لخّصلي

حمى وألم عظام ونزف .. أتراه التيفوس ؟ أم هو مرض ( فيل ( الناتج عن المشي في مياه مانت الفئران بها ؟ أم هو تجلط وعائى منتشر لسبب لا يعلمه الا الله أم هو سم ؟ إن تلك السموم الإفريقية التي يركبها السحرة تفعل أى شيء في أي مكان في أي وقت

الحق أنني عاجز عن اتخاذ قرار خاصة وأن حاجز اللغة والثقافة يقف حائلا بيني وبين معرفة أى

شيء عما يحدث

نزف وحمى وألم عظام ثلاثية تذكرني بحمى ( الدنج ) النزفية ... لكن لا ) دنج ) في ( إفريقيا ) كما أنه لا حمى صفراء في ( أسيا ) هذه قاعدة يصعب خرقها

كان على اتخاذ قرار والقرار هو نقل المريض إلى معزل الحميات حتى يتبين الأمر .. واستدعاء البروفسور الخبيث ( أرثر شلبي ) كي يبدي رأيه في كل هذا من المفيد دائما - حين تكون في بلد غريب - أن تلقى بالمسئولية عن كاهلك في أسرع وقت ، لتقع على كاهل من هو أكبر سنا أو علما

جاء الرجل بعد ربع ساعة ، فهو يقيم قرب الوحدة

في فيللا فاخرة مكيفة ، ولديه سيارة من أحدث طراز .

كان يدخن سيجارا كعادته ، وقد تهدلت خصلات الشعر الأشيب على جبينه ، وقد ارتدى قميصا حريريا فتح صدره ليبرز مزيدا من الشعر الأشيب وابتسم بثقة وهو يفحص المريض انهال على رأسى بسيل من الأسئلة عن النتائج المعملية سرعة التجلط سرعة النزف .. إلخ وكانت بعضها متوافرة وبعضها لم يصر متاحا بعد

وكنا قد بدأنا عملية نقل الدم للمريض ، لكنه كان يفقده بسرعة غير عادية من فمه وأنفه ، حتى إن الممرضة أصابها الهلع وسألنى البروفسور ) آرثر ) : « هل المريض يتكلم ؟ »

أن ترى الجانب الآخر من القمر بينما الكل ينظرون إلى جانبه المضيء الواضح

وقد رأى ( شلبي ) ذلك الجانب الآخر قلت بأنبهار :

• نعم .. لم يقل شيئا عن أفاع تكلم وألم عظام فحسب

كانت عينه الخبيرة تتفحص جسد المريض .. ثم توقفت عند بقعة محمرة ملتهبة في صدره وقد اسود

الجلد فوقها

قال لي في برود والسيجار لا يفارق شفتيه أحقا لم تلحظ هذه ؟ »

احمرت أذناى .. لا بد أنهما احمرتا وأنا أقول : >>

• « إنه .. إنه خراج عادى

أشار إلى نقطتين واضحتين متلاصقتين وقال :

« كان له لسان منذ نصف ساعة .. لكنه ينزلق

سريعا إلى الهاوية المظلمة ألم يقل شيئا عن لدغ أفاع ؟ )

تبا ! إنك لعبقرى ! لم يخطر لى هذا ولن يخطر ولو بعد مائة عام .. كيف لم أفكر في هذا ؟

الأفاعي الإفريقية قد تسبب تجلطا وعانيا منتشرا بسمها
و عندها يتخثر الدم فى كل الأوعية الدموية الصغيرة ، ويستهلك الجسم البشرى كل عوامل التجلط

في تجلط لا داعي له من ثم يبدأ الدم ينزف من كل موضع في الجسد دون سبب

هذه هى العبقرية .. أن ترى الجانب الآخر من القمر بينما الكل ينظرون إلى جانبه المضيء الواضح

وقد رأى ( شلبي ) ذلك الجانب الآخر قلت بأنبهار :

• نعم .. لم يقل شيئا عن أفاع تكلم وألم عظام فحسب

كانت عينه الخبيرة تتفحص جسد المريض .. ثم توقفت عند بقعة محمرة ملتهبة في صدره وقد اسود

الجلد فوقها

قال لي في برود والسيجار لا يفارق شفتيه أحقا لم تلحظ هذه ؟ »

احمرت أذناى .. لا بد أنهما احمرتا وأنا أقول : >>

• « إنه .. إنه خراج عادى

أشار إلى نقطتين واضحتين متلاصقتين وقال :

