لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

والحلم الذي يتسع مع أفقه الشاسع يفكر في كلشيء حين يلعلع الرصاص الذي ما عاد لعبةالطفولة، ولا تعبير الابتهاج في الأفراح، يشعر به موجها ً إليه بالذات، يغربل جسده ويطرزه بالبقع الحمراء، َّ
فيصير في لحظة لا راد لها كتلةتخلو من الحياة. تطلًع مليافي الصورة التي انطبعت
حادة ومتحفزة، وجها ً فتيا ً في المرآة بشاربين منتصبين وملام
لكنه رغب في
شيء. ولا يدرى ماذا يفعل؟
أيرتمي بحضن أمه كما كان يفعل وهو صغير ، حين كان يضربه الولد يوسف ويأخذ منه النقود، أم يذهب إلى جده ويلقي برأسه على كتفة، أم يعود
أم يذهب للحاج. والله زمان يا حاج لم أرك منذ مدة، أرفقابالسمك، وما كان قد أكمل عامه الثالث، ووضع الشاش على رأسه، الرجل يلبس الأخضر الكاكي، يلتف بمعطف ثقيل، أبي، حتى الحاج صال؟
أينتظر هو الآخر أن تعود الحياة إلى ولده الذي غرق يوما ً في البحر؟
التي
وما تأكد من حقيقتها إلا حين ذهب وجده لها، هذا هو البئر الذي كنا نشرب منه، المضافة، هذا هو الجامع، هنا الساحة التي كانت تعقد فيها الأفراح، ومن هنا تبدأأرض أبي سعيد اللامي، تلك هيالمقبرة. رأسه وقرأ الفاتحة، هنا ترقد جدتك يا بني، اقرأ على روحها الفاتحة!
-وهل تعتقد أننانعود هكذا؟
أكواخ من
يومها حلف يمينا ً أن لا
يعود لزيارتها مرة أخرى، ستعيد كل شيء حتى تلك الحكايا؟؟
شعر بالضيق إلىحد الاختناق، مد يده وفك زر قميصه وتحسس عنقه ، مرت يده على الخرزة
فللأم قصصها وحكاياها
أم أذرعةالضيق، أم رصاصات الموت؟
تحدث بصوت
وماتوا فيه، أقرأ الفاتحة على أرواحهم
جميعا. في هذه الغرفة أسلمت أمي العجوز الروح لبارئها، في هذه الغرفة وفي هذه البقعة بالذات
فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم، منذ تلك الليلة التي نادى ابنه فيها هاتف البحر، ليلتها ألق صالىكل شباب المخيم
بأجسامهم الفتيةفي الماء، حتى خيل إليه أنهم أشبه بسرب من السلمون الذي يجذف عكس التيار، صارعوا الموج الهائج ولم يعثروا له على أثر، بحرقه حارة، الحارات الضيقة والناس المتعبون. كان البحر هكذا فيما مضى، كنا نلقي بالشباك فتمتليءباللحم
أما الآن فكأنه محشو بالديناميت التي تنفجر أمواجا ً هائجة ودوامات قاتلة في أية لحظة. الخوف
وأشعره بشيء من الرعب الحقيقي، لماذا يكون البحر هنا قاتلاويكون هنًاك مسرحا
ومطية لمراكب التنزه والمتعة؟
فلماذا يكون لزرقته لون الحداد هنا، ويكون لها لون الفرح
هناك؟ لماذا يصرعونه هناك ويصرعنا هنا؟
حين ألقىبجسده المرهق على الأريكه وتطلع إلى السماء الصافية في يوم الصحو، السماء التي تراءت له بالغيوم السابحة في جوفها ككتل الموج التي تجيء وتذهب فقفزت إلى رأسه
البحر من أمامكم والرب من فوقكم والجند من خلفكم، إذالأطبقت الدنيا بفكيها على روحه، الطفلة الغضة، بزرقته الناعمة، يتهادى على
لوحة طالما حلم بها في الليالي التالية، حين اهتاج البحر فجأة وقذف بالمركب الصغير إلى قاعهالسحيق. الحلم
حين يذهب إلى البحر، ويتطلع دون كلل إلى الأفق البعيد ليتأكد إن كان ما يراه
هو الحلم أم الكابوس. يدفنون أجسادهم في الرمال، ساحات الدنيا مطارحنا
أو كان يتردد في خياله
فقط. أما هو فكان يقترب من الماء ويلقي بمركبه الورقي على صفحته، ويراقب بفرح اندفاعته ويرى
واحتضنتهوغاصتبه في
الأعماق، -هيا يا حبيبي تعال لتتناول طعامك. يفلعط في قبضتها، لكن مركبه تكون قد ابتعدت، يحملها الموج بعيدا ً في عمق المدى المائي
المتلأليء بحبات الماء اللامعة مع انعكاساتشمس أيار. حين تتشقق الأرض، فترطب جوفها وتعيد إليها
الحياة، وتزداد. فيصير الماء
هو الموت، غريب هذا السر، في البستان يتصدى لنصف الماء المتدفق من القناة، باتجاه جده، يرفع المجرفة بيديه المعروقتين إلى ما فوق رأسه ويضرب سدود الطين عن المثالب
يرقب الماء الذي يتدفق إلى
جذورها الشعرية الدقيقية، كان في طفولته يجلس بالساعات أمام التينة العجوز، وإلا فما الذي يفسر، فيحصرها بين الحياة والموت، ال بجمالها الرهيب، أكثر من رحلة سعيدة تمر كلمبصر، يسير واثقا ً باتجاه حتفه، لا تبدو حياتك مهما
تشبثت بها أكثر من عدد من الأيام ينقص واحدا ً تلو الآخر مع كل مغيب شمس، تأمل كثيرا ً وحاول أن يوقف سطو الأيام على جسده، وكان كلما مر عام عليه، أكان من الضروري أن يخلقنا الله صغارا ً ثم نكبر. ونشيخ. الكهولة أيضاً، ويتحول إلى أرض حمراء قاحلة، تثير الرعب والوحشة في نفسه، وفيمساء ذات يوم ذهب إلى السوق وابتاع شتلة
حتى إذا فوجئت بها في
الرطبة وحفر لها قرب العريش، ثم ابتسم لجده، عليه العجوز "أطال الله في عمرك يا ولدي فتأكل وأولادك وأحفادك وأحفاد أحفادك من ثمارها. ***
منعته من زيارة البحر اياما ً وابقته إلى جواره، يقوم على خدمته وشد
وفيذات مساء خرج لشراء بعض الدواء، في عينيها تتماوج مع ارتعاشات أهدابها الناعسة، عندما رأته يلمع
