أنفسهم بالصغير والكبير من أمر الإسلام وسنة
المصطفى .
وكم يؤثر في نفسي مشهد عمر عندما طعن، ودخل عليه شاب، وقال لعمر قولاً حسناً، فلما أدبر الشاب ليخرج، إذا إزاره يمس الأرض، فدعاه عمر وقال له : يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك (1) ، ولم يمنعه الموت الذي نزل به من أن يرشد ذلك الرجل إلى أمر يعده كثير من الناس اليوم
من القشور التي لا يجوز أن يُعنى بها .
الإيمان والكفر
البحث الأول : حكم إنكار العقيدة
كل من أنكر العقيدة إنكاراً كلياً كالشيوعيين الذين ينكرون وجود الله ويكذبون الرسل، والكتب، ولا يؤمنون بالمصير والجزاء، أو أنكر جزءاً من العقيدة، فإنه كافر غير مسلم، ويجب أن يُعلم أن العقيدة الإسلامية لا تقبل
التجزئة أبداً ؛ لأنها وحدة مترابطة أشدّ الترابط .
فالإيمان بالله يقتضي الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، والإيمان بالكتب يتضمن بقية أصول الإيمان والإيمان بالرسول ﷺ يعني تصديقه فيما أخبر . لذا فقد عد الله من آمن بأصل وكفر بآخر كافراً حقاً،
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سبيلاً ، أَوْ لَيْكَ هُمُ الكَفِرُونَ حَقًّا ﴾ [النساء : ١٥٠-١٥١]. والتكذيب بجزئية من جزئيات الأصول الاعتقادية مما ثبت في الكتاب أو السنة ثبوتاً قاطعاً يُعد كفراً،
كإنكار رسول من الرسل أو ملك من الملائكة .
المبحث الثاني : الأعمال والأقوال التي تعد كفرا
ليس الكفر هو إنكار الأصول الاعتقادية فحسب، بل هناك أعمال فعلها كفر، ويمكن تحديدها بعبارة واحدة : عبادة غير الله) فالعبادة حق الله وحده، غيره، فغيره فيه الباطل والصالح، والإسلام صلاح كله، ومهمتنا أن نبقي كتاب ربنا ودينه متميزين و قد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) [البقرة : ٢٥٦] حتى يفيء إليه الناس فيجدوه صافياً غير مخلوط .
وقد ذم الله هذا الصنف من الناس الذين يريدون مزج الإسلام بغيره والالتقاء في منتصف الطريق بزعم التوفيق، وأخبر أن هذا فعل المنافقين ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا . فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) [النساء : ٦١-٦٢].
تمهيد : أهمية هذا الأصل :
الباب الثاني
الإيمان بالله
الأصل الأول من الأصول الاعتقادية هو الإيمان بالله، وهذا الأصل هو أهم الأصول الاعتقادية والعملية، وعليه مدار الإسلام، وهو لب القرآن ، ولا نبالغ إذا قلنا : إن القرآن كله حديث عن هذا الإيمان ؛ لأن القرآن إما حديث مباشر عن الله تعالى: ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله كآية الكرسي، وسورة
الإخلاص.
وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وترك ما يُعبد من دونه من آلهة باطلة، وهذا كله تعريف بالله، ودعوة للقيام بحقه ونهي عن صرف ذلك لغيره .
وإما أمر بطاعته سبحانه، ونهي عن معصيته، وهذا من لوازم الإيمان. وإما إخبار عن أهل الإيمان وما فعل بهم في الدنيا من الكرامة، وما يثيبهم به في الآخرة، وهذا جزاء أهل الإيمان بالله .
وإما إخبار عن الكافرين، وما فعل الله بهم في الدنيا من النكال، وما سيفعل بهم في الآخرة في دار العذاب، وهذا جزاء من أعرض عن الإيمان .
