لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

أولاً: حماية المفقودين في القانون الدولي الإنساني: بدايةً، إنه على الرغم من أن القانون الدولي الإنساني قد صيغت قواعده خصيصاً لكي يسري في أوقات النزاعات المسلحة وفي ظل الاحتلال، إلا أن الامتثال لقواعد الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، مثل الحق في الحياة، والحق في المحاكمة العادلة، والحق في احترام الحياة الشخصية والأسرية؛ من شأن هذا الامتثال أن يحول إلى حد كبير دون فقدان الأشخاص – أو تخفيض عدد حالات الفقد على أقل تقدير - في أوقات النزاع المسلح. وقد اهتمت الجماعة الدولية منذ القدم بتخفيف المعاناة الإنسانية الناتجة عن النزاعات المسلحة، وبموجب هاتين الاتفاقيتين، وفي تطور لاحق، أبرمت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، ولأول مرة، على حماية ضحايا هذه النزاعات من المدنيين والجرحى والأسرى وغيرهم(9). وقد ألزمت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977، الدول والأطراف المتنازعة بالتزامين رئيسيين في هذا الشأن: أحدهما من طبيعة إيجابية، والآخر، هو الحيلولة دون فقدان الأشخاص في سياق النزاعات المسلحة والاضطرابات الأمنية، وهو التزام ذو طبيعة سلبية كما يبين. بطبيعة الحال، من الالتزام العام للـدول الأطـراف في اتفاقيات جنيف باحترام قواعد القانون الإنساني الدولي وكفالة احترامها(10). وتركز الالتزامات المشار إليها على درء وقوع حالات جديدة من المفقودين ومعالجة القائم منها، بما في ذلك ما يترتب على هذا الفقد من تبعات. وترتكز هذه الالتزامات بشأن حماية المفقودين وأسرهم في القانون الدولي، على مبدأ " الحق في معرفة الحقيقة "، وللمرة الأولى، أيضاً، إن كان معلوماً. وترتيباً على ما تقدم، يمكن الإشارة إلى أبرز التدابير التي أولتها اتفاقيات جنيف عناية خاصة عند لمعالجة مسألة المفقودين، وذلك على النحو التالي: وتأمين الرعاية اللازمة لهم، وكذلك البحث عن جثث الموتى ومنع سلبها. لجميع البيانات التي تساعد على التحقق من هوية الجرحى والمرضى والموتى الواقعين في قبضتها. وتشمل هذه البيانات: اسم الدولة التى ينتمون إليها، ورقمهم الشخصي أو رقمهم بالجيش والفرقة، والمعلومات المتوفرة عن الجروح أو المرض أو أسباب الوفاة، وأي معلومات أخرى مدونة في بطاقة أو لوحة تحقيق الهوية. (المادة 16 من اتفاقية جنيف الأولى). وكذلك، وأي مستندات أخرى قد تكون ذات أهمية مادية أو معنوية لأقاربهم. (المادة 16 من اتفاقية جنيف الأولى)(11). 4. إيلاء الاحترام الواجب لجثث الأشخاص الذين توفوا بسبب الأعمال العسكرية أو الاحتلال الحربي أو أثناء الاعتقال. والتحقق من هوية المتوفي، ودفنها طبقاً لشعائر دين كل متوفى في مقابر يمكن الاستدلال عليها لاحقاً، وتيسير نقل الجثث إلى دولهم الأصلية. (المادة 17 من اتفاقية جنيف الأولى) 5. حظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصةً القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، والاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة. (المادة 3 من اتفاقية جنيف الثانية) 6. حظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً صحيحاً، مع كفالة جميع ضمانات المحاكمة العادلة. (المادة 3 من اتفاقية جنيف الثانية)(12). 7. إنشاء مكاتب رسمية للاستعلام عن الأسرى والمحتجزين لدى كل طرف من الأطراف المتنازعة، وإبلاغ المعلومات المجمعة عنهم فوراً إلى الدول المعنية لإخطار عائلاتهم. 8. يتعين تنفيذ الأسر والاحتجاز أو إلقاء القبض أو السجن في ظل التزام صارم بالمعايير والإجراءات القانونية المتفق عليها دولياً. كما يتعين، أيضاً، الوصول إلى كافة الأشخاص المحرومين من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع المسلح. أيضاً، لإمكان التحقق من هوية جميع الأطفال عن طريق حمل لوحة لتحديد الهوية أو بأي وسيلة أخرى. 10. يوجد في أرض أحد أطراف النزاع بالتواصل مع أسرته وإبلاغهم بأخباره أولاً بأول وتلقي أخبارهم، وتبادل المراسلات والطرود معهم (المواد 25 و106 و107 من اتفاقية جنيف الرابعة). تسهيل أعمال البحث التي يقوم بها أفراد العائلات المشتتة بسبب الحرب من أجل تجديد الاتصال بينهم، وإذا أمكن جمع شملهم. (المادة 26 من اتفاقيات جنيف الرابعة)(14). وجوب اتخاذ أطراف النزاع والمنظمات الإنسانية الدولية المعنية كل التدابير الممكنة لضمان أن تعرف الأسر مصير أقاربها. وللجنة الدولية للصليب الأحمر دور مهم تلعبه من خلال الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة لها والتي تساعد في ِإيجاد المفقودين حينما يتم تجميع معلومات عنهم. وإضافة إلى ما تقدم، خصص لبيان التزامات الدول بالنسبة للأشخاص المفقودين. وقد أوجبت أحكام هذا القسم على كل طرف من أطراف النزاع، وعليه أن يبلغ جميع المعلومات التي توفرت لديه عنهم إلى دولتهم مباشرة عن طريق الدولة الحامية، أو الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، أو الجمعيات الوطنية للهلال أو الصليب الأحمر. ويراعى في حال إبلاغ هذه المعلومات عن غير طريق اللجنـة الدوليـة للصليب الأحمر، تزويد الطـرف المعني بهذه المعلومات(15). كما أكد البروتوكول الإضافي الأول، على ضرورة تسهيل استعادة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم، ومساعدة أسرهم وممثلي الدوائر الرسمية المعنية بتسجيل القبور، حتى يسهل الوصول إلى مدافنهم. ويحظر على الطرف الذي تقع في أرضه المدافن إخراج رفات الميت – في حالة ما إذا كانت هناك ضرورة ملحة تتعلق بالصالح العام، بما في ذلك المقتضيات الطبية ومقتضيات التحقيق – إلا بعد إبلاغ دولة المتوفي بنيته في إخراج الجثة وإعطاء إيضاح عن الموقع الذي ينوي إعادة الدفن فيه. كما يجب إعادة رفات الموتى إلى أقاربه إن أمكن ولو بعد انتهاء النزاع المسلح أو انتهاء حالة الاحتلال(16). وعلى الرغم من الاهتمام الواضح الذي أولاه البروتوكول الإضافي الأول لحماية المفقودين والموتى في النزاعات المسلحة الدولية، لم يول البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977، اهتماماً مماثلاً بهؤلاء الضحايا في سياق النزاعات المسلحة الداخلية أو غير الدولية، حيث تم تناولها بإيجاز، في المادة الثامنة من هذ البروتوكول، والتي نصت في فقرتها الأخيرة على أن: " . والبحث عن الموتى والحيلولة دون انتهاك حرماتهم وأداء المراسم الأخيرة لهم بطريقة كريمة" . لا يثير مشكلات كبيرة في حالة النزاعات المسلحة الداخلية لوقوعها داخل حدود إقليم دولة واحدة. وبالتالي، فقرب المكان ييسر على أهالي الموتى الوصول إلى قبور ذويهم، وذلك على خلاف الحال بالنسبة للنزاعات المسلحة الدولية(17). كما تنطبق الأحكام الخاصة بحماية المفقودين والموتى الواردة في البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف، على مفقودي النزاعات المسلحة غير الدولية وموتاها، وذلك لخلو نص البروتوكول الثاني من حكم صريح يقرر حماية هؤلاء الضحايا باستثناء نص المادة الرابعة من البروتوكول المذكور، والتي ألزمت أطراف النزاع، بوجوب اتخاذ جميع الخطوات المناسبة لتسهيل جمع شمل الأسر التي تشتت لفترة مؤقتة بسبب النزاع المسلح. وعلى ذلك، في الفقد، بحيث تمتد سياسات المعالجة أثناء النزاع وبعده وطوال مرحلة بناء السلام والمصالحة. فتستمر، على سبيل المثال، وذلك إلى حين اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمعرفة مصيرهم واستعادة الروابط مع أسرهم. وذلك في إطار إيمانها بكرامة الفرد وقدره، واهتمامها بتعزيز حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أوقات السلم والحرب على حد سواء. فقد ألزمت هذه القواعد الدول بسن التشريعات التي تكفل الوصول إلى هذا الهدف وملاحقة من ينتهكون القواعد والأحكام ذات الصلة قضائياً. وقد جاء هذا التوجه من أعضاء الجماعة الدولية انطلاقاً من حقيقة أن جميع البشر، نساءً ورجالاً، يتحلون بكرامة إنسانية لا يجب التعدي عليها دونما تمييز لأي اعتبار كان. وقد أكدت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 على هذا المعنى، في الفقرة الثالثة منها، على أنه من بين مقاصد المنظمة " . كذلك، فقد أعاد الميثاق التأكيد على ذات المعني في المادة الأولى منه (الفقرة 3)، حيث نصت على ضرورة تحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، إشاعة احترام حقوق الإنسان بلا تمييز بسبب الجنس(18). أما عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، دونما أي تمييز من أي نوع كان لا سيما التمييز بسبب الجنس . كذلك، نصت المادة السابعة من الإعلان على أن: " كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا. حظرت المادة 30 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قيام الدولة أو أي فرد أو جماعة بأي عمل أو نشاط يكون من شأنه انتهاك أي حق من الحقوق أو هدم الحريات الواردة به. ويتعين من ثم ملاحقة مرتكبيها ومساءلتهم عما اقترفوه. وقد سار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على ذات النهج، حيث إنه لم يجرم، صراحة، ولكنه أقر بحق كل شخص في الحياة، وغيرها من سائر الحقوق والحريات الأساسية. والتعذيب والعقوبة القاسية أو المهينة، والمعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة(19). معلوم، قد جرى، ابتداءً، ولكنها أكثر تفصيلاً وإسهاباً، في