الضوء المنبثق عنها والمنصب كنيزك باتجاه مركز القلب، المواجهة–التي طالما تجنبها. كان طيف اللون الساحر ينكسر ويتماوج ليس في أعماقه وحسب، بل في كل المحيط من حوله، وكأن السماء قد اقتربت من صورتها في الماء، عند حافة اللحظ الجارح، فلا تثير حرقة المشاعر التي
كمنت طويلا ً في صدره فقط، بل وأيضا ً أجنحة المدى على أوسع ما يمكن لهاأن تتسع مع الأحلام
والخيالات التي امتدت عبر خيط العمر الفتي وصحبة البحر الطويلة. بخفر العذراء العاشقة بصمت، تخرج من محجرها كهمسة ناعمة، النظرة مطرقة والجفن ينفت
ولم يتحرك لسانها بحرف، كان جسدها
فقط هو الذي يلامس الأرض، أما هي فقد حملتها ذبذبات الصوت الذي همس لتوه في أذنها على
أجنحته كفراشة أخف في وزنها من رذاذ الطلع، حلقت وحلقت وحطالقمر ت على سط. بفعل العشق المتصل بين أحضانه، لو أنه يفضفض!
ولكأنها قدره الذي لا فكاك له منه. ها هو يجيء. يقترب. تراه يمد يده الحنونه فيأخذها إلى حيث تمنت دائماً، تفلت دمعة صغيرة
كحبة رمان على خدها، ووضعته في صدرها على جهة القلب، تنطبق به النبضاتكل الوقت، فمه وينطق: يمر عن البعد بها، حين يفت
رق الحبيب ولوح بيده فرحا و محييا ترد بكل كيانها، نظراتها العاشقة إلى أن يختفي في الزقاق الجانبي. رغبة عارمة تجتاح كيانه، لأن يلقي بنفسه المتعبة من الوحدة في أحضان الناس، يلقيالتحية على هذا و يبتسم لذاك، يتذكر رفقة الطفولة وجيرة الحارة و
جلسات المضافة، يضعها وهو طفل ويلقيبها في البحر فيجرفها الموج إلى مكان مجهول حتى تجمعت و صارت
الذي حبت فيه طفولته، وترددت في زواياه أنفاسه، و شردت بين طياته خيالاته و أحلامه. له، وتأخذه من يده إلى قاع الطمأنينة، بين غابات اللؤلؤ، يمضي وها هي الآن تعترض طريقهبقوة لا راد لها، كالقدر الذي لا بد منه، لو يتكور و يختبيء داخلها، باله . كانت أحلامه صغيرة، لكنها عصية، لحظةفقط بالطمأنينة. سكتت برهة ثم قالت :
-أما أنا فأسميك البحر
عميق، هاديءعلى السط ، لكني لست متأكدة، هذا كل ما في الأمر. تشابكت أيديهما، و انطلقا كعصفورين انفتحت لهما الحياة فجأة. و قلقه
لتعود إليه يوما ً قوارب
لتعود يوما
اسرابا ً من الحمام الأبيض الزاجل، المشنشل بأشعة الشمسًالصباحية، صديقان نحن
معا نصنع الخبز و الأغنيات
حبيبان نحن
إلى أن ينام القمر
أحبك حب القوافلواحة عشب و ماء
وحب الفقيرالرغيف
أما هي وقد استجابت لرغبته فوضعت كفها بكفه ، لأخرى وكانت نسائم البحر الرخوة تداعب وجنتيها فتمتليء رئتاها بالهواء النقي وتطير بخصلات
-ما هذا السؤال؟ في أي وقت ربما غدا ً أو بعد غد تعلمين أنني لا أنقطع عن زيارتكم . أقصد متى ستجيء و تطلب يدي ؟
–هــا؟
-أكيد، ولكن لم العجلة؟
-أخشى عليك أن تفلت مني. -ماذا تقصد؟
وأبعدى عنا هم التفكير في النهاية. المهم أن تطول حياتنا لنتمتع بهذا العشق الدائم. ***
إحساس غريب غامض ينتابه دائما فلحظات سعادته على قلتها يشعر بأنها غريبة عنه، طعم مر مرافق لحلقة، و حرقة داخلية مستمرة لا يعرف لها
تأمل مليا ً الشاب والفتاة، كانا يركضان وراء بعضهما، كانت تركض بدلع أمامه، فيلقيبجسده فوقها، لكنه يستمر بتقبيلها يقوم بطمرها حتى رقبتها بالرمل، هكذا وهي سجينة، يلقيان بنفسيهما في الماء، يتوغلان في العمق حتى يبدوان كنقطة في الأفق، كان يهيج البحر، يعودان فيجلسان على طاولة بالقرب منه. -اثنين كولا. و يتأمل الجسد الرخو الرخيص، فيرى المرأة هنا أيضا غير المرأة
هناك، لا يشعر بالرغبة بقدر ما يشعر باندهاش خفيف وهو يتأمل هذا العالم اللحمي العاري، كانت
المرة الأولى التي يرى فيها لحما ً أنثويا ً في العمق، ماكينة الخياطة و كرسيين من الخشب، الداخلي الأصفر الشفاف للمرأة الأنيقة زوجة ضابط الشرطة، تثير في نفسه المتعة التي ما عرفها حين
رآه أول مره، -طريق النساء شوك يابني، حين عاد لأخذ الزجاجتين الفارغتين كان الفتى يداعب فتاته، فطاشت قدمه فعرقلت خالد الذي
البارزة تحت أنفه ، تكررت استراحات العاشقين بعد مشوار البحر اللاهب، وتكورت معها خدمته
فكانت دردشة عابرة بينهما، قد هاجر حديثا ً يتحدث الإنجليزية الركيكة، وكان حالما ً مثله، دائم الحنين إلى
يلعن اليوم الذي جاء فيه إلى هنا، أنت مثليإذا ً تتطلع إلى البحر ليحقق رغبتك يوماً، تحلم بأن تعود إليه، إلي! منذ ذلك اليوم كانت التحية الصباحية ترافق لقاءهما في الصباح، وتحية المساء تختم صحبة اليوم
تجمعهما الصدفة ودائرة المكان ولحظات الفراغ التي يعانيها ديفيد حين لا يوفق
بصحبة امرأة عارية وجاهزة لتلقي غرائزه التي لا يعلم سواها إلى أين تنتهى وما هى طبيعتها، يكاد يخم ن من طبيعته النزقة المتوترة. بالحرية الجنسية!
يضعها في عنقه وكانت فحواها أنها لحبيبته التي تركها هناك في الشمال، عارضت هجرته وبقيت هناك. كانت الطائرة الورقية المزهوة بكل ألوانها حلمه الجميل الذي رافق طفولته كلما رأى مثيلا ً لها، كروح بيضاء في جسد الهي رحيم، ترتعش زعانفها مع وشوشات
الهواء، فتذكره بطائراته التي كانت دائما ً من صنع يديه، الورق ويقلم أعواد البوص، ثم يلف الخيط المتصل بعقد يقوم
عبر الخيط الذي يمسك بأصابعه،