فالقرآن كله حديث عن الإيمان بالله، يوضح هذا أننا نجد أن ذكر الله قد تكرر في القرآن باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته (١٠٠٦٢) مرة أي في الصفحة الواحدة قرابة عشرين مرة في المتوسط . إننا نستطيع أن نقول: إن الإيمان بالله بالنسبة لبقية الأصول والفروع كأصل الشجرة بالنسبة للسوق والفروع، فهو أصل الأصول، وقاعدة الدين، وكلما كان
حظ المرء من الإيمان بالله عظيماً كان حظه في الإسلام كبيراً .
مسائل الإيمان بالله :
مسائل هذا الباب التي لا بد للباحث من عرضها وتمحيصها هي :
أولاً : أدلة وجود الله - تعالى - ورد الشبهات التي تثار حول هذا الموضوع .
ثانياً : التعريف بالله سبحانه - وهذا يتم في القرآن من خلال طريقين: ١- بيان ما في المخلوقات من إبداع وإعجاز تدل على عظيم قدرة الله
وبديع صنعه .
٢- دراسة الآيات القرآنية التي تتحدث عن الله حديثاً مباشراً: ذاته
وأسمائه وصفاته، وأفعاله .
ثالثاً : توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دونه .
رابعاً : نظرة في تاريخ العقيدة الإلهية، وتحقيق القول في ذلك.
الفصل الأول
أدلة وجود الخالق جل وعلا والرد على الملحدين في نشأة الكون
المبحث الأول أدلة وجود الخالق جل وعلا
الدليل الأول: دليل الفطرة
الفطرة السليمة تشهد بوجود الله من غير دليل :
لم يطل القرآن في الاستدلال على وجود الله تعالى، لأن القرآن يقرر أن الفطر السليمة، والنفوس التي لم تتقدر بأقذار الشرك، تقر بوجوده من غير دليل، وليس كذلك فقط، بل إن توحيده - سبحانه - أمر فطري بدهي ( فأقيم وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَسِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
القيم [الروم : ٣٠].
وهي متقدمة ).
هذه الفطرة هي التي تفسر الظاهرة التي لاحظها الباحثون في تاريخ الأديان ان الأمم جميعاً - التي درسوا تاريخها - اتخلت معبودات تتجه إليها
وقد يقال هنا : لو كان التوجه إلى الله أمراً فطرياً لما عبد الناس في مختلف العصور آلهة شتى .
والجواب: أن الفطرة تدعو المرء إلى الاتجاه إلى الخالق، لكن الإنسان
تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف حينما يتجه إلى المعبود الحق. فما يغرسه الآباء في نفوس الأبناء، وما يلقيه الكتاب والمعلمون والباحثون في أفكار الناشئة يبدل هذه الفطرة ويقدرها، ويلقي عليها غشاوة، فلا تتجه إلى
الحقيقة .
وقد نص الرسول على صدق هذا الذي قررناه، ففي صحيحي البخاري
ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجانه) (۱). ولم يقل
يلمانه، لأن الإسلام موافق للفطرة .
وقد يقال : إذا تركنا الطفل من غير أن تؤثر في فطرته هل يخرج موحداً عارفاً برته، فنقول : إذا ترك شياطين الإنس البشر، ولم يدنسوا فطرهم، فإن شياطين الجن لن يتركوهم، فقد أخذ الشيطان على نفسه العهد بإضلال بني آدم : ﴿ قَالَ
بِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) [ ص: ۸۲-۸۳] . وأعطي الشيطان القدرة على أن يصل إلى قلب الإنسان، كما في الحديث الصحيح (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف
في قلوبكما شرا) أو قال : (شيئا ) (٢).
والقرآن وصف الشيطان المطلوب الاستعاذة منه بأنّه يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) [ الناس : ٥] ، وقد صح أيضاً أن لكل إنسان قرينا من الجن يأمره بالشر، ويحثه عليه، وفي القرآن (قال قرينه ربنا ماأطغيته وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)
ق : ۲۷]
ولا يتخلص المرء من هذا إلا بالالتجاء إلى الله ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ١-٦] .
وشياطين الجن يقومون بدور كبير في إفساد الفطرة وتدنيسها، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله ﷺ خطب ذات يوم، فكان مما جاء في خطبته : ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا : كل مال نحلته (۱) عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أنتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا) (٢) .
