لخّصلي

كانت القسوة التي عامل بھا إبراھیم باشا مسلمي القدس، والرف ُق الذي تعامل بھ مع الطوائف الأخرى ـ نذیرین بتغیرات كبیرة تشھدھا المدینة، وتستمر فیھا فیما بعد. فقد شجعت إجراءات إبراھیم باشا النصارى والیھود على التدفق بأعداد كبیرة على المدینة المقدسة للاستیطان فیھا، ونشطت الحركة التجاریة والعمرانیة ھناك، وأباحإبراھیم باشا للأجانب الدخول إلى القدس للتجارة فیھا، بعد أن كان ذلك مقصو ًرا على الثغور والموانئ الساحلیة. كان ھذا الحال نذی ًرا بتغیرات كبیرة و مخاض صعب تمر بھ القدس وفلسطین، خاصة مع سماح إبراھیم باشا للیھود والنصارى بإقامة مساك َن ودو ِر عبادة لھم في القدس خارج السور. وبعد رحیل إبراھیم باشا لم یتراجع الخط البیاني للطوائف غیر المسلمة في القدس، بل ازداد ارتفا ًعا، فقد دخلت الدولة العثمانیة القدس ثانیة بمساعد ٍة كبیرة من دولأوروبا القویة، ولم یكن في استطاعتھا الضغ ُط
على الطوائف غیر المسلمة الخاضعة لسلطتھا،

وفيصم ٍتبعیٍدعنالضجیجالعاليفيالساحةال ُّدَولیةعندنھایاتالقرنالتاسععشروأوائلالقرن العشرین ـ راح الزحف الیھودي نحو القدس یتزاید، حتى بلغعددھم ثلاثین أل ًفا عام 1896م، وارتفع عام 1912م إلى تسعین أل ًفا ثم عاد إلى الانخفاض مع الشدائد التي شھدھا العالم أثناء الحرب العالمیة الأولى، فوصل عددالیھود في القدس إلى خمسین أل ًفا، ثم عادوا إلى الزیادة من جدید فیما بعد. وازداد وضع المدینة تغی ًرا في أواخر الحكم العثماني بسبب التطور الكبیر الذي طرأ علیھا، حتى صارت على صلة قویة بالعالم من حولھا."٢١"
ثورة مسلحة ضد الدولة العثمانیة، بدأت في الحجاز، حینما أطلق الشریف الحسین بن علي طلقة واحدة من بندقیتھ، وذلك قبل فجر یوم التاسع من شعبان 1334ھ - 10 یونیو 1916م]1[ في مكة المكرمة.]2[ وكان لدوي تلك الطلقة صدى في جدة والطائف والمدینة.]2[ وامتدت الثورة ضد العثمانیین بعد إخراجھم من الحجاز حتى وصلت بلاد الشام، وإسقاط الحكم العثماني فیھا، وفي العراق؛ وذلك نتیجة للسیاسة العثمانیة خلال الحرب العالمیة الأولى، والتي تمثلت بالتجنید الإجباري، ومصادرة الأملاك والأرزاق، ومن ثم مجاعة 1915، والسیاسة القمعیة لجمال باشا، الحاكم العسكري للولایات السوریة العثمانیة، إلى جانب تراكمات العلاقة المعقدة بین العرب، والأتراك منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى مؤتمر باریس عام 1913."٢٢"
ھدفت الثورة، كما ن ّص علیھ في میثاق دمشق، وفي مراسلات الحسین – مكماھون التي استندت إلى المیثاق، على خلع طاعة الدولة العثمانیة، وإقامة دولة عربیة، أو اتحاد دول عربیة یشمل شبھ الجزیرة العربیة نجد والحجاز على وجھ الخصوص وبلاد الشام عدا ولایة أضنة التي اعتبرت ضمن سوریا في
میثاق دمشق مع احترام »مصالح بریطانیا في جنوب العراق« وھي المنطقة الجغرافیة التي تبدأ في بغداد وتنتھي بالساحل الشمالي للخلیج العربي."٢٣"
تمكن جیش الثورة العربیة الكبرى بقیادة فیصل بن الحسین، وبالتعاون مع مسلحي القبائل، من تحقیق انتصارات عسكریة، وكسر الجیش العثماني على طول خط القتال الممتد من المدینة المنورة وحتى دمشق؛ وتمكن بعد تجاوزه العقبة من تسریع تقدمھ مع دخول الجیش البریطاني بقیادة الجنرال إدموند ألنبي من سیناء إلى فلسطین ومنھا على طول الخط الساحلي حتى لواء اسكندرون؛ وفي آخر سبتمبر 1918 انسحب الأتراك من دمشق، وقبلوا بھدنة مودروس، ثم نھائ ًیا في معاھدة سیفر التنازل عن أملاكھم في نجد، والحجاز، وبلاد الشام، والعراق، و قیلیقیة، ومصر.
في مرحلة ما بعد الانتصار العسكري للثورة، اتجھ الرأي لإقامة اتحاد أو تحالف دول عربیة بدلاً من دولة عربیة واحدة، على أن یرأسھا الھاشمیون، فیكون الشریف الحسین بن علي مل ًكا لشبھ جزیرة العرب، والأمیر فیصل مل ًكا لسوریا، والأمیر عبد الله مل ًكا للعراق؛ إلا أ ّن عداء الفرنسیین للأمیر فیصل، واحتلالھم سوریا، منعھ من تحقیق غایتھ، فت ّوج مل ًكا على العراق، وتم ّكن الأمیر عبد الله من انتزاع تاج الأردن بوصفھ »سوریا الجنوبیة« وما ف ِتئ یطالب مشروع سوریا الكبرى حتى وفاتھ، وأما الشریف الحسین بن علي، فقد زالت مملكتھ في الحجاز عام 1926 على ید السلطان عبدالعزیز بن عبدالرحمن آل سعود. اع ُتبرت الثورة العربیة الكبرى، أحد أبرز تجلیات القومیة العربیة بشكلھا المعاصر، وختام مرحلة النھضة العربیة في القرن التاسع عشر، وش ّكلت محطة مفصلیة في تاریخ المنطقة، ووعیھا، ولا تزال ألوان علم الثورة العربیة الكبرى، أساس أعلام عدد كبیر من الدول العربیة، والحركات السیاسیة فیھا. على الصعید الفني، أنتجت عدد من الأعمال الدرامیة التي تؤرخ لمرحلة الثورة العربیة الكبرى
وما تلاھا، ومنھا حمام القیشاني، وإخوة التراب