النص الأصلي

والحلم الذي يتسع مع أفقه الشاسع يفكر في كلشيء حين يلعلع الرصاص الذي ما عاد لعبةالطفولة،
ولا تعبير الابتهاج في الأفراح،يشعر به موجها ً إليه بالذات،يغربل جسده ويطرزه بالبقع الحمراء،
َّ
فيصير في لحظة لا راد لها كتلةتخلو من الحياة.
في ذاك المساء هرول مسرعا ً إلى البيت، وتوجه إلى المرآة،تطلًع مليافي الصورة التي انطبعت
المصقول فرأ على السطىواضحة، حادة ومتحفزة، وجها ً فتيا ً في المرآة بشاربين منتصبين وملام
همأن يقول شيئا ً طالما رغب أن يهمس به في أذن ذاك المتربع على التله في الشرق، لكنه رغب في
تلك اللحظة أن يصرخ به في كل الاتجاهات حيث يوجد ويملأ الدنيا، ما كان يستطيع هذه المرة إلا أن
يسمع وأن يرى ما يدور حوله، بعد أن كان يسمع ويصمت، يرى ويصمت، تختزنالذاكرة كل
الإهانات وكل المصائب، كان يصمت ويتعذب، يصمت ويتأمل ، يصمت وينتظر.إلى أن ملمن كل
شيء.
طاقة هائلة بداخله تضغط عليه، ولا يدرى ماذا يفعل؟
أيرتمي بحضن أمه كما كان يفعل وهو صغير ، حين كان يضربه الولد يوسف ويأخذ منه النقود،
أم يذهب إلى جده ويلقي برأسه على كتفة، لتمتد اليد المرتعشة على جبينه فتهديءمن روعه، أم يعود
للبحر فيلقي بجسده الملتهب في أعماقه الباردة، أم يذهب للحاج...والله زمان يا حاج لم أرك منذ مدة،
ً
تلبد في الشتاء متدفرا ً بفراشك الدافئ، أرفقابالسمك، أم لأن أوصالك تصطك في البرد! أم يذهب للشيخ
كما فعُّلت أمه وجده يوماً، وما كان قد أكمل عامه الثالث، حين انقطعت أخبار أبيه، فتمتم الرجل المسن
ووضع الشاش على رأسه، ليري في بقعه الزيت بلورا ً عكس له الصورة إياها المثبتة بالجدار وكان
الرجل يلبس الأخضر الكاكي، يلتف بمعطف ثقيل، يقبض على الحديد وينتظر، آه أما زال ينتظر هو
الآخر! الكل ينتظر...أنا وأمي وجدي...أبي، حتى الحاج صال؟
أينتظر هو الآخر أن تعود الحياة إلى ولده الذي غرق يوما ً في البحر؟
كل الحكايا التي رافقته وعبأت الذاكرة، تدافعت إلى رأسه دفعه واحدة حتى حكاية القرية، التي
بقي يعتقد أنها واحدة منها، وما تأكد من حقيقتها إلا حين ذهب وجده لها، وكانت كومةمن الأنقاض...
هذا هو البئر الذي كنا نشرب منه،هنا كان بيتنا، وهذا كان بيت جدي أبي محمود، هذه أنقاض
المضافة، هذا هو الجامع، هذه الزيتونه التي كنت أفيء إليها، هنا الساحة التي كانت تعقد فيها الأفراح،
هذه حدود أرضنا، ومن هنا تبدأأرض أبي سعيد اللامي، تلك هيالمقبرة.
ودمعت عيناه وهو يتجه إلى حيث أشار للولدبإصبعه، وسار بقدمين ضعيفتين ثم توقف وطأطأ
رأسه وقرأ الفاتحة، هنا ترقد جدتك يا بني، اقرأ على روحها الفاتحة!
-ألم أقل لك يا ولد أننا سوف نرجع يوما ً ما؟
-وهل تعتقد أننانعود هكذا؟
-لو لم يكن من أجل خاطرك!
بعد الاحتلال الثاني ذهب العجوز إلى القريه، فأنغم َ باله، فلم تكن سوىأنقاض، أكواخ من
الحجارة المهملة، وطول الطريق إليها كانت ترقبه العيون وفوهات البنادق، يومها حلف يمينا ً أن لا
يعود لزيارتها مرة أخرى، لكنه كرمال خاطر خالد حتى الأيمان تهون!
أيمكن للحكايا أن تتأكد كحقيقة القرية التي كان يراها واحدة منها؟ أم أن عودتها له ولجده ولأبيه
ستعيد كل شيء حتى تلك الحكايا؟؟
شعر بالضيق إلىحد الاختناق، مد يده وفك زر قميصه وتحسس عنقه ، مرت يده على الخرزة
الزرقاء المتدلية في صدره والتيرافقت مسيره حياته يحملها على مضض، فللأم قصصها وحكاياها
هي الأخرى!
ماذا يمكن لهذه الخرزة أن تردعنه، أعين الحسد، أم أذرعةالضيق، أم رصاصات الموت؟
حين وصل البيت وهم بالدخول جاءه صوت جده، بقدمك اليمنىيا ولدي، وتابع بعد أن بسمل
وقرأ شيئا ً من القرآن، هنا كان يجلس أبي،وفي هذا المكان بالذات سجيناه يوم مات، تحدث بصوت
منخفض، فأرواح جميع من سكنوا هذا البيت، وماتوا فيه، ترافقنا الآن،أقرأ الفاتحة على أرواحهم
ً
جميعا.
في هذه الغرفة أسلمت أمي العجوز الروح لبارئها، في هذه الغرفة وفي هذه البقعة بالذات
تجمعت دماؤه بعد أن أصيب ليلةمعارك الدفاع عن القرية.
بسم الله الرحمن الرحيم: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه،
ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم،ما زالت الآيات القرآنيةتتلى في بيت الحاج
منذ تلك الليلة التي نادى ابنه فيها هاتف البحر، فذهب ولم يعد، ليلتها ألق صالىكل شباب المخيم
بأجسامهم الفتيةفي الماء، حتى خيل إليه أنهم أشبه بسرب من السلمون الذي يجذف عكس التيار،
صارعوا الموج الهائج ولم يعثروا له على أثر، حتى تحول البحرفي نظر الحاج إلى قبر كبير ومخيف
ومن يومها تحول حبه الجارف له إلى بغضاءجارفة، ماأن يقترب منه حتى يبصق في وجه، ويعاتبه
بحرقه حارة، وهو الذي أفنىعمره في رفقته، وصار يولي قبلته منذ تلك اللحظة باتجاه الشرق، حيث
الحارات الضيقة والناس المتعبون.
صارت هموم الناالوجه الذي كان بشوشاً، ما س تنعكس على وجهه تجاعيد طغت على ملام
كان البحر هكذا فيما مضى، كان هادئا ً ومعطاء لا يضن علينا بالسمك، كنا نلقي بالشباك فتمتليءباللحم
الطري، أما الآن فكأنه محشو بالديناميت التي تنفجر أمواجا ً هائجة ودوامات قاتلة في أية لحظة.الخوف
أن يتحول البحر إلى غول يبتلعه في جوفه أو أن يبتلع حلمه في أعماقه في يوم من الأيام أرهق أحلامه،
وأشعره بشيء من الرعب الحقيقي، تساءل فيأعماقهً، لماذا يكون البحر هنا قاتلاويكون هنًاك مسرحا