المصائب تصفي جوهر الفطرة :
لضر نزل به وكثيراً ما تنكشف الحجب عن الفطرة، فتزول عنها الغشاوة التي رانت عليها عندما تصاب بمصاب أليم، أو تقع في مأزق لا تجد فيه من البشر عوناً، وتفقد أسباب النجاة، فكم من ملحد عرف ربه وآب إليه عندما أحيط به، وكم من مشرك أخلص دينه الله حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ . هم بريج طيبة وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَ تَهَا رِيحُ ارِيحُ عَاصِفٌ رَجَاءَ هُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانِ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أَحِيطَ بهم دعوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس : ١٠] .
وقد سمعنا كيف آب ركاب طائرة ما إلى ربهم عندما أصاب طائرتهم خلل فأخذت تهتز وتميل، وتتأرجح في الفضاء والطيار لا يملك من أمره شيئاً فضلاً عن الركاب، هناك اختفى الإلحاد، وضجّت الألسنة بالدعاء، ورغبت القلوب إلى ربها بصدق وإخلاص، ولم يبق للشرك والإلحاد وجود في مثل
هذا الموقف الرهيب.
المشركون الذين بعث إليهم الرسول كانوا يقرون بوجود الخالق :
العرب الذين جابههم الرسول ﷺ كانوا مقرين بوجود الله، وأنه الخالق وحده للكون، كما يقرون بأنه وحده الرازق النافع الضار، . ولكنهم كانوا
يعبدون غيره معه، ولا يخلصون دينهم الله وحده .
وفي معرض إلزام المشركين بالعبودية لله وحده وإخلاص الدين له كان يسألهم عن الخالق المالك للسماء والأرض، فكانوا يعترفون، ولا ينكرون
) وَلَئِن سَأَلَتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لقمان : ٢٥] .
وفي سورة المؤمنون ) قُل لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) [المؤمنون: ٨٤-٨٩]. ومن المعروف أن العرب كانوا يعظمون الكعبة
ويحجون، ولهم بقية من عبادات يتسكون بها .
الناس - اليوم
كان حرياً بنا ألا نقف عند أدلة وجود الله كثيراً ؛ لأن الفطرة الإنسانية تشهد
بذلك، ولا يكاد يعرف منكر لوجود الخالق في الماضي إلا النزر اليسير، وهم لا يمثلون في البشرية نسبة تذكر.
إلا أن الانحراف اليوم وصل الدرك الأسفل، فأصبحنا نرى أقواماً يزعمون أن لا خالق، ويجعلون هذه المقولة مذهباً يقيمون عليه حياتهم، وقامت دول
على هذا المذهب تعد بمئات الملايين من البشر . وانتشرت هذه المقولة في كل مكان، وألفت فيها كتب، وأصبح لها فلسفة تدرس، وحاول أصحابها أن يسموها بالمنهج العلمي، ويدللوا عليها .
من أجل ذلك كان لا بد أن نتوسع شيئاً ما في الاستدلال على هذه القضية.
الدليل الثاني: المخلوق لا بد له من خالق
يحتج القرآن على المكذبين المنكرين بحجة لا بد للعقول من الإقرار بها، ولا يجوز في منطق العقل السليم رفضها، يقول تعالى : ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور : ٣٥-٣٦] .
يقول لهم: أنتم موجودون هذه حقيقة لا تنكرونها، وكذلك السموات والأرض موجودتان، ولا شك .
وقد تقرر في العقول أن الموجود لا بد من سبب لوجوده، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء، فيقول: البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدل على المسير، فماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير. ويدركه كبار العلماء الباحثين في الحياة والأحياء.
وهذا الذي أشارت إليه الآية هو الذي يعرف عند العلماء باسم : (قانون السببية). هذا القانون يقول : إن شيئاً من الممكنات) ولا يحدث بنفسه من غير شيء؛ لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده، ولا يستقل بإحداث شيء؛ لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئاً لا يملكه هو .