كل من القانون الدول لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي لمكافحة الظاهرة ذاتها. إنما يتطلب اتباع نهجاً شمولياً لا يقتصر فقط على مواجهتها في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، ولكنه يتطلب تكاتف الجهود واعتماد وإنفاذ القواعد والآليات المختلفة التي تكفل الحيلولة دون وقوع حالات لفقد الأشخاص في السياقات المختلفة الأخرى، بما في ذلك الاضطرابات الأمنية وأحداث العنف الداخلي، من جانب؛ ومعالجة أسباب هذه الظاهرة وواقعها وتبعتها على أسر المفقودين من جانب آخر. هنا أن وجود نظام دولي فعّال للمساءلة الجنائية عن الانتهاكات التي تستهدف حقوق الإنسان، إنما يعد من أقوي الضمانات التي تكفل احترام هذه الحقوق وعدم النيل منها أو الافتئات عليها، وذلك جنباً إلى جنب مع التشريعات والقوانين الوطنية ذات الصلة، كالتشريعات الجنائية. فالثابت، أن يحول دون إفلات الأشخاص الذين يثبت ارتكابهم لمثل هذه الانتهاكات، وحتى عهد قريب، وعلى إثر ذلك، لم تدرج محاكمات نورمبرج لعام 1945، رغم تجريمها لأفعال أخرى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية كالقتل العمد، والإبادة والاسترقاق والأفعال اللاإنسانية الأخرى المرتكبة ضد المدنيين، وغيرها. وبوجه عام، ووفقا لنص المادة الأولى من نظام روما الأساسي لعام 1998، ويكون من ثم عرضة للعقاب، تقديم العون أو التحريض أو المساعدة على ارتكاب الجريمة أو الشروع في ارتكابها بأي شكل كان؛ المساهمة المتعمدة لجماعة من الأشخاص ذوي قصد مشترك، لارتكاب جريمة تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة(20). وأخيراً، يتعين الإشارة إلى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو اختصاص تكميلي، مما يعني أن الأولوية دائما يجب أن تكون للقضاء الوطنى، وفي حالات محددة على سبيل الاستثناء، كحالة انهيار النظام القضائي الداخلي كما كان الوضع في رواندا ويوغسلافيا، أو حينما يرفض القضاء الوطني القيام بمهامه في هذا الشأن، أو حالة عدم استطاعة القضاء الوطني القيام بدوره نتيجة لظروف غير عادية مثل عدم وجود استقلال قضائي وتدخل السلطة التنفيذية لمنع القضاء من القيام بذلك(21). المحور الثالث: تقييم احتياجات أسر المفقودين والوفاء بها: تعاني أسر المفقودين من آلام لا حد لها، لعدم علمهم بما إذا كان أحباؤهم لا يزالون على قيد الحياة أم قضوا نحبهم. وفي الحالتين، وبينما تنتظر أسر الأشخاص المفقودين أخباراً عن مصير أحبائها، تواجه تحديات جمة تتباين حسب أوضاعها الشخصية والسياق المحلي والبيئة الثقافية والاجتماعية. فعادة ما يقاسي أقارب المفقودين معاناة بالغة إلى أن يعرفوا مصيره ومكان وجوده – إن تسنى لهم ذلك أصلاً. وغالبا ما يتفاقـم حزنهم على فقدان الأحبة من جراء التحديات النفسية والإدارية والقانونية والاجتماعية التي يواجهونها في ظل أوضاعهم الجديدة. كما أن لهذه الأسر طائفة من الاحتياجات الإنسانية والسياسية والقضائية وغير القضائية التي يتعين الوفاء بها على كافة المستويات. وقـد يكـون المفقـود حياً أو فـي عداد الموتى أو محتجـزا فـي زنزانة داخل سجن سري أو يعيش في مخيم للاجئين أو في دولة أجنبية أو وارى جثمانه التراب في مقبرة جماعية. والمؤكد أن الشخص قد اختفى ولكن ليس بالضرورة للأبد. ويشكل عدم التيقـن هذا مصدر معاناة ً تستعصي على الوصف بالنسـبة لأسرته(22). وهناك، إذ تتنوع استجابات الأشخاص الذين يعيشون في حالة عدم التيقن تلك: فبعضهم يكافح للتأقلم مع عمل أو رعاية الأطفال أو الأنشطة اليومية، بينما قد يلوم البعض الآخر نفسه على اختفاء الشخص المعني أو يسيطر عليهم شعور بالذنب حينما لا تفضي جهودهم في البحث عنه إلى نتائج تذكر. ويمكن لهذه الحالة أن تقوض العلاقات بين المجتمعات على مدى أجيال متتالية، والتي تحمل معها، لذا، بغرض إعادة إدماجهم في حياة مجتمعاتهم مرة أخرى(23). وعادةً، وتواصل سعيها هذا إلى أن تحصل على معلومات موثوق بها عن أماكن وجودهم. وتستغرق هذه العملية، وتكون، منها: عدم توافر المعلومات عن ملابسات الفقد أو أسبابه ومآل المفقودين، وعدم معرفة الكيفية أو الإجراءات التي يتعين اتباعها للبحث عن المفقودين، فقد لا تعرف الكثير من الأسر أي الأبواب تطرق طلباً للمساعدة. وحتى يتسنى لتدابير معالجة مسألة المفقودين أن تنتج أثرها بفعالية، فإنه يتعين، حتى يمكن تلبيتها بسهولة وعلى نحو ملائم. ومن بين أهم احتياجات أسر المفقودين، كخطوة أولى للبحث عن أقاربهم المفقودين واستجلاء مصيرهم، الحاجة إلى تحديد الوضع القانوني للمفقودين وأسرهم في التشريعات الوطنية، وذلك ببيان الظروف اللازمة للإعلان رسمياً عن غياب أو فقدان شخص ما والإجراءات المتبعة في هذا الصدد. كما يتعين أن يتبع ذلك الإعلان بذل الجهود والمساعي، من قبل الدولة وغيرها من السلطات المعنية، للبحث عن المفقود. فلا تعلن وفاته دون تقـديم ما يكفي من الإثباتات والدلائل الداعمة. ويمكن التثبت من وفاة المفقود من خلال التعرف علـى رفاتـه(24). وتسبب مشكلة المفقودين معاناة إضافية، بصفة خاصة، فتبذل النساء جهوداً مضنية في مثل هذه الحالات لإعالة أسرتها مع التصدي للبحث عن زوجها المفقود والكفاح من أجل استعادتهم. وترك الممتلكات كلاجئات ضعيفات أو مشردات داخليا، على نحو يفقدن معه الإحساس بالأمن والأمان والهوية داخل مجتمعاتهن. وكثيراً ما يتعرضن للاستغلال الجنسي من جراء ذلك(25). ومن الفئات التي تواجه معاناة خاصة في هذه الظروف، فيعانون التشريد وفقدان أحد الوالدين أو كليهما والافتراق عن الأقارب والأصدقاء بسبب النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والجرائم المنظمة وحركات النزوح واللجوء الكبرى. لذا، واتخاذ التدابير اللازمة للم شملهم مع أسرهم أو تجنيبهم، قدر المستطاع، وعندما تكون المرأة هي ضحية الفقد فإنها تصبح معرضة على الأخص للاعتداءات الجنسية وغيرها من أشكال العنف. كما تنبذ بعض الأسر نساءهن المفقودات اللاتي استطعن العودة إليها، خوفاً من وصمهم مجتمعياً. ويشكل إخفاء الأطفال إخلالاً واضحاً بالقواعد الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وانتهاكاً خطيراً لحقوقهم في العيش الآمن والأسرة، ورعاية الأبوين. الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير القمع والمساءلة بحق الأطراف المتورطة في هذا الفقد، لضمان عدم إفلاتهم من العقاب، المحور الرابع: التدابير التي يتعين اتخاذها إزاء مسألة المفقودين: في ضوء ما تقدم بشأن أوضاع المفقودين ومعاناة أسرهم واحتياجاتهم، يتعين اتخاذ مجموعة من التدابير الموصى بها دولياً للتعامل الأمثل مع هذه المأساة الإنسانية الشائكة. وذلك على النحو التالي. أولاً: التدابير الوقائية / الاحترازية : يقع على عاتق الدول والأطراف المتنازعة الالتزام باتخاذ ما يلزم من تدابير وقائية / احترازية للحيلولة، عملاً، أن تؤخذ هذه التدابير بعين الاعتبار في وقت السلم حتى تنتج فعاليتها وقت الاحتياج إليها. 1. التصديق والانضمام إلى الاتفاقات الدولية العالمية والإقليمية، التي تشكل الإطار القانوني الحاكم لهذه المسألة، ويقصد بها تحديداً الاتفاقيات والصكوك الدولية التي تشكل المصادر الرئيسية لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي للاجئين، والحق في السلامة الجسدية والأمن، عرفاً وفقهاً واتفاقاً وقضاءً، على ضرورة تمتع الأفراد بها، وبحيث اعتبر مخالفة هذه القواعد وحرمان الأفراد من هذه الحقوق بمثابة انتهاك لقواعد آمرة يستتبع تحريك دعوى المسئولية الدولية ضد من يثبت تورطهم فيه. 3. تحديد الوسائل المناسبة للتعرف على هوية الأشخاص المفقودين وتوفيرها. كالسجلات الشخصية، وبطاقات الهوية، وتشمل مسألة تحديد الهوية فئات أخرى من السكان معرضة للخطر مثل السكان المعزولين، والمدنيين في مناطق النزاع، والمشردين، حيث يتعين تسجيل هؤلاء الأشخاص تـسجيلاً دقيقاً على نحو يساعد لاحقاً في تحديد هوية رفات الذين يقضون نحبهم منهم. ويتعين تكليف هذه المكاتب بمهمة تسجيل الأفراد الذين يقعون في أيدي الأعداء ويتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني، وجمع المعلومات عنهم، مثل المستندات والأمتعة، وإرسالها إلى دولهم، من حيث حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية أو أولئك الذين توقفوا عن المشاركة فيها. بالفعل، مثل هذه المكاتب في كل من أذربيجان، وذلك لتيسير التعرف على رفات المدفونين بها. تشمل هذه التدابير حزمة من الالتزامات على ثلاثة مستويات رئيسية، وتقديم الدعم لأسر المفقودين إعمالاً لمبدأ الحق في معرفة الحقيقة (مصير أقاربهم المفقودين)؛ وتسليم رفات الموتى منهم. ويتعين لتحقيق ذلك، بذل الجهود الوطنية، وتعزيز التعاون والشراكة مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية، تتمثل أولى خطوات البحث عن المفقودين في جمع المعلومات عن الأشخاص مجهولي المصير والظروف التي اختفوا فيها. ويعـد جمـع المعلومـات عـن الأشـخاص المفقوديـن مـن العائلات ذاتهـا فـي وقـت مبكـر أمـر فـي غايـة الأهميـة حتـى وإن لـم يتم استخدام هذه المعلومات على الفور. في هذا السياق، في قراراتها ذات الصلة الدول والمؤسسات الوطنية، ولكن مع إتاحتها للاطلاع من قبل الجهات المعنية وفقاً للقوانين السارية في هذا الخصوص(27). وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنشطة مختلفة في سياق