لعرض الأجساد الفاتنة، ومطية لمراكب التنزه والمتعة؟
أليس البحر هو البحر في كل مكان، فلماذا يكون لزرقته لون الحداد هنا، ويكون لها لون الفرح
هناك؟ لماذا يصرعونه هناك ويصرعنا هنا؟
لماذا يسلم قيادههادئا ً ذليلا ً هناك؟ ويتمرجلعلينا هنا؟
حين ألقىبجسده المرهق على الأريكه وتطلع إلى السماء الصافية في يوم الصحو، رأى زرقة
السماء التي تراءت له بالغيوم السابحة في جوفها ككتل الموج التي تجيء وتذهب فقفزت إلى رأسه
الخاطرة، البحر من أمامكم والرب من فوقكم والجند من خلفكم، ماذا لو تحول البحر عنه؟
ً
إذالأطبقت الدنيا بفكيها على روحه، الطفلة الغضة، تذكر حين كان طفلا ً في الابتدائية وطلب
معلم الرسم من التلاميذ أن يرسموا شيئا ً يحبونه، يومها رسم البحر، بزرقته الناعمة، يتهادى على
صفحته زورق يأتي من البعيد يحمل رجلا ً طالما انتظر عودته، لوحة طالما حلم بها في الليالي التالية،
وبعد فتره تحولت إلى كابوس، حين اهتاج البحر فجأة وقذف بالمركب الصغير إلى قاعهالسحيق.الحلم
ما زال يراوده في صحوهوالكابوس أيضا ً يداهمه في لياليه فجأة،فتتوتر أعصابه بينهما ولا تهدأ إلا
حين يذهب إلى البحر، يقضي الوقت ينتظر، ويتطلع دون كلل إلى الأفق البعيد ليتأكد إن كان ما يراه
هو الحلم أم الكابوس.
حين كان يذهب في طفولته إلى البحر،كان يبتعد قليلا ً عن أمه وعن الصغار أيضاً، الذين كانوا
يدفنون أجسادهم في الرمال، ثم يبنون بيوتاً، قصورا ً أو حتى قلاعا ً في الرمال.
-خلف القلعه...قلعةنحنا.
ساحات الدنيا مطارحنا
يا بحرية هيلا هيلا
يدور اللحن في رأسه ولا يدري إن كان يسمعه فعلا ً يصدح في مكانما، أو كان يتردد في خياله
فقط.
أما هو فكان يقترب من الماء ويلقي بمركبه الورقي على صفحته، ويراقب بفرح اندفاعته ويرى
نفسه بداخله يجوب البلاد المسحورة، التي ترضخ لارادته وتحقق له ما يشتهيه، يتهادى المركب
ويتوغل في عمق الماء، حتى إذا خر في أعماقه، تلقفته عروسالماء، واحتضنتهوغاصتبه في
الأعماق، حيث اللآليء والشعب المرجانية والعرش الذي يتوجه أميرا ً وزوجا ً لعروس البحر.
فجأة تمتد له يد أمه وتسحبه من الجنة
-هيا يا حبيبي تعال لتتناول طعامك.
يفلعط في قبضتها، لكن مركبه تكون قد ابتعدت، يحملها الموج بعيدا ً في عمق المدى المائي
المتلأليء بحبات الماء اللامعة مع انعكاساتشمس أيار.
الماء أي شر فيك؟ في كل لحظة يشعر بحلقه يشتعل، يهرع إلى إبريق الفخار فيكرع من مائه
الرطب، فيبرد جوفه اللاهب، حين تتشقق الأرض، تنهمر خيوط الماء، فترطب جوفها وتعيد إليها
الحياة، وتنبت فيها الزرع،حتى المرأة لا تلد إلا بعد أن تستقبل ماء الرجل!
"وجعلنا من الماء كل شيء حي" هذا ما يقوله الرجال في المضافة، ولكن حين تتجمع المياه
وتزداد...تضطرب وتجرف السدود، وحين يهيج البحر، يقلب المراكب ويبتلع الصيادين، فيصير الماء
هو الموت، غريب هذا السر، أن تنقلب الحياةإذا ما زادت عن حدها إلى الموت!
في البستان يتصدى لنصف الماء المتدفق من القناة، في حين يتجه النصف الآخر على مقربة منه
باتجاه جده، يرفع المجرفة بيديه المعروقتين إلى ما فوق رأسه ويضرب سدود الطين عن المثالب
الفرعية، حيث شتلات البندورة والخيار قد صارت بطول أصابعه وبرقتها، يرقب الماء الذي يتدفق إلى
جذورها الشعرية الدقيقية، يضج فيها النماء.
كان في طفولته يجلس بالساعات أمام التينة العجوز، المنتصبة في باحة الدار يرقب نمو أوراقها،
ويعجب لهذا النماء البطيء، وما زال يتمنى لو يستطيع ولو بمجهر أن يلحظه بعينه، وكان يخيلإليه
أنها تنمو في اللحظة التي يغفو فيها، وإلا فما الذي يفسر، أنه في كل صباح ينظر إليها فيراها وقد
تغيرت عما كانته بالأمس!
أي سر عجيب هذا الذي يتحكم في الأشياء جميعاً، فيحصرها بين الحياة والموت، فلا تغدو الحياة
ال بجمالها الرهيب، أكثر من رحلة سعيدة تمر كلمبصر، وكأنك في قطار، يسير واثقا ً باتجاه حتفه،
وكأن الحياة ليست سوى مشوار حب يقترب يوما ً بعد يوم من نهايته الفاجعة، لا تبدو حياتك مهما
تشبثت بها أكثر من عدد من الأيام ينقص واحدا ً تلو الآخر مع كل مغيب شمس، عدد من الخطوات
تسيرها واحدة أثر أخرى باتجاه القبر.
تأمل كثيرا ً وحاول أن يوقف سطو الأيام على جسده، حتى أنه كان يمتنع أياما ً عن تناول الطعام،
وكان كلما مر عام عليه، رأى أن أجمل سني عمره هي التي انقضت!
تساءل عن هذه الآلية العجيبة للحياة، أكان من الضروري أن يخلقنا الله صغارا ً ثم نكبر...
ونشيخ...ثم نموت، وأن نصحو نأكل ثم ننام ثم نصحو وهكذا، أكان لا بد من فترة الطفولة، ومن
الكهولة أيضاً، أكان لا بد من الأكل والنوم، وحتى الذهاب للمرحاض!!
في دورته القصيرة كان الحقل يجف مع انتهاء موسم الصيف، ويتحول إلى أرض حمراء قاحلة،
تثير الرعب والوحشة في نفسه، فكر كثيرا ً في الأمر، وفيمساء ذات يوم ذهب إلى السوق وابتاع شتلة
زيتون وقبضة نعناع زرعها في أصيص الفخار الرابض على نافذة والدته، حتى إذا فوجئت بها في
الصباح قبلته قبلة رضا على جبينه، وفي صباح اليوم التالي، حمل شتلة الزيتون ذات القاعدة الترابية
الرطبة وحفر لها قرب العريش، وزرعها.ثم ابتسم لجده، وقال: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون، فرد
عليه العجوز "أطال الله في عمرك يا ولدي فتأكل وأولادك وأحفادك وأحفاد أحفادك من ثمارها.