ولنضرب مثالاً نوضح به هذا القانون :
منذ سنوات تكشفت الرمال في صحراء الربع الخالي إثر عواصف هبت على المنطقة عن بقايا مدينة كانت مطموسة في الرمال، فأخذ العلماء يبحثون عن محتوياتها ويحاولون أن يحققوا العصر الذي بنيت فيه، ولم يتبادر إلى ذهر شخص واحد من علماء الآثار أو من غيرهم أن هذه المدينة وجدت بفعل العوامل الطبيعية من الرياح والأمطار والحرارة والبرودة لا بفعل الإنسان.
ولو قال بذلك واحد من الناس لعده الناس مخرفاً يستحق الشفقة والرحمة
فكيف لو قال شخص ما : إنّ هذه المدينة تكونت في الهواء من لا شيء في الأزمنة البعيدة، ثم رست على الأرض؟ إن هذا القول لا يقل غرابة عن سابقه ،
بل يفوقه .
لماذا؟ لأن العدم لا يوجد شيئاً، هذا أمر مقرر في بدائه العقول، ولأن الشيء لا يستطيع أن يوجد نفسه .
والمدينة على النحو الذي نعرفه لا بد لها من موجد والفعل يشي، ويعرف بصانحه، فلا بد أن تكون المدينة صناعة قوم عقلاء يحسنون البناء والتنسيق.
ولو رأينا إنساناً انتقل من أسفل بناية إلى أعلاها فلا نستكر ذلك، ولا نستغربه، لأن الإنسان لديه القدرة على ذلك .
فإذا رأينا حجراً كان في ساحة البناية قد انتقل إلى أعلاها، فإننا نجزم بأنه لم ينتقل بنفسه، بل لا بد من شخص رفعه ونقله ؛ لأن الحجر ليس لديه خاصية الحركة والصعود.
ومن الغريب أن الناس يجزمون بأن المدينة لا يمكن أن توجد من غير موجد، ولا يمكن أن تبني نفسها، ويجزمون بأنه لا بد للحجر من شخص صعد به إلى أعلى، ولكن يوجد فيهم من يجيز أن يصنع الكون من غير صانع ويوجد من غير موجد، مع أن بناء الكون أشدّ تعقيداً وأعظم خلقة ( لَخَلْقُ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] .
ولكن المنكرين عندما يواجهون بذلك بمنطق علمي يخاطب العقل، لا
يستطيعون إلا أن يقروا أو يكابروا.
وبهذا الدليل كان علماء الإسلام ولا يزالون يواجهون الجاحدين، فهذا أحد العلماء يعرض له بعض الزنادقة المنكرين للخالق، فيقول لهم: ما تقولون في رجل يقول لكم : رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأنفال، قد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية، ليس لها ملاح يجريها ، ولا متعهد يدفعها ، هل يجوز في العقل؟ .
قالوا : هذا شيء لا يقبله العقل.
فقال ذلك العالم يا سبحان الله ، إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها، وتغير أعمالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع
ولا حافظ ؟! فبكوا جميعاً، وقالوا: صدقت وتابوا .
هذا القانون الذي سلمت به العقول وانقادت له هو الذي تشير إليه الآية الكريمة : ﴿ أَمْ خُلِفُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور : ٣٥] وهو دليل يُرغم العقلاء على التسليم بأن هناك خالقاً معبوداً، إلا أن الآية صاغته صياغة بليغة مؤثرة، فلا تكاد الآية تلامس السمع حتى تزلزل النفس وتهزها .
روى البخاري في صحيحه عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [الطور : ٣٥-٣٧] كاد قلبي أن يطير (١) .
قال البيهقي (٢) : قال أبو سليمان الخطابي : ( إنما كان انزعاجه عند سماع هذه الآية لحسن تلقيه معنى الآية، ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجة
فاستدركها بلطيف طبعه واستشف معناها بزكي فهمه . . . . .