البحث عن هؤلاء المفقودين، بالتنسيق مع الجمعيات واللجان الوطنية للصليب أو الهلال الأحمر، بناء على طلب أسر الضحايا. وتشمل هذه الأنشطة إجراء حوار مستمر مع السلطات المختصة أو الجماعات المسلحة وإيفاد ممثلين عنها بشكل سري لتحديد أماكن وجودهم. وقد يشمل البحث زيارة مخيمـات اللاجئين وأماكن الاحتجاز والمستشـفيات والمشـارح والمقابـر. وفي حالات التهجير، تواصل اللجنة عملها، في مجال البحث عن المفقودين واستعادة الروابط الأسرية، وذلك بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مقدمتها المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 2. تقديم الدعم لأسر المفقودين إعمالاً لمبدأ الحق في معرفة الحقيقة : يحق للأسر، كأصل عام، فاحترام الحق في تبادل الأخبـار عن الأسرة أمر ضروري للحيلولة دون أن يصبح الأفراد في عداد المفقودين. كثيراً ما يحدث أثناء النزاعات المسلحة أن تتعطل وسائل الاتصال العادية، ويحرم الأشخاص، من هذا الحق ويكونون، عرضة لخطر فقدان الاتصال بأقاربهم. قدر المستطاع، بما في ذلك مكان وجودهم أو ظروف وأسباب الوفاة إذا كانوا قد لقوا حتفهم. يجب توفير أي معلومات متاحة، ليس للأسر فقط، بما في ذلك معرفة مكان وجودهم، أو ظروف وفاتهم إن كانوا أمواتاً وسببها وما يرتبط بذلك من التزام بجمع المعلومات حول الظروف المحيطة بالاختفاء وإجراء تحقيق فعلي بشأنها. ويلاحظ، أن للسجلات والمحفوظات المشار إليها، سواء الصادرة عن هيئات وطنية أو لجان دولية لتقصي الحقائق أهمية خاصة في إعمال الحق في معرفة الحقيقة بشأن ملابسات ارتكاب الانتهاكات ومصير الضحايا في حالات الوفاة والاختفاء. ويمكن للمؤسسات الوطنية، من قبيل اللجان الوطنية المعنية بالمفقودين أن تقوم بدور حاسم في استجلاء مصير المفقودين دون تمييز، وفي تقديم الدعم لأسرهم. وعادة ما تقوم هذه المؤسسات بمجموعة من المهام، أ ) استلام طلبات البحث عن المفقودين وجمع المعلومات بشأن وقائع فقدهم ومصيرهم والأماكن المحتملة لوجودهم؛ ب ) الاحتفاظ بسجلات المعلومات المجمعة وإدارتها على النحو المحدد في القوانين السارية في هذا الشأن؛ ج ) اتخاذ التدابير المناسبة لكفالة وتفعيل حق الأشخاص المختفين، وبصفة خاصة، المحرومين من حريتهم في إبلاغ أقاربهم عن ظـروفهم ومكـانهم وظـروف احتجازهم/سجنهم؛ هـ) تنفيـذ ما يقتضيه أداء واجباتها من مهام أخرى كالبحث عن مواقع الدفن المحتملة، والتواصل المستمر مع أقارب الضحايا عبر خط هاتفي مباشر على سبيل المثال. وتوجد مثل هذه الآليات في كل من البوسنة والهرسك (معهد الأشخاص المفقودين، وكرواتيا (مديرية المحتجزين والمفقودين)، وليبيا (وزارة شؤون أسر الشهداء والمفقودين)، وبنما (اللجنة الوطنية لمواصلة التحقيق في حالات الاختفاء القسري)، والكويت (اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين)، ومصر حيث أنشأت وزارة الداخلية المصرية آلية وطنية لتلقي الاستفسارات عن مصير المفقودين. كما أنشأت ثلاث لجان وطنية في كولومبيا لمعرفة مصير المفقودين، هي: اللجنة الوطنية للبحث عن المختفين، والوحدة الوطنية لتقديم الدعم الخاص بالضحايا والجبر الكامل، والمركز الوطني للذاكرة التاريخية. وتوجد آليات مماثلة في كل من الأرجنتين والسلفادور، وجورجيا، على إقامة الاتصال بين أبناء الأسر واستعادته بواسطة شبكة الاتـصالات العالميـة والعائلية التابعة للصليب الأحمر والهلال الأحمر، مستخدمةً في ذلك جميع الوسائل المتاحة وبالاتفاق مع السلطات الوطنية المعنية. 3. استعادة رفات الموتى: حث المجلس الدولي لحقوق الإنسان بموجب قراره رقم 15/5، سعياً لإعادة هذه إلى أسرهم، ومن أجل التصدي لمسألة الإفلات من العقاب للمتورطين في ملابسات فقدهم و/ أو وفاتهم(28). وبالفعل، استجابت العديد من الدول إلى هذا القرار وأصبح لديها خدمات على درجة عالية من التخصُّص في مجال الطب الشرعي. وإسبانيا، والتدريب الملائم للاحتياجات وتوفير المعدات والأدوات وقواعد البيانات لإدارة المعلومات المتعلقة بالمفقودين؛ وتعزيز الاتصال والتنسيق والتعاون فيما بين دوائر الطب الشرعي من أجل تحسين الوقاية والتحقيق في حالات المفقودين في سياق النزاعات المسلحة. 4. إنشاء آليات للتنسيق والتعاون الدولي مع الجهات المعنية: من ضمن التدابير العلاجية التي يمكن اتخاذها، اتفاق أطراف النزاع أثنائه أو بعد تسويته على إنشاء آلية أو جهة محايدة مشتركة لتنسيق تبادل المعلومات حول مصير المفقودين، واستعادة رفات الموتى منهم – بعد التعرف على هويات أصحابها بواسطة وسائل الطب الشرعي- وإبلاغ ذويهم بأي تقدم يحدث في هذا الشأن. ومن أمثلة اللجان التنسيقية الدولية التي أنشئت لهذا الغرض: اللجنة المعنية بالمفقودين في قبرص، وهي لجنة مشتركة يونانية تركية، وآلية التنسيق الثلاثية المشكلة بين سلطات جورجيا والاتحاد الروسي وسلطات الأمر الواقع في أوسيتيا الجنوبية، كما تجتمع بانتظام اللجنة الثلاثية التي أنشئت في عام 1991 لحسم مصير المفقودين في حرب الخليج الثانية، وهي لجنة ترأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتعمل بشأن المقابر وتحديد هويات رفات الموتي. وقد وقعت كل من إيران والعراق مذكرة تفاهم مشتركة عام 2008 لتبادل المعلومات حول مصير المفقودين في حرب الخليج الأولى. ثالثاً : تدابير القمع والمساءلة : (29) تنطوي قضايا الأشخاص المفقودين على سلوك قد يشكّل فعلاً إجرامياً، وقد يرقى هذا السلوك المجرم، ومن ثم، ويتعين على الدول في هذا الخصوص إشراك الضحايا وذويهم والاستماع إلى شهاداتهم قدر المستطاع وجبر المتضررين منهم. ويقتضي إعمال هذا التدبير أن يكون السلوك المشار إليه مجرماً ابتداءً في التشريعات الجنائية الوطنية. بالإضافة إلى تعزيز قدرات أعضاء النيابة العامة والقضاء وإمدادهم بالمعلومات المجمعة عن المفقودين من جانب، وإنشاء آليات للعدالة الجنائية تتيح الفرصة أمام الضحايا وأسرهم للجوء إلى القضاء والاقتصاص من الجناة. وإضافةً إلى ما تقدم، منبراً آخراً لمعالجة قضايا المفقودين، بطرق منها التحقيق في ملابسات فقدهم أثناء تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية. وفي حالة تشكيل آليات دولية للتحقيق في مصير المفقودين، فإنه ينبغي على السلطات الوطنية أن تسلم فوراً أي وثائق رسمية بحوزتها تتضمن معلومـات عن أنشطة قواتها المسلحة أو تلك المرتبطة بها قد تفيد التحقيقات والملاحقات القضائية على الجرائم بموجب القانون الدولي. ولا ينبغي التذرع بالأحكام القانونية المتعلقة بأسرار الدولة أو الأمن القومي لإعاقة تسليم تلك الوثائق. كما تلتزم السلطات المعنية بواجب توفير الحماية التامة للشهود والأقارب والقضاة وغيرهم من المشاركين في أي إجراءات متصلة بهذه التحقيقات. وتقدم جهود لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا لحث الأطراف المتنازعة على اتخاذ كل التدابير الممكنة للعثور على الأشخاص المبلّغ عن فقدانهم نتيجة للنزاع، وبذل الجهود لتزويد أفراد أسرهم بأي معلومات تكون لديها عن مصيرهم، نموذجا مهما في هذا الصدد. تناول هذا البحث بالتحليل مشكلة المفقودين، والتي تعد واحدة من أبرز المشكلات التي تؤرق ضمير الجماعة الدولية في الوقت الراهن، نظراً لما تنتجه من معاناة وآلام لا حصر لها ليس فقط لضحايا، وذلك من خلال دراسة أربعة محاور رئيسية، تناول أولها ماهية المفقودين وظروف فقدهم، وألقى ثانيها الضوء على قواعد حماية المفقودين في القواعد ذات الصلة بحقوق الإنسان وكل من القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي؛ كما استعرض المحور الثالث من هذا البحث احتياجات أسر المفقودين من حيث تقييمها ووسائل تلبيتها؛ وانتهى المحور الرابع إلى بيان التدابير المختلفة الوقائية والعلاجية والأخرى الخاصة بالقمع والمساءلة مختلفة الموصى بها دولياً للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية وعواقبها. وقد خلص البحث إلى مجموعة من الاستنتاجات الرئيسية في هذا الشأن، 1. إن معرفة مصير الأحباء المفقودين مشكلة تؤرق آلاف الأسر عبر مختلف دول العالم. وتعد النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وفي ظروف الاضرابات الأمنية وأحداث العنف الداخلي، والكوارث الطبيعية وحركات التهجير والنزوح الجماعية الكبرى أبرز مسببات هذه المشكلة. إلا أنها تمس في بعض الأحيان المصالح السياسية للقائمين على السلطة، خاصة في حالة النزاعات المسلحة الداخلية، فيحجبون عن أعدائهم وخصومهم أي معلومات تتوافر لديها عن المفقودين، خوفاً من إثارة مسئوليتهم عن فقدهم، مما يعرقل كثيرا من فرص نجاح تدابير التعامل مع هذه الأزمة. 3. توفر قواعد القانون الدولي ذات الصلة، إلا إن ضعف الامتثال لهذه القواعد في شأن النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية من جانب السلطات المختصة، ونقص المعلومات وأطر التعاون وآليات التنسيق، بين الجهات المعنية في بعض الأحيان، قد يقوض كثيراً من الجهود الحثيثة الي تبذلها كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المركزية للبحث عن المفقودين واللجنة الدولية المعنية بشؤون المفقودين، 4. إن جهود بناء السلام والمصالحة يجب أن تتم بالتوازي مع جهود تسوية مسألة المفقودين ومعرفة مصيرهم واستعادة الروابط الأسرية بينهم وبين أسرهم إن كانوا أحياءً، والتيقن من وفاتهم ونقل رفاتهم إلى دولهم إن كانوا قد قضوا نحبهم؛