ها هي ذى آثار نابي الأفعى ! . قت وأنا أشعر بتضاؤل غير مسبوق :

• لكنه ... لكنه لم يذكرها بحرف ... إن من تلدغه افعى لا يخفى الخبر في حياء عمن يحيطون به .. أو يتركهم يخمنون،
  الطبيب الجيد هو ملاحظ جيد .. » - ونفث الدخان في وجهي - إن ( البانتو ( لا يحبون الكلام عن

الأفاعي لأنهم يتطيرون منها

كدت أنحنى إجلالاً له .. فهو بحق أستاذ في طب المناطق الحارة .. يعرف الأمراض ويعرف المرضى

ولديه جواب جاهز في كل ثانية .. وهكذا تغيرت سياستنا في إنقاذ الرجل إلى اتجاه آخر أحضرت الممرضة عشر أمبولات من المصل المضاد لسم الثعابين ، وذوبتها في زجاجة دكستروز ، وشرعت تنقط المحلول في عروق الرجل واستدار البروفسور ليرحل موزعا ابتساماته من حوله ، كما يوزع بابا الفاتيكان بركاته

• 
  

  « هل من شيء آخر تريدونه ؟ » قلت وأنا أتبعه في احترام بالغ :

  
  


• 
  

  لا ونحن نأسف لإزعاجك .. لقد بدا لي الأمر

  
  

غامضا و ... »

هنا سمعت الممرضة تصرخ :

.. ) علاء ) ! ثمة شيء ما خطأ ! » استدرت لأرى ما تعنيه .. فصاحت في هستيريا :

« لقد مات ! »

تركت الأستاذ الأمريكى وهرعت نحو فراش الرجل .

أتحسس نبضه .. أقيس له الضغط لا شيء .. رحت أجرب عليه كل وسائل إعادة الحياة التي سمعنا ولم نسمع عنها .. ووجهت بعض لكمات قوية

إلى صدره دون جدوى .. رفعت عيني نحو البروفسور طالبا العون ، لكنه كان واقفا ويداه في خاصرته يرمق المشهد في برود ، وقد رسم تعبيرا صناعيا من الأسى على سحنته

وسمعته يقول :

• « متأخر جدا .. لقد جاءنا متأخرًا جدًا ابتعدوا .. بروم ! الصدمة الكهربية تمر في جسد المريض فينتفض لكن دون نتيجة ملحوظة .. ابتعدوا ...

بروم

لقد فقدناه يا دكتور ... قالتها الممرضة فى يأس .. وشعرت أنا بصدقها تبا لشد ما أكره هذا المشهد اللعين .. لكنه يحدث

دائما ولا مفر منه

في النهاية نهضت لاهثا منهكا ومشيت فى تؤدة نحو الأستاذ .. رمقني في شفقة مصطنعة وقال :

أنت محارب عنيد .. لكنك لا تقبل الهزيمة . لم أرد لأننى كنت مغتاظا كدأبي كلما رأيت الموت تقول الأسطورة المجرية إن الموت تبنى طفلا

وعلمه حتى صار طبيبا نابها .. ثم قال له إن سر المهنة يكمن فى موضع الموت من فراش المريض إذا وقف عند رأسه فالمريض ميت لا محالة ، ولا داعي لإضاعة الوقت معه .. ولن يرى هذا المشهد أحد سوى الطبيب

وجاء يوم مرضت فيه ابنة الملك فاستدعوا طبيبنا لعلاجها .. فما إن دخل غرفتها حتى وجد الموت يتجه ليقف عند رأس الفراش .. وكانت الأميرة حسناء لم يحتمل الطبيب فكرة موتها، لهذا أمر الخدم بتدوير الفراش بسرعة لتصير رأسه عند قدميه والعكس

..

حاول الموت إعادة الكرة .. لكن الخدم دوروا الفراش ثانية .. وهكذا مر الليل فى عملية تدوير الفراش مئات المرات، لمنع الموت من الوقوف عند رأسه وفى النهاية يئس الموت وانصرف غاضبا
لكم أتمنى لو استطعت تدوير أسرة كل المرضى في كل مكان .. حتى لو زودتها بمحرك كالذي يضعونه في غرف النوم فى معارض الموبيليا، قال لى البروفسور ( شلبي ) : - « أرجو أن ترسل جثته للتشريح .. فنحن سنعرف أكثر ونزداد حكمة، ثم تأهب للانصراف ، ولم ينس أن يقول : اغسل وجهك واستحم .. يا للفوضى ! تبدو لي كأنك قد استحممت من فورك في بركة دماء ! »