واختار الخطابي في معنى أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ [الطور : ٣٥] فوجدوا بلا خالق، وذلك ما لا يجوز أن يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الأمر، فلا بد له من خالق، فإذ قد أنكروا الإله الخالق، ولم يجز أن يوجدوا بلا خالق خلقهم، أفهم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في الفساد أكثر، وفي الباطل أشد، لأن ما لا وجود له كيف يجوز أن يكون موصوفاً بالقدرة، وكيف يخلق؟ وكيف يتأتى منه الفعل، وإذا بطل الوجهان معاً قامت الحجة عليهم بأن لهم
خالقاً، فليؤمنوا به .
ثم قال : ( أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور : ٣٦] وذلك شيء لا يمكنهم أن يدعوه بوجه، فهم منقطعون والحجة قائمة عليهم ) .
وهذا الذي قرر الخطابي أن الكفار لا يمكن أن يدعوه فائدة ذكره والسؤال عنه قطع الحجاج والخصام ؛ إذ قد يوجد جاحد مكابر يقول: «أنا خلقت نفسي، كما زعم مثيل له من قبل بأنه يحيي ويميت ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ وَاتَهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِ، وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أَحَي.
وأُمِيتُ [البقرة : ٢٥٨] .
فماذا كان الجواب؟ سؤال آخر أبان عجزه وأكذبه في زعمه الأول (قال إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] فكانت النتيجة : ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٢٥٨].
وهنا هَبْ شخصاً قال : ( أنا خلقت نفسي فهل يستطيع أن يزعم أنه خلق السموات والأرض ؟! فإذا كان العدم لا يُوجد سماء ولا أرضاً، وإذا كانت السماء والأرض لم توجدا نفسيهما، وإذا كان هؤلاء لا يستطيعون الادعاء بأنهم أوجدوا ذلك كله، فإنّه لا بد لهذا كله من موجد، وهذا الموجد هو الله سبحانه وتعالى .
موقف العلوم التجريبية من هذا القانون :
إن طاقة البشر، وطبيعة المخلوق، أعجز من أن تحصي مراحل الأسباب مرحلة مرحلة، وتتابع سلسلتها حلقة حلقة حتى تشهد بداية العالم، ولذلك ينت العلوم التجريبية من معرفة أصول الأشياء، وأعلنت عدولها عن هذه المحاولة، وكان قصاراها أن تخطو خطوات معدودة إلى الوراء ، تاركة ما بعد ذلك إلى ساحة الغيب التي يستوي في الوقوف دونها العلماء والجهلاء.
لا بد للعقل من الاعتراف :
ولكن هذا اليأس الإنساني من معرفة أطوار الكائنات تفصيلاً في ماضيها ومستقبلها، يقابله يقين إجمالي ينطوي كل عقل على الاعتراف به طوعاً أو كرها، وهو أنه مهما طالت الأسباب الممكنة، وسواء أفرضت متناهية أو غير متناهية، فلا بد لتفسيرها وفهمها ومعقولية وجودها من إثبات شيء آخر يحمل في نفسه سبب وجوده وبقائه، بحيث يكون هو الأول الحقيقي الذي ليس قبله شيء، وإلا لبقيت كل هذه الممكنات في طي الكتمان إن لم يكن لها مبدأ ذو وجود (مستقل) . المبحث الثاني
الرد على شبهات الملحدين في نشأة الكون
نسمع ونقرأ شبهات قيلت في القديم، وتقال اليوم، يحاول أصحابها أن يعللوا بها وجود الكون، وسنحاول أن نعرض لبعض هذه الشبهات، ثم نبين ما فيها من باطل .
١ - القول بالمصادفة
بعد توضيح الدليل القرآني الذي يخاطب العقول، ويلزمها بالاعتراف بوجود الخالق المعبود، يبدو القول إن هذا الكون خلق مصادفة من غير خالق ليس قولاً بعيداً عن الصواب فحسب، بل قول بعيد عن المعقول يدخل صاحبه في عداد المخرفين الذين فقدوا عقولهم أو كادوا ، فهم يكابرون في الدليل الذي لا يجد العقل بداً من التسليم به .