النص الأصلي

أولاً: حماية المفقودين في القانون الدولي الإنساني:


يتعين القول، بدايةً، إنه على الرغم من أن القانون الدولي الإنساني قد صيغت قواعده خصيصاً لكي يسري في أوقات النزاعات المسلحة وفي ظل الاحتلال، إلا أن الامتثال لقواعد الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، بما تكفله من حقوق أساسية، مثل الحق في الحياة، والحـق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية، والحق في الحرية والأمن، والحق في المحاكمة العادلة، والحق في احترام الحياة الشخصية والأسرية؛ من شأن هذا الامتثال أن يحول إلى حد كبير دون فقدان الأشخاص – أو تخفيض عدد حالات الفقد على أقل تقدير - في أوقات النزاع المسلح.


وقد اهتمت الجماعة الدولية منذ القدم بتخفيف المعاناة الإنسانية الناتجة عن النزاعات المسلحة، واعتمدت لأجل ذلك اتفاقيتي لاهاي للسلام الأولي لعام 1899 والثانية لعام 1907. وبموجب هاتين الاتفاقيتين، تم تحديد حقوق وواجبات المتحاربين في إدارة العمليات العسكرية وتقييد وسائل القتال المستخدمة لإلحاق الضرر بالأعداء. وفي تطور لاحق، أبرمت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولان الإضافيان الملحقان بها لعام 1977، حيث تم التركيز، ولأول مرة، على حماية ضحايا هذه النزاعات من المدنيين والجرحى والأسرى وغيرهم(9).


وقد ألزمت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977، الدول والأطراف المتنازعة بالتزامين رئيسيين في هذا الشأن: أحدهما من طبيعة إيجابية، وهو البحث عن المفقودين والكشف عن مصيرهم؛ والآخر، هو الحيلولة دون فقدان الأشخاص في سياق النزاعات المسلحة والاضطرابات الأمنية، وهو التزام ذو طبيعة سلبية كما يبين. وينبثق هذان الالتزامان الرئيسان بشأن حماية المفقودين، بطبيعة الحال، من الالتزام العام للـدول الأطـراف في اتفاقيات جنيف باحترام قواعد القانون الإنساني الدولي وكفالة احترامها(10).


وتركز الالتزامات المشار إليها على درء وقوع حالات جديدة من المفقودين ومعالجة القائم منها، بما في ذلك ما يترتب على هذا الفقد من تبعات. وترتكز هذه الالتزامات بشأن حماية المفقودين وأسرهم في القانون الدولي، على مبدأ " الحق في معرفة الحقيقة "، حيث نصت المادة 32 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977، وللمرة الأولى، على حق الأسر في معرفة مصير أقاربهم المفقودين. ويشمل ذلك، أيضاً، الحق في الحصول على معلومات عن مكان دفن القريب المفقود، إن كان معلوماً. وقد بدأ الاعتراف بالحق في معرفة الحقيقة في العقود الأخيرة باعتباره ينطبق على سائر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.


وترتيباً على ما تقدم، يمكن الإشارة إلى أبرز التدابير التي أولتها اتفاقيات جنيف عناية خاصة عند لمعالجة مسألة المفقودين، وذلك على النحو التالي:




  1. اتخاذ جميع التدابير الممكنة للبحث عن الجرحى والمرضى وجمعهم وحمايتهم من السلب وسوء المعاملة، وتأمين الرعاية اللازمة لهم، وكذلك البحث عن جثث الموتى ومنع سلبها. (المادة 15 من اتفاقية جنيف الأولى).




  2. تسجيل أطراف النزاع، على وجه السرعة، لجميع البيانات التي تساعد على التحقق من هوية الجرحى والمرضى والموتى الواقعين في قبضتها. وتشمل هذه البيانات: اسم الدولة التى ينتمون إليها، ورقمهم الشخصي أو رقمهم بالجيش والفرقة، والاسم الأول واللقب، وتاريخ الميلاد، وتاريخ ومكان الأسر أو الوفاة، والمعلومات المتوفرة عن الجروح أو المرض أو أسباب الوفاة، وأي معلومات أخرى مدونة في بطاقة أو لوحة تحقيق الهوية. (المادة 16 من اتفاقية جنيف الأولى).




  3. إبلاغ المعلومات المجمعة أعلاه وإرسالها إلى مكاتب الاستعلامات الوطنية بالدول التي يتبعها هؤلاء الجرحى والمرضى أو المتوفون، وكذلك، شهادات الوفاة أو قوائم بأسماء الموتى مصدقاً عليها، وأي مستندات أخرى قد تكون ذات أهمية مادية أو معنوية لأقاربهم. (المادة 16 من اتفاقية جنيف الأولى)(11).




  4. إيلاء الاحترام الواجب لجثث الأشخاص الذين توفوا بسبب الأعمال العسكرية أو الاحتلال الحربي أو أثناء الاعتقال. ويتعين فحص الجثث بدقة بقصد التيقن من حالة الوفاة، والتحقق من هوية المتوفي، ودفنها طبقاً لشعائر دين كل متوفى في مقابر يمكن الاستدلال عليها لاحقاً، وإنشاء إدارة رسمية لخدمات المقابر لتسجيل بيانات الموتى المدفونين فيها، وتيسير نقل الجثث إلى دولهم الأصلية. (المادة 17 من اتفاقية جنيف الأولى)




  5. حظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصةً القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، والاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة. (المادة 3 من اتفاقية جنيف الثانية)




  6. حظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً صحيحاً، مع كفالة جميع ضمانات المحاكمة العادلة. (المادة 3 من اتفاقية جنيف الثانية)(12).




  7. إنشاء مكاتب رسمية للاستعلام عن الأسرى والمحتجزين لدى كل طرف من الأطراف المتنازعة، وإبلاغ المعلومات المجمعة عنهم فوراً إلى الدول المعنية لإخطار عائلاتهم. (المادة 122 من اتفاقية جنيف الثالثة)(13).




  8. يتعين تنفيذ الأسر والاحتجاز أو إلقاء القبض أو السجن في ظل التزام صارم بالمعايير والإجراءات القانونية المتفق عليها دولياً. كما يتعين، أيضاً، تخويل اللجنة الدولية للصليب الأحمر و/أو أي منظمة دولية محايدة ومستقلة، الوصول إلى كافة الأشخاص المحرومين من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع المسلح.




  9. اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشر الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب؛ واتخاذ التدابير، أيضاً، لإمكان التحقق من هوية جميع الأطفال عن طريق حمل لوحة لتحديد الهوية أو بأي وسيلة أخرى. (المادة 24 من اتفاقية جنيف الرابعة)




  10. السماح لأي شخص، بما في ذلك المعتقلون، يوجد في أرض أحد أطراف النزاع بالتواصل مع أسرته وإبلاغهم بأخباره أولاً بأول وتلقي أخبارهم، وتبادل المراسلات والطرود معهم (المواد 25 و106 و107 من اتفاقية جنيف الرابعة).




  11. تسهيل أعمال البحث التي يقوم بها أفراد العائلات المشتتة بسبب الحرب من أجل تجديد الاتصال بينهم، وإذا أمكن جمع شملهم. (المادة 26 من اتفاقيات جنيف الرابعة)(14).




  12. وجوب اتخاذ أطراف النزاع والمنظمات الإنسانية الدولية المعنية كل التدابير الممكنة لضمان أن تعرف الأسر مصير أقاربها. وللجنة الدولية للصليب الأحمر دور مهم تلعبه من خلال الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة لها والتي تساعد في ِإيجاد المفقودين حينما يتم تجميع معلومات عنهم.