وعكة صحية ألمت بالجد، منعته من زيارة البحر اياما ً وابقته إلى جواره، يقوم على خدمته وشد
أزره لمواجهة المرض، وفيذات مساء خرج لشراء بعض الدواء، فالتقت عيناه بها، كانت زرقة البحر
في عينيها تتماوج مع ارتعاشات أهدابها الناعسة، تتلألأ في لزوجة الدمع الحبيسة، عندما رأته يلمع
الضوء المنبثق عنها والمنصب كنيزك باتجاه مركز القلب، ارتعشت جوانحه للمفاجأة–مفاجأة
المواجهة–التي طالما تجنبها.
كان طيف اللون الساحر ينكسر ويتماوج ليس في أعماقه وحسب، بل في كل المحيط من حوله،
وكأن السماء قد اقتربت من صورتها في الماء، عند حافة اللحظ الجارح، فلا تثير حرقة المشاعر التي
كمنت طويلا ً في صدره فقط، بل وأيضا ً أجنحة المدى على أوسع ما يمكن لهاأن تتسع مع الأحلام
والخيالات التي امتدت عبر خيط العمر الفتي وصحبة البحر الطويلة.
بخفر العذراء العاشقة بصمت، تخرج من محجرها كهمسة ناعمة، النظرة مطرقة والجفن ينفت
تثير في أعماقه مشاعر الرقة والرهافة، يهم بالكلام فيخشى أن تجرحذبذبات الصوت حتى وإن كان
ً
هادئاومهموسا ً شفافية النظرات المترددة الخجولة، لحظة مرت كأنها الدهر، وحين أفاق من شروده
خجل من نفسه، فهمس: مساء الخير، أطرقت وأجاب كل كيانها، ولم يتحرك لسانها بحرف، كان جسدها
فقط هو الذي يلامس الأرض، أما هي فقد حملتها ذبذبات الصوت الذي همس لتوه في أذنها على
أجنحته كفراشة أخف في وزنها من رذاذ الطلع، حلقت وحلقت وحطالقمر ت على سط.
كان سواد الليل في عينيه يضفي على كيانها شعورا ً بالدفء والرغبة بأن ترمي جسدها المخدر
بفعل العشق المتصل بين أحضانه، وكانت نظرته الحادة القلقة تحاول أن تخفي وراءها كتل القهر التي
أثقلتالقلب والأعصاب.
-يا عيني عليه يضع همه في قلبه ويصمت، لو أنه يفضفض!
هذا ما كانت تقوله لها، كلما حدثتها عنه.
أما خطواته العجلى فكانت تثير في نفسها شيئا ً من الرضى وتدفعها بثقة إلى الانتظار، لكأنه
يهرب منها، ولكأنها قدره الذي لا فكاك له منه.
ها هو يجيء...يقترب.تراه يمد يده الحنونه فيأخذها إلى حيث تمنت دائماً، تفلت دمعة صغيرة
كحبة رمان على خدها، تدس يدها في صدرها وتخرج المنديل الذي طرزت على طرفه أول حرف من
اسمه، ووضعته في صدرها على جهة القلب، ترى آثار ضربات القلب المتلاحقة على الحرف الذي
تنطبق به النبضاتكل الوقت، تمسحها، فيتلألأ الحرف وينطق بفعل حرارة الشوق التيإنسكبت بين
جزيئات الدمعة الحارة.
فمه وينطق: يمر عن البعد بها، يكاد أن يغمى عليها، حين يفت
مساء الخير في اللحظة المناسبة، رق الحبيب ولوح بيده فرحا و محييا ترد بكل كيانها، وترافقه
نظراتها العاشقة إلى أن يختفي في الزقاق الجانبي.
رغبة عارمة تجتاح كيانه، لأن يلقي بنفسه المتعبة من الوحدة في أحضان الناس، كانوا أشباحً ا،
خيالات لا يفرق بين ملامحها، يلقيالتحية على هذا و يبتسم لذاك، يتذكر رفقة الطفولة وجيرة الحارة و
جلسات المضافة، تدفقت مياه البحر فجأة، فعمت الطرقات ووزعت زرقتها على سطوح المنازل
وغسلت الوجوه المالحة سارت الأمواج بين رجليه حتى صارت البيوت مراكب ورقية كتلك التي كان
يضعها وهو طفل ويلقيبها في البحر فيجرفها الموج إلى مكان مجهول حتى تجمعت و صارت
المخيم، الذي حبت فيه طفولته، وترددت في زواياه أنفاسه، و شردت بين طياته خيالاته و أحلامه. بين