لقد وجد من يقول : لو جلست سنة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها بلايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبتها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك الكون الموجود الآن إنما وجد نتيجة لعمليات عمياء، ظلت تدور في المادة» لبلايين السنين .
يقول وحيد الدين خان (۱) بعد نقله لهذه الفقرة من كلام (هكسلي ) (٢) : ( إن أي كلام من هذا القبيل لغو مثير بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان، فإن جميع علومنا تجهل - إلى يوم الناس هذا - أية مصادفة أنتجت واقعاً عظيماً ذا روح عجيبة، في روعة الكون.
وينقل عن عالم آخر إنكاره لهذه المقالة قوله : ( إن القول إن الحياة وجدت نتيجة حادث اتفاقي شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار
صدفي يقع في مطبعة » .
ويقرر وحيد الدين خان: «أن الرياضيات التي تعطينا نكتة المصادفة، هي نفسها التي تنفي أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون المصادفة . وخذ هذا المثال الذي نقله وحيد الدين خان عن العالم الأمريكي كريستي
موريسون بين فيه استحالة القول بوجود الكون مصادفة :
قال : لو تناولت عشرة دراهم وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة ثم رميتها في جيك، وخلطتها جيداً، ثم حاولت أن تخرج من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي بحيث تلقي كل درهم في جيك بعد تناوله مرة أخرى، فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه واحد في المحاولة الأولى هو واحد في العشرة، وإمكان أن نخرج الدراهم من (۱۰۱) بالترتيب واحد في عشرة
بلایین (۱) . وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادقة والاتفاق؟ إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خيالياً يصعب حسابه فضلاً عن تصوره. إن كل ما في الكون يحكي أنه إيجاد موجد حكيم عليم خبير، ولكن
الإنسان ظلوم جهول ( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكفرَهُ ** مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسرَهُ ثُمَّ أَمَانَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَنَا الْمَاءَ صَبَا * ثُمَّ شَفَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتَنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبَا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونَا ونخلا [عبس: ۱۷-۲۹] .
كيف يمكن أن تتأتى المصادفة في خلق الإنسان وتكوينه، وفي صنع طعامه على هذا النحو المقدّر الذي تتشارك فيه الأرض والسماء، وصدق الله في وصفه للإنسان ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: (٧٢] (١) .
٢ - قالوا الطبيعة هي الخالق
وهذه فرية راجت في عصرنا هذا ، راجت حتى على الذين نبغوا في العلوم المادية، وعلل كثيرون وجود الأشياء وحدوثها بها، فقالوا: الطبيعة هي التي توجد وتحدث .
وهؤلاء نوجه لهم هذا السؤال : ماذا تريدون بالطبيعة؟ هل تعنون بالطبيعة
ذوات الأشياء؟ أم تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي تحكم الكون؟ أم
تريدون بها قوة أخرى وراء هذا الكون أوجدته وأبدعته؟
إذا قالوا : نعني بالطبيعة الكون نفسه، فإننا لا نحتاج إلى الرد عليهم، لأن
فساد قولهم معلوم مما مضى، فهذا القول يصبح ترديداً للقول السابق إن
الشيء يوجد نفسه، أي: إنّهم يقولون الكون خلق الكون، فالسماء خلقت
السماء والأرض خلقت الأرض، والكون خلق الإنسان والحيوان، وقد يتا أن
العقل الإنساني يرفض التسليم بأن الشيء يوجد نفسه، ونزيد الأمر إيضاحاً فنقول : والشيء لا يخلق شيئاً أرقى منه، فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم وشموس وأقمار لا تملك عقلاً ولا سمعاً ولا بصراً، فكيف تخلق إنساناً سميعاً
عليماً بصيراً ! هذا لا يكون .
فإن قالوا : خُلق ذلك كله مصادقة قلنا : ثبت لدينا يقيناً أن لا مصادفة في
خلق الكون، وقد تبينا ذلك فيما سبق.