وإضافة إلى ما تقدم، خصص القسم الثالث من الباب الثاني (المواد من32 إلى34) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، خصص لبيان التزامات الدول بالنسبة للأشخاص المفقودين. وقد أوجبت أحكام هذا القسم على كل طرف من أطراف النزاع، بمجرد أن تسمح الظروف بذلك – وفي موعد لا يتجاوز انتهاء الأعمال العدائية – أن يقوم بالبحث عن الأشخاص الذين أخطره خصمه بفقدهم، وعليه أن يبلغ جميع المعلومات التي توفرت لديه عنهم إلى دولتهم مباشرة عن طريق الدولة الحامية، أو الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، أو الجمعيات الوطنية للهلال أو الصليب الأحمر. ويراعى في حال إبلاغ هذه المعلومات عن غير طريق اللجنـة الدوليـة للصليب الأحمر، تزويد الطـرف المعني بهذه المعلومات(15).


كما أكد البروتوكول الإضافي الأول، على ضرورة تسهيل استعادة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم، ومساعدة أسرهم وممثلي الدوائر الرسمية المعنية بتسجيل القبور، حتى يسهل الوصول إلى مدافنهم. ويحظر على الطرف الذي تقع في أرضه المدافن إخراج رفات الميت – في حالة ما إذا كانت هناك ضرورة ملحة تتعلق بالصالح العام، بما في ذلك المقتضيات الطبية ومقتضيات التحقيق – إلا بعد إبلاغ دولة المتوفي بنيته في إخراج الجثة وإعطاء إيضاح عن الموقع الذي ينوي إعادة الدفن فيه. كما يجب إعادة رفات الموتى إلى أقاربه إن أمكن ولو بعد انتهاء النزاع المسلح أو انتهاء حالة الاحتلال(16).


وعلى الرغم من الاهتمام الواضح الذي أولاه البروتوكول الإضافي الأول لحماية المفقودين والموتى في النزاعات المسلحة الدولية، لم يول البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977، اهتماماً مماثلاً بهؤلاء الضحايا في سياق النزاعات المسلحة الداخلية أو غير الدولية، حيث تم تناولها بإيجاز، في المادة الثامنة من هذ البروتوكول، والتي نصت في فقرتها الأخيرة على أن: " .... والبحث عن الموتى والحيلولة دون انتهاك حرماتهم وأداء المراسم الأخيرة لهم بطريقة كريمة" .


ويجب ألا يفسر هذا الإيجاز على أنه إهمال من جانب مشرعي القانون الدولي الإنساني لهؤلاء الضعفاء، بل ربما ورد هذا الإيجاز على هذا النحو على أساس أن البحث عن الموتى ودفنهم ونقل رفاتهم، لا يثير مشكلات كبيرة في حالة النزاعات المسلحة الداخلية لوقوعها داخل حدود إقليم دولة واحدة. وبالتالي، فقرب المكان ييسر على أهالي الموتى الوصول إلى قبور ذويهم، وذلك على خلاف الحال بالنسبة للنزاعات المسلحة الدولية(17).


كما تنطبق الأحكام الخاصة بحماية المفقودين والموتى الواردة في البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف، من باب القياس، على مفقودي النزاعات المسلحة غير الدولية وموتاها، وذلك لخلو نص البروتوكول الثاني من حكم صريح يقرر حماية هؤلاء الضحايا باستثناء نص المادة الرابعة من البروتوكول المذكور، والتي ألزمت أطراف النزاع، في الفقرة الثالثة منها، بوجوب اتخاذ جميع الخطوات المناسبة لتسهيل جمع شمل الأسر التي تشتت لفترة مؤقتة بسبب النزاع المسلح.


وعلى ذلك، يمكن القول إن أحكام القانون الدولي الإنساني ذات الصلة بحماية المفقودين والموتى قد اتبعت نهجاً وقائيا لتفادي وقوع الأفراد، مدنيين كانوا أو عسكريين، في الفقد، كما اتسمت معالجتها لحالات الفقد الواقعة فعلاً بالشمول، بحيث تمتد سياسات المعالجة أثناء النزاع وبعده وطوال مرحلة بناء السلام والمصالحة. ومن ثم، تظل الدول والأطراف في النزاع المسلح ملزمةً ببعض الالتزامات التي ينص عليها هذا القانون بعد انتهاء النزاع أو الاحتلال، فتستمر، على سبيل المثال، جهود البحث عن المفقودين دون أي حد زمني، وذلك إلى حين اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمعرفة مصيرهم واستعادة الروابط مع أسرهم.


ثانياً: حماية المفقودين في القانون الدولي لحقوق الإنسان:


تجدر الإشارة إلى أن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان قد اهتمت بمعالجة مسألة المفقودين، وذلك في إطار إيمانها بكرامة الفرد وقدره، واهتمامها بتعزيز حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أوقات السلم والحرب على حد سواء. فقد ألزمت هذه القواعد الدول بسن التشريعات التي تكفل الوصول إلى هذا الهدف وملاحقة من ينتهكون القواعد والأحكام ذات الصلة قضائياً. وقد جاء هذا التوجه من أعضاء الجماعة الدولية انطلاقاً من حقيقة أن جميع البشر، نساءً ورجالاً، يتحلون بكرامة إنسانية لا يجب التعدي عليها دونما تمييز لأي اعتبار كان.


وقد أكدت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 على هذا المعنى، حيث نصت، في الفقرة الثالثة منها، على أنه من بين مقاصد المنظمة " .. تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء". كما كلفت المادة 13 من الميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها جهاز المنظمة ذا الولاية العامة صلاحية إصدار التوصيات تحقيقا لهذا المقصد. كذلك، فقد أعاد الميثاق التأكيد على ذات المعني في المادة الأولى منه (الفقرة 3)، حيث نصت على ضرورة تحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وفي مقدمتها، إشاعة احترام حقوق الإنسان بلا تمييز بسبب الجنس(18).


أما عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، فقد أكدت مادته الثانية على أن لكل إنسان الحق في التمتع بكافة الحقوق والحريات الأساسية الواردة بالإعلان، دونما أي تمييز من أي نوع كان لا سيما التمييز بسبب الجنس ... كذلك، نصت المادة السابعة من الإعلان على أن: " كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.


وعلاوة على ما تقدم، حظرت المادة 30 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قيام الدولة أو أي فرد أو جماعة بأي عمل أو نشاط يكون من شأنه انتهاك أي حق من الحقوق أو هدم الحريات الواردة به. تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المتضمنة في الإعلان، ويتعين من ثم ملاحقة مرتكبيها ومساءلتهم عما اقترفوه.


وقد سار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على ذات النهج، حيث إنه لم يجرم، صراحة، ولكنه أقر بحق كل شخص في الحياة، وفي الكرامة الإنسانية، وفي الحرية والأمن، وغيرها من سائر الحقوق والحريات الأساسية. في حين جرم العهد أفعال الحرمان التعسفي من الحياة، والاسترقاق والعبودية، والتعذيب والعقوبة القاسية أو المهينة، والمعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة(19).


ثالثاً: حماية المفقودين في القانون الجنائي الدولي:


معلوم، أن اهتمام الجماعة الدولية بمعالجة قضايا المفقودين، قد جرى، ابتداءً، من خلال اعتماد أحكام وقواعد تناهضه في القانون الدولي الإنساني، ثم اتسعت تدريجياً جهود هذه الجماعة وبالتحديد منذ تسعينيات القرن العشرين لتنطلق باتجاه اعتماد قواعد مماثلة، ولكنها أكثر تفصيلاً وإسهاباً، في كل من القانون الدول لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي لمكافحة الظاهرة ذاتها.


ويعزى هذا التوجه - والحديث نسبياً - من جانب الجماعة الدولية إلى تطور إدراكها أن التصدي لهذه الظاهرة المقيتة، إنما يتطلب اتباع نهجاً شمولياً لا يقتصر فقط على مواجهتها في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، ولكنه يتطلب تكاتف الجهود واعتماد وإنفاذ القواعد والآليات المختلفة التي تكفل الحيلولة دون وقوع حالات لفقد الأشخاص في السياقات المختلفة الأخرى، بما في ذلك الاضطرابات الأمنية وأحداث العنف الداخلي، من جانب؛ ومعالجة أسباب هذه الظاهرة وواقعها وتبعتها على أسر المفقودين من جانب آخر.


ومما هو غني عن البيان، هنا أن وجود نظام دولي فعّال للمساءلة الجنائية عن الانتهاكات التي تستهدف حقوق الإنسان، وخاصة في أوقات الحروب أو النزاعات المسلحة، إنما يعد من أقوي الضمانات التي تكفل احترام هذه الحقوق وعدم النيل منها أو الافتئات عليها، وذلك جنباً إلى جنب مع التشريعات والقوانين الوطنية ذات الصلة، كالتشريعات الجنائية. فالثابت، أن وجود مثل هذا النظام الفعّال للمساءلة الجنائية – الوطنية والدولية – من شأنه، ولاشك، أن يحول دون إفلات الأشخاص الذين يثبت ارتكابهم لمثل هذه الانتهاكات، من المسئولية والعقاب.


وحتى عهد قريب، لم تهتم كل من المحاكم الوطنية والدولية، بالمعاقبة على الجرائم ذات الصلة باختفاء الأشخاص، حيث لم يكن ينظر بعد إلى الحصانة من العقوبة على هذه الجرائم باعتباره أحد التحديات الخطيرة أمام بناء مجتمع مستقل ومسالم. وعلى إثر ذلك، لم تدرج محاكمات نورمبرج لعام 1945، ضمن لائحة التهم الموجهة لمن تمت محاكمتهم، رغم تجريمها لأفعال أخرى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية كالقتل العمد، والإبادة والاسترقاق والأفعال اللاإنسانية الأخرى المرتكبة ضد المدنيين، وغيرها.