أمواجه الناعمة كانت تطل عليه بوجه كالشمس و أردية كالضياء، العروس التي طالما إنتظر أن تظهر
له، وتأخذه من يده إلى قاع الطمأنينة، بين غابات اللؤلؤ، و المرجان ثم تختفي. كان يراها كالطيف ثم
يمضي وها هي الآن تعترض طريقهبقوة لا راد لها، كالقدر الذي لا بد منه، تقف في وجهه بكل
ملامحها، بكامل جبروتها، ود لو يذوب في خلاياها، لو يتكور و يختبيء داخلها، فتهدأ نفسه، و يرتاح
باله .
-أُسميك مهد
في البدء كان المهد و في النهاية أيضا ً لقد اخترت لأضع رأسي في "حجرك" و أغفو فقد هدني
التعب، أسميك مهد، ومن بين عينيك أبدأ مشوار الأبجدية، ابدأ مشواري، لو تعرفين رغبتي؟
-أفص ، ما هي؟
-أقبلك و أمضى!
كذكر النحل، يعني! ها ؟
ضحكت من أعماقها، أما هو فكأن وحيا ما ينطق عنه، كانت أحلامه صغيرة، لكنها عصية، كل
ما يتمناه أن يشعر بلحظة... لحظةفقط بالطمأنينة.
شرد خيالها لحظة ومالت زرقة عينيها، سكتت برهة ثم قالت :
-أما أنا فأسميك البحر
عميق، هاديءعلى السط ، هادر في العمق، كما أنك خالد مثله!
لكن إياك أن تبتلعني يوما ً كما أبتلع... وصمتت خشية أن تجرح مشاعره.
-ها ماذا كنت تودين القول؟ اكملي ياجبانة!
-لا لست جبانة، لكني لست متأكدة، هذا كل ما في الأمر. تشابكت أيديهما، وسارا في صمت
إلى أن خطرت بباله فكرة:
-ما رأيك لو نذهب نتشمس على البحر!
و انطلقا كعصفورين انفتحت لهما الحياة فجأة.
صحبة مهد أعادت له رونق الطفولة، التي كاد أن ينساها في زحمة شرودهاليومي، و قلقه
الدائم، أعادت مراكبه التي كان يرسلها عبر الأفق الممتد مع صفحة الماء، لتعود إليه يوما ً قوارب
ً
مطاطية محملة ببشائر العائدين، وطائراته الورقية التي طالما ارتفع بها إلى عمق السماء، لتعود يوما
اسرابا ً من الحمام الأبيض الزاجل، المشنشل بأشعة الشمسًالصباحية، الحرة الطليقة، أعادت إليه بعضا
من الفرح الداخلي الذي طالما بحث عنه، كانت الرؤى ترف من حوله كعصافير الجنة فتحيل قلقه إلى
واحة من الاطمئنان الداخلي و الحبور العذب .
صديقان نحن
فسيري بقربي كفا ً بكف
معا نصنع الخبز و الأغنيات
حبيبان نحن
إلى أن ينام القمر
أحبك حب القوافلواحة عشب و ماء
وحب الفقيرالرغيف
كان صوته وهو يغنى لنفسه أجمل كثيرا ً من صوت مارسيل صاحب الأغنية .
أما هي وقد استجابت لرغبته فوضعت كفها بكفه ،وكانت تسير بجانبه وكأنها تتنقل من غيمة
لأخرى وكانت نسائم البحر الرخوة تداعب وجنتيها فتمتليء رئتاها بالهواء النقي وتطير بخصلات
شعرها فيضج كيانها بأنوثة عاشقة جاهزة تماما لاستقبال قبلته .
-خالد متى ستزورنا؟
-ما هذا السؤال؟ في أي وقت ربما غدا ً أو بعد غد تعلمين أنني لا أنقطع عن زيارتكم .
-لا، أقصد متى ستجيء و تطلب يدي ؟
–هــا؟
و كأنه فوجيء بأمر لم يحسب حسابه، أو كأنه يود أن يتمتع باللحظة الشاعرية، و كأنه كان
يرغب أن تمتد إلى أطول فترة ممكنة قبل أن يضع لها الحد .
-مهد ما أجمل أن نكون عاشقين!
-ولكن ألن نتزوج؟
-أكيد، ولكن لم العجلة؟
-أخشى عليك أن تفلت مني.
-و أنا أيضا ً أخشى عليك مني!
-ماذا تقصد؟
-لا عليك دعينا نتمتع بتلك اللحظة، وأبعدى عنا هم التفكير في النهاية.
-ستكون حياتنا عشقا ً دائماً.
-لا شك في ذلك، المهم أن تطول حياتنا لنتمتع بهذا العشق الدائم.