نظرية التولد الذاتي شبهة ثبت بطلاتها) :
وكان مما ساعد على انتشار الوثنية الجديدة القول إن الطبيعة هي الخالق) هو ما شاهده العلماء الطبيعيون من تكون (دود) على براز الإنسان أو الحيوان وتكون بكتيريا تأكل الطعام فتفسده فقالوا: ها هي ذي حيوانات تتولد من
الطبيعة وحدها .
وراجت هذه النظرية التي مكنت للرثن الجديد (الطبيعة) في قلوب الضالين التائهين بعيداً عن هدى الله الحق، لكن الحق ما لبث أن كشف باطل هذه النظرية على يد العالم الفرنسي المشهور (باستير) الذي أثبت أن الدود المتكون والبكتيريا المتكونة المشار إليها لم تتولد ذاتياً من الطبيعة، وإنما من أصول صغيرة سابقة لم تتمكن العين من مشاهدتها، وقام بتقديم الأدلة التي أقنعت العلماء بصدق قوله، فوضع غذاء وعزله عن الهواء، وأمات البكتريا بالعليان فما تكونت بكتيريا جديدة، ولم يفسد الطعام، وهذه النظرية التي قامت عليها صناعة الأغذية المحفوظة (المعلبات) (۱). الطبيعة هي القوانين التي تحكم الكون
ويرى فريق آخر أن الطبيعة هي القوانين التي تحكم الكون، وهذا تفسير الذين يدعون العلم والمعرفة من القائلين إن الطبيعة هي الخالق، فهم يقولون: إن هذا الكون يسير على سنن وقوانين تسيره وتنظم أموره في كل جزئية والأحداث التي تحدث فيه تقع وفق هذه القوانين مثله كمثل الساعة التي تسير بدقة وانتظام دهراً طويلاً، فإنها تسير بذاتها بدون مسير.
وهؤلاء في واقع الأمر لا يجيبون عن السؤال المطروح : من خلق الكون؟ ولكنهم يكشفون لنا عن الكيفية التي يعمل الكون بها، هم يكشفون لنا كيف تعمل القوانين في الأشياء، ونحن نريد إجابة عن موجد الكون وموجد القوانين
التي تحكمه .
يقول وحيد الدين خان : كان الإنسان القديم يعرف أن السماء تمطر، لكننا اليوم نعرف كل شيء عن عملية تبخر الماء في البحر، حتى نزول قطرات الماء على الأرض، وكل هذه المشاهدات صور للوقائع، وليست في ذاتها تفسيراً لها، فالعلم لا يكشف لنا كيف صارت هذه الوقائع قوانين؟ وكيف قامت بين الأرض والسماء على هذه الصورة المفيدة المدهشة، حتى إن العلماء يستنبطون
منها قوانين علمية .
إن ادعاء الإنسان بعد كشفه لنظام الطبيعة أنه قد كشف تفسير الكون ليس سوى خدعة لنفسه، فإنه قد وضع بهذا الادعاء حلقة من وسط السلسلة مكان
الحلقة الأخيرة.
إن الطبيعة لا تفسر شيئاً من الكون) وإنما هي نفسها بحاجة إلى تفسير . واقرأ هذه المحاورة التي يمكن أن تجرى بين رجل نابه، وأحد الأطباء الأفذاذ في علمهم:
السائل : ما السبب في احمرار الدم؟
الطبيب: لأن في الدم خلايا حمراء، حجم كل خلية منها ٧٠٠/١ من
البوصة .
السائل : حسناً، ولكن لماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟
الطبيب: في هذه الخلايا مادة تسمى (الهميوجلوبين)، وهي مادة تحدث لها
الحمرة حين تختلط بالأكسجين في القلب . السائل : هذا جميل، ولكن من أين تأتي هذه الخلايا التي تحمل
(الهميوجلوبين)؟
الطبيب : إنها تصنع في كبدك .
السائل : عجيب ولكن كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها، بعضها ببعض ارتباطاً كلياً وتسير نحو أداء واجبها
المطلوب بهذه الدقة الفائقة ؟
الطبيب: هذا ما نسميه بقانون الطبيعة .