وبوجه عام، تقوم أركان أي جريمة، إضافة إلى الجاني، على ركنين اثنين: أحدهما مادي، والآخر معنوي. ووفقا لنص المادة الأولى من نظام روما الأساسي لعام 1998، يسأل الشخص جنائياً، ويكون من ثم عرضة للعقاب، عن أي جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال ثبوت قيامه بأي من الأفعال الآتية: ارتكاب الجريمة منفرداً أو بالاشتراك مع الغير؛ الأمر أو الإغراء بارتكاب الجريمة سواء وقعت فعلا أو شرع فيها؛ تقديم العون أو التحريض أو المساعدة على ارتكاب الجريمة أو الشروع في ارتكابها بأي شكل كان؛ المساهمة المتعمدة لجماعة من الأشخاص ذوي قصد مشترك، لارتكاب جريمة تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة(20).


وأخيراً، يتعين الإشارة إلى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو اختصاص تكميلي، أي مكمل للاختصاص القضاء الوطني، مما يعني أن الأولوية دائما يجب أن تكون للقضاء الوطنى، ولا ينتقل منه الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية إلا كبديل أخير، وفي حالات محددة على سبيل الاستثناء، كحالة انهيار النظام القضائي الداخلي كما كان الوضع في رواندا ويوغسلافيا، أو حينما يرفض القضاء الوطني القيام بمهامه في هذا الشأن، أو حالة عدم استطاعة القضاء الوطني القيام بدوره نتيجة لظروف غير عادية مثل عدم وجود استقلال قضائي وتدخل السلطة التنفيذية لمنع القضاء من القيام بذلك(21).


المحور الثالث: تقييم احتياجات أسر المفقودين والوفاء بها:


تعاني أسر المفقودين من آلام لا حد لها، لعدم علمهم بما إذا كان أحباؤهم لا يزالون على قيد الحياة أم قضوا نحبهم. وفي الحالتين، يعانون مرارة الجهل بمكانهم. وبينما تنتظر أسر الأشخاص المفقودين أخباراً عن مصير أحبائها، تواجه تحديات جمة تتباين حسب أوضاعها الشخصية والسياق المحلي والبيئة الثقافية والاجتماعية. فعادة ما يقاسي أقارب المفقودين معاناة بالغة إلى أن يعرفوا مصيره ومكان وجوده – إن تسنى لهم ذلك أصلاً. وغالبا ما يتفاقـم حزنهم على فقدان الأحبة من جراء التحديات النفسية والإدارية والقانونية والاجتماعية التي يواجهونها في ظل أوضاعهم الجديدة. كما أن لهذه الأسر طائفة من الاحتياجات الإنسانية والسياسية والقضائية وغير القضائية التي يتعين الوفاء بها على كافة المستويات.


وقـد يكـون المفقـود حياً أو فـي عداد الموتى أو محتجـزا فـي زنزانة داخل سجن سري أو يعيش في مخيم للاجئين أو في دولة أجنبية أو وارى جثمانه التراب في مقبرة جماعية. والمؤكد أن الشخص قد اختفى ولكن ليس بالضرورة للأبد. ويشكل عدم التيقـن هذا مصدر معاناة ً تستعصي على الوصف بالنسـبة لأسرته(22).


وهناك، كذلك، الألم النفسي الذي يصيب أسر المفقودين، إذ تتنوع استجابات الأشخاص الذين يعيشون في حالة عدم التيقن تلك: فبعضهم يكافح للتأقلم مع عمل أو رعاية الأطفال أو الأنشطة اليومية، بينما قد يلوم البعض الآخر نفسه على اختفاء الشخص المعني أو يسيطر عليهم شعور بالذنب حينما لا تفضي جهودهم في البحث عنه إلى نتائج تذكر.


ويمكن لهذه الحالة أن تقوض العلاقات بين المجتمعات على مدى أجيال متتالية، والتي تحمل معها، في الغالب، مشاعر السخط التي يولدها معاناة الأقارب والأصدقاء من إذلال وظلم. لذا، ينبغي على الدول العمل على ضمان استفادة أفراد أسر المفقودين من برامج الدعم الرامية إلى تحسين أوضاعهم ومـساعدتهم على التخلص مما تشعر به من معاناة نفسية بسبب اختفاء ذويهم، بغرض إعادة إدماجهم في حياة مجتمعاتهم مرة أخرى(23).


وعادةً، ما تبدأ الأسر في البحث عن أحبائها المفقودين منذ اللحظة الأولى التي تدرك فيها أنهم مفقودون، وتواصل سعيها هذا إلى أن تحصل على معلومات موثوق بها عن أماكن وجودهم. وتستغرق هذه العملية، وقتاً طويلاً في كثير من الأحيان، وتكون، في الغالب، محفوفة بعقبات عدة، منها: عدم توافر المعلومات عن ملابسات الفقد أو أسبابه ومآل المفقودين، وعدم معرفة الكيفية أو الإجراءات التي يتعين اتباعها للبحث عن المفقودين، فقد لا تعرف الكثير من الأسر أي الأبواب تطرق طلباً للمساعدة.


وحتى يتسنى لتدابير معالجة مسألة المفقودين أن تنتج أثرها بفعالية، فإنه يتعين، ابتداءً، تقييم احتياجات أسر المفقودين تقييمًا دقيقًا، حتى يمكن تلبيتها بسهولة وعلى نحو ملائم. ومن بين أهم احتياجات أسر المفقودين، كخطوة أولى للبحث عن أقاربهم المفقودين واستجلاء مصيرهم، الحاجة إلى تحديد الوضع القانوني للمفقودين وأسرهم في التشريعات الوطنية، وذلك ببيان الظروف اللازمة للإعلان رسمياً عن غياب أو فقدان شخص ما والإجراءات المتبعة في هذا الصدد.


كما يتعين أن يتبع ذلك الإعلان بذل الجهود والمساعي، من قبل الدولة وغيرها من السلطات المعنية، للبحث عن المفقود. وينبغي افتراض بقاء المفقود على قيد الحياة حتى يُتأكد من مصيره، فلا تعلن وفاته دون تقـديم ما يكفي من الإثباتات والدلائل الداعمة. ويمكن التثبت من وفاة المفقود من خلال التعرف علـى رفاتـه(24).


وتسبب مشكلة المفقودين معاناة إضافية، بصفة خاصة، للنساء، اللاتي يتحملن عادةً وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي تصاحب حالات الفقد والاختفاء في أغلب الأحيان. فتبذل النساء جهوداً مضنية في مثل هذه الحالات لإعالة أسرتها مع التصدي للبحث عن زوجها المفقود والكفاح من أجل استعادتهم. وترك الممتلكات كلاجئات ضعيفات أو مشردات داخليا، على نحو يفقدن معه الإحساس بالأمن والأمان والهوية داخل مجتمعاتهن. وكثيراً ما يتعرضن للاستغلال الجنسي من جراء ذلك(25).


ومن الفئات التي تواجه معاناة خاصة في هذه الظروف، أيضاً، الأطفال والقصر لا سيما غير المصحوبين بذويهم، فيعانون التشريد وفقدان أحد الوالدين أو كليهما والافتراق عن الأقارب والأصدقاء بسبب النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والجرائم المنظمة وحركات النزوح واللجوء الكبرى. لذا، يتعين إيلاء العناية الواجبة لهؤلاء الأطفال، واتخاذ التدابير اللازمة للم شملهم مع أسرهم أو تجنيبهم، قدر المستطاع، الانفصال عن أقرب أقربائهم (الآباء والأشقاء).


وعندما تكون المرأة هي ضحية الفقد فإنها تصبح معرضة على الأخص للاعتداءات الجنسية وغيرها من أشكال العنف. كما تنبذ بعض الأسر نساءهن المفقودات اللاتي استطعن العودة إليها، خوفاً من وصمهم مجتمعياً. ويشكل إخفاء الأطفال إخلالاً واضحاً بالقواعد الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وانتهاكاً خطيراً لحقوقهم في العيش الآمن والأسرة، ورعاية الأبوين.


وأخيراً، وليس آخرا، تشكل سيادة القانون وإعمال آليات العدالة بشأن قضايا المفقودين والمطالبة بالتعويض عن فقدهم أحد أبرز الاحتياجات الرئيسية لأسرهم. الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير القمع والمساءلة بحق الأطراف المتورطة في هذا الفقد، لضمان عدم إفلاتهم من العقاب، كما سيشار في المحور التالي.


المحور الرابع: التدابير التي يتعين اتخاذها إزاء مسألة المفقودين:


في ضوء ما تقدم بشأن أوضاع المفقودين ومعاناة أسرهم واحتياجاتهم، يتعين اتخاذ مجموعة من التدابير الموصى بها دولياً للتعامل الأمثل مع هذه المأساة الإنسانية الشائكة. وذلك على النحو التالي.


أولاً: التدابير الوقائية / الاحترازية :


يقع على عاتق الدول والأطراف المتنازعة الالتزام باتخاذ ما يلزم من تدابير وقائية / احترازية للحيلولة، دون فقد الأشخاص في سياق النزاع المسلح الدائر بينها. ويتعين، عملاً، أن تؤخذ هذه التدابير بعين الاعتبار في وقت السلم حتى تنتج فعاليتها وقت الاحتياج إليها. وتشمل هذه التدابير الوقائية عدداً من التدابير التشريعية والمؤسسية على النحو الآتي(26).




  1. التصديق والانضمام إلى الاتفاقات الدولية العالمية والإقليمية، العامة والخاصة، التي تشكل الإطار القانوني الحاكم لهذه المسألة، ويقصد بها تحديداً الاتفاقيات والصكوك الدولية التي تشكل المصادر الرئيسية لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي، والقانون الدولي للاجئين، وغيرها من الصكوك ذات الصلة.




  2. كفالة تمتع الأفراد بالحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية والأمن، والحق في الأسرة، وغيرها من الحقوق اللصيقة بالشخصية، والتي استقرت الجماعة الدولية، عرفاً وفقهاً واتفاقاً وقضاءً، على ضرورة تمتع الأفراد بها، وبحيث اعتبر مخالفة هذه القواعد وحرمان الأفراد من هذه الحقوق بمثابة انتهاك لقواعد آمرة يستتبع تحريك دعوى المسئولية الدولية ضد من يثبت تورطهم فيه.