إحساس غريب غامض ينتابه دائما فلحظات سعادته على قلتها يشعر بأنها غريبة عنه، كأنها
طارئة، ما تلبث أن تفلت منه قبل أن تبدأ، طعم مر مرافق لحلقة، و حرقة داخلية مستمرة لا يعرف لها
سببا ً واضحا. أيكون البحر هو البحر، و الحب هو الحب؟
في الوقت الذي كانتأصابعه تدعك الصحون، كانت نظراته تتطلع إلى الشاطيء الذي يضج
بالأجساد العارية، تأمل مليا ً الشاب والفتاة، كانا يركضان وراء بعضهما، يبحثان معاًعن دمية ضاعت
منهما، كانت تركض بدلع أمامه، وكان يتصنع عدم اللحاق بها، ثم فجأة يمسك بها، فتقع على الأرض،
فيلقيبجسده فوقها، يتدحرجان حتى يغطي الرمل أجسادهما العارية، ثم يحفران في الرمل، فتنزل هي
في الحفرةفبرأسها، لكنه يستمر بتقبيلها يقوم بطمرها حتى رقبتها بالرمل، ثم ينهال عليها تقبيلا ً فتترن
وكأنه يغتصبها، هكذا وهي سجينة، وحين تتوسل إليه، وبعد أنيشبع من التقبيل يبدأ بالأفراج عنها، ثم
يلقيان بنفسيهما في الماء، يتوغلان في العمق حتى يبدوان كنقطة في الأفق، التحمت على بعضها، حينها
كان يهيج البحر، فتتلاحق أمواجه في ارتطامها العنيف بحافة الشاطيء، يشعر بدمائه تهدر كأمواج
البحر، و حين يقترب الغروب، يعودان فيجلسان على طاولة بالقرب منه.
ويناديعليه الشاب.
-اثنين كولا.
يضعهما بهدوء أمامهما، و يتأمل الجسد الرخو الرخيص، فيرى المرأة هنا أيضا غير المرأة
هناك، لا يشعر بالرغبة بقدر ما يشعر باندهاش خفيف وهو يتأمل هذا العالم اللحمي العاري، كانت
المرة الأولى التي يرى فيها لحما ً أنثويا ً في العمق، يوم كان يستلقي على عتبة غرفة أمه التي تحوي
ماكينة الخياطة و كرسيين من الخشب، وما زالت من يومها مطبوعة في ذاكرته صورة السروال
الداخلي الأصفر الشفاف للمرأة الأنيقة زوجة ضابط الشرطة، تثير في نفسه المتعة التي ما عرفها حين
رآه أول مره، ود لو يسترسل في النظر والتخيل لكن صوت أمه تردد في داخله.
-طريق النساء شوك يابني، انتبه إلى دروسك وابتعد عن أولاد الحرام.
حين عاد لأخذ الزجاجتين الفارغتين كان الفتى يداعب فتاته، فطاشت قدمه فعرقلت خالد الذي
وقع من طوله. اعتذر له الشاب وحدق في وجهه لتنطبع صورته في الذاكرة التي تفاجأت بالندبة
البارزة تحت أنفه ،حينانطبعت مع فوهة البندقية المصوبة إلى كل كائن حي في المخيم يوم اشتعاله!
تكررت استراحات العاشقين بعد مشوار البحر اللاهب، في ذات المكان، وتكورت معها خدمته
لهما، إلى أن جاءه الفتى يوما ً وحيداً، فحب أن يتسلى، فكانت دردشة عابرة بينهما، وكان ديفيد فتى
قد هاجر حديثا ً يتحدث الإنجليزية الركيكة، محبا ً للحياة بجنون، وكان حالما ً مثله، دائم الحنين إلى
والديه اللذين بقيا في موسكو، يلعن اليوم الذي جاء فيه إلى هنا، و يتطلع إلى يوم يركب فيه البحر
عائدا إلى أحضان والديه.
أنت مثليإذا ً تتطلع إلى البحر ليحقق رغبتك يوماً، تحلم بأن تعود إليه، أما أنا فأحلم بأن يعود
إلي! منذ ذلك اليوم كانت التحية الصباحية ترافق لقاءهما في الصباح، وتحية المساء تختم صحبة اليوم
مع الشاطيءالداعر. تجمعهما الصدفة ودائرة المكان ولحظات الفراغ التي يعانيها ديفيد حين لا يوفق
بصحبة امرأة عارية وجاهزة لتلقي غرائزه التي لا يعلم سواها إلى أين تنتهى وما هى طبيعتها، لكنه هو
يكاد يخم ن من طبيعته النزقة المتوترة. هز أكتافه يومها وقال في نفسه هم هكذا ككل الأجانب يتمتعون
بالحرية الجنسية!
لكنه تعجب حين سمع إجابته على سؤاله له عن صاحبة الصورة المخبأة في السلسة الذهبية التي
يضعها في عنقه وكانت فحواها أنها لحبيبته التي تركها هناك في الشمال، ولم يستطع طوال عامي
إقامته هنا ضمن حزام الكتائب المتقدمة ان يحب غيرها ويتساءل في نفسه إن كانت على حق حين
عارضت هجرته وبقيت هناك.
كانت الطائرة الورقية المزهوة بكل ألوانها حلمه الجميل الذي رافق طفولته كلما رأى مثيلا ً لها،
تحلق في صدر السماء الأزرق، كروح بيضاء في جسد الهي رحيم، ترتعش زعانفها مع وشوشات
الهواء، كأنها تتصل مع شهيقه وزفيره، فتذكره بطائراته التي كانت دائما ً من صنع يديه، حيث يقص
الورق ويقلم أعواد البوص، و يلصقها مع بعضها بقطعة من العجين، ثم يلف الخيط المتصل بعقد يقوم
بعقدها على قطعة من الخشب، ويطلق الطائر الورقي الذي يصير أشبه بحمامة تتصل بشرايين قلبه
عبر الخيط الذي يمسك بأصابعه، فيشتعل بلذة طاغية جراء تحرر روحه وانطلاقه إلى الأفقالسماوي
البعيد، حتى يشعر وهو ينتقل من مكان إلى آخر أنه امتلك الأرض والسماء، وأنه قد صار أشبه بمارد
يبحث عن صاحب الخيمة الزرقاء، وأنه شيئا فشيئا ً يكاد أن يقترب من تحقيق مراده.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تتميز الشعوب وا...