السائل : ولكن ما المراد بقانون الطبيعة هذا يا سيادة الطبيب؟
الطبيب: المراد بهذا القانون هو الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية .
السائل : ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائماً إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تنظم
نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء، ويعيش السمك في الماء،ويوجد إنسان في الدنيا بجميع ما لديه من الإمكانات والكفاءات العجيبة المثيرة؟ الطبيب: لا تسألني عن هذا، فإن علمي لا يتكلم إلا عما يحدث، وليس له أن يجيب : لماذا يحدث؟
يتضح من هذه الأسئلة مدى صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والأسباب وراء هذا الكون. إن مثل الكون كمثل آلة تدور تحت غطائها، لا نعلم عنها إلا أنها تدور ولكن لو فتحنا غطاءها فسوف نشاهد كيف ترتبط هذه الآلة بدوائر وتروس كثيرة، يدور بعضها ببعض، ونشاهد حركاتها كلها. هل معنى هذا أننا قد علمنا خالق هذه الآلة بمجرد مشاهدتنا لما يدور بداخلها؟ كيف يفهم منطقياً أن مشاهدتنا هذه أثبتت أن الآلة جاءت من تلقاء ذاتها، وتقوم بدورها
ذاتيا ؟ ! (١) .
الطبيعة قوة :
فإن وجد من يقول : إن الطبيعة قوة أوجدت الكون، وإنها قوة حية سميعة بصيرة حكيمة قادرة ... فإننا نقول لهم : هذا صواب وحق، وخطؤكم أنكم سميتم هذه القوة (الطبيعة)، وقد دلتنا هذه القوة المبدعة الخالقة، على الاسم الذي تستحقه وهو (الله) ، الله عرّفنا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فعلينا أن
نسميه بما سمى به نفسه سبحانه وتعالى .
كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم :
هؤلاء الذين نسبوا الخلق إلى الطبيعة لهم سلف قالوا قريباً من قولهم، وهم الدهرية الذين نسبوا الأحداث إلى الدهر، فقد شاهدوا أن الصغير يكبر، والكبير يهرم، والهرم يموت بمرور الزمان وتعاقب الليل والنهار، فنسبوا الحياة والموت إلى الدهر ( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَانُنَا الدُّنْيَا نَسُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُ إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا هُم بذلِكَ مِنْ عَليرٌ إِن هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية : ٢٤].
أولئك نسبوا الأحداث إلى الزمان، وهؤلاء إلى ذوات الأشياء فهما صنوان في الضلال .
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...
زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...
Because learning changes everything.® Chapter 13 Mutations and Genetic Testing Essentials of Biology...
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصادر استخباراتية في الشرق الأوسط ومسؤولين إسرائيليين أن عز الدين ا...
تُعد طرائق التدريس من أهم العوامل التي تؤثر في جودة العملية التعليمية وفاعليتها. ومع تطور أساليب الت...
تعتبر بروفايلات الدول مهمة للغاية في تحسين الفهم والتواصل الثقافي والاقتصادي بين الدول، وكذلك بين ال...
هدفت هذه الدراسة إلى تحليل العلاقة بين السياحة والتنويع الاقتصادي وأثرهما المشترك على تحقيق النمو ال...
is a comprehensive document that outlines a business's goals, strategies, and operational structure....
شدد الفريق أول عبدالمجيد صقر، على أهمية التنسيق بين القوات المسلحة المصرية ونظيراتها الدولية من أجل ...
تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية حملة ميدانية موسعة منذ أكثر من أسبوعين، استهدفت خلالها الباعة المتجولي...
"النمنم" حسب قصص الجدات والأهل، شخصية الرعب الأخطر، وهو يظهر بين آونة وأخرى، آكل لحوم بشرية من طراز ...
لقد حقق قسم بحوث المكافحة المتكاملة إنجازات متعددة تعكس دوره الحيوي في تطوير الزراعة المستدامة. يتمث...