  3. تحديد الوسائل المناسبة للتعرف على هوية الأشخاص المفقودين وتوفيرها. ويلاحظ بالنسبة للأفراد ذوي الصفة العسكرية أن الدولة هي المسئول الأول عن توفير مستلزمات تحديد الهوية لهؤلاء الأفراد، كالسجلات الشخصية، وبطاقات الهوية، وشارات الهوية العسكرية؛ كما أنها هي، أيضاً، المسئولة عن فرض استعمالها. وقد يطلب من أفراد القوات المسلحة عينات دم أو بصمات الأصابع والاحتفاظ بها مع سجلات خاصة بالأسنان في مصرف بيانات للحمض النووي.




وتشمل مسألة تحديد الهوية فئات أخرى من السكان معرضة للخطر مثل السكان المعزولين، والمدنيين في مناطق النزاع، والمشردين، والمسنين، والأطفال ولا سيما غير المصحوبين بذويهم، والأشخاص ذوي الإعاقـة، حيث يتعين تسجيل هؤلاء الأشخاص تـسجيلاً دقيقاً على نحو يساعد لاحقاً في تحديد هوية رفات الذين يقضون نحبهم منهم.




  1. إنشاء مكاتب وطنية للاستعلام على نحو ما تقضي به قواعد القانون الدولي الإنساني. ويتعين تكليف هذه المكاتب بمهمة تسجيل الأفراد الذين يقعون في أيدي الأعداء ويتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني، كأسرى الحرب والمدنيين المحتجزين، وجمع المعلومات عنهم، مثل المستندات والأمتعة، وإرسالها إلى دولهم، حتى يسهل الاستدلال عليهم لاحقاً. ويتوافق تسجيل هؤلاء الأشخاص تماماً مع أهداف القانون الدولي الإنساني، من حيث حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية أو أولئك الذين توقفوا عن المشاركة فيها. وتتوافر، بالفعل، مثل هذه المكاتب في كل من أذربيجان، وأرمينيا، وإيران، والعراق، والمملكة المتحدة.




  2. ويقضي القانون الدولي الإنساني، كذلك، بضرورة إنشاء دوائر لتسجيل المقابر وسجلات للوفيات، والاحتفاظ بها، وذلك لتيسير التعرف على رفات المدفونين بها.




ثانياً: تدابير المواجهة أو التدابير العلاجية:


تشمل هذه التدابير حزمة من الالتزامات على ثلاثة مستويات رئيسية، هي: البحث عن المفقودين واقتفاء أثرهم؛ وتقديم الدعم لأسر المفقودين إعمالاً لمبدأ الحق في معرفة الحقيقة (مصير أقاربهم المفقودين)؛ وتسليم رفات الموتى منهم. ويتعين لتحقيق ذلك، بذل الجهود الوطنية، وبخاصةً المؤسسية والميدانية، من جانب، وتعزيز التعاون والشراكة مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية، وإنشاء آليات للتنسيق فيما بينها من جانب آخر.



  1. تدابير البحث عن المفقودين واقتفاء أثرهم:


تتمثل أولى خطوات البحث عن المفقودين في جمع المعلومات عن الأشخاص مجهولي المصير والظروف التي اختفوا فيها. ويعـد جمـع المعلومـات عـن الأشـخاص المفقوديـن مـن العائلات ذاتهـا فـي وقـت مبكـر أمـر فـي غايـة الأهميـة حتـى وإن لـم يتم استخدام هذه المعلومات على الفور.


وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في هذا السياق، في قراراتها ذات الصلة الدول والمؤسسات الوطنية، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المعنية إلى وضع سجلات للأشخاص المفقودين في ظروف النـزاع المسلح ورفات المفقودين الذين تعذّر التعرف على هويتهم وإدارتها على نحو سليم، مع مراعاة الاعتبارات المتعلقة بالخصوصية والسلامة الشخصية، ولكن مع إتاحتها للاطلاع من قبل الجهات المعنية وفقاً للقوانين السارية في هذا الخصوص(27).


وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنشطة مختلفة في سياق البحث عن هؤلاء المفقودين، بالتنسيق مع الجمعيات واللجان الوطنية للصليب أو الهلال الأحمر، بناء على طلب أسر الضحايا. وتشمل هذه الأنشطة إجراء حوار مستمر مع السلطات المختصة أو الجماعات المسلحة وإيفاد ممثلين عنها بشكل سري لتحديد أماكن وجودهم. وقد يشمل البحث زيارة مخيمـات اللاجئين وأماكن الاحتجاز والمستشـفيات والمشـارح والمقابـر. وفي حالات التهجير، تواصل اللجنة عملها، في مجال البحث عن المفقودين واستعادة الروابط الأسرية، ومساعدة الأطفال غير المصحوبين بذوييهم، وذلك بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مقدمتها المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.



  1. تقديم الدعم لأسر المفقودين إعمالاً لمبدأ الحق في معرفة الحقيقة :


يحق للأسر، كأصل عام، الاتصال بأفرادها ومعرفة مصير أقاربها. فاحترام الحق في تبادل الأخبـار عن الأسرة أمر ضروري للحيلولة دون أن يصبح الأفراد في عداد المفقودين. غير أنه، كثيراً ما يحدث أثناء النزاعات المسلحة أن تتعطل وسائل الاتصال العادية، ويحرم الأشخاص، خاصةً الفئات الضعيفة كالنساء والأطفال والمسنين وذوي الإعاقة، من هذا الحق ويكونون، من ثم، عرضة لخطر فقدان الاتصال بأقاربهم. لذا، يتعين على الدول والأطراف المتنازعة، قدر المستطاع، الالتزام بتزويد أفراد أسر هؤلاء المفقودين بكل ما يتوافر لديها من معلومات عن مصيرهم، بما في ذلك مكان وجودهم أو ظروف وأسباب الوفاة إذا كانوا قد لقوا حتفهم. وعلاوة على ذلك، يجب توفير أي معلومات متاحة، ليس للأسر فقط، وإنمـا للمؤسسات المعنية باقتفاء أثر المفقودين أيضاً.


ويمثل مبدأ الحق في معرفة الحقيقة ركيزة الحماية الأساسية التي ينبغي توفيرها للمفقودين وأسرهم. وينص كل من القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان على حـق الأسر في معرفة مصير أقاربها المفقودين نتيجة نزاع مسلح، بما في ذلك معرفة مكان وجودهم، أو ظروف وفاتهم إن كانوا أمواتاً وسببها وما يرتبط بذلك من التزام بجمع المعلومات حول الظروف المحيطة بالاختفاء وإجراء تحقيق فعلي بشأنها.


ويلاحظ، أن للسجلات والمحفوظات المشار إليها، سواء الصادرة عن هيئات وطنية أو لجان دولية لتقصي الحقائق أهمية خاصة في إعمال الحق في معرفة الحقيقة بشأن ملابسات ارتكاب الانتهاكات ومصير الضحايا في حالات الوفاة والاختفاء. كما ينبغي أن يكون تحديد مصير المفقودين وأماكن وجودهم على أساس من الشفافية والمساءلة ومشاركة الجمهور.


ويمكن للمؤسسات الوطنية، من قبيل اللجان الوطنية المعنية بالمفقودين أن تقوم بدور حاسم في استجلاء مصير المفقودين دون تمييز، وفي تقديم الدعم لأسرهم. وأوضحت خبرات العديد من الدول نجاح هذه المؤسسات واللجان الوطنية في تحديد مصير الآلاف من المفقودين الأحياء والموتى.


وعادة ما تقوم هذه المؤسسات بمجموعة من المهام، منها:


أ ) استلام طلبات البحث عن المفقودين وجمع المعلومات بشأن وقائع فقدهم ومصيرهم والأماكن المحتملة لوجودهم؛


ب ) الاحتفاظ بسجلات المعلومات المجمعة وإدارتها على النحو المحدد في القوانين السارية في هذا الشأن؛


ج ) اتخاذ التدابير المناسبة لكفالة وتفعيل حق الأشخاص المختفين، وبصفة خاصة، المحرومين من حريتهم في إبلاغ أقاربهم عن ظـروفهم ومكـانهم وظـروف احتجازهم/سجنهم؛


د ) اتخاذ تدابير لضمان تمتع أقارب المفقـودين بحقـوقهم وتقديم الدعم المادي والنفسي لهم؛


هـ) تنفيـذ ما يقتضيه أداء واجباتها من مهام أخرى كالبحث عن مواقع الدفن المحتملة، والتواصل المستمر مع أقارب الضحايا عبر خط هاتفي مباشر على سبيل المثال.


وتوجد مثل هذه الآليات في كل من البوسنة والهرسك (معهد الأشخاص المفقودين، وكرواتيا (مديرية المحتجزين والمفقودين)، وليبيا (وزارة شؤون أسر الشهداء والمفقودين)، وبنما (اللجنة الوطنية لمواصلة التحقيق في حالات الاختفاء القسري)، والكويت (اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين)، ومصر حيث أنشأت وزارة الداخلية المصرية آلية وطنية لتلقي الاستفسارات عن مصير المفقودين. كما أنشأت ثلاث لجان وطنية في كولومبيا لمعرفة مصير المفقودين، هي: اللجنة الوطنية للبحث عن المختفين، والوحدة الوطنية لتقديم الدعم الخاص بالضحايا والجبر الكامل، والمركز الوطني للذاكرة التاريخية. وتوجد آليات مماثلة في كل من الأرجنتين والسلفادور، وجورجيا، وكوسوفو، وبنما، وصربيا، ولبنان.


ومما هو جدير بالذكر، في هذا الخصوص أيضاً، أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تساعد، إلى جانب جمعيات الصليب الأحمر والهـلال الأحمـر الوطنية، على إقامة الاتصال بين أبناء الأسر واستعادته بواسطة شبكة الاتـصالات العالميـة والعائلية التابعة للصليب الأحمر والهلال الأحمر، مستخدمةً في ذلك جميع الوسائل المتاحة وبالاتفاق مع السلطات الوطنية المعنية.



  1. استعادة رفات الموتى:


حث المجلس الدولي لحقوق الإنسان بموجب قراره رقم 15/5، الدول على النظر في استخدام علم الطب الشرعي الوراثي - وفقاً للمعايير الدولية المقبولة الخاصة بالجودة ومراقبتها - للإسهام في تحديد هوية رفات ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، سعياً لإعادة هذه إلى أسرهم، ومن أجل التصدي لمسألة الإفلات من العقاب للمتورطين في ملابسات فقدهم و/ أو وفاتهم(28).


وبالفعل، استجابت العديد من الدول إلى هذا القرار وأصبح لديها خدمات على درجة عالية من التخصُّص في مجال الطب الشرعي. ومن أمثلة هذه الدول: الأرجنتين، وإسبانيا، وأستراليا، وإيران، والبرازيل، والبرتغال، وبيرو، وجورجيا، وشيلي، والعراق، وجواتيمالا، وقبرص، وكرواتيا، وكولومبيا، والمكسيك، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. كما تقدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضا المساعدة والعون على بناء القدرات المحلية في مجال الطب الشرعي؛ وتشمل هذه المساعدة: تقديم المشورة والدعم التقنيين؛ والتدريب الملائم للاحتياجات وتوفير المعدات والأدوات وقواعد البيانات لإدارة المعلومات المتعلقة بالمفقودين؛ وتعزيز الاتصال والتنسيق والتعاون فيما بين دوائر الطب الشرعي من أجل تحسين الوقاية والتحقيق في حالات المفقودين في سياق النزاعات المسلحة.



  1. إنشاء آليات للتنسيق والتعاون الدولي مع الجهات المعنية:


من ضمن التدابير العلاجية التي يمكن اتخاذها، أيضاً، اتفاق أطراف النزاع أثنائه أو بعد تسويته على إنشاء آلية أو جهة محايدة مشتركة لتنسيق تبادل المعلومات حول مصير المفقودين، وتقديم المساعدة المتبادلة حول أماكن وجودهم وهوياتهم، واستعادة رفات الموتى منهم – بعد التعرف على هويات أصحابها بواسطة وسائل الطب الشرعي- وإبلاغ ذويهم بأي تقدم يحدث في هذا الشأن.


ومن أمثلة اللجان التنسيقية الدولية التي أنشئت لهذا الغرض: اللجنة المعنية بالمفقودين في قبرص، وهي لجنة مشتركة يونانية تركية، وآلية التنسيق الثلاثية المشكلة بين سلطات جورجيا والاتحاد الروسي وسلطات الأمر الواقع في أوسيتيا الجنوبية، واللجنة المستلقة المعنية بتحديد أماكن رفات الضحايا المنشأة بموجب الاتفاق الثنائي المبرم بين أيرلندا وبريطانيا عام 1999. كما تجتمع بانتظام اللجنة الثلاثية التي أنشئت في عام 1991 لحسم مصير المفقودين في حرب الخليج الثانية، وهي لجنة ترأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتعمل بشأن المقابر وتحديد هويات رفات الموتي. وقد وقعت كل من إيران والعراق مذكرة تفاهم مشتركة عام 2008 لتبادل المعلومات حول مصير المفقودين في حرب الخليج الأولى.


ثالثاً : تدابير القمع والمساءلة : (29)


تنطوي قضايا الأشخاص المفقودين على سلوك قد يشكّل فعلاً إجرامياً، وقد يرقى هذا السلوك المجرم، على نحو ما أسلفنا، إلى مرتبة جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية. ومن ثم، يقع على الدول واجب قانوني صريح يتمثل في ضرورة التحقيق في هذا السلوك واتخاذ التدابير القضائية التي تكفل وضع حد لمعاقبة مرتكبيه وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. ويتعين على الدول في هذا الخصوص إشراك الضحايا وذويهم والاستماع إلى شهاداتهم قدر المستطاع وجبر المتضررين منهم.


ويقتضي إعمال هذا التدبير أن يكون السلوك المشار إليه مجرماً ابتداءً في التشريعات الجنائية الوطنية. بالإضافة إلى تعزيز قدرات أعضاء النيابة العامة والقضاء وإمدادهم بالمعلومات المجمعة عن المفقودين من جانب، وإنشاء آليات للعدالة الجنائية تتيح الفرصة أمام الضحايا وأسرهم للجوء إلى القضاء والاقتصاص من الجناة.


وإضافةً إلى ما تقدم، تشكل الآليات غير القضائية، الوطنية والدولية، للبحث عن الحقيقة، وبخاصةً لجان تقصي الحقائق، منبراً آخراً لمعالجة قضايا المفقودين، بطرق منها التحقيق في ملابسات فقدهم أثناء تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية.


وفي حالة تشكيل آليات دولية للتحقيق في مصير المفقودين، فإنه ينبغي على السلطات الوطنية أن تسلم فوراً أي وثائق رسمية بحوزتها تتضمن معلومـات عن أنشطة قواتها المسلحة أو تلك المرتبطة بها قد تفيد التحقيقات والملاحقات القضائية على الجرائم بموجب القانون الدولي. ولا ينبغي التذرع بالأحكام القانونية المتعلقة بأسرار الدولة أو الأمن القومي لإعاقة تسليم تلك الوثائق. كما تلتزم السلطات المعنية بواجب توفير الحماية التامة للشهود والأقارب والقضاة وغيرهم من المشاركين في أي إجراءات متصلة بهذه التحقيقات.


وتقدم جهود لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا لحث الأطراف المتنازعة على اتخاذ كل التدابير الممكنة للعثور على الأشخاص المبلّغ عن فقدانهم نتيجة للنزاع، وبذل الجهود لتزويد أفراد أسرهم بأي معلومات تكون لديها عن مصيرهم، نموذجا مهما في هذا الصدد.


الخاتمة:


تناول هذا البحث بالتحليل مشكلة المفقودين، والتي تعد واحدة من أبرز المشكلات التي تؤرق ضمير الجماعة الدولية في الوقت الراهن، نظراً لما تنتجه من معاناة وآلام لا حصر لها ليس فقط لضحايا، بل لأسرهم وأصدقائهم. وذلك من خلال دراسة أربعة محاور رئيسية، تناول أولها ماهية المفقودين وظروف فقدهم، وألقى ثانيها الضوء على قواعد حماية المفقودين في القواعد ذات الصلة بحقوق الإنسان وكل من القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي؛ كما استعرض المحور الثالث من هذا البحث احتياجات أسر المفقودين من حيث تقييمها ووسائل تلبيتها؛ وانتهى المحور الرابع إلى بيان التدابير المختلفة الوقائية والعلاجية والأخرى الخاصة بالقمع والمساءلة مختلفة الموصى بها دولياً للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية وعواقبها.


وقد خلص البحث إلى مجموعة من الاستنتاجات الرئيسية في هذا الشأن، أبرزها ما يلي:




  1. إن معرفة مصير الأحباء المفقودين مشكلة تؤرق آلاف الأسر عبر مختلف دول العالم. وتعد النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وفي ظروف الاضرابات الأمنية وأحداث العنف الداخلي، والكوارث الطبيعية وحركات التهجير والنزوح الجماعية الكبرى أبرز مسببات هذه المشكلة.




  2. على الرغم من الطابع الإنساني الواضح لهذه المشكلة، إلا أنها تمس في بعض الأحيان المصالح السياسية للقائمين على السلطة، خاصة في حالة النزاعات المسلحة الداخلية، فيحجبون عن أعدائهم وخصومهم أي معلومات تتوافر لديها عن المفقودين، خوفاً من إثارة مسئوليتهم عن فقدهم، مما يعرقل كثيرا من فرص نجاح تدابير التعامل مع هذه الأزمة.




  3. توفر قواعد القانون الدولي ذات الصلة، إطاراً شاملاً ومتكاملاً للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية، إلا إن ضعف الامتثال لهذه القواعد في شأن النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية من جانب السلطات المختصة، ونقص المعلومات وأطر التعاون وآليات التنسيق، بين الجهات المعنية في بعض الأحيان، قد يقوض كثيراً من الجهود الحثيثة الي تبذلها كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المركزية للبحث عن المفقودين واللجنة الدولية المعنية بشؤون المفقودين، ومنظمة الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها ووكالاتها المتخصصة في هذا المضمار.




  4. إن جهود بناء السلام والمصالحة يجب أن تتم بالتوازي مع جهود تسوية مسألة المفقودين ومعرفة مصيرهم واستعادة الروابط الأسرية بينهم وبين أسرهم إن كانوا أحياءً، والتيقن من وفاتهم ونقل رفاتهم إلى دولهم إن كانوا قد قضوا نحبهم؛ والتحقيق في ملابسات الفقد ومحاكمة المسئولين عنه وتوقيع العقاب الملائم عليهم؛ وجبر الضرر وتقديم الدعم والتعويضات لأسر المفقودين حتى يستطيعون استكمال مسيرة حياتهم مرة أخرى




تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

المراجحة: تقدي...

المراجحة: تقديم خدمات مراجحة للمحافظ للمساعدة في تحقيق توازن بين المخاطر والعائدات المتوقعة. بناءً ...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...

توفير منزل آمن ...

توفير منزل آمن ونظيف ويدعم الطفل عاطفيًا. التأكد من حصول الأطفال على الرعاية الطبية والتعليمية والن...

Le pêcheur et s...

Le pêcheur et sa femme Il y avait une fois un pêcheur et sa femme, qui habitaient ensemble une cahu...

في التاسع من ما...

في التاسع من مايو/أيار عام 1960، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاستخدام التجاري لأول أقر...

أهم نقاط الـ Br...

أهم نقاط الـ Breaker Block 🔹 ما هو الـ Breaker Block؟ • هو Order Block حقيقي يكون مع الاتجاه الرئي...

دوري كمدرب و مس...

دوري كمدرب و مسؤولة عن المجندات ، لا اكتفي باعطاء الأوامر، بل اعدني قدوة في الانضباط والالتزام .فالم...

سادساً: التنسيق...

سادساً: التنسيق مع الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وفريق إدارة شؤون البيئة لنقل أشجار المشلع ب...

I tried to call...

I tried to call the hospital , it was too early in the morning because I knew I will be late for ...

أكد موقع " cons...

أكد موقع " construction business news " في أحد تقاريره عزم الشركات اليابانية والصينية على استهداف ال...