تتميز الشعوب والمجتمعات المشتركة بوجود لون غنائي شعبي يعبر عن ثقافتها وثقافة شعوبها المحلية على مر ا...

العمل هو أساس ا...

العمل هو أساس الحياة الاجتماعية، حيث يُعَدُّ الإنسان المجتهدُ فاعلًا رئيسيًا في عملية التنمية والتقد...

6 - العدل: من م...

6 - العدل: من مقاصد الشريعة: أنها عادلة في أحكامها ومراميها وغاياتها، ال تحابي أحدا على حساب أحد؛ فا...

Communication b...

Communication barriers are obstacles that hinder the effective exchange of information or ideas betw...

هاد الرجل: أي ر...

هاد الرجل: أي رجع وتاب؛ وإنما لزمهم هذا الاسم؛ لقول موسى عليه السلام: - {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك} - أ...

في هذه التجربة،...

في هذه التجربة، سوف تتعرف على الصمامات الثنائية (الديودات) والدوائر المستخدمة في تقويم التيار. سيتم ...

ماذا يفعل مساعد...

ماذا يفعل مساعد الصيدلة؟ يعمل مساعد الصيدلة في صيدلية ويساعد الصيدلي في مهام مثل استلام الأدوية وت...

2-Power convert...

2-Power converter using intelligent control system: The power converter is a key component of any wi...

سيداً لقبيلة ال...

سيداً لقبيلة الأوس قبل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إليها، أسلم سعد على يد مصعب بن عمير رضي الله ع...

Incidence sur l...

Incidence sur les écoulements et les niveaux d'eau Lors de l'étude de barrages mobiles ou de seuils ...

Study the charg...

Study the charging laws and regulations applicable to the economic zone. > We learned how to prepa...

هي مجموعة من ال...

هي مجموعة من المركبات العضوية النيتروجينية ذات خصائص قلوية توجد بشكل طبيعي في تتميز القلويدات